ترجمة نهى خالد
الموانئ العربية
التطوير السريع لثلاثة موانئ تطل على البحر العربي گـوادر في باكستان وتشابهار في إيران والدُقم في عُمان، يُنذِر بتحوّلات كٌبرى في التواصل عبر البر والبحر في منطقة غرب الهند. تستطيع الصين – والتي تقود تنمية ميناء گـوادر – أن تلعب دورًا في تنمية الميناءين الآخرَين. تنمية موانئ البحر العربي بالنسبة لبكين مسألة متعلقة بالربط بين شينجيانغ (إقليم الأويغور) وغرب الصين من ناحية، وغرب المحيط الهندي من ناحية أخرى، فموانئ كهذه تشكل جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها لبناء طريق حرير بحري عبر المحيط الهندي.
الهند، صاحبة أكبر اقتصاد على سواحل المحيط الهندي، تراقب بقلق دور الصين المتنامي خلال العقد الماضي في تنمية ميناء گـوادر، وهي تجاهد لتضع خططتها الخاصة عبر التعاون مع إيران لتنمية ميناء تشابهار المنافس له. ميناء الدُقم، ورُغم أنه ينمو بشكل أسرع من الاثنين المذكورَين، لا يظهر على خارطة الهند الاستراتيجية والاقتصادية.
تلقت خطط گـوادر دفعة كبيرة العام الماضي حين زار رئيس مجلس الدولة الصيني “لي كه تشيانغ” دولة باكستان لتوقيع اتفاقيات ثنائية لتوسيع ميناء گـوادر، وتشييد طريق بين قشغر وشينجيانغ (في آسيا الوسطى) وبلوشستان (باكستان)، وكان رئيس الوزراء الباكستاني “نواز شريف” قد التقى في مطلع هذا الشهر بكتشيانغ، على هامش منتدى بواو، والذي أكد بدوره استعداد الصين العمل على هذه المشاريع بنهاية العام، شريف، بدوره أكد لكتشيانغ أن توفير الأمن للصينيين سيكون أولوية من أولويات حكومته إذا طالت هجمات عدة مهندسين وعمّال صينيين في محافظة بلوشستان المتوترة والتي تضم ميناء گـوادر.
زار نواز شريف گـوادر الأسبوع الماضي وأكد على أهمية المشروع وناقش المخاوف السياسية في بلوشستان، كما أكد أن گـوادر سيُحدث تحولات لا في باكستان وبلوشستان فقط، ولكن في المنطقة ككُل.
سكة حديد صينية
قبل ذلك بعدة أيام، كان رئيس إيران “حسن روحاني” متوجهًا لمحافظة سيستان-بلوشستان التي تضم ميناء تشابهار، والذي يبعد عن گـوادر حوالي 70 كم فقط، وهو حيوي جدًا لخطة إيران لتكون هي الجسر بين المحيط الهندي وأفغانستان وآسيا الوسطى.
يرى الكثيرون في الهند أن گـوادر وتشابهار مشروعين متنافسَين، إلا أن الصين ترى الأمر بشكل مختلف تمامًا، إذ ترى أن وجود عدة موانئ تربط غرب الصين بالمحيط الهندي أمرٌ أفضل من الاعتماد على ميناءٍ فقط، ففي الأشهر الماضية سرت أنباء عن رغبة الصين في الاستثمار في مشروع تشابهار، إذ أعلن روحاني في خطاب له في سيستان – بلوشستان أن طهران تتفاوض مع بكين بشأن مدّ سكة تشابهار الحديدية لتصل إلى غرب الصين عبر أفغانستان وآسيا الوسطى.
ميناء الدُقم العُماني
ميناء الدُقم العُماني مرشَّح، من قبل گـوادر وتشابهار بوقت طويل، ليكون قلب التجارة في المنطقة، فعُمان تسعى لتحويل تلك القرية الصغيرة على شواطئ البحر العربي إلى “سنغافورة” جديدة، وبالإضافة إلى مشروع الميناء، فإن عُمان بصدد إنشاء مطار، ومنطقة اقتصادية، ومصافي بترول، ومزارع لتخزين النفط، وأحواض جافة للسُفن، ومنتجعات سياحية، وكذلك طرُق وسكك حديدية منطلقة من الدُقم، لتصلها بموانئ عُمانية أخرى، وبسائر مُدن الجزيرة العربية.
ميزة الدُقم الكبيرة أنها تقع خارج الخليج الفارسي، حيث يوجد منافسون مثل دُبي، كما أنها ستكون بمنأى عن أي مخاطر في الخليج لتصبح مركزًا آمنًا للتجارة مع المنطقة. الدُقم موقع هام أيضًا للنقل والشحن بين أفريقيا والشرق الأوسط والهند والصين بشكل أوسع، ستكون الدُقم مهمة أيضًا للجيش الأمريكي، إذا تقلل كثيرًا من مخاطر التمركز داخل الخليج الفارسي والذي يحوي الأسطول الأمريكي الخامس الموجود بالبحرَين، ومركز العمليات الموجود بقطر.
في الأعوام القليلة الماضية، رفرفرت أعلام البحرية الصينية في ميناء صلالة العُماني بين الحين والآخر، والمرافق الجديدة التي تُبنَى في الدُقم ستجذبهم أكثر من ذي قبل، كما ستجذب الكثير من أساطيل الدول الكُبرى الأخرى التي تسعى لضمان موقع للتموين والصيانة في المحيط الهندي، فوق كل ذلك، ستتمكن عُمان من استعادة موقعها التاريخي كمركز بحري لسواحل المحيط الهندي.
عن الكاتب: “راجا موهان” مستشار التحرير للشؤون الخارجية بصحيفة “الإنديان إكسبرس” وزميل بمؤسسة أبحاث الأوبزرفر في نيو دلهي، عمل في السابق كمراسل لجريدة “ذه هِندو” في واشنطن ومحرر للشؤون الاستراتيجية، وهو أستاذ سابق لدراسات جنوب آسيا بجامعة جواهرلال نهرو في نيو دلهي، وجامعة نانيانغ تِكنولوجيكال في سنغافورة، كما عمل أيضًا بمعهد دراسات وتحليلات الدفاع، ومركز بحوث السياسيات في نيو دلهي، وهو في مجلس تحرير عدة دوريات ومؤسسات مختصة بالشؤون الدولية مثل معهد دراسات جنوب آسيا في سنغافورة، ومعهد لوُوي في سيدني، ووقف كارنيجي للسلام العالمي في واشنطن العاصمة، أحدث كتبه هي “سامودرا مانثان: المنافسة الصينية الهندية في الهندي والهادي”.