هل يتحول المحيط الهندي إلى مركز ثقل جيوسياسي عالمي؟

سفينة

ترجمة وتحرير نون بوست

لماذا يعتبر المحيط الهندي مهماً في الجغرافيا السياسية العالمية؟ في حال كانت السيطرة على المحيط الهندي غاية لدى الكثيرين، فإن الصين تعتبر الدولة الأقرب لتحقيقها. على صعيد آخر، يكشف تصاعد القوى في الهند أن السيطرة على المحيط من قبل كيان واحد تبدو أمرا مستبعدا، مثلما هو مبين في خريطة لم تُنشر من قبل أعدها فلورنت أمات.

قال ضابط بحرية أميركي في القرن التاسع عشر ويدعى ألفريد ثاير ماهان إن “القوة التي ستسيطر على المحيط الهندي ستفرض سيطرتها على آسيا وسيُقام مستقبل العالم في مياهه”. وبعد قرن من الزمان، أفاد الجنرال ديغول أن “نشاط الرجال سيتحول أكثر فأكثر نحو البحث عن طرق لاستغلال البحر. وبطبيعة الحال، ستسعى الدول إلى السيطرة عليه من أجل الحصول على الموارد”. بالإضافة إلى هذه الاعتبارات، يمكننا بسهولة التحدث عن المحيط الهندي باعتباره حجر الزاوية في إعادة توازن القوى، فضلا عن أن ثالث أكبر محيط في العالم يثير عدة مسائل. فهذه المنطقة البحرية تمثل نقطة العبور نحو آسيا وأوروبا وأفريقيا وهي مركز سوق النفط العالمي وموطن أكبر طريق تجاري سريع. كما تحد سواحلها العديد من البلدان التي تثير صراعاتها مخاوف المجتمع الإقليمي أولاً ، ثم مخاوف المجتمع الدولي.

من هذا المنطلق، علينا أن نفهم السبب وراء تمتع هذا المحيط بأهمية بالغة في الجغرافيا السياسية العالمية، وذلك لكشف وجهات النظر المختلفة وردود فعل أصحاب المصلحة. وفي البداية، سنتوصل إلى استنتاج مفاده أنه في حال كان التسابق لفرض السيطرة على المحيط الهندي يعتبر غاية الجميع، فالصين هي الدولة الأقرب إلى تحقيق ذلك. وفي خطوة ثانية، سنرى أن نموذجًا جديدًا يبدو وكأنه يتكون تدريجيًا، في حين يكشف تنامي الهند أن الهيمنة من قبل كيان واحد تبدو مستبعدة.

المحيط الهندي: تستخدمه القوى العظمى، ولا تسيطر عليه أي واحدة منها

هل كل دولة مسؤولة عن نفسها؟

يشهد المحيط الهندي، وهو منطقة جيوستراتيجية ذات تحديات اقتصادية وسياسية كبرى، توترات متصاعدة. ويجمع هذا المركز بالغ الحساسية العديد من القضايا الحاسمة، لا سيما في أوروبا وآسيا. فهو يحوي أكثر من نصف احتياطيات العالم من الهيدروكربون واليورانيوم، وأكثر من ثلاثة أرباع موارد الماس في العالم، ونحو نصف احتياطيات الذهب والغاز. وعن طريق هذه المنطقة البحرية، يمر جزء مهم جدًا من اقتصاد العالم. ولدى الولايات المتحدة، التي تملك أساطيل عسكرية في جميع أنحاء العالم، تأثير كبير في هذه المنطقة الجغرافية بشكل خاص، كما تمثل جزيرة دييغو غارسيا ملجأهم القيّم. وبالطبع، لا تتمتع الولايات المتحدة بتغطية هذه المنطقة الشاسعة لوحدها، بل تتشارك معها في ذلك كل من الهند والصين والمملكة المتحدة وفرنسا.

تسعى قوى مثل الهند والصين والولايات المتحدة أو فرنسا إلى حماية مصالحها التجارية والحفاظ على الاستقرار في هذه المنطقة. وعلى سبيل المثال، أصبحت الهند تدريجيا جزءا أساسيا من العلاقات الدولية، كما تسعى لمواجهة الصين على وجه الخصوص، التي تستثمر في المحيط الهندي، حيث تعزز الحصون البحرية لتحقيق ذلك، مما يجعلها مركز قوة العالم، وهي تسعى كذلك لإرساء حاملة طائرات ثانية. من جانبها، تتمتع فرنسا بحضور دائم في المحيط الهندي، وهو ما يُبيّنه وجود أراضٍ لها وراء البحار وإرساء قواعدها العسكرية في جيبوتي وأبو ظبي، فضلاً عن اتفاقياتها في مجال الدفاع مع جزر القمر ومدغشقر وسيشيل وموريشيوس والإمارات العربية المتحدة والهند.

لهذا السبب، يتعين على هذه الدول حماية محور”شنغهاي – روتردام” المتمثل في طرق الحرير البحرية الجديدة. وتشمل المناطق المعرضة للخطر خليج عدن ومضيق ملقا، حيث تمر 30 بالمائة من التجارة العالمية. وبالفعل، يتأثر المحيط الهندي بشدة بالقرصنة البحرية التي تتنامى بشكل خاص على طول سواحل شرق أفريقيا، حول القرن الإفريقي، وعبر البحر الأحمر، وصولا إلى سواحل سلطنة عمان. وقد كانت القرصنة الصومالية نشطة للغاية هناك. وباعتبار أن قرابة ثلث إمدادات الطاقة في أوروبا تمر عبر هذه السبل، فهي تحظى بشعبية لدى أصحاب السفن. وقد صُنّف خليج عدن على وجه الخصوص، منذ سنة 2011، كأخطر منطقة بحرية في العالم، حيث هُوجمت 49 سفينة بما في ذلك 1016 بحارًا احتُجزوا كرهائن.

على الرغم من ذلك، تشهد هذه الأرقام تراجعا بفضل وجود كل من القوات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وفي سنة 2012، أفادت غرفة التجارة الدولية أن 15 سفينة تعرضت للهجوم، مما انجر عنه احتجاز 62 رهينة. نتيجة لذلك، تساهم هذه الائتلافات في الحد من عمليات القرصنة قبالة سواحل الصومال. كما تؤثر طموحات إيران في منطقة الخليج الفارسي، باعتبارها من أبرز المناطق الغنية بالنفط في العالم، على استقرار المحيط الهندي.

تتخذ إيران من المحيط الهندي منطقة لتنفيذ عملياتها الرئيسية، ما يفسر نشاطها المكثف في المنطقة الممتدة من مضيق ملقا إلى مضيق باب المندب مرورا بمضيق هرمز. وبصفتها الطرف الضامن لكل من الاستقرار الإقليمي في هذه المنطقة الجيوستراتيجية، وحضورها البحري في جزيرة دييغو غارسيا والمياه الإقليمية المقابلة للبحرين (الأسطول الأمريكي الخامس)، تتولى واشنطن مهمة تنسيق العديد من المناورات البحرية في المنطقة بمشاركة قوات التحالف.

فضلا عن ذلك، تمثل الولايات المتحدة، من خلال عضويتها في منظمة حلف شمال الأطلسي، جزءا من فرقة العمل المشتركة 151 ومن عملية درع المحيط، المسؤولتان عن مكافحة عمليات القرصنة في خليج عدن. ولا تعتبر الولايات المتحدة الطرف الوحيد في المنطقة، إذ لطالما كانت اليابان أيضا عنصرا بارزا في مكافحة القرصنة في هذا الخليج، من خلال إنشاء قاعدة في جيبوتي في سنة 2010. وتتمتع أستراليا كذلك بوجود بحري هام في المحيط الهندي، وهو ما يتجلى في تمركز معظم أسطولها بقاعدة ستيرلينغ الواقعة على الساحل المقابل لولاية بريزبان.

من بين الدول التي تعرف “بالقوى الثانوية” النشطة، تحتل باكستان وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية الصدارة. من جهته، يسجل الاتحاد الأوروبي وجودا قويا سواء من خلال الوجود الفرنسي المكثف في جزيرتيْ مايوت ولا ريونيون، أو الوجود البريطاني في أرخبيل تشاغوس. أما بالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على غرار ألمانيا وهولندا وإيطاليا، إلى جانب اليونان وبولندا وبلغاريا ورومانيا، فتندرج ضمن اللجنة المخصصة المعنية بالمحيط الهندي. وقد أسست هذه الهيئة بهدف إرساء السلام في منطقة المحيط الهندي، وبالتالي، تعزيز الإستقرار الإقليمي وضمان استمراريته.

تضم منطقة المحيط الهندي العديد من القوى التي، من المفترض، أنها تسعى لتثبيت أسس السلام في المنطقة. وفي حال كانت هذه القوى تعمل على خدمة مصالح الغير، فهي تهدف إلى خدمة مصالحها الخاصة في المقام الأول. وغالباً ما تحفّز رهانات القوة، إن لم يكن ذلك دائما، القوى على جعل خطاباتها هجينة أو متضاربة. تم تدشين “سانت إكزوبيري”، التي تعد أكبر سفينة حاويات فرنسية، في أيلول/ سبتمبر سنة 2018، ما يعكس رغبة فرنسا في التنافس مع السفن الأمريكية والصينية. فهل يعتبر وجود مجموعة متنوعة من القوى التي تعمل على خدمة مصالحها ومصالح الآخرين، في المنطقة ذاتها، مصدرا للاستقرار فعلا؟

مبدئيا، تتجسد الإجابة عن هذا السؤال في غياب اتفاق شامل بشأن السلامة البحرية في المحيط الهندي، على الرغم من مبادرات المنظمة البحرية الدولية فيما يتعلق بهذه المسألة. وقد كان لأدوات التعاون المستخدمة، على غرار رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي والندوة البحرية لدول المحيط الهندي، نتائج عكسية. 

الازدهار الذي تشهده الصين

يعتمد اقتصاد الصين ومجال أمن الطاقة بالأساس على الطرق البحرية في المحيط الهندي التي تمر عبر نقطة العبور الرئيسية المتمثلة في مضيق ملقا، الذي يشهد عبور ما يقارب 80 بالمائة من واردات الهيدروكربون الصينية. وتثير هذه التبعية قدرا من التوتر، ما يخلق رد فعل لدى الصين، التي قررت تعزيز قواتها المسلحة وثقلها الاقتصادي في المنطقة، ما قد يضعها في مواجهة مع الهند التي تعمل على التوسع في المنطقة.

تدفع الأسباب ذاتها حلفاء الولايات المتحدة، على غرار اليابان أو كوريا الجنوبية، إلى الاعتماد على هذه النقطة الوحيدة للعبور بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي. وفي الوقت الذي تشهد فيه احتياجات الصين من الهيدروكربون استمرارية، لن يكون لتغيير الطريق البحرية المعتمدة التبعات ذاتها على كوريا الجنوبية واليابان. ويعود الاستخدام الأول لمصطلح “عقد اللؤلؤ” لتسمية المستوطنات الصينية في المحيط الهندي وسواحله، إلى سنة 2004، حيث ترد هذه التسمية في تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية. ويفيد هذا التقرير بأن تعزيز النفوذ الإقليمي الصيني من شأنه أن يؤدي إلى اضطراب في عمليات عبور الموارد الهيدروكربونية في اتجاه الولايات المتحدة، لا سيما بسبب الخلاف المتعلق بتايوان.

يسلط بعض الأكاديميون والصحفيون الضوء على رغبة بكين في السيطرة على منطقة المحيط الهندي، كما يشير البعض الآخر إلى طموح الحكومة الصينية بالاستمرار في توسيع دائرة مصالحها التجارية وتأمين خطوطها البحرية، التي تمكنها من التصدي لأي اضطراب. ومن المحتمل أن يساهم وجود الصين في هذا المحيط في تعزيز نفوذها، إلا أن ذلك قد يضعف من بناها التحتية في حال وجود توترات أو صراعات.

باعتبار أن الاقتصاد الصيني يعتمد بالأساس على الممرات البحرية للمحيط الهندي، فمن المنطقي أن تسعى الحكومة لتأمين نقطة العبور المذكورة آنفا نظرا لارتباطها الشديد بمصالحها. وفي إطار عمليات القرصنة حول خليج عدن والاضطرابات التجارية المحتملة التي تشكلها الهند والولايات المتحدة الأمريكية، يبدو أن لدى القادة الصينيين ما يدعو إلى القلق. ولا تزال الجهود التي بذلتها الصين في بداياتها، مع ذلك يبدو هدفها واضحا بالنسبة للمجتمع الدولي وهو أنه من الضروري أن تمتلك الصين نقاط اتصال أرضية من أجل الحفاظ على قواتها المسلحة ودعمها. ويزعم القادة الصينيون أن قاعدة جيبوتي تعد بمثابة الوسيلة لاستعراض قوتها.

المحيط الهندي: هيمنات إقليمية؟

الهند: فاعل لا غنى عنه؟

يعتبر النموذج الفكري الحالي للمحيط الهندي موضوع أسئلة عديدة. واستنادا لخصائص السياق الحالي، يمكن التوصل إلى ملاحظتين، أولاهما أن توازن القوى البحرية في المنطقة يسير نحو التغيير. وبسبب ظهور واستعراض القوة الذي تقوم به كل من الصين والهند، لم تعد الولايات المتحدة بمثابة القوة البحرية المهيمنة على المحيط الهندي. مع ذلك، وكما تظهر العديد من الدراسات، ستظل الولايات المتحدة طرفا فاعلا رئيسياً وصاحبة الأسطول البحري الأكثر تقدماً في المنطقة.

ثانيا، تسعى قوة الصين البحرية لمضاهاة قوتها الاقتصادية. وعلى الرغم من التواجد المحدود في مضيق ملقا وخليج البنغال إلى حد الآن، إلا أن الاستثمارات الصينية في جيبوتي وكوادر وساحل المحيط الهندي الشمالي تسمح لها بحماية نفوذها البحري الإقليمي. خلافا لذلك، ورغم الاستثمارات الضخمة في التوسع وتحديث قوتها البحرية، تميل هذه القوة، بنسق بطيء، إلى أن تصبح قوة عملياتية.

تسعى الهند، أكبر قوة بين دول المنطقة، لتعزيز وجودها العسكري. فقد استثمرت في مضيق ملقا من خلال إقامة قاعدة بحرية في جزر أندمان ونيكوبار. ومن أجل الحفاظ على نقطة دعم في مضيق هرمز وقناة موزمبيق، تعمل الهند على التمركز في جزيرة لا سوومبتيون في السيشل. وبما أن هذا الأمر لم ينجح، فسيتعين عليها البحث عن التمركز في مكان آخر.

بالإضافة إلى ذلك، تقوم الهند بتوسيع نطاق عملها من خلال التقرب من القوى النشطة في المنطقة. في الواقع، تمثل سنة 2017 نقطة تحول في هذا التوسع الهندي. فقد توصلت الولايات المتحدة والهند إلى توقيع اتفاق يهدف إلى تسهيل وصول القوات البحرية الهندية وسلاحها الجوي إلى القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، خاصة في جزيرة دييغو غارسيا. وتم توقيع اتفاقية للسماح بالوصول إلى قاعدة تشانجي البحرية في أقصى حدود سنغافورة الشرقية. كما أذنت فرنسا بالوصول إلى قواعدها الرئيسية، بما في ذلك جيبوتي ولا ريونيون.

علاوة على ذلك، تؤسس الهند علاقات استراتيجية في الخليج الفارسي. فبعد سنوات من المفاوضات، اتفقت الهند وإيران على تحديث ثم توسيع ميناء جابهار من أجل فرض السيطرة على مضيق هرمز. وقد يصبح هذا الميناء الوجهة النهائية الجديدة للطريق السريع التجاري الذي يربط بين المحيط الهندي وآسيا الوسطى وشرق آسيا وروسيا. وعلى المدى الطويل، قد تستخدم شبه القارة الهندية هذا الميناء لأغراض عسكرية. كما يضاعف الممر التجاري الذي يسمح بعبور البضائع من الخليج الفارسي وآسيا الوسطى إلى عمان وإيران وتركمانستان وأوزبكستان وروسيا، تأثير الهند في المنطقة.

أخيرا، وإثر الزيارة التي أداها إلى عُمان في شباط /فبراير 2018، وقع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، اتفاقا يسمح بوصول سفن البحرية الهندية إلى ميناء الدقم ووصول جيش الطيران الهندي إلى القواعد الجوية العمانية وإنشاء منطقة تخزين لفائدة ناقلات النفط العملاقة الهندية. وبفضل نقطة الدعم الإضافية هذه التي تسمح لها باستعراض قوتها في مضيق هرمز، يمكن للهند مراقبة الصين الواقعة على الضفة المقابلة، في كوادر.

نحو توازن جديد للقوى؟

يشكل المحيط الهندي محور عديد التوسعات الجيوسياسية في منطقته. وستكون هذه التوسعات مصدر تغييرات مهمة في مجال ما يسميه جوزيف ناي “بميزان القوى”. وإلى حدود الآن، لا يمكن اعتبار أي قوة بحرية بأنها الأكثر تأثيرا على بقية القوى، خاصة وأن الولايات المتحدة تعتبر قوة من خارج المنطقة. بعبارة أخرى، يعتبر مستقبل المحيط الهندي غير مؤكد.

تتنبأ أغلب الدراسات المتوفرة بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون أبدا القوة المهيمنة على المحيط الهندي، ويعود ذلك إلى ظهور وتعزيز نفوذ كل من الهند والصين. وفي الوقت ذاته، من الواضح أن الولايات المتحدة لن تقدم على مغادرة المنطقة مستقبلا وستحافظ على مكانة رمزية في اللعبة الإقليمية. ومن ناحية أخرى، تسعى الصين للتطور بنفس الطريقة على الصعيدين البحري والاقتصادي. وسيعادل نموها ووجودها المطلق في منطقة المحيط الهندي مكانتها في الاقتصاد العالمي.

حتى في حال قلصت الصين مواقعها في خليج البنغال ومضيق ملقا، فستكمل استثماراتها في ميناء كوادر مشروع عقد اللؤلؤ وتعزز قاعدتها حول خليج عمان، الذي يعتبر نقطة استراتيجية أخرى في المحيط الهندي. فضلا عن ذلك، تعتبر الصين طرفا فاعلا رئيسيا في مكافحة القرصنة في خليج عدن منذ عقد من الزمن.

أما فيما يتعلق بالهند، فتشوب شكوك عديدة بروزها كقوة بحرية. فقد حدّثت دولة الهند أسطولها الذي أنشئ في سنة 1950 منذ نهاية القرن الماضي، بالتزامن مع الصين وبعد قرنين من إنشاء الولايات المتحدة لأسطولها في أواخر القرن الثامن عشر. وبناء على ذلك، تعتبر الهند متأخرة مقارنة بخصومها. وبغض النظر عن نطاق العمل الذي توفره لها قواعدها ومواقعها البحرية في المحيط الهندي، تواجه الهند صعوبة في فرض نفسها خارج هذه المواقع.

خلافا لذلك، يمنحها موقعها الجغرافي الاستراتيجي في المنطقة (بين الشرق الأوسط وشرق آسيا، وأيضًا في وسط أكبر طريق تجاري، فضلا عن وفرة جزرها المتعددة على هذا المحيط)، رفعا ماليا هاما لدى القوى المحيطية (فرنسا، والصين، والولايات المتحدة، وإيران …). ويعتمد مستقبل هذه الدولة كقوة بحرية من بين القوى البحرية الثلاث الأولى في المنطقة على قدرات وأعداد طواقم أسطولها البحري حصرا. بالنسبة للقوة العسكرية العالمية الرابعة، يتمثل الرهان الأبرز في الاستثمار في البنية التحتية لزيادة قدراتها الاستطلاعية، واستعراض قوتها في المنطقة. وفي الحقيقة، تفتقر بعض القوى مثل الصين والولايات المتحدة إلى مثل هذه الإمكانات.

إذا أردت السلام، فاستعد للحرب

من الخليج الفارسي إلى السواحل الشرقية الإفريقية، عبر ماليزيا، والسواحل الأسترالية وأخيراً القارة القطبية الجنوبية، يغطي المحيط الهندي أكثر من 70 مليون كيلومتر مربع. وتضم البلدان الثلاثون التي تشكل نطاقه الساحلي ثلث سكان العالم. وبناء على ذلك، يعتبر هذا الفضاء البحري الشاسع عنصرا لا غنى عنه في مجال دراسة العلاقات الدولية.

في الواقع، يسمح المحيط الهندي بالوصول إلى أوروبا وآسيا عبر الخليج الفارسي وقناة السويس. كما يمر ربع إنتاج النفط العالمي عبر مضيق هرمز، حيث يتم نقل 3.8 مليون برميل يوميًا عبر مضيق باب المندب في سنة 2015. وبعبارة أخرى، يتعلق الأمر بطريق الحرير 2.0. ويعد هذا المجال الشاسع نقطة عبور رئيسية بين الأسواق الأوروبية والآسيوية والأفريقية والشرق أوسطية. علاوة على ذلك، تشهد هذه المنطقة البحرية، التي تفتقر إلى التماسك السياسي والأمني، عديد النزاعات الإقليمية التي لم يتم حلها إلى الآن. وقد نتجت هذه الصراعات عن آثار الاستعمار وظلت مخفية.

تضررت النطاقات الساحلية للمحيط الهندي من الشبكات الإرهابية المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة وبعض الحركات الأخرى التابعة لها. في الواقع، يعتبر هذا التفرع تحديا هاما للأمن العالمي. تجدر الإشارة إلى أن قانون القراصنة يسود في أعالي البحار. وتنقل طرق شحن الممتلكات والسلع والمواد الغذائية والموارد هذه الأسلحة، والمخدرات والبشر أيضا بطريقة غير شرعية.

يمكن أن تعتبر عقدة الازدحام هذه بمثابة مصدر انقسامات، أو حتى منطقة ملاءمة لاندلاع صراع عالمي. ويكشف مفترق الطرق الاستراتيجي هذا أن الدولة التي تمكنت من فرض نفوذها في شمال المحيط الهندي قادرة على التحكم في إنتاج ونقل النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا وآسيا. وينطبق هذا الأمر على البضائع، الأمر الذي يسمح لها بفرض قواعدها الخاصة على العالم.

بسبب اقتران السعي للوصول السلطة والهيمنة بالاختلاف والمعارضة، قد يكون من غير العقلاني وغير المعقول الاعتقاد بعدم ظهور أي خلاف حول هذه المسألة. ولا يمكن لفرنسا، التي تمتلك ثاني منطقة اقتصادية خالصة في العالم بفضل أقاليمها ما وراء البحار، التي يقع ربعها في المحيط الهندي، تجاهل جميع العناصر التي تم التطرق إليها سابقا. وبالتالي، تعتبر هذه الدولة من بين القوى الأكثر التزاما، لا سيما في المجال العسكري، وإسهاما في استقرار المنطقة. ويشير التقارب الأخير مع الهند إلى أن إسهاماتها هذه مستمرة، ذلك أنها تسعى لجعل نفسها طرفا أساسيا في المنطقة.

ونخلص إلى القول بأن المحيط الهندي يسمح بالوصول إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأوروبا على حد السواء. ومن يسيطر عليه فسيسطر على العالم بأسره. لكن، من سينجح في القيام بذلك؟

المصدر: ديبلو ويب