دومًا ما كان يُنظر إلى جيل الألفية على أنه مجموعة من الشباب المتحمسين والمفعمين بالحيوية والنشاط، إلا أن هذا التصور ليس صائبًا تمامًا في عالم الأعمال والطموحات العالية، فلقد اتضح مؤخرًا أن عدد رواد الأعمال من الجيل الحالي أقل بكثير من الأجيال السابقة، على الرغم من ميلهم إلى روح المبادرة والقيادة وتغييرهم لبعض عادات العمل التقليدية.
ولا شك أن رؤية مارك زوكربيرج صاحب أكبر منصة رقمية في العالم وإيلون ماسك مؤسس شركة تيسلا وغيرهم من الرياديين الذين أصبحوا نموذج يتطلع إليه جيل الألفية، ساهموا في صناعة بيئة خصبة لأحلام اليقظة، وذلك عدا عن انفتاح الجامعات نحو تخصص ريادة الأعمال، إذ أصبح هذا البرنامج مدرج في ثلثي الكليات، ولكن على ما يبدو فأن هناك العديد من العوامل التي تحبط من عزيمة الناشئين في عالم الأعمال.
ما الذي نجح جيل الألفية في تحقيقه؟
صدر تقرير في عام 2016 عن وكالة أمريكية حكومية تقدم الدعم لأصحاب المشاريع، يشير إلى أن جيل الألفية أقل جيل ريادي في التاريخ الحديث، ففي عام 2014، أفاد أقل من 2% من جيل الألفية أنهم يعملون لحسابهم الخاص مقارنة مع 7.6% من الجيل العاشر(1960-1980) و8.3% لمواليد ما بعد فترة الحرب العالمية الثانية (1946-1964). وقد يعزى هذا جزئيًا إلى صغر سنهم، لكن اتجاه النمو في نفس التقرير أظهر أن حتى رواد الأعمال في سن الـ30 كانوا أقل من 4% مقارنة بـ 5.4% و6.7% للأجيال التي ذكرناها سابقًا.
أكد على ذلك، جون لتييري، المؤسس المشارك لمجموعة الابتكار الاقتصادي الذي قال أن نصيب الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة ويمتلكون أعمالاً خاصة انخفض بنسبة 65% منذ الثمانينيات، وهو الآن في أدنى مستوياته منذ قرن من الزمان، وذلك بالتناقض مع الصورة التي تروج لها وسائل الإعلام بكون جيل الألفية أكثر الأجيال ريادةً على الإطلاق.
يقود جيل الألفية حزمة الابتكار ليس من خلال تأسيس المشاريع وإنما من خلال الأفكار، فإذا نظرنا إلى الثورة الرقمية وما أنتجته من تطبيقات فسوف ندرك أنهم أصحاب هذه التطورات
فبحسب رأيه، قد يقود الشباب بشكل جيد كعقلية وأفكار، ولكن عندما يتعلق الأمر بقياس الأنشطة الفعلية، فإن الأجيال الأكبر سنًا قام بمعظم العمل، أي أن الأربعينيات هي ذروة الأعمال الريادية والشركات الناشئة والفئة العمرية الوحيدة التي لديها نشاط ريادي متزايد في العقدين الأخيرين هي الأشخاص بين 55 و65 سنة، وعادةً ما يبلغ متوسط عمر رائد الأعمال 40 عامًا عند بدء نشاطه التجاري الأول.
تؤيد العديد من التحليلات هذه الملاحظة، حيث ترى أن جيل الألفية يقود فعليًا حزمة الابتكار وريادة الأعمال ليس من خلال تأسيس المشاريع وإنما من خلال الأفكار، فإذا نظرنا إلى الثورة الرقمية وما أنتجته من منصات رقمية وتطبيقات نستخدمها يوميًا، فسوف ندرك أن طريقة تصميمها وتشغيلها وتطويرها جاءت من ميزة الابتكار التي يمتلكها جيل الألفية.
لماذا لم تتماشى روح المبادرة الألفية وميزة الابتكار مع التوقعات العالمية؟
وفقًا لجامعة أكسفورد فإن نسبة الطلاب الذين عبروا عن رغبتهم في أن يصبحوا رواد أعمال كانت 15% في 2016 وارتفعت إلى 19% في العالم التالي مع زيادة عدد الفصول والمواد الدراسية المتخصصة في ريادة الأعمال في الجامعات والمدارس. وإلى ذلك يتوقع البعض أن يكون الجيل الألفي مثل بركان خامد سينفجر في غضون عقد من الزمن ويصبح قادرًا على وضع القواعد الخاصة به وبعمله، ولكن إلى الآن تقف الديون الدراسية والمخاوف من المجازفة في طريقه.
62% من جيل الألفية فكروا في بدء أعمالهم الخاصة إلا أن 42% منهم لا يملكون الموارد المالية اللازمة لتنفيذ هذه الخطوة
فقد تفشت القروض الطلابية بين أبناء جيل الألفية كوباء مزعج، يضغط عليهم للحصول على شهادات جامعية ودرجات علمية من مؤسسات وجامعات رفيعة المستوى، وعند خروجهم إلى سوق العمل فلا يمكنهم الاستثمار أو تحقيق المشاريع التي يرغبون بها، فبحسب مؤسسة “كوفمان” لدعم الرياديين، تخطت هذه الديون الـ1.3 تريليون دولار وهو رقم هائل وله تأثيرات سلبية وواضحة على جيل الألفية.
إذ ارتفع عدد الطلاب المقترضين 89% بين عامي 2004 و2014 وخلال ذلك الوقت ارتفع معدل الديون إلى 77%، ما دفع الشباب تلقائيًا نحو الوظائف التي تضمن راتباً ثابتاً ومستقرًا، ومع ذلك رصد تقرير أخر يؤكد أن 62% من جيل الألفية فكروا في بدء أعمالهم الخاصة والمستقلة إلا أن 42% منهم لا يملكون الموارد المالية اللازمة لتنفيذ هذه الخطوة، ونظرًا لذلك تبقى الوظيفة التقليدية هي الخيار الأمثل لوضعهم.
لا ينبغي أن يكون تركيز الألفيين بشكل كبير على الاستقرار المالي مفاجأة، ولا سيما أنه عاصر عواقب الركود الاقتصادي في عام 2008
في الجهة المقابلة، يرى البعض أبناء جيل الألفية يتجنبون المجازفة وهذا يعني أنهم شديدي الحذر في عمليات التخطيط والإنفاق، ففي عام 2001 أظهر استطلاع أن 24% من الذين تبلغ أعمارهم 25-34 لا يفكرون بإنشاء مشروع خاص خوفًا من الفشل، وازدادت النسبة في عام 2014 إلى 40%. ما يعني أن الدعاية لريادة الأعمال لا تعكس سوق العمل الألفي، فهذه البيانات تحكي قصة مختلفة تمامًا.
ما يزيد الطين بلة أن حوالي نصف جيل الألفية كانوا يعانون من البطالة الجزئية في العام الماضي، وهذا يعني أنهم كانوا يعملون ساعات أقل وفي وظائف لم تكن تعكس درجاتهم وقدراتهم، وبمجرد أخذ هذه التجارب في عين الاعتبار، لا ينبغي أن يكون تركيز الألفيين بشكل كبير على الاستقرار المالي والأمان الوظيفي مفاجأة، ولا سيما أنه عاصر عواقب الركود الاقتصادي في عام 2008، وفقد فرصته في اكتساب تجربة عمل حقيقية تساعده على بناء خبرة مهنية كافية لبدء شركة مستدامة وناجحة.
بالنهاية، فإن دور جيل الألفية كموظف أمر لا يقل أهمية عن كونه رائد أعمال، بالرغم من أهمية الشركات الجديدة والصغيرة في نمو الوظائف والأجور وإطلاق تقنيات واتجاهات نوعية في مختلف الصناعات، إلا أن الأعباء التي ذكرناها تعيق حركة الجيل الحالي وتثقل خطواته، ومع ذلك لا يمكن التشاؤم بشأن مستقبله في عالم مليء بالتحديات التي قد تهديه أحيانًا قفزات نوعية ومفاجئة.