ترجمة وتحرير نون بوست
يتساءل المرء إلى أي مدى يمكن أن تذهب الولايات المتحدة في تلك الهاوية العميقة التي تقع فيها مصر! هؤلاء الأشخاص في إدارة أوباما والذين يؤيدون استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية للديكاتورية العسكرية في القاهرة يصرون أن تلك المساعدات حتى وإن تعارضت مع المُثل الأمريكية، إلا أنها تخدم مصالح الولايات المتحدة. أنا أقول بعكس ذلك! المصالح الأمريكية تتعرض للتهديد في كل يوم يستمر فيه ذلك الدعم.
وبعيدًا عن مساعدة الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، كما يزعم ديكتاتوريو القاهرة وأنصارهم، فإن ما تفعله الحملة العسكرية الوحشية على الإسلاميين بمصر هو خلق جيل جديد من الإرهابيين، وبغض النظر عن الانتقادات التي تعرضت لها حكومة الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي، إلا أنها جاءت عن طريق انتخابات عادلة ومشروعة – تمامًا كما طالبت الولايات المتحدة – وكانت مصر تحت حكم الإخوان متجهة إلى انتخابات تشريعية، من المرجح الآن أنها لن تحدث!
وعلى الرغم من أن حكومة مرسي استخدمت القوة ضد المتظاهرين، فإن ذلك لم يكن شيئًا بالمقارنة مع قتل الجيش لآلاف وسجن عشرات الآلاف منذ الانقلاب العسكري الذي وقع الصيف الماضي. لقد استعر الإرهاب منذ الانقلاب، وقتل أكثر بعشرة أضعاف مما فعل إبان حكم مرسي، هذه ليست مفاجأة بالمناسبة أن يستعيد الإرهاب نشاطه على قدم وساق!
الحملة العسكرية التي من الممكن تحتها أن يُحكم على مئات الأشخاص بالإعدام خلال محاكمة تستغرق ساعة واحدة، تركت اعتقادًا لدى الإسلاميين بأن خيارهم الوحيد إما القتل أو التعرض للقتل. إن كل جهادي تقتله السلطة العسكرية في سيناء، يخلق أعدادًا أكثر من الجهاديين المستقبليين في جميع أنحاء البلاد.
بالتأكيد، أغلق الجيش جميع سبل السياسة! سياسة الجيش المصري الآن هي “رجل واحد، تصويت واحد في مرة واحدة”، وهذه كانت التهمة التي طالما وُجهت للإسلاميين، ويبدو أنها سياسة الولايات المتحدة أيضًا.
إن هناك جيلاً من الإسلاميين الصاعدين يفكر في وسائل أخرى للوصول للسلطة، ومن سيكون هدفًا لإرهابيي المستقبل هؤلاء؟ ليس الجيش المصري الذي يقمعهم فحسب، ولكن أيضًا القوى العظمى التي تدفع له ليفعل ذلك!
كيف يكون ذلك في مصلحة الولايات المتحدة؟ إذا أرادت أمريكا أن تروض الإسلام السياسي، فقد كان لديها الفرصة لتفعل ذلك، لكنها لم تهدر تلك الفرصة فحسب، لقد تواطأت في سحق تلك الفرصة وضمان ألا تكون هناك فرصة أخرى أبدًا.
إنه ليس في مصلحة الولايات المتحدة أن تتصرف بوضوح شديد بما يخالف مبادئها المعلنة، وعلى الرغم من أن النفاق أحيانًا أمر لا مفر منه في العلاقات الدولية، إلا أن الحالة التي تشبه كتابات جورج أورويل عن القمع كانت غير عادية خلال الأشهر القليلة الماضية في مصر، حيث وسعت الديكتاتورية العسكرية في مصر من دائرة قمعها لتسع الجميع، الصحفيين والليبراليين، مع مذيعي البرامج الساخرة، فضلاً عن محاولات سحق الإخوان المسلمين المستمرة، ومع ذلك أشار مسؤولون أمريكيون بكل سرور إلى “الانتقال الديمقراطي” في مصر، وتحدثوا بدعم وتعاطف مع تحرك الحكومة تجاه الانتخابات، رغم أن الجميع يعلم أن قادة الجيش ليس لديهم نية لخلق الديمقراطية في مصر.
لا شك أن المسؤولين الأمريكيين يشعرون باضطرارهم لاستخدام الكلمات الغريبة مثل “الانتقال الديمقراطي” بعد أن طلب الكونغرس من الإدارة الأمريكية أن تشهد أن مصر تتجه نحو الديمقراطية من أجل الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد تواطأ الكونغرس أيضًا في دعم ديكتاتورية العسكر في مصر؛ فقد تصاعدت التصريحات المعادية للإسلاميين بشكل كبير في الولايات المتحدة، وهناك شعور عام في أمريكا بأن أفضل سياسة في الشرق الأوسط وفي مصر وسوريا تحديدًا هو السماح للمسلمين أن يقتلوا بعضهم! هكذا بكل بساطة!!
كما أوضحت “سارة بالين” في كلمات مقتضبة ومعبرة”“لندع الله يحل هذا الأمر!”. هناك تعاطف أمريكي مع أي دولة عربية تسعى لسحق الإخوان، وأقل القليل من القلق المتعلق بالتعذيب، والقتل، والاضطهاد والانتهاكات التي تستخدمها الحكومات لتحقيق هذا الهدف.
العديد من أعضاء الكونغرس يعتقدون أنهم يساعدون إسرائيل من خلال دعم الجيش المصري، والذي تدعمه بشدة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (آيباك)، التي تضغط بشدة على الكونغرس لاستعادة تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية للقاهرة.
وعلى الرغم من أن حكومة مرسي لم تنسحب من اتفاقيات كامب ديفيد، أو تتخذ أي إجراءات معادية لإسرائيل، كان مجرد وجود الإخوان المسلمين على رأس السلطة في مصر مخيفًا للإسرائيليين.
أما بالنسبة لإسرائيل، التي لم تدعم أي ديمقراطية في الشرق الأوسط سوى في إسرائيل ذاتها، فوجود ديكتاتورية عسكرية وحشية عازمة على إبادة الإسلاميين هو أمر مقبول، بل مرغوب فيه. ربما من وجهة نظر دولة محاصرة مثل إسرائيل، قد يكون هذا أمرًا مفهومًا، لكن من موقعي كمراقب ودود يجب أن أقول إن إسرائيل ستحصل على أسوأ ما يمكن أن يحدث: حركة جهادية مصرية جديدة يخلقها القمع ويدعمها استمرار الحملة العسكرية، وحكومة عسكرية في القاهرة ترغب في اللعب على مشاعر المصريين، مما يعني أنها قد تلتفت ضد إسرائيل في أي لحظة.
يجب على إسرائيل أن تحكم على الأمور من منظور مصالحها الخاصة، ولكن على الولايات المتحدة أن تفعل ذلك أيضًا.
في مصر، تختلف – بحدة – المصالح الأمريكية عن تصورات إسرائيل لمصلحتها، إذا كان هناك أحد ما يعتقد أن هناك أمل في إيجاد تيار معتدل في الشرق الأوسط، فهذا يتطلب إيجاد أصوات معتدلة، ليس فقط بين العلمانيين، ولكن بين الإسلاميين أيضًا، لكن استراتيجية الولايات المتحدة الحالية في مصر ستأتي بنتيجة عكسية تمامًا.
إذا كان هناك أحد يعتقد – كما زعم الرئيس أوباما في القاهرة – أنه من المهم أن تسعى الولايات المتحدة نحو فهم أفضل للعالم الإسلامي، وأن نتجنب أو على الأقل نخفف من صراع الحضارات فإن ما تنتهجه سياسة الولايات المتحدة الحالية هو العكس تمامًا.
وإذا كان هناك أحد يعتقد أن أيام نظام مبارك كانت معدودة، فإن فكرة وجود مبارك 2 لا يمكنها أن تحقق الاستقرار في مصر أبدًا، ومهما كان الشعار الذي يرفعه الاستبداد، فإنه سينهار، وما تفعله السياسة الأمريكية الحالية هي رسم الطريق لثورة جديدة ستهز مصر، لكن المؤكد أن الثورة القادمة ستكون أسوأ كثيرًا، سواء من ناحية عنفها أو من ناحية عدائها للولايات المتحدة، أكثر كثيرًا من سابقتها.
المصدر: واشنطن بوست