ترجمة حفصة جودة
بعد حرب مكلفة عام 1998 وعقدين من العداء، اتفقت إثيوبيا وإريتريا أخيرًا على تسوية الخلاف بسلام تاريخي في سبتمبر 2018، واستعد العدوان السابقان للسلام بتحسين العلاقات وفتح الباب أمام زيادة الاستثمار والتجارة وفتح طرق تجارية جديدة بين البلدين، لكن هناك مشاكل أمنية وتجارية تلوح في الأفق مما ينذر بعودة الصراع مرة أخرى بين جاريّ القرن الإفريقي.
السلام والازدهار
إذا تمكنت الدولتان من حل مشكلاتهما العالقة، فإن اقتصاد كلا الدولتين سيستفيد من اهتمام المستثمرين الدوليين بتلك المنطقة النامية التي أصبحت أكثر استقرارًا، فتحسين العلاقات أدى بالفعل إلى توفير فرص استثمارات جديدة لإثيوبيا على وجه الخصوص.
كما أن طرق الإمدادات التي حصلت عليها إريتريا في اتفاقية السلام منحت تلك الدولة المغلقة – التي تعتمد على جيبوتي في 95% من الاستيراد والتصدير – فرصة لتنويع موانئها في القرن الإفريقي، وبدأت الدول الأخرى في الانتباه لذلك، حيث وافقت إيطاليا مؤخرًا على تمويل دراسة جدوى لبناء خط سكة حديد طوله 724 كيلومترًا يربط بين ميناء مصوع في إريتريا والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وبينما تحاول إريتريا استخدام العلاقات الجديدة لتحسين صورتها الدولية إلا أن سمعتها كدولة قمعية تسبقها، ورغم أن الأوضاع الداخلية بدأت في التحسن منذ توقيع الاتفاقية، فإن حكومتها المستبدة المتمركزة حول رئيسها أسياس أفورقي تبدو مستقرة مما يعيق أي استثمار أجنبي في البلاد.
هذا الخلاف حول العملة أدى إلى بداية تدهور العلاقات
لذا ربما لن تحصل إريتريا على مكاسب مالية في المستقبل القريب، لكن الاتفاقية مع إثيوبيا وفرت لها الكثير من الناحية الأمنية بإزاحة خصمها الأكبر، كما ساهمت في إلغاء عقوبات الأمم المتحدة المكلفة في نوفمبر 2018.
تاريخ مضطرب
رغم الآمال التي خلقها الانسجام المؤقت بين إثيوبيا وإريتريا، فإن جراح تاريخهما المضطرب القديم تهدد السلام الدائم، فمن 1960 وحتى 1990 كانت إريتريا تحت الحكم الاستبدادي لجيش إثيوبيا “ديرغوي” بعد أن ضمها الحكم الملكي الإثيوبي إليها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وبسبب الغضب من سياسات أديس أبابا الاستبدادية قرر أفورقي والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا “EPLF” بقيادة تمرد ناجح بمساعدة جبهة تحرير شعب التيغراي “TPLF” وهي حركة تحرير مسلحة في منطقة تيغراي شمال إثيوبيا، وفي أثناء الحرب كانت العلاقات قوية بين جبهتي التحرير، لكن الاختلافات الإيدولوجية بينهما أصبحت واضحة بعد استقلال إريتريا.
بدأت إريتريا في الاستفادة من عملتها الموحدة مع إثيوبيا التي كان الهدف منها تحقيق دمج اقتصادي متكامل، وقامت العاصمة الإريترية أسمرة ببيع البضائع الإثيوبية في الخارج بالدولار الأمريكي بعد شرائها بالعملة المحلية ونقص العملات الأجنبية في إثيوبيا، مما تسبب في غضب أديس أبابا.
عندما أصدرت أسمرة عملتها الجديدة “ناكفا” عام 1997، لم تسمح لها إثيوبيا بتداولها بقيمة مساوية لعملتها “البير”، ورغم أن الأمر لم يكن منطقيًا فإن هذا الخلاف بشأن العملة أدى إلى بداية تدهور العلاقات وبالنهاية تسبب في اندلاع الحرب عام 1998 ثم تلتها عقدين من العداء.
صفقة جديدة ونفس المشكلات
مع اتفاقية السلام أعُيد فتح الحدود بين البلدين وبدأ التاريخ التجاري يعيد نفسه، حيث يسافر الإريتريون إلى مدن شمال إثيوبيا لشراء الوقود باستخدام العملة المحلية الإثيوبية مستفيدين من نقص اللوائح بين المدن الحدودية، أدى ذلك إلى تفاقم مشكلة نقص العملات الأجنبية بعد أن بدأت إثيوبيا في استيراد الوقود باستخدام الدولار الأمريكي.
إضافة إلى ذلك تقول التقارير إن الإريتريين يشترون البضائع في تلك المدن بمبادلة الناكفا مع البير بنفس القيمة رغم أن السوق السوداء تقول إن سعر الناكفا يبلغ 57 مقابل الدولار، بينما يبلغ سعر الدولار 28 البير.
أدت نشوة الفرح بالسلام إلى إخفاء بعض الاتفاقات الظالمة، لكن بعض الاقتصاديين في إثيوبيا بدأوا في التعبير عن مخاوفهم، ومع تلاشي فرحة الوفاق يبدو أن مشكلة العملة سوف تتفاقم، ورغم أنه من الطبيعي أن يكون هناك نقاط خلاف بين الجانبين نظرًا لمصالحهم الاقتصادية المتنافسة، فإن هناك عدة عوامل قد تؤدي إلى تفاقم التوترات إذا لم يسع الجانبان لتسوية تلك الخلافات باستخدام آليات واضحة.
على سبيل المثال، من المعروف أن رئيس إريتريا يظهر بلاده على أنها دولة ضعيفة وغير آمنة يسهل السيطرة عليها اقتصاديًا وعسكريًا، ومع الإيدولوجية الماركسية لجبهة تحرير إريتريا فهذا يعني أن أسمرة سوف تعارض أي طلب من أديس أبابا بالسماح للمستثمرين الإثيوبيين بامتلاك عقارات أو فتح شركات كبيرة في إريتريا.
وربما تسعى أسمرة أيضًا إلى مقاومة تأثير الموجة الإثيوبية التي ستأتي في شكل قوة ناعمة، فالعديد يستمعون إلى موسيقي إثيوبية ويشاهدون أفلامًا إثيوبية ويفضلون سماع الأخبار الإثيوبية.
مشكلة التيغراي
مع ذلك، فحتى لو تمكنت البلدان من معالجة الخلافات التجارية والقضاء على مخاوف إريتريا، فإن تاريخ أفورقي النزاعي مع نخبة تيغراي إثيوبيا ما زال مشكلة، حكم أفورقي إريتريا منذ الاستقلال عام 1993 وكان في السلطة عندما كانت العلاقات سيئة بين البلدين، ونتيجة لذلك فهو يحمل الضغائن بسبب هذا التاريخ المضطرب، ويجعله متشككًا في إمكانية حدوث سلام دائم بين البلدين خاصة فيما يتعلق بالتيغراي، فقد كان التيغراي القوة المهيمنة سياسيًا وعسكريًا في إثيوبيا بعد القضاء على حكم ديرغوي في أوائل 1990، وما زالت تلك الأقلية العرقية القوة السائدة في البلاد.
ما زالت الحدود مغلقة مع منطقة التيغراي وتم فتح معبر حدودي جديد في منطقة أخرى
أوضح أفورقي أنه على استعداد لإجراء اتفاقية السلام بعد وصول رئيس الوزراء الحاليّ آبي أحمد – الذي بدأ بتفكيك حكم التيغراي الذي استمر عقدين من الزمان في أديس أبابا – للحكم، ورغم هذا الترحيب الحار بالقيادة الإثيوبية الجديدة، فهناك علامات على أن الصراع بين منطقة تيغراي في إثيوبيا وإريتريا لم ينته.
فمنذ أن تولى أحمد – الذي ينتمي لمنطقة أورمو – السلطة، تراجعت نخبة تيغراي إلى عاصمتهم ميكيلي حيث ما زالوا يسيطرون بقوة، مما يولد المشاكل عند الحدود الإريترية، وما زال أفورقي يعتقد أن التيغراي كانوا يحاولون اغتياله في أوائل التسعينيات عندما كادت أن تتحطم طائرة إثيوبية كان أفورقي على متنها، وأدت حادثة أخيرة إلى تفاقم شعور أفورقي بالقلق من جيرانه الإثيوبيين.
في ديسمبر 2018 نجا وزير الطاقة الإريتري العميد سيبهات إفريم من هجوم مسلحين على منزله في أسمرة، وبعدها بوقت قصير أغلقت السلطات الإريترية الحدود مع إيثوبيا من جانبها بالقرب من مدينة زالامبيسا في منطقة تيغراي.
لم تصدر أي من البلدين بيانًا رسميًا يشرح ملابسات الهجوم لكن الشائعات تقول بأن جبهة تحرير التيغراي الشعبية كانت تخطط لإثارة انقلاب أو احتجاجات ضد حكومة أفورقي، ورغم أنه لا يوجد أي دليل على تلك المزاعم، فما زالت الحدود مغلقة مع منطقة التيغراي وتم فتح معبر حدودي جديد في منطقة أخرى.
إذا استمر العداء بين القيادة الإريترية ومنطقة التيغراي على الحدود، فإن ذلك سيؤدي إلى تدهور العلاقات بين البلدين مرة أخرى، ومع ذلك فهناك مؤشرات على محاولة الجانبين الحفاظ على تحسين العلاقات يدفعهما إلى ذلك الفوائد الاقتصادية والأمنية للاتفاق الجديد.
لكن لكي يظل هذا التقارب قائمًا يجب على البلدين الإجابة عن الأسئلة المعلقة في المجالات الأمنية والاقتصادية من أجل تعميق السلام ومنع حدوث انتكاسة مثلما حدث عام 1998.
المصدر: ستراتفور