لا يبدو أنّ أطفال القرن الواحد والعشرين يكبرون بشكلٍ أسرع اليوم وحسب، بل إنّ العديد منهم يبدأ بالفعل في التطور والنموّ البدني والجنسيّ في وقتٍ مبكرٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى في التاريخ. ووفقًا لكثيرٍ من العلماء والخبراء، فنحن نعيش في عصر “البلوغ الجديد” الذي تبدأ فيه أعداد متزايدة من الفتيات بالتطور جنسيًا في سن السابعة أو الثامنة. الأمر نفسه شائع أيضًا عند الذكور.
وفقًا لبعض الإحصاءات في ستينات القرن الماضي، ما يقارب 1% فقط من الفتيات دخلن سنّ البلوغ قبل عيد ميلادهنّ التاسع. اليوم، 40% من الفتيات يدخلن مرحلة البلوغ في عمر التاسعة في كلٍّ من البلدان الغنية والفقيرة. والمثير للاهتمام هو أنّ العديد من الفتيات يبدأنَ بالتطوّرات الجسدية الجنسية مثل نموّ الثدي وظهور شعر العانة قبل سنتين إلى ثلاث سنوات من بدء دورتهنّ الشهرين الأولى.
السُمنة المُقرطة وتغيّرات الغذاء
أسباب هذه التغييرات لا تزال غير واضحة تمامًا. لكن يشير العديد من العلماء إلى الآثار المتزايدة في سمنة الأطفال والمواد الكيميائية والمصنّعة التي يستهلكها الجسم.
انعدام استقرار الأُسرة وغياب الأب: أسباب ممكنة
من وجهة نظرة مختلفة، تركّز أبحاث أخرى على العوامل الاجتماعية والنفسية للطفلة، بما في ذلك الصدمات المبكّرة والحرمان الاجتماعي وانعدام استقرار الأسرة والفقر وما إلى ذلك. فعلى سبيل المثال، وجدت إحدى البحوث الحديثة في مجلة صحة المراهقين أنّ الفتيات اللواتي لا يعيش آباؤهنّ معهنّ هنّ أكثر عرضةً للدخول في سنّ البلوغ، وما يرتبط به من نموّ الثدي وظهور شعر العانة، بصورة أسرع من غيرهنّ من الفتيات في نفس العمر.
لكنّ تأثير الآباء لا يقتصر فقط على ما إذا كانوا حاضرين جسديًا أم لا. ففي العائلات المستقرّة حيث يعيش الوالدان مع أطفالهما، تصل الفتيات إلى سنّ البلوغ في وقتٍ لاحقٍ إذا كان لديهنّ علاقات إيجابية مع آبائهنّ مقارنةً بالفتيات التي تتسم العلاقة بالسلبيّة وضعف الاتصال والتواصل وانعدام مشاركة الأب في التربية والتنشئة. ومن المثير للاهتمام أيضًا أنّ غياب الأم أو علاقتها بطفلتها لا يؤثران على الوقت الذي تصل فيه إلى سن البلوغ.
وبشكل عام، يبدو أن الزيادة الهائلة في معدّلات الطلاق وغياب الأب عن الأسرة قد لعبت على الأرجح دورًا رئيسيًا في تبكير سنّ البلوغ عند الفتيات. ومع ذلك، ليس من الواضح على وجه الدقة والتحديد الأسباب الكامنة وراء ذلك حتى اللحظة. غير أنّ بعض الآراء التطوّرية تتوقّع أنّ كلًّا من غياب الأب وانعدام استقرار الأسرة يرسل إشارات “خطر” إلى دماغ الفتاة ممّا يؤدي إلى تغيّرات في هرموناتها الجنسية والجسدية اللازمة للتكاثر والتي تعطيها القدرة على استخدام الجاذبية الجنسية في أقرب وقتٍ ممكن.
فيما يقترح البعض أنّ غياب الأب البيولوجي غالبًا ما يؤدّي إلى احتكاك الفتاة بالذكور البالغين الآخرين الذين تعمل فيروموناتهم على التأثير على ساعتها البيولوجية. ومن جهة أخرى، ثمّة فرضية أكثر إثارةً للجدل هي أنّ غياب الأب يرتبط بعمل الأم لساعاتٍ طويلة تعجز خلالها عن تقديم الرعاية لأطفالها، ما يعني أيضًا غيابها عن البيت وضعف اتّصالها بفتاتها الصغيرة التي تتعرّض لاحتمالٍ أكبر للبلوغ المبكّر.
أسئلة جادة وحتمية: متى تخبر طفلتك عن البلوغ والدورة الشهرية؟
تضعنا هذه التغييرات جميعها في مواجهة سؤالٍ مهمّ وجوهريّ حيال تقرير “العمر المناسب” لتعليم الأطفال وإرشادهم عن سنّ البلوغ. ففي عام 2017، طالب البعض بأنّ هذا يجب أنْ يكون عندما تبلغ الطفلة السابعة من عمرها. فيما يرى البعض أنّ التحدّث مع طفلةٍ في السابعة من عمرها عن الثديين وشعر العانة ورائحة الجسم والتغيرات التناسلية قد لا يكون سهلًا أبدًا في الوقت الذي تُفترض فيه أنْ تلعب مع أقرانها دون أنْ تنشغل بهذه القضايا الجادّة.
خاصة في الوقت الذي نواجه فيه العديد من التغيّرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة المرتبطة بالحروب والثورات والهجرات وعمالة الأطفال الصعبة وما إلى ذلك، حيث تبلغ الفتيات في سنٍّ مبكّرة جدًا دون أنْ يكون دماغها جاهزًا لهذه التغيّرات التي قد تشكّل صدمةً /لهن يمكن أنْ تحدث عواقب نفسية واجتماعية فعليّة. لا سيّما وأنّ العلماء يخشون أنّ هذا التطور المبكّر قد يزيد من خطر الإصابة بالسرطان أو أمراض أخرى في وقت لاحق من الحياة.