في القمة العربية التي عقدت في مارس 2017 في البحر الميت بالأردن تم الاتفاق على عقد أول قمة عربية – أوروبية بالقاهرة من المقرر أن تتناول التعاون العربي- الأوروبي والتحديات المشتركة بين الجانبين، مثل مكافحة الإرهاب والإتجار بالبشر والسلاح والنزاعات الإقليمية، إضافة إلى القضية الفلسطينية وسبل التوصل إلى السلام الشامل والعادل.
وفي إطار الإعداد للقمة التقى الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط ووزيرة خارجية النمسا، كارين كنايسل، أكتوبر الماضي، على هامش زيارته لفيينا التي ترأس الاتحاد الأوروبي الدورة الحالية، وتم تحديد يومي 24 و25 فبراير الجاري كموعد لعقدها، فيما صرح الناطق باسم الأمين العام للجامعة السفير محمود عفيفي بأن اللقاء تناول سبل الارتقاء بعلاقات التعاون بين الجامعة والنمسا
وبالأمس عقد الجانبان، الجامعة والاتحاد، اجتماعا مصغرًا على مستوى وزراء الخارجية في بروكسيل، حضره ابو الغيط وفيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاوروبي، لبحث تدابير هذا اللقاء المرتقب لكن يبدوا أن حزمة من الخلافات ستضع القمة التي تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الجانبين على المحك.
كانت الفكرة هي منحهم معاملة تفضيلية والبدء في التعامل معهم بشكل أكبر، ومعرفة ما يمكننا فعله بشأن الهجرة… لكننا الآن في وضع غير مناسب لأن بعض قادة (الجامعة العربية) ليسوا مفضلين لدينا.. مسئول بالاتحاد الأوروبي
الهجرة غير المشروعة
تأمل دول أوروبا من وراء عقد القمة تعزيز سياساتها الإقليمية عبر تحسين العلاقات مع جيرنها العرب خاصة ما يتعلق بالمعضلة الأكثر إزعاجا للحكومات العربية، الهجرة غير الشرعية من شمال إفريقيا ودول الشرق الأوسط، والتي عانت منها اوروبا طيلة السنوات الخمس الأخيرة.
الطرفان لم يتوصلا إلى اتفاق خلال اجتماع الأمس، وهو ما أكدته موجيريني خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب الاجتماع والتي أرادت من خلاله تفسير أسباب الفشل في الوصول إلى اتفاق بشأن بيان مشترك، غير أن الأمين العام لجامعة الدول العربية قاطعها.
أبو الغيط قال ثمة تعقيدات على الجانب الأوروبي أكثر من الجانب العربي، وهو ما اعترضت عليه مسؤولة السياسة الخارجية في الاوروبي والتي علقت على حديثه قائلة ”سوف أقول عكس ذلك“، وعليه لم يؤكد قادة الاتحاد الاوروبي بعد مشاركتهم في القمة من عدمه.
مسئول آخر بالاتحاد علق على المباحثات التمهيدية بأنه”من الصعب للغاية تنظيم هذه القمة وإيجاد موعد إذ لا يريد أحد ذلك حقا“، مضيفًا ”بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الأمر كله يتعلق بالهجرة، ولكن هناك الكثير من الموضوعات الحساسة التي لا يفضل الناس تناولها“.
وأضاف ”كانت الفكرة هي منحهم معاملة تفضيلية والبدء في التعامل معهم بشكل أكبر، ومعرفة ما يمكننا فعله بشأن الهجرة… لكننا الآن في وضع غير مناسب لأن بعض قادة (الجامعة العربية) ليسوا مفضلين لدينا” على حد قوله وفق ما نقلته “رويترز“.
فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاوروبي
3 قنابل موقوتة
رغم التقارب الواضح بين أوروبا والعرب خلال السنوات القليلة الماضية في إطار تطابق الرؤى بشأن عدد من الملفات الإقليمية والدولية، غير أن عددًا من الأحداث والتطورات الأخيرة لعبت دورًا محوريًا في إعادة رسم خارطة تلك العلاقات التي دخلت أنفاقا من السخونة.
السعودية وازمة خاشقجي
تتصدر أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في اسطنبول اكتوبر الماضي قائمة الملفات الخلافية بين الجانبين، إذ كان التغيير الرئيسي في العلاقة الأوروبية العربية في الأشهر الأخيرة يتمثل في انهيار الموقف العالمي من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تتهمه جهات التحقيق التركية بالتورط بصورة غير مباشرة في الجريمة رغم إنكار سلطات الرياض.
تعاطي السلطات السعودية مع الجريمة منذ بدايتها ساهمت بشكل كبير في تشويه الصورة العامة أوروبيًا، بدءا بالتجاهل ثم الإنكار وبعدها تقديم روايات متضاربة وصولا إلى الاعتراف بالجريمة وتقديم بعض الأسماء للمحاكمة على إثرها بينما تبرئ ولي العهد من مسئولية الوقوف خلفها.
ابن سلمان ليس الضيف الوحيد غير المرغوب فيه أوروبيًا خلال القمة القادمة، إذ يرافقه الرئيس السوداني عمر البشير الذي تواجه احتجاجات هي الاكبر والأكثر تأثيرًا منذ تنصيبه رئيسا قبل 30 عاما
العديد من الجمعيات الحققية وأعضاء البرلمانات الأوروبية طالبوا حكومات بلادهم باتخاذ موقف حازم ضد الرياض ردًا على تلك الجريمة، بلغ صداها تجنب لقاء ابن سلمان من قبل القادة الاوروبيين خلال المشاركة في قمة مجموعة العشرين التي عقدت مؤخرًا بالأرجنتين.
عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، الذي حضر اجتماع الأمس في بروكسل تحدث – وفق مسئولين أوروبيين- وكأن شيئا لم يتغير إذ قال إن الأطراف واجهت تحديات مشتركة مثل مكافحة التطرف والإرهاب وإن هناك أيضا عروضا كبيرة تتعلق بالتجارة والاستثمار.
تجاهل الجبير لأزمة بلاده أثار حالة من الجدل، إذ ان العلاقات لم تعد في السابق كما يعتقد، ومن ثم فإن بعض المصادر الأوروبية قالت إن حضور ولي العهد السعودي لتلك القمة المرتقبة أمر صعب بالنسبة لبعض زعماء القارة الذين اتهمتهم بالفعل جماعات معنية بحقوق الإنسان بالتعامل معه في اجتماع العشرين في نوفمبر تشرين الثاني.
الأمر كذلك ينطبق على الموقف في اليمن، حيث بلوغ الوضع الإنساني هناك لصورة لم تشهدها دول المنطقة منذ عقود طويلة، الأمر الذي أثار حفيظة الحقوقيين في أوروبا ضد السعودية قائدة التحالف الذي يشن حربًا في اليمن منذ مارس 2015، فيما طالبت بعض البرلمانات بضرورة وقف تسليح المملكة واتخاذ موقف حازم تجاه الانتهاكات الممارسة ضد اليمنيين.
ولي العهد السعودي خلال قمة العشرين بالأرجنتين
الاحتجاجات السودانية
يبدوا أن ابن سلمان ليس الضيف الوحيد غير المرغوب فيه أوروبيًا خلال القمة القادمة، إذ يرافقه الرئيس السوداني عمر البشير الذي تواجه احتجاجات هي الاكبر والأكثر تأثيرًا منذ تنصيبه رئيسا قبل 30 عاما، والممتدة منذ 19 ديسمبر الماضي حتى كتابة هذه السطور.
وفق بعض الأوروبيين فإن البشير مجرم حرائم مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، هذا في الوقت الذي أعربت فيه بعض الدول العربية دعمها له، ما زاد من توتر الأجواء التي تعيق القمة، ووفق مسئول في الاتحاد ”لا نتعامل معه بشكل مباشر لكننا نتعامل مع السودان… بإمكانهم إرسال شخص آخر“.
يذكر ان الاحتجاجات في السودان كانت قد خلفت ما يقرب من 40 قتيلا ومئات المصابين وفق إحصائيات منظمة العفو الدولية والمعارضة هذا في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن العدد لم يتجاوز الـ 27 بينما يواصل الحراك الشعبي تصاعده مطالبين بتنحي البشير وتشكيل حكومة انتقالية.
احتمالية مشاركة الرئيس السوري في القمة ربما يكون امرًا غير مرغوب فيه من بعض قادة أوروبا
الأسد وعودة المقعد السوري
ثم يأتي الرئيس السوري بشار الأسد على قائمة الشخصيات غير المرغوب في حضورها خلال القمة، خاصة مع ما يثار بشأن احتمالية حضوره وتوجيه دعوة له على خلفية قيادة بعض الدول مساعي عودة سوريا للجامعة العربية بعد سنوات من تعليق عضويتها.
منذ نشوب الأزمة السورية في 2011 كان العداء للأسد احد أبرز النقاط المشتركة ومحل اتفاق بين الحكومات الأوروبية، غير أن الأوضاع تغيرت خلال الفترة الأخيرة، وبات الحديث عن تواجد بشار في مستقبل سوريا أمرًا شبه مؤكد.
ومن ثم فإن احتمالية مشاركة الرئيس السوري في القمة ربما يكون امرًا غير مرغوب فيه من بعض قادة أوروبا فيما قال وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز”لسنا في وضع اليوم لتجديد علاقة طبيعية مع سوريا“، وتابع ”هناك الكثير من الفخاخ المحرجة التي يجب تجنبها، مثل الجلوس على طاولة واحدة مع السعوديين أو البشير أو حتى عودة الأسد“.
وفي المجمل يبدوا أن انعقاد القمة المرتقبة التي كان يهدف من خلالها كل طرف إلى تحقيق اهداف محددة تتوافق ومصالحه الإقليمية بات على المحك، إذ طغت فيها نقاط الخلاف على محاور الاتفاق، وهو ما يجعل من انعقادها والتوصل إلى اتفاق بشأن ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج محل شك.