فكرة نشأة القاعدة، والكثير من التنظيمات الجهادية الأخرى قامت على مبدأ سد الحاجة، حيث تقوم فلسفتها على أن القوات العربية والإسلامية غير قادرة على الدفاع عن العرض والأرض فيتوجب على الشباب المسلم الغيور على دينه أن يقوم بهذه المهمة بدلا عنهم معذرة إلى الله وبراءة للذمة.
في كثير من الدول التي تنشط فيها القاعدة، لا تحتاج لكثير من الدعاية لتسوق نفسها، فقد شهدت السنوات العشر الماضية أن شلال الإستشهاديين لا يتوقف من الوصول إلى العديد من المجموعات المسلحة، ولعل أكثر ما يزعج هذه المجموعات ويربكها ليس قلة الأعداد بل كثرتها، فيكون الحل الأفضل هو دفعهم بإتجاه الإستشهاد بدل القتال.
إن عملية إدارة المحارب وإيجاد المأوى المناسب له، علاوة على التدريب اليومي والطعام والمخابئ والمسكن وغيرها من مستلزمات الحرب ليست بالأمر السهل، وكثرة المحاربين في كثير من الدول كالعراق سابقا وسوريا حاليا يدفع بعض التنظيمات للتخلص من هؤلاء المحاربين عبر تشجيع فكرة الإستشهاد غير المنضبط في الكثير من الأحيان وذلك للتخلص من الكثير من الأعباء المترتبة على بقاءهم.
أذكر ان مقاتلا بريطانيا من أصل جزائيري كان قد إنضم إلى صفوف القاعدة في العراق في وقت سابق تابعت الصحف البريطانية قصته عن كثب، فالرجل الذي أحدث طفرة في السيارات المفخخة التي تستخدمها القاعدة لتصفية جنود أو الهجوم على حواجز أو نفس سيطرات كانت تجهز من قبل هذا الرجل بشكل شخصي، قبل أن يجهز هو لنفسه سيارته المفخخة ويقتادها لأقرب حاجز مجاور فتفقد القاعدة أحد أهم العناصر الفاعلة عندها.
إن إستمرار خذلان المجتمع الدولي لقضايا الشعوب الأكثر فقراً أو ظلما في العالم، جعل مهمة القاعدة أسهل بكثير، فحرك الكثير من الشباب المسلم للدعاية ضدها، دعاية كان لها أبلغ الأثر في دفع أعداد أكبر للتجنيد لمواجهة المحتل دون سابق خبرة أو تدريب أو حتى تكتيك قتالي.
ولعل أهم من تحدث في هذه المسألة هو الشيخ أبو محمد المقدسي، الذي قال انه يرى في العراق حين ذاك محرقة للشباب المسلم، حيث إبتلع العراق وحده عشرات الألف من خيرة شباب الأمة ممن إندفعوا بغية للجهاد ليجدوا أنفسهم في سيارات مفخخة لم تقم دولة ولم تثبت أمام المحتل.
إن غياب خطة إستراتيجية لإستيعاب الشباب المتحمس للقتال يفرض على الكثير من أهل الرأي من علماء وفقهاء وقادة تنظيمات مسلحة أكثر وعيا شي من المسؤولية الأخلاقية والدينية للوقوف دون أن يتحول العالم الإسلامي كله محارق للشباب المسلم. ولعل دراسة في عقل المواطن العربي منذ الحادي عشر من سبتمبر إلى يومنا هذا ستكون مجدية جدا للتعرف على ظاهرة الموت المقدس بدل الحياة الكريمة في عقول من ينتمون للقاعدة.