لم يخف حزب العدالة والتنمية رغبته في الحصول على رئاسة بلديات جديدة بعد فترة طويلة من رئاسة حزب الشعب الجمهوري لها والمثال الأكبر هنا مدينة إزمير (ثالث أكبر كتلة انتخابية في تركيا)، وعلى صعيد البلديات الأصغر وحتى داخل المدن وعلى سبيل المثال أيضًا بلدية شيشلي في إسطنبول.
وقد كان بالتأكيد خبرًا سعيدًا لحزب العدالة والتنمية أن مصطفى صاريغول الاسم المعروف عن حزب الشعب الجمهوري الذي كان مرشحًا لرئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات السابقة في 2014 سيترشح لرئاسة البلدية ولكن ليس مرشحًا لحزب الشعب الجمهوري بل عن الحزب اليسار الديمقراطي، وبالتالي فإن المتضرر هنا هو حزب الشعب الجمهوري، ورغم أن صاريغول يعتبر شخصية جدلية فقد تواردت تقارير عن تأييده لتنظيم غولن بدءًا من دفاعه عن التنظيم عندما أغلقت الحكومة مدارسه قبل الانقلاب ووصولاً إلى الحديث عن تأسيسه حزب جديد مع آخرين، فإن له حضورًا ونشاطًا ومؤيدين في منطقة شيشلي.
لم يقتصر الأمر على مصطفى صاريغول، فهناك آخرون لم يرشحهم حزب الشعب الجمهوري فقرروا ترشيح أنفسهم كمستقلين أو عن طريق أحزاب أخرى
وقد ذكر الصحفي التركي مراد كلكيتلي أغلو في مقال له في صحيفة أقشام في 2015 ما يلي: “هناك أخبار يتم تداولها الآن عن أن بعض الأسماء المهمة التي لم تجد ضالتها في أحزاب المعارضة الرئيسية، وهي حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، تسعى للانضمام إلى “الحزب المركزي” الذي أسسته جماعة غولن، ومن بين هذه الأسماء هاشم كيليتش رئيس المحكمة الدستورية العليا، ومصطفى صاريغول، وبعض الأسماء المستقيلة من حزب الشعب الجمهوري مثل إرجان جنغيز وآيدن آيادن”.
ولم يقتصر الأمر على مصطفى صاريغول، فهناك آخرون لم يرشحهم حزب الشعب الجمهوري فقرروا ترشيح أنفسهم كمستقلين أو عن طريق أحزاب أخرى، ودار حديث أن رئيس بلدية إزمير الحاليّ طرح شيئًا من هذا القبيل بعد اعتراضه على اسم مرشح الحزب المحتمل حينها، رغم أنه كان قد صرح أنه لن يترشح مرة أخرى، وكأمثلة أخرى فقد طرح أن جلال دوغان لبلدية غازي عنتاب وعلي فاتن أوغلو لبلدية بكر كوي سوف يترشحان عن الحزب اليسار الديمقراطي.
ذكر الكاتب التركي في صحيفة حرييت عبدالقادر سيلفي أن من المنتظر أن يرشح الحزب اليسار الديمقراطي مرشحين لـ39 بلدية وهذا بالتأكيد سيكون المتضرر الأول منه حزب الشعب الجمهوري لأن أغلب المرشحين سيكونون رؤساء بلديات سابقين أو حاليّين عن حزب الشعب الجمهوري.
فيما تحالف حزب الشعب الجمهوري مع الحزب الجيد لمواجهة تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية فإن أعين التحالفين على الصوت الكردي خاصة في إسطنبول
من جهة أخرى تطرق الكاتب إلى زاوية أخرى وهي أن حزب الشعب الجمهوري حصل على دعم غير مباشر من حزب الشعوب الديمقراطية الذي أعلن أنه لن يرشح مرشحين لبلديات إسطنبول وإزمير وأضنة، وبالتالي فإنه بهذا سوف يترك لأنصاره فرصة دعم حزب الشعب الجمهوري، حيث تبنى حزب الشعوب سياسة دعم المرشحين الذين يمكن أن يؤثروا سلبيًا على حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية ولكن الخبر غير الجيد لحزب الشعب الجمهوري في هذا السياق أن حزب الشعوب سيدعم مرشحين عن الحزب اليسار الديمقراطي مثل جلال دوغان في غازي عنتاب.
الكاتب عبدالقادر سيلفي
وفيما تحالف حزب الشعب الجمهوري مع الحزب الجيد لمواجهة تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية فإن أعين التحالفين على الصوت الكردي خاصة في إسطنبول، وفيما يبدو أن التحالف الأول أي المعارض أكثر قربًا لذلك مع رغبة حزب الشعوب في التأثير السلبي على حزب العدالة والتنمية مع أي طرف، ولهذا فإن حزب العدالة والتنمية يريد كسب جزء من ذلك في إسطنبول بينما يعمل على تسليط الضوء على هذا التحالف وإفشاله من خلال العلاقة بين حزب الشعوب وحزب العمال الكردستاني.
تشير الانتخابات البلدية وتفاعلاتها إلى تعقيدات وتفاصيل متعددة وتحركات ومناورات بين الأحزاب في تقديم مرشحين أو الإحجام عن ذلك
والعجيب أن الطرف الآخر يحاول ضرب هذه السياسة بنفس الأسلوب والرواية عبر الحزب الجيد، حيث ذكرت رئيسة الحزب الجيد ميرال أكشينار أمس من خلال التلميح أن سماح الحكومة بزيارة عبد الله أوجلان بعد انقطاع هو للحصول على أصوات مؤيدي حزب الشعوب في إسطنبول بعد إعلانه عدم ترشيح أي مرشح، وكذلك أشارت أكشينار إلى عدم ترشيح حزب العدالة والتنمية والحركة القومية مرشح في مدينة إيغدر وتركها لحزب الشعوب، داعية أنها سوف تدعم مرشح حزب العدالة لو أعلن عن مرشح هناك ولن يقوم حزبها بالإعلان عن مرشح في كل من بلدية إيغدر وبلدية أخلاط.
تشير الانتخابات البلدية وتفاعلاتها إلى تعقيدات وتفاصيل متعددة وتحركات ومناورات بين الأحزاب في تقديم مرشحين أو الإحجام عن ذلك وكذلك التحركات الشخصية بين الأحزاب، فبالأمس فقط أعلن نائب عن الحزب الجيد المتحالف مع حزب الشعب الجمهوري في مانيسا هو تمر أك كال استقالته من الحزب الجيد وانضمامه إلى حزب العدالة والتنمية كما استقال من الحزب الجيد أيضًا النائب عن أرضروم جيزام بولات.
بشكل عام صبت التطورات الأخيرة عن الانتخابات البلدية في مجملها في صالح حزب العدالة والتنمية وخاصة تطور إعلان بينالي يلدرم أنه سيستقيل من رئاسة البرلمان عند ترشيح اسمه رسميًا من الحزب للانتخابات البلدية عن إسطنبول، حيث دار جدل كبير وبنى حزب الشعب دعايته ضد يلدرم على عدم إمكانية جمعه بين المنصبين: رئاسة البرلمان ورئاسة بلدية إسطنبول، كما أن المعارضة قالت إن عدم استقالة يلدرم من البرلمان دليل على خوفه من عدم الفوز بالبلدية، ولكن يلدرم حسم الأمر وأعلن أنه سيستقيل من رئاسة البرلمان ومستعد لأي مهمة عندما يطلب منه، مذكرًا بأنه كان نائبًا برلمانيًا ووزيرًا، وتنقل ليدخل الحكومة 3 مرات، وفي الرابعة يعود كرئيس للوزراء، وفق ما وجده الرئيس رجب طيب أردوغان مناسبًا له.