باتت “إسرائيل” مقتنعة تمامًا أنها لم تعد “عدوًا” للكثير من الدول العربية والإسلامية، بعد موجة التطبيع الأخيرة التي اجتاحت المنطقة وأسقطت قوتها الحدود كافة، حتى وصلت لموانئ دافئة لم تكن موجودة حتى في حلم دولة الاحتلال ومن دعم كيانها.
الثقة التي حصلت عليها “إسرائيل” من الدول العربية والإسلامية التي تركض خلفها لطلب ودها وفتح صفحة جديدة من العلاقات الرسمية وغير الرسمية معها، دفعها لاتخاذ خطوة غير مسبوقة ستُقربها كثيرًا من المجتمع العربي وتفتح ذراعيها لاحتضانهم.
الخطوة الجديدة تمثلت في إعلان وزارة الخارجية الإسرائيلية بشكل رسمي عن افتتاح “سفارة افتراضية” في قلب دول الخليج العربي، في ظل ما تعتبره “تقاربًا كبيرًا” بدأ ينمو مؤخرًا بصورة إيجابية ومهمة مع دول عربية في تلك المنطقة الحساسة.
قراءة الرأي العام الخليجي
قال حساب “إسرائيل بالعربية” على “تويتر” التابع للخارجية الإسرائيلية: “يسرنا أن نعلن عن إعادة إطلاق صفحة (إسرائيل في الخليج) بهدف تعزيز الحوار بين إسرائيل وشعوب الخليج”، وأضاف الحساب: “نأمل أن تسهم هذه السفارة الافتراضية في تعميق التفاهم بين شعوب دول الخليج وشعب إسرائيل في مختلف المجالات”.
وصفحة “إسرائيل في الخليج” عبر “تويتر” تم تدشينها أصلاً في يوليو/تموز 2013، لكنها توقف عن التغريد منذ 10 من ديسمبر/كانون الأول 2014، دون معرفة سبب ذلك.
ومع تلك التغريدة التي أُعلن عبرها معاودة إطلاق الصفحة، مساء الثلاثاء، أُرفقت صورة لمعلمين بارزين “إسرائيل” والإمارات مع كتابة اسم البلدين بالبنط العريض على كل معلم.
وأعاد أوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، قبل ساعات مشاركة الحساب الجديد للسفارة الافتراضية عبر تويتر، مغردًا: “إلى المتابعين الخليجيين الأعزاء، تابعوا هذا الحساب المخصص لكم والموجه إليكم بهدف توسيع رقعة الحوار بيننا وبينكم”.
إعلان افتتاح السفارة الإسرائيلية
وقوبلت تغريدة إعادة إطلاق صفحة “إسرائيل بالعربية” بهجوم حاد من نشطاء خليجيين، ومن هؤلاء السعودي محمـد الجارالله الذي غرد قائلاً: “التفاهم بين الشعوب لا يكون بهذه السهولة التي تظنون، أنتم محتلون وستبقون في نظرنا هكذا حتى لو حاول كل الكون تجميل صورتكم القبيحة”، وأضاف: “لا يمكن أن نمد جسور السلام مع (دولة) بنيت على أجساد الشهداء في فلسطين، دولة عصابات لا يمكن أن يحدث معها تفاهم إلا بزوال احتلالها”.
وتعقيبًا على تلك الخطوة الإسرائيلية الحساسة، يقول الخبير في الشؤون العربية والإسلامية والعلاقات مع “إسرائيل” ثابت العمور: “الأمر لا يحتاج إلى سفارة افتراضية في حين أنه موجود وحقيقي في الأمر الواقع، والعلاقة بين تل أبيب ودول الخليج عمومًا والإمارات والسعودية على وجه التحديد قطعت شوطًا كبيرًا جدًا ووصلت حد الغزل، وهناك مؤشرات كثيرة من مقالات لوزراء ومقربين ونخب خليجية تتغزل بـ”إسرائيل”، في المقابل هناك موقع لوزارة الخارجية الإسرائيلية بالعربية وهناك صفحات تواصل لمسؤولين إسرائيليين بالعربي”.
“إسرائيل” تريد قراءة الرأي العام الخليجي: من سيتواصل؟ من يقبل بالأمر؟ من سيستفسر عن آليات الذهاب لدولة الاحتلال؟ ووزارة الخارجية الإسرائيلية تمرر بهدوء وبالتنقيط هذا الأمر دون عجلة
وفي تصريحات خاصة لـ”نون بوست” يضيف العمور “قضية وجود سفارة افتراضية هو نوع من الترويض، نوع من كي الوعي، نوع من بالونات الاختبار لتمرير الأمر حتى يصبح أمرًا واقعيًا تقبل به الشعوب ويمرر على الرأي العام العربي والخليجي دون أي مشاكل، ولكنه لن يمر وهناك دلائل عديدة، قد تنجح “إسرائيل” في تمرير علاقات سياسية ودبلوماسية، وقد تفتح مكتبًا أو سفارة واقعية وليست افتراضية، لكن أن تروض العقل العربي هذا صعب لأن جرائمها وإفسادها مستمر واستمراره هو الناقوس، هو الضامن لإبقاء الوعي العربي”.
ويشير إلى أن خطورة السفارة الافتراضية أن “إسرائيل” تريد قراءة الرأي العام الخليجي: من سيتواصل؟ من يقبل بالأمر؟ من سيستفسر عن آليات الذهاب لدولة الاحتلال؟ ووزارة الخارجية الإسرائيلية تمرر بهدوء وبالتنقيط هذا الأمر دون عجلة وتضع على صفحتها ما تمسيه قاموس جيب لأي سائح عربي يريد السفر لـ”إسرائيل” وتترجم له بعض الكلمات من العبرية للعربية، وهذا أيضًا نوع من القياس للاستجابة والتقبل.
ترويض الشعوب العربية
ويوضح الخبير في الشؤون العربية والإسلامية لـ”نون بوست” قائلاً: “دول الخليج بلغت حدًا غير مسبوق حتى مصر (ابنة كامب ديفيد) لم تفعل ما فعلته بعض دول الخليج، حتى وصل الأمر لسفير تل أبيب في الأمم المتحدة بدعوة ابن سلمان لزيارة “إسرائيل” دون أي مراعاة أو اعتبارات لردود الفعل داخل السعودية التي تعتبر أو تصف نفسها بأنها بيت المسلمين”.
ويختم بالقول “أمر التطبيع أو التقارب بين “إسرائيل” ودول الخليج يمر بتسارع غير مسبوق، وعمليًا لم يعد ممكنًا رصد حجم هذا التقارب والتصريحات والتغازل بينهما نحن الآن في مرحلة ترويض الشعوب أما الأنظمة فقد تم ترويضها سابقًا”.
الجدير ذكره أنه لا توجد سفارات إسرائيلية لدى دول الخليج التي تشترط في السنوات الأخيرة حل قضية فلسطين كمدخل لبداية التطبيع، وأكثر من مرة تحدث بنيامين نتنياهو عن تنامي العلاقات الإسرائيلية العربية لا سيما في الشهور الأخيرة، دون تعليق من الخليجيين.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عزف النشيد الإسرائيلي في إمارة أبو ظبي للمرة الأولى في دولة خليجية، بعد إحراز لاعب الجودو الإسرائيلي ساغي موكي الميدالية الذهبية في مسابقة “غراند سلام” الدولية، فيما زار رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلطنة عمان، في الشهر ذاته، حيث التقى السلطان “قابوس بن سعيد”.
رسميًا ترتبط “إسرائيل” بعلاقات دبلوماسية مع الأردن ومصر فقط، وكانت تحرص دائمًا على إخفاء أسماء الدول العربية التي تُقيم علاقات سياسية واقتصادية أو أمنية معها، خوفًا من المواقف الشعبية الغاضبة، لكن نتنياهو أكد عدة مرات مؤخرًا وجود نية حقيقية من دول عربية (لم يسمها) للدخول بعلاقات رسمية ومكشوفة مع دولة الاحتلال
خطوة “إسرائيل” بافتتاح سفارتها الافتراضية في قلب الخليج العربي لم تكن لتأتي لولا أن أخذت الضوء الأخضر من قادة الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات، إضافة لتمهيد جهود الإعلاميين والسياسيين والمحللين، الذين يطالبون منذ أشهر بقوة لفتح باب التطبيع مع دولة الاحتلال على مصرعيه.
فمنذ إعلان الخارجية الإسرائيلية عن سفارتها لم نجد حتى هذه اللحظة أي أصوات من المسئولين والإعلاميين وحتى المحللين الخليجيين ضد هذه الخطوة أو حتى انتقادها إعلاميًا أمثال الكاتبة السعودية سهام القحطاني، أوالمحلل السعودي عبد الحميد الغبين، والكويتية فايزة السعيد ، وهذا ما يؤكد مدى توافقهم حول هذه الخطوة التي تعد بالنسبة لهم “مكسب سيقربهم من إسرائيل كثيرًا”.
بدوره يؤكد كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل عام 48، أن للسعودية دورًا مشبوهًا وخطيرًا ضد القضية والمشروع الوطني الفلسطيني، ويقول: “ما يجري داخل العواصم العربية وعلى رأسها الرياض، من خطوات متقدمة نحو دولة الاحتلال والضغط على دول عربية وإسلامية أخرى وإقناعها من أجل فتح باب التطبيع، يعد خيانة وتآمرًا على القضية الفلسطينية”.
ويوضح أن السعودية باتت تلهث خلف “إسرائيل” وإقامة العلاقات السياسية والثقافية والعسكرية والأمنية معها، وهي كذلك تريد أن تهيئ كل الدول العربية والإسلامية لخطواتها القادمة بإقامة علاقات علنية ورسمية مع دولة الاحتلال.
ورأى نائب رئيس الحركة الإسلامية أن أي خطوة تمهد وتعبد للتطبيع وإعادة العلاقات مع “إسرائيل” تعد “خيانة لفلسطين وقضيتها ومقدساتها وشهدائها”، لافتًا إلى أن الدول العربية تريد أن تتجاوز القضية الفلسطينية للوصول إلى الحضن الإسرائيلي بأي ثمن كان لضمان بقاء حكامها على كراسي الحكم.
ورسميًا ترتبط “إسرائيل” بعلاقات دبلوماسية مع الأردن ومصر فقط، وكانت تحرص دائمًا على إخفاء أسماء الدول العربية التي تُقيم علاقات سياسية واقتصادية أو أمنية معها، خوفًا من المواقف الشعبية الغاضبة، لكن نتنياهو أكد عدة مرات مؤخرًا وجود نية حقيقية من دول عربية (لم يسمها) للدخول بعلاقات رسمية ومكشوفة مع دولة الاحتلال.