يتألف مقاتلو “حزب الله” اليوم من مجموعتين رئيسيتين، الأولى: مجموعة المقاتلين القدامى وهم العناصر التي خاضت معظم معارك الحزب الرئيسية في السنوات الماضية، بدءًا من المواجهات مع “إسرائيل” في الجنوب اللبناني، وصولًا إلى الحرب في سوريا، ورغم خبرتهم الواسعة ومعرفتهم العميقة بالقتال على الأرض، فقد أصبحوا أقل ديناميكية في الميدان بسبب عدة عوامل أبرزها الاستهداف الإسرائيلي المستمر، والذي أسفر عن خسائر فادحة في صفوفهم، ما جعل الحزب أكثر حذرًا في إرسالهم إلى جبهات القتال، بالإضافة إلى صعوبة تأقلمهم مع تكتيكات الحرب الحديثة، نظرًا لكبر سنهم.
أما المجموعة الثانية: تضم أغلبية المقاتلين الجدد الذين جاءوا بعد أن توسع الحزب في نشاطاته خارج لبنان، بما في ذلك تدخله العسكري في سوريا، وهم يفتقرون للخبرة القتالية المباشرة مع “إسرائيل”، إذ لم يشاركوا في أي عمليات عسكرية في الجنوب اللبناني أو على الحدود مع “إسرائيل”، كما أن معظمهم لم يخوضوا عمليات معقدة على غرار تلك التي نفذها المقاتلون القدامى، ما يجعلهم مختلفين في الشخصية والسلوك والدوافع.
يشرح هذا المقال انعكاسات تدخل “حزب الله” في سوريا، خصوصًا على البنية العسكرية، ويبين طبيعة الانقسامات التي توسعت داخل صفوف مقاتليه من الجيلين، وأثرها على قدراتهم وأدائهم القتالي اليوم في لبنان.
الهوية العسكرية قبل التدخل في سوريا
بعد يومين من مغادرة آخر جندي إسرائيلي تراب جنوب لبنان في عام 2006، أقام “حزب الله” استعراضًا ضخمًا في بلدة بنت جبيل ليعلن نصره على “إسرائيل”، حيث كان الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، هو المتحدث الرئيسي في المناسبة، وفي خطابه وجه كلماته للعالم العربي قائلاً: “أيها الأخوة الأعزاء، أقول لكم، إن إسرائيل هذه التي تملك أسلحة نووية وأقوى سلاح جو في المنطقة، والله هي أوهن من بيت العنكبوت”.
نجح “حزب الله” في إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الإسرائيلي خلال حرب لبنان 2006، ومنعه من تحقيق أهدافه الاستراتيجية، مما أعطى الحزب دفعة قوية من الهيبة والمكانة في العالم العربي، كما أجرى الحزب مراجعة شاملة لأسلحته وتكتيكاته مستفيدًا من الدروس المستخلصة من تلك الحرب. ومنذ ذلك الحين، واصل “حزب الله” تعزيز قدراته العسكرية والاستخباراتية استعدادًا لأي صراع مستقبلي مع الكيان الإسرائيلي.
في عام 2009، خلصت دراسة عسكرية صادرة عن الجيش الأمريكي إلى أن “حزب الله” أصبح قوة مسلحة ومدربة بشكل منضبط، وأكدت الدراسة أن الحزب يمتلك قيادة مجهزة بشكل جيد وقادرة على قيادة المعركة بكفاءة لفترات طويلة ضد الجيش الإسرائيلي.
وفي عام 2010، أعلن “حزب الله” عن اكتشاف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان، مؤكدًا أنه يمتلك “أقوى وكالة لمكافحة التجسس” في لبنان، وجاء هذا الإعلان في وقت احتفالي بعد أن تمكن الحزب من كشف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان خلال الفترة ما بين 2008 و2010، كما ورد في كتاب “حزب الله: الانخراط السياسي ومفارقاته التراجيدية” للكاتب أدهم صولي.
- مقاتلو “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت عام 2010
حتى ذلك الوقت، كان “حزب الله” عصيًا على الاختراق، ويعود ذلك إلى النظام الصارم الذي كان يتبعه في قبول المقاتلين الجدد، فمنذ بداية الثمانينيات، وضع الحزب إجراءات صارمة جدًا لتجنيد الأعضاء الجدد، بحيث لم يكن بإمكان أي شخص الانضمام بسهولة إلى صفوفه.
تروي حنين غدار، التي نشأت في جنوب لبنان، كيف كان الشخص الذي يرغب في الانضمام إلى “حزب الله” يخضع لعملية تجنيد دقيقة وطويلة، إذ كانت تشمل هذه العملية فحصًا دقيقًا للسجل الشخصي والمواقف السياسية، إضافة إلى التدريب الديني والعسكري، وهو ما جعل الحزب محصنًا ضد الاختراقات الخارجية.
في آليات تجنيد أعضائه، اعتمد “حزب الله” بشكل رئيسي على العائلات والعشائر المقربة منه، ما ساعد في الحفاظ على تماسك وحداته العسكرية وزيادة مستوى الولاء والانضباط داخل صفوفه، إذ كانت هذه الروابط بمثابة شبكة أمان للحزب، مما عزز من استقراره التنظيمي وقلل من خطر الاختراقات الخارجية.
وبالنظر إلى سجل “حزب الله” من القتلى في مواجهاته مع “إسرائيل”، يلاحظ أن العديد منهم ينتمون إلى عائلات وعشائر ذات ارتباط وثيق بالحزب، وهو ما يعكس طبيعة التجنيد التي لا تقتصر على أيديولوجية الحزب فحسب، بل تمتد أيضًا إلى روابط عميقة من الثقة والولاء ضمن المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه.
حتى بعد قبول أعضاء جدد، كان “حزب الله” يحرص على تطبيق عملية غربلة دقيقة وشاملة للمقاتلين الجدد على مدار سنوات، حيث كانت القيادة تركز على انتقاء نخبة من الشباب الشيعة الذين يظهرون ولاءً قويًا وجديرين بالثقة، وكان الحزب يُشرف على تدريبهم وإعدادهم بشكل دقيق، ليضمن أنهم لا يحملون فقط المهارات القتالية بل أيضًا القيم الأيديولوجية والولاء التام، وفي حالة حدوث أي اختراق أو تسريب للمعلومات، كان يحدث غالبًا بشكل فردي، وهو ما مكّن الحزب من احتواء الأضرار بسرعة وكفاءة.
لكن هذا النظام الصارم والمتكامل الذي كان يعمل بشكل ناجح على منع الاختراقات أو التجسس بدأ يشهد تغييرات ملحوظة بعد التدخل العسكري للحزب في سوريا، فبينما كان الحزب يتحكم في بيئته الداخلية بشكل محكم، أدت تداعيات الحرب السورية وتوسع نشاطه هناك إلى خلق تحديات جديدة، فظهرت نوعية جديدة من الاختراقات والتجسس، بما في ذلك ضغوط من بيئات مختلفة وأفراد قد لا يكونون قد خضعوا للغربلة الدقيقة نفسها التي كان يتبعها الحزب في لبنان.
قصة حقيقية:
كان لدي صديق يعمل في لبنان عندما وقعت حرب تموز ٢٠٠٦ بين إسرائيل وحزب الضاحية الجنوبية، فذهب للتطوع في صفوف الحزب أداء للواجب، فلم يقبلوه طبعا بحجة الضرورات الأمنية.
في عام ٢٠١٣ قُتل برصاص الحزب والميليشيات الطائفية أثناء اقتحامها إحدى مدن إدلب وارتكاب مذابح مذهبية!
— Firas Faham فراس فحام (@Fr_faham) September 22, 2024
ثمة العديد من القصص عن الأشخاص الذين حاولوا الانضمام إلى “حزب الله” بعد عام 2006، لكنهم قوبلوا بالرفض بسبب اعتبارات أمنية دقيقة، إذ كان الحزب يأخذ في حساباته كل التفاصيل الأمنية المرتبطة بأي عضو جديد، وكان يفضل الكفاءة العالية وعدد الأفراد المحدود لضمان القدرة على التنفيذ الأمثل للعمليات العسكرية والاستخبارية.
لكن بعد تدخله العسكري في سوريا، تغيرت هذه السياسة بشكل كبير، فقد ازدادت الحاجة الملحة لزيادة أعداد المقاتلين، خصوصًا مع تفاقم الأوضاع على الجبهة السورية، ما دفع الحزب إلى فتح باب الانضمام بشكل أوسع، وهذا التنوع في التجارب والبيئات التي جاء منها المقاتلون الجدد، فتح المجال لنوعيات من الاختراقات والتحديات الأمنية التي لم تكن مألوفة في السابق.
من ساحات “إسرائيل” إلى جبهات سوريا
شهدت آليات تجنيد “حزب الله” تحولًا جذريًا مع تدخله العسكري في سوريا، حيث أدت الخسائر الكبيرة التي تكبدها في صفوف مقاتليه إلى الضغط بشكل متزايد على الحزب لتوسيع قاعدته البشرية، ومع تزايد الحاجة إلى تعزيز قواته في الميدان السوري، بدأ الحزب في التخفيف من القيود والضوابط التي كان يتبعها في الماضي عند تجنيد العناصر الجديدة. على سبيل المثال، خفض الحزب الحد الأدنى لسن التجنيد إلى 16 عامًا، وهي خطوة تعكس بشدة المأزق الذي واجهه.
خلال هذه الفترة، اضطر “حزب الله” إلى توظيف نوع جديد من المقاتلين، وهو ما أطلق عليهم “المقاتلين المتعاقدين”، وهم في الغالب من الشباب الشيعة القادمين من الأحياء الفقيرة الذين كانوا يبحثون عن دخل مستقر أو يرغبون في تحسين وضعهم الاجتماعي، وهكذا أصبح القتال لصالح “حزب الله” وظيفة مدفوعة الأجر، حيث يتراوح الراتب بين 500 و1200 دولار شهريًا.
لكن، في مقابل هذا التوسع السريع، كانت هناك مخاطر كبيرة تتعلق بمستوى الانضباط والكفاءة العسكرية لهؤلاء المقاتلين الجدد، حيث لم يخضع هؤلاء المتعاقدون الجدد للتدريب المكثف والمتخصص الذي كان يخضع له المقاتلون القدامى، وهو ما فتح المجال لاحتمالات التسلل من قبل أجهزة الاستخبارات المعادية، وجعلهم عرضة للتأثيرات الخارجية.
جدير بالذكر أن “حزب الله” أعلن في وقت لاحق فتح باب الانضمام إلى جناحه العسكري بشكل أكثر مرونة، وقد تطوع العديد من المقاتلين الشيعة للذهاب للقتال في سوريا لثلاثة أسباب رئيسية:
1. الفتوى الدينية: أصدر “حزب الله” فتوى دينية أكدت أن القتال في سوريا يعد جهادًا في سبيل الله.
2. الشعور الطائفي: ركزت الخطابات الدينية والسياسية على أهمية حماية المراقد الشيعية في سوريا، خاصة مرقد السيدة زينب في دمشق.
3. الحاجة المالية: في ظل الوضع الاقتصادي الصعب والأوضاع الاجتماعية المزرية التي كان يعاني منها العديد من الشباب الشيعي، كان القتال بمثابة مصدر دخل ثابت ومجزٍ.
وبحسب قاعدة بيانات مركز “جينز لأبحاث الإرهاب والتمرد”، شهد “حزب الله” زيادة ملحوظة في عدد مقاتليه خلال السنوات التالية لحرب لبنان 2006، إذ كان الحزب يضم نحو 3000 مقاتل فقط، ولكن بحلول عام 2017، قفز العدد إلى أكثر من 25 ألف مقاتل، مع وجود 20-30 ألف جندي احتياطي.
بينما ادعى زعيم “حزب الله” آنذاك، حسن نصر الله، في خطاب ألقاه في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن الهيكل العسكري للحزب يضم 100 ألف مقاتل، فإن هذا الرقم لا يمكن التحقق منه بشكل مستقل، ومع ذلك إذا كان الرقم صحيحًا، فإنه يشير إلى توسع غير مسبوق في حجم الحزب منذ دخوله إلى سوريا في عام 2013.
في الواقع، لم تشكل هذه الخطوة مجرد انكشاف أمني فتح الباب أمام الخروقات الأمنية والعمليات التجسسية التي نفذتها “إسرائيل” مؤخرًا ضد الحزب، بل كانت هناك إشكالية أكبر تتعلق بالتغيير في آليات التجنيد والتدريب، فوفقًا للتقارير الإعلامية اللبنانية، فإن المقاتلين الجدد الذين تم تجنيدهم منذ بداية التدخل في سوريا لم يخضعوا للتدريب العسكري التقليدي الذي كان معتمدًا في الماضي، فبدلاً من ذلك، تم تدريب هؤلاء المقاتلين بشكل سريع ومكثف لمدة شهر أو شهرين فقط، قبل أن يتم إرسالهم مباشرة إلى جبهات القتال.
ومع مرور الوقت، تفاقمت الفجوة بين المقاتلين القدامى والجدد داخل “حزب الله”، وأصبحت الاختلافات داخل مجتمع المقاتلين أكثر وضوحًا، ليس فقط على مستوى التدريب والخبرة القتالية، بل أيضًا على مستوى الرواتب والمزايا التي يتلقاها كل من الطرفين.
كما أن تجنيد المزيد من المقاتلين الجدد غير المنضبطين، وفقدان الحزب للنخب العسكرية الأكبر سنًا والمنضبطة بسبب الحرب في سوريا، حول قوة الحزب القتالية من قوة متجانسة ومنضبطة إلى خليط غير متجانس.
ووففًا لأحد قادة “حزب الله”، سيحتاج الحزب لسنوات عديدة لإعادة تنظيم قوته القتالية، مؤكدًا أن التدخل في سوريا أثر بشكل كبير على قدرته العسكرية. من جانبه، يرى قاسم، أحد الجنود الذين تحدثوا مع حنين غدار، أن فساد قادة الحزب في سوريا وتراجع التمويل الإيراني كانا العاملين الرئيسيين في تراجع قوة “حزب الله”.
تغير ملامح العقيدة القتالية
في معقل “حزب الله” بالضاحية الجنوبية لبيروت، تلاشت ملصقات أعضاء “حزب الله” الذين قتلتهم “إسرائيل”، ليحل محلها صور لجيل جديد من وجوه المقاتلين الذين سقطوا في سوريا، كما أصبحت شعارات مثل “لبيك يا زينب” و”لن تسبى زينب مرتين” تظهر بشكل بارز على زي مقاتلي الحزب، وهي جزء من ثقافة المقاومة التي اعتبرها حسن نصر الله غير مفهومة من قبل منتقديه.
في الواقع، لم يكن لدى “حزب الله” وقت كافٍ لتدريب مقاتليه الجدد دينيًا وإيديولوجيًا، فبينما كان مقاتل الحزب قبل التدخل في سوريا يخضع لتدريب طويل يشمل الجوانب الدينية والأيديولوجية، كان المقاتل الجديد أقل انضباطًا وأيديولوجية، وأقل خبرة، ومع ذلك، بحسب ما رصدته حنين غدار، كان هؤلاء المقاتلون الجدد أكثر طائفية وعدوانية.
لقد أدى التغيير في ملامح مقاتلي “حزب الله” إلى تغيير جوهري في الحزب نفسه، بما في ذلك صورته ودوره، فعندما انخرط الحزب في سوريا، عدل أولوياته وعقيدته القتالية، وأوقف عملياته ضد “إسرائيل”، إذ لم يرد عسكريًا على الهجمات الإسرائيلية في سوريا. وفي مقابلة له بتاريخ 26 مايو/أيار 2020، قال حسن نصر الله حين سُئل عن سبب عدم الرد على الضربات الإسرائيلية: “لماذا لا نرد في سوريا؟ لأن مهمتنا هناك لم تنته بعد، نحن لا نزال نواجه الجماعات المسلحة، وهذه أولويتنا”. وأضاف أن “حزب الله” يتبع سياسة “الصبر الاستراتيجي”.
بحسب حنين غدار، التي أجرت دراسة ميدانية في جنوب لبنان والتقت بمقاتلين قدامى وجدد في حزب الله، فإن المقاتلين الجدد الذين انضموا بعد التدخل في سوريا يفتقرون للالتزام الديني، إذ لا يصلون ولا يصومون، وانضموا بدافع المال والسلطة، كما أصبح الوشم شائعًا بينهم، وبعضهم يرتدي السلاسل ويسهر في الملاهي الليلية، ويتعاطون المخدرات ويتاجرون بها مثل الشبيحة.
وهذا يتناقض مع صورة المقاتلين القدامى للحزب، وخاصة صورة “المقاتل النموذجي” الذي صوره حزب الله كصلب لا يُهزم، لكن التدخل في سوريا أسهم في تدمير هذه الصورة المقدسة، وأفقد المقاتلين هالتهم وقدرتهم المطلقة التي روّج لها الحزب.
ويؤكد أحد قادة حزب الله الذين شاركوا في معارك سوريا بين عامي 2013 و2014 أن العديد من المقاتلين الشباب وذوي الخبرة العسكرية المحدودة انضموا للحزب دون خوض معارك سابقة، فكان منهم من يبكي ويخاف من صوت الرصاص، وبعضهم صُدم من مشاهد الموت والقتل لدرجة الحزن والكآبة.
ووفقًا لعدد من المقاتلين، فإن التكاليف البشرية والمادية المرتفعة للحرب في سوريا أضعفت معنوياتهم، ويتلقى العديد من المقاتلين الجدد هناك علاجًا نفسيًا في ثلاثة مراكز يديرها الحزب: أحدها في الضاحية واثنان في جنوب لبنان. ورغم شيوع العلاج النفسي بين العائدين من سوريا، يبقى الحديث عنه من المحرمات داخل مجتمع حزب الله.
ملامح المقاتل الجديد في حزب الله أزعجت قيادة الحزب، التي حاولت فصل العديد منهم، ولربما رأت القيادة في فتح باب التجنيد الواسع “زواج متعة” مؤقت، لكن استمرار الصراع في سوريا جعل السيطرة على الوضع صعبًا، إذ أشار أحد المقاتلين إلى أن إصلاح الفجوات سيحتاج وقتًا طويلًا.
ووفقًا لمقابلات حنين غدار مع مقاتلين وقيادات من حزب الله شاركوا في الحرب السورية بين 2013 و2018، يشارك العديد من المقاتلين الجدد في أنشطة التهريب عبر الحدود السورية-اللبنانية، ويكسبون المال من بيع الأسلحة والرصاص، وأحيانًا يبيعونها لمن يقاتلونهم. وتصف غدار “جيش حزب الله” في سوريا بأنه مليء بمقاتلين شباب لا يمكن الاعتماد عليهم ولا يتحلون بالأخلاق المطلوبة.
يمكن القول إن تدهور هوية حزب الله كحركة مقاومة، وزيادة أعداد المجندين للقتال في سوريا، وتحوّل عقيدته من مواجهة “إسرائيل” إلى القتال في سوريا، أثّر بشكل كبير على قتال الحزب اليوم ضد “إسرائيل”، خاصة وأن العديد من المجندين الجدد انضموا لأسباب غير مرتبطة بالصراع مع الكيان الإسرائيلي.
بيئة الحرب في سوريا
في سوريا، كانت حرب “حزب الله” ضد المعارضة السورية مختلفة تمامًا عن حربه الحالية ضد “إسرائيل”؛ فقد زودته روسيا وإيران بالأسلحة كجزء من عملياتهما المشتركة في سوريا، وعمل الحزب بالتنسيق مع إيران ونظام الأسد، كما استفاد مقاتلوه من الغطاء الجوي الروسي، واستخدموا ناقلات جنود مدرعة أمريكية الصنع كانت مخصصة أصلاً للجيش اللبناني.
الشاهد أن “حزب الله” منذ تدخله في سوريا، اعتاد على نمط قتالي وبيئة معارك تختلف تمامًا عن لبنان؛ فقد خاض قتالًا ضد قوات مثل الجيش السوري الحر والجماعات الجهادية، وليس ضد جيش نظامي حديث. والأهم أن مقاتليه اعتادوا مواجهة معارضة بلا طيران أو دبابات أو حلفاء أقوياء، كما أن الصراع في سوريا حوّل “حزب الله” من حركة مقاومة سرية إلى قوة عسكرية شبه نظامية.
وبالتالي، عندما انتقل حزب الله فجأة إلى معركة مختلفة في لبنان، لم يستطع ضبط الأمور، وتعرضت قيادته الجديدة لضربات قوية خلال أسبوعين، وقُصفت مخازن أسلحته، مما كشفه عسكريًا وأمنيًا نتيجة مستوى الاختراق.
كانت جولات الصراع بين “إسرائيل” و”حزب الله” مستمرة قبل تدخله في سوريا، مما أتاح له كشف الثغرات واختبار قدراته، لكن بعد تدخله في سوريا، لم يخض مواجهة مع “إسرائيل” لنحو 18 عامًا، مما جعله غير مستعد للحرب الأخيرة، في حين بقيت “إسرائيل” يقظة طوال هذا الوقت، وهي حقيقة تبرز ضعف قوة الحزب الحالية.
يجادل محللون عرب بأن “حزب الله” اكتسب خبرة عملياتية في سوريا، ورغم صحة هذا جزئيًا، إلا أن هذه الخبرة لم تفده في صراعه الحالي مع “إسرائيل”؛ فالأعداء الذين واجههم في سوريا مختلفون تمامًا عن الجيش الإسرائيلي، واكتسب مقاتلوه الجدد خبرة مقرونة بالتنسيق مع الميليشيات والقوات الجوية الروسية.
وتبدو اليوم تبعات تدخل حزب الله في سوريا واضحة، حيث انعكست سلبًا على الجبهة اللبنانية، ويعاني الحزب من الإرهاق والاستنزاف بسبب سنوات القتال هناك، مما جعله أقل قدرة على مواجهة “إسرائيل”.
ونظرًا للوضع القاسي الذي يواجهه حاليًا، وبعد سنوات من تغيير الأهداف والأولويات، يُرجح أن تستمر الفجوات بين المقاتلين القدامى والجدد. ويبقى السؤال الأصعب الذي يواجهه الحزب اليوم: هل يستطيع التعافي وإعادة تنظيم صفوفه وتماسك قواته كما كان الحال قبل تدخله في سوريا؟