ترجمة لمقال جريدة الإندبندنت
ترجمها: محمد موسى
اكثرهم تلقوا طلقات النار في الرأس والصدر برصاص شديد السرعة (رشاش)، والبعض يعض على شفاهه ليتحمل آلام الموت المبرحة.
عندما سئل الصبي الصغير ما شعوره وهو يشاهد هذه المشاهد – وهو يرتد شبشبه والجينزه الأزرق – ظل صامتاً ومرتبكاً لبضع لحظات. ثم قال بهشاشة طفولية، قال ببساطة شديدة: ” ليس الامر لطيفاً جدا”.
أياً كانت الغاية التي ترجوها الدولة المصرية من تنفيذ حملتها التي طال انتظارها، فإن المئات من الأطفال الصغار الذين كانوا يرتعدون داخل اعتصام المحاصر لن ينسوا شراسة الحكومة التي أعلنت الآن الحرب على الإسلاميين في البلاد.
بدأ قادة مصر سلسلة من العواقب التي لا يمكن التنبؤ بها. تم الإبلاغ عن اشتباكات دامية في جميع أنحاء محافظات البلاد، كما هوجمت مراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية والكنائس القبطية في هجمات انتقامية على ما يبدو.
قتل العشرات، وأصيب مئات آخرون:
وفي علامة على مدى عمق هذه الحملة وتأثيرها على التحول السياسي الجارية في مصر، قام محمد البرادعي، نائب الرئيس والحائز على جائزة نوبل، بتقديم استقالته احتجاجا على حملة القمع. وفي الوقت نفسه قامت الحكومة المصرية المؤقتة بفرض حالة الطوارئ لمدة شهر وحظر التجول أثناء الليل.
في داخل مسجد رابعة العدوية، المبنى الذي يقع في قلب اعتصام شرق القاهرة ، تشبث الأطفال الباكون بأمهاتهم فيما اشتعلت النيران حولهم بعد بدء العملية.
في وسط قاعة الصلاة، وضعت على السجادة بين المئات من النساء والأطفال الصغار في الحرارة الخانقة، وضعت عشرة جثث جنباً إلى جنب داخل وشاح.
طفلة في السبعة أو الثمانية، ترتدي بنطلوناً وردياً وقميصاً قصير الاكمام، تعبر طريقها من إحدى جوانب المسجد إلى الآخر وهي تترنح بين رؤساء الجثث.
“الشرطة والجيش لا يفهمون أي لغة باستثناء قوة” هكذا قال خالد محسن، مهندس يبلغ من العمر 50 عاما، كان عالقاً داخل الحصار. واضاف “انهم يريدون قتل أي شخص لديه وجهة نظر معارضة لهم.”
ونظرا للمستوى الهائل من قوة النيران المستخدمة ضد المتظاهرين، فوجة نظره هذه ستجد الكثير من الاسلاميين غير قادرين على الاعتراض عليها.
ووفقا لشهود عيان، بدأ إطلاق النار في الصباح الباكر حوالي الساعة 06:00، حيث أطلقت قوات الأمن التي طوقت الموقع هجومهم الشرس. وفي معسكر منفصل في غرب المدينة، أمرت هذه القوات بعملية مماثلة هناك.
بعد الظهر كان لا يزال اطلاق النار مستمرا. حيث كانت رشقات نارية ثقيلة شبه تلقائي (سمي اوتوماتك) تطلق النار وصداها يتردد في أرجاء الضواحي القريبة طوال اليوم. إذا كان هناك أي ايقاف لطلق النار، فهذا لم يكن الا لمهلة صغيرة. لمدة 10 ساعة متواصلة تعرض أنصار محمد مرسي لوابل شبه مستمر لاطلاق الرصاص الحي.
طلقات القناص كانت تهوي على طريق نصر، الطريق الرئيسي الذي يمر عبر مخيم الاعتصام، كانت رشقات نيران متواصلة على المباني المجاورة، و الطلقات العشوائية تخترق الخيام.
في المستشفى قريب، ستر الموظفون النوافذ كاجراء احترازي ضد طلقات القناصة.
وقال أحد الأطباء في المستشفى، الذي قدم نفسه باسم أحمد، أنه حتى الغزو الإسرائيلي لغزة في عام 2008 لم يكن بهذا السؤء.
“كنت أعمل هناك مسعفاً خلال تلك المعركة”، هكذا قال للاندبندنت. واضاف: “إن اليهود كانوا أكثر إنسانية بكثير مما يحدث اليوم. حتى في الحرب، هناك وقواعد أكثر احتراما من هذا.”
“في 12 يوما من القتال في غزة، كان هناك أقل من القتلى في ست ساعات هنا.”
وسط الفوضى المذهلة للمجزرة – وهي الثالثة التي ارتكبت ضد الإسلاميين في مصر في فترة تزيد على الشهر بقليل – كانت أرقام الضحايا الموثقة يصعب الحصول عليها.
وفقا لوزارة الصحة المصرية، تم تأكيد 149 قتيلا. ومع ذلك، فإن الرقم الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير. يقول الدكتور هشام إبراهيم، رئيس عيادة ميدانية رابعة العدوية، للاندبندنت أن عدة مئات من الأشخاص قتلوا.
مهما كانت النتيجة النهائية، فإن العدد الهائل من المصابين بالاعيرة النارية والمحتجون المشوهون يجعل من المستحيل تخزين الجثث بشكلٍ جيد. ففي داخل الغرفة التي تم استخدامها كمشرحة في آخر مجزرتين، كان هناك 42 جثة تم حشر بعضها ببعض على الأرض.
مع استمرار المجزرة وقتل المزيد من المتظاهرين، تم تخصيص مناطق أخرى لإيواء الموتى.
وراء المنصة التي تم استخدامها من قبل الإسلاميين لحشد المؤيدين للمرسي في الأسابيع الستة الماضية، كانت هناك قد 25 جثة ملفوفة في اكفان بيضاء، بدون ثلاجات تحت شمس أغسطس الحارقة.
و بجانب مسجد رابعة العدوية – حيث اجتمع الذباب قريبا من جثث العشرة المصفوفين على قاعة الصلاة- كان هناك غرفة أخرى يجري استخدامها كمشرحة مؤقتة.
كان مجموع الجثث التي وضعت في هذه الغرفة الاخرى 31 جثة. لم يكن للمتطوعون اي وقت للعاطفة؛ كانوا يستخدم نفس هذه القاعة لعلاج المتظاهرين المصابين الذين كانوا مستلقين وهو يئنون من الالم بالقرب من الجثث.
“انها ابادة جماعية”، هكذا يقول الدكتور يحيى مكاية، وهو احد المسعفين في مستشفى رابعة. واضاف “انهم يريدون منا أن تختفي من البلاد. أنا لا يمكن لي أبدا أن اتصور أن المصريين سيطلقون النار على المصريين باستخدام هذه الأسلحة.”
هكذا كانت حالة من الفوضى داخل المستشفى، منطقة الاستقبال في الطابق الثاني من المبنى تم استخدمها كمشرحة آخرى لتحوي 26 جثة أخرى. في الطابق الذي يليه وفي مخزن صغير، كانت هناك جثتان اخريتان في داخل حمامٍ لامع من الدماء الطازجة.
وفي الممرات التي لا تتجاوز المترين، اصطف العشرات والعشرات من الجرحى، المصابون الاكثر حظاً تلقوا القطرات المغذية من صديق أو قريب؛ والاكثر حظاً منهم كان لهم سريرٌ في المستشفى. كان الطوابق كله لزجاً بسبب الدم والقيء.