لماذا تتبع الكويت سياسات السعودية لإجبار العمالة على الرحيل؟

150469546059afd4a462678

على خطى السعودية، وبعد تمهيدات طويلة، أوقفت الكويت تعيينات الوافدين في جميع الدوائر الحكومية، بداية من العام المالي الجديد 2019 ـ 2020، الذي سيبدأ في الأول من أبريل/نيسان المقبل، مع تشديدات كبيرة بمنع أي استثناءات من هذا القرار، في رغبة واضحة لرفع نسبة “تكويت الوظائف” في الوزارات والهيئات الحكومية لأكثر من 90% بنهاية العام المالي المقبل، رغم التخوفات من عدم وجود البديل، والحاجة لموارد مالية وضمانات أمان وظيفي، لم تضمنها الحكومة للوافدين من قبل، بل لم يكن في حسبانها المطالبة بها يومًا ما!

كيف بدأت الخطة؟

بدأت ملامح التحرك الكويتي، لتكويت الوظائف بشكل جاد، تزامنًا مع الحراك السعودي المتصاعد منذ عامين، سواء الشعبي أم الحكومي لسعودة الوظائف، لا سيما أن الحملة الشعبية السعودية حققت العديد من أهدافها، بعد انحياز الأمير محمد بن سلمان ودعمه لها، وكانت ضمن أسباب ارتفاع شعبيته بين الشباب السعودي الذي يميل لتحميل أزماته للوافد وليس لسياسات حكومة بلاده.

منذ العام الماضي، لجأت العمالة الوافدة في السعودية إلى الرحيل طواعية، بسبب الإجراءات المبالغ فيها لتقليل الخدمات المقدمة إلى عوائل الوافدين، وحجب الخدمات التي كانت تقدم لهم في السابق، مما جعل السعودية سوقًا غير مرغوب فيها لغير أبنائها.   

“تكويت” الوظائف الحكومية، وإن كان يحمل في ظاهرة رغبة في تمكين القطاع الخاص وتحديث الاقتصاد وتقليل سيطرة الدولة عليه، إلا أن سعي جميع الوزارات الحكومية، والحديث من بعض المسؤولين والإعلاميين عن الوافدين، وكأنهم عبء يجب التخلص منه، يؤكد أن الخطوة سيتبعها لاحقًا تكويت القطاع الخاص أيضًا، حسب مقدرة الكويتيين على تحمل المسؤولية في المواقع المختلفة.

تقرير قناة الراي عن قرار تكويت الوظائف الحكومية

وبحسب بيانات الإدارة العامة للإحصاء الحكومية، يبلغ عدد موظفي الدولة الكويتيين، حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2018، نحو 360 ألف مواطن، ويمثلون أكثر من 71% من إجمالي الموظفين، وهي نسبة كبيرة، مقارنة بمستوى التحديات في الماضي والمستقبل، لا سيما أن متوسط راتب الوافد في الحكومة، لا يزيد على 1500 دولار شهريًا، ولكن الدولة بالخطط الجديدة، سترفع نسبة الكويتيين في القطاع العام إلى 90%، بجميع التخصصات، على أن تبقى نسبة الـ10% لأولئك الذين لديهم تخصصات نادرة لا تتوافر بنفس الكيفية بين أبناء البلاد، على الأقل في الوقت الحاليّ.

وبعيدًا عن رمزية القضية سياسيًا، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، خاصة إذا ما علمنا أن المطالبة بالتكويت ظهرت بكثافة منذ عام 2009، ولها أسبقية على المطالبة بنفس الأمر في الجارة الكبرى السعودية، ولكن الخطوات العملية بدأت بعد اقتحام المملكة للملف بشكل جدي، إلا أن خبراء الاقتصاد الكويتيين يعتبرون القضية بالغة الأهمية، في ظل تحديات سوق العمل سنويًا، وتخرج نحو 25 ألف شاب كويتي، بما يعني ضرورة توفير وظائف تناسبهم، ومن البديهي أن تعجز الدولة على المدى البعيد عن استيعاب جميع المواطنين المستجدين على سوق العمل، لذلك يجب خلق فرص وظيفية أكبر في مؤسسات القطاع الخاص للكويتيين.

تشكل هذه الخطوة، زيادة في شعبية الأمير والحكومة والبرلمان، خاصة أن معظم الكويتيين، يفضلون الوظائف الحكومية على الوظائف الخاصة للاستفادة من الأمن الاجتماعي

بدأت الحكومة سيناريو التضييق على الوافدين، عبر إعادة هيكلة المناطق التي يقيم فيها الموظفون المغتربون، لتفعيل قرار طرد العزاب من المناطق السكنية العائلية، في توقيت متزامن مع تجميد عقود الكثير من الوافدين، وتسمح هذه الخطوة للوزارات الكويتية، بالبدء مباشرة في توظيف المواطنين، سواء في الوظائف الشاغرة التي بلغت نحو 3665 في عام 2018، ولن يقترب منها المغتربون، بل متوقع إضافة وظائف أخرى، بناء على السياسة الجديدة، ستترك أكثر من 7400 فرصة عمل للمواطنين الكويتيين.

وتشكل هذه الخطوة، زيادة في شعبية الأمير والحكومة والبرلمان، خاصة أن معظم الكويتيين، يفضلون الوظائف الحكومية على الوظائف الخاصة للاستفادة من الأمن الاجتماعي، حيث لا يمكن طردهم إلا في الحالات القصوى، بجانب انخفاض الإنتاجية المطلوبة مقارنة بالعمل الخاص، والمزيد من العطلات على مدار العام.

هل يفي الكويتيون فعلاً باحتياجات الدولة؟

رغم حق جميع البلدان في تمكين أبنائها، ولا يمكن الجدال في ذلك، ولكن عملية الإسراع في الإحلال والتجديد، كشفت عن ثغرات كبرى، تحدثت عنها لجنة تنمية الموارد البشرية خلال الأسبوع الماضي، في حضور وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية مريم العقيل، وممثلون عن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية والهيئة العامة للقوى العاملة وبرنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة وديوان الخدمة المدنية.

طالبت اللجنة بشكل صارم، بتوفير بيئة وظيفية مناسبة لعمل “الكويتيين” سواء في الحكومة أم القطاع الخاص، واتهمت شركات القطاع الخاص، بعدم توفير بيئة مناسبة ومناخ تنظيمي يكفل الضمانات الوظيفية لتحقيق الأمن الوظيفي والاستقرار، وهي سياسات لم تكن متوافرة للوافد الذي عمل في نفس الظروف وبراتب أقل كثيرًا، وبدأت تتكشف الآن هذه الفوارق، بمجرد الحديث الجدي عن تكويت الوظائف في القطاعين الحكومي والخاص، ما دفع كبرى الشركات النفطية، وحتى بعض المؤسسات الحكومية للتهرب من الالتزام بهذه السياسة التي ستكلفها كثيرًا، بينما الجهد المقدم في المقابل لن يكون في نفس مستوى الوافد، لذا تستمر في تعيين عدد بسيط جدًّا من الكويتيين، مقابل الوافدين.

الخوف من أبناء البلد والانهيار الذي يمكن أن يحدث مع سياسة الإحلال والتجديد التي تتم دون دراسة شاملة، دفع الكثير من المؤسسات للسير عكس التيار ومخالفة خطط تكويت الوظائف في الوزارات والجهات الحكومية المختلفة

بحسب بيانات حكومية، ستتكلف الحكومة الكويتية ما يقارب من مليار دينار نحو 3 مليارات دولار سنويًا، لتعويض الفارق في الرواتب، لتغطية عملية التكويت في جميع الوظائف الحكومية بالكامل، حيث يبلغ الفارق بين متوسط راتب الوافد وراتب الكويتي بالأجهزة الحكومية نحو 820 دينارًا، وهو ما يجعل تكويت أكثر من 96 ألف وظيفة بالجهاز الحكومي يحتاج إلى قرابة 80 مليون دينار شهريًا، لا سيما أن متوسط راتب الوافد بالجهاز الحكومي نحو 680 دينارًا، مقابل 1500 دينار للكويتي، وهذه الفروقات الضخمة، أثارت سجالاً يحتمل الصدام خلال الفترات القادمة للمؤسسات المعنية بالتكويت مع “المالية” بسبب طلب الوزارة الالتزام بسقف للمصروفات مع بداية السنة المالية، وأكدت على ذلك في 3 تعميمات رسمية.

الخوف من أبناء البلد والانهيار الذي يمكن أن يحدث مع سياسة الإحلال والتجديد التي تتم دون دراسة شاملة، دفع الكثير من المؤسسات للسير عكس التيار ومخالفة خطط تكويت الوظائف في الوزارات والجهات الحكومية المختلفة، بحسب وثيقة رسمية، حصلت عليها صحيفة “الأنباء” الكويتية المحلية، التي كشفت في مفاجأة كبرى، أن الحكومة تسير عكس تصريحاتها، بعدما رصدت اعتمادات مالية لـ90.5 ألف وظيفة لغير الكويتيين في الوزارات والمؤسسات الحكومية، بزيادة نحو 5 آلاف وظيفة جديدة للوافدين خلال السنة المالية الجديدة التي تنتهي في مارس 2019.

وأظهرت الوثيقة أن الوظائف الجديدة لا تتضمن استبدالاً لمن تم الاستغناء عنهم أو انتهاء خدمتهم، وتصل التكلفة التقديرية لتلك الاعتمادات للوظائف الجديدة للوافدين نحو 40 مليون دينار، وبمتوسط راتب شهري للوافد في الجهاز الحكومي نحو 680 دينارًا، إلا أن مصادر الصحفية أشارت إلى سر هذا الانقلاب المفاجئ، بعدما ألغت بالفعل عقود نحو 6500 وظيفة للوافدين، وكانت جميعها مخصصة لتوظيف الكويتيين في إطار خطة الحكومة لزيادة أعداد الكويتيين بالجهاز الحكومي، إلا أن الوظائف لم يتقدم إليها أحد وهو ما تسبب في إلغائها وتخصيصها للوافد مرة أخرى.

لماذا تعيش قطر في وادٍ آخر؟

رغم بعض الخروقات التي لا يمكن إنكارها، فإن قطر تعيش في عالم آخر، فيما يتعلق بالوافدين، على المستوى الحكومي، تجتهد وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، لحث جهات العمل القطرية وممثليها القانونيين، بالحرص على سرعة التجاوب والتواصل حال وجود أي شكاوى عمالية لتسويتها، والأهم أنها تعلن بشكل احترافي عن أسباب الأزمات التي يمكن أن تحدث للعمالة، وحددتها في 4 أسباب رئيسية هي تذاكر السفر والأجور المتأخرة ومكافأة نهاية الخدمة وبدل الإجازات.

بخلاف العبث المنتشر في الخليج، والتحكم اللاإنساني في العمالة عن طريق تطبيقات “الكفيل”، أصدرت السلطات القطرية قانونًا ينظم دخول الوافدين وخروجهم وإقاماتهم، بحيث يتمتع  العامل بالحرية في تغيير صاحب العمل

وتفسح إدارة علاقات العمل المجال للعمالة الوافدة، وتوفر لها العديد من الآليات لتقديم أي شكوى، سواء بشكل مباشر أم تسجيلها في أحد مجمعات الخدمات الحكومية المختلفة، ويحصل الوافد بموجبها على رد واضح ومباشر في وقت محدد، وهى سياسة توفر الحماية والرعاية للعاملين، لمن تصفهم الدولة في جميع خطاباتها الرسمية بـ”شركاء التنمية” على عكس بعض الدول الخليجية التي تعتبر الوافد شوكة في الظهر يجب التخلص منها.

في عز الأزمة بين قطر وجيرانها، العام الماضي، ورغم توجه الكويت والسعودية لتطبيق إجراءات تضع الوافد أمام خيارات جميعها تقوده إلى الرحيل طواعية، كان مجلس الوزراء القطري يوافق على مشروع قانون، بإنشاء صندوق لدعم وتأمين العمالة الوافدة في البلاد، وأعلنت الحكومة توقيع 36 اتفاقية مع الدول المرسلة للعمالة، بهدف حماية حقوقهم.

وحتى تحصن قطر الصندوق الجديد وتؤمن العمالة الوافدة، جعلت له شخصية معنوية وذمة مستقلة، ووضعت تبعيته لمجلس الوزراء مباشرة، وتحمل نفسها مسؤولية دفع الأجور المتأخرة للعمال في الحالات التي تتأخر جهات عملهم في سدادها لأي سبب من الأسباب، وليس هذا فقط، بل وضعت آلية عمل لتطبيق الحد الأدنى لأجور العمال في الدولة، بما يراعي كفاية مستوى الأجور لتحقيق الاحتياجات الضرورية للعامل والعيش بمستوى إنساني مناسب، بجانب إلزام الشركات بتحويل رواتب جميع العاملين لديها، إلى حساباتهم بإحدى المؤسسات المالية بالدولة، ومعاقبة الشركات التي تتأخر أو تمتنع عن دفع الرواتب.

وبخلاف العبث المنتشر في الخليج والتحكم اللاإنساني في العمالة عن طريق تطبيقات “الكفيل”، أصدرت السلطات القطرية قانونًا ينظم دخول الوافدين وخروجهم وإقاماتهم، بحيث يتمتع العامل بالحرية في تغيير صاحب العمل والخروج من الدولة، لذا لم يكن مستغربًا، توحد الوافدين الذين وصفتهم قطر بـ”المقيمين” في لغة انسانية مرتفعة عن جيرانها، مع قطر حتى ضد بلدانهم الأم، وشكلوا مع المواطنيين القطريين شبكة داخلية للدفاع عن الحكومة القطرية والأمير تميم بن حمد، وأصبح كل منهم سفيرًا لقطر وسياساتها على السوشيال ميديا، ضد حكومة بلده الأم، فمثل هذه السياسيات أحق للوافد أن تتبع!   

الجزيرة تشن هجومًا لاذعًا علي النائب الكويتي صفاء الهاشم لعنصريته ضد الوافدين