تعرف موريتانيا العديد من الألعاب الشعبية التي تميّزها عن غيرها من دول المنطقة، حتى باتت تعرف بها لشهرتها الكبيرة، ألعاب شعبية عديدة تناقلها الموريتانيون أبًا عن جدٍ حتى أبت أن تندثر رغم عاديات الزمان، والتطور الذي عرفته البلاد، في هذا التقرير سيأخذكم “نون بوست” في رحلة للتعرف على أبرز هذه الألعاب.
لعبة الدبوس.. حرب العصي
أبرز هذه الألعاب، نجد لعبة الدبوس التي تعتبر أشهر رقصات الفلكلور الشعبي الموريتاني لا سيما في المناطق الريفية، وتقام هذه الرقصة في المناسبات الاجتماعية السعيدة ومنها الأعراس، حيث يتم اختيار شخصين مختصين في اللعبة، لتبدأ بينهما مبارزة شبيهة إلى حد كبير بالمبارزة بالسيوف، لكنها تتم باستخدام العصي القوية.
ويمارس المتنافسان رقصة الدبوس، على وقع قرع الطبول وإيقاع الموسيقى وزغاريد النساء التي تبثُّ الحماس أكثر في المتبارين، وتصفيق الحاضرين وصيحاتهم بشكل متزامن لشدّ أزرهم، وتمارس هذه اللعبة الشعبية من العديد من أطياف الشعب الموريتاني خاصة شريحة الحراطين (الأرقاء السابقون).
لعبة ظامت أو أصرند أو الشطرنج الرملي، هي اللعبة الأكثر تعقيدًا ونخبوية لدى مجتمع البيظان
رغم سرعة حركات المتباريين، فإنهما يحرصان على التناغم مع دقات الطبول، والإتيان برقصات مُتقنَة ومتناسقة، وقد يتبارز واحد مع اثنين أو ثلاثة أو أربعة حسب خبرته، والجو الحماسي المحيط به، الذي يُشجِّع المتبارين على التنافس في الرقص، واستعراض كامل خبرتهم.
وترجع رقصة الدبوس أو “لعبة أنيكور”، كما يطلُق عليها بعضهم إلى قديم الزمان، فهي مستوحاة من تراث الفروسية والمعارك التي كانت تخاض عند الآبار، حين كان الرعاة من العبيد السابقين يتنافسون على سقي ماشيتهم، فتنشب بينهم معارك بالعصي، وكانت النسوة من الفئة نفسها يصفقن ويزغردن ويغنين لتشجيع الرجال في أثناء هذه المعارك.
https://www.youtube.com/watch?v=TAKakrN3bX4
وتتطلَّب هذه اللعبة أنْ يمتلك المتنافسان أو الراقصان جسدًا قويًّا وعضلات مفتولة، إضافة إلى الخبرة والقدرة على المناورة، وسرعة الحركة للمبارزة على إيقاع الطبول، وتلعبُ العصي دورًا مهمًا، لأنَّ الضربات التي يحدث قرعها إيقاعًا موسيقيًا منتظمًا تحتاج إلى عصي صلبة وقويّة تزيد من حماسة الجمهور، لذلك فإن اختيارها يتم من خبراء.
“ظامت”.. لعبة النخبة
فضلاً عن لعبة “الدبوس، نجد أيضًا لعبة ظامت أو أصرند أو الشطرنج الرملي كما يطلق عليها البعض، وهي اللعبة الأكثر تعقيدًا ونخبوية لدى مجتمع البيظان (الذين يتكلمون اللهجة الحسانية من العرب ومن لحق بهم من السود) في موريتانيا.
وظامت عبارة عن حرب متخيلة بين “فيلقين” أحدهما يمثله أعواد الخشب، والآخر يمثله “بعر الإبل”، ويتكون كل فيلق من 40 جنديًا يتوزعون على تسع نقاط طولاً وعرضًا بالتساوي، على أن يتقاسم العيدان والبعر الخط الخامس المكون للحدود المشتركة بين الفيلقين (أي أربعة جنود لكل فيلق، بينهما عين خالية تدعى عين المورده).
وتحاكي اللعبة، حربًا متخيلة بين فريقين أحدهما يمثل المنمين (القائمين على تربية المواشي) والآخر يمثل المزارعين، وتحاكي خطط الجنود خلال الحرب وطرق التغلب على الخصم في المعركة، ومورست هذه اللعبة طيلة الحقب الماضية من الأمراء والقضاة ورجال النخبة وقادة المجتمع، ما جعلها لعبة القادة والمثقفين والأذكياء بالدرجة الأولى.
يتحرك الجنود عبر عيون وخطوط، فأما العيون فهي “الكرن” (القرن) وهو في أقصى الزوايا الأربعة أي ما مجموعه أربعة قرون، كذلك “الضيق” أو “الظيك” وهو عين محدودة في مجال حركتها، إذ لا يستطيع الجندي فيها أن يتحرك إلا إلى الأمام وبشكل مباشر (باستثناء حالة القتل الذي يجوز في كل الاتجاهات بما فيها الوراء).
تنقسم “ظامت” إلى فريقين
“الوسع” أو “لوسع” وهو عين أكثر حرية لأن الجندي فيها يتحرك إلى الأمام مباشرة وإلى اليمين واليسار (بشكل شاقولي) دون أن يتجاوز أي نقطة، هذا بالإضافة إلى “عين المورده” و”عين النص” التي يعتبر احتلالها مهمًا من الناحية الإستراتيجية لتوسطها مجال المعركة، وأما الخطوط فتتجه إلى الأمام وشاقوليا وأفقيًا.
وعندما يصل جندي ما إلى الخط الخلفي للفيلق الآخر يعتبر “سلطانًا” تخوله مكانته الحركة في كل الاتجاهات مع إمكانية القفز على طول وعرض الميدان، أو يوضعون في حالة تمنعهم من الحركة إلا في اتجاه الموت، وتحتوي “أصرند” على أربع “أشرك” (أي أربعة أشراك) اثنتين في كل طرف. وتتكون “أشرك” من القرن و”الوسع” الذي يليه (من الخط الخلفي).
ومن أهم العمليات التي تتم في ظامت عملية تسمى “السله” وأخرى تسمى “لكريف”، وأما “التشراك” فهو نصب كمائن مدروسة للقضاء على جزء من الفيلق “العدو” أو بغية الوصول إلى “السلطنة”، وفي حالة فشل هذه الكمائن – لنقص في إحكامها – فإنهم يسمونه “الكاصف”، فيما يعتبر “السائل” سهوًا في اللعب يترفع الطرف الآخر (الرابح له) عن المؤاخذة عليه.
أتحاجي.. لعبة تنمية القدرات الذهنية
أتحاجي، إحدى أشهر الألعاب الشعبية الموريتانية، وهي عبارة عن عملية طرح لغز موزون باللهجة الحسانية (لهجة المكون العربي) فإذا أجاب اللاعب الآخر يطرح هو أحجية أخرى، ويتميز هذا الفن بأن يكون السؤال فيه محيرًا والجواب محددًا.
تستخدم لعبة “أتحاجي” لتنمية القدرات الذهنية للأطفال
وتعتبر “أتحاجي”، من الألعاب المهتمة بتنمية القدرات الذهنية في موريتانيا، أي أنها بمثابة التعليم ما قبل المدرسي في المجتمع الموريتاني، وتتطور الأحجية، وتزداد صعوبة بحسب عقل الإنسان وسنه، ويطلب فيها أن يكون الجواب محددًا، وهناك منها ما يناسب الأطفال لبساطتها ومباشرتها، منها ما هو معقد وصعب.
لعبة “أكرور”، من أشهر الألعاب الذهنية النسائية في البلاد
تبدأ كل أحجية بعبارة حاجيتك ما جيتك أي جاجيتك دون أن أجيئك أو شيء من هذا القبيل ثم يسرد الأحجية بعدها وعادة بيت واحد فقط، ومن أمثلة “أتحاج” نجد “حاجيتك ما جيتك عنو هو أطويل أبلا ظل”، والجواب هو الطريق، وأيضًا “حاجيتك ما جيتك عنو هو إراع فيك ما يـﯕـد إجيك” والجواب هو الوتد.
السيك.. لعبة النساء
من الألعاب الشعبية، نجد أيضًا لعبة “السيك” الخاصة في الغالب بالنساء، والسيك هو تجمع رملي ينحت على هيئة ظهر دابة، يصل طوله لنصف المتر ويطلق عليها اسم “لبرا”، بالإضافة إلى عناصر أخرى مثل “السيكات” وهي عبارة عن ثمانية أعواد مصنوعة من أنواع من الأشجار الموريتانية يبلغ طول كل واحد منها ما بين 35 إلى 40 سنتيمترًا.
للسيكة وجهان خارجي وداخلي، واحد مزخرف أو مسوّد والآخر متروك ببياضه، وتتكون اللعبة من عناصر أخرى مثل الحجارة أو العيدان أو قطع من القصب “يتحرك” بها كل فريق على ظهر “لبرا” باتجاه الفريق الخصم في محاولة لإخراج عناصره من دائرة التنافس، ويكون البعر لأحدهما والأعواد للآخر، وكل ثمان بعرات أو أعواد تسمى “بكر”، ويلعبان أحد وجهي اللعبة وهما: التسييب أو التعطيش وفيها فن وتعتمد على التكتيك.
ينقسم (لبرا) إلى قسمين بمركز كل فريق قطعه عليها بشكل متوازٍ مع الفريق الآخر مشكلين متوازيين يتوسطهما خطان من النقط والحفر كمجال تحرك قطع السيك، وتعتمد لعبة السيك على قواعد لا تسمح بالتحرك لأي فرد من لاعبي الفريقين على لبرا إلا إذا تمكن من إنجاز رمية تسقط فيها السيكات على وجه واحد قد يكون الظهر أو الوجه ليبتدئ التنقل بين الحفر على البرا في اتجاه الفريق الخصم وفقًا لعدد النقاط التي تسجل تبعًا للوضع الذي تتخذه السيكات في أثناء اللعب.
وتقبل الموريتانيات على هذه اللعبة على اختلاف أعمارهن، وتلقن الكبيرات في السن ذوات الخبرة في اللعب الصغيرات قواعد اللعبة، ويعلمنهن طرقًا ذكية وحيلاً للفوز، وهكذا يمررنها من جيل إلى آخر، حتى تتواصل اللعبة ولا تندثر.
“أكرور”.. حماية الأب من السقوط
من ألعاب النساء الشعبية في موريتانيا أيضًا، نجد لعبة “أكرور”، وهي من أشهر الألعاب الذهنية النسائية في البلاد، وتعرف كذلك باسم “أم أحميديش” ويتطلب لعبها توفير أحجار صغيرة مدورة، عادة ما يكون عددها سبعة وسابعها كبير الحجم ويسمي “الأب” والستة المتبقية تسمى “الأولاد”.
تُسير اللعبة برمي اللاعب الأب إلى الأعلى راميًا الأولاد على الأرض ويرفع اللاعب يده لالتقاط الأب قبل وصوله للتراب، ويتطلب ذلك مهارة خاصة في الالتقاط ثم يرميه ثانية إلى الأعلى ويلتقط الأولاد بشكل ثنائي عند كل رميه للأب ثم ثلاثة ثلاثة، وتبطل اللعبة عند سقوط الأب في التراب.
فضلاً عن هذه الألعاب، توجد العديد من الألعاب الشعبية الأخرى التي اشتهرت بها البلاد لعقود عدّة، لكنها تواجه الآن خطر الاندثار نتيجة الإهمال واللامبالاة، وعدم الاهتمام بالتراث الشعبي اللامادي في البلاد، ما يستوجب ضرورة إنقاذها لإعادة البريق إليها.