ترجمة وتحرير: نون بوست
يشير التقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخرا، إلى “المقاومة السلبية” للبيروقراطيين السعوديين الذين يعرقلون خطط الإصلاح التي وضعها ولي العهد. كما يقدم التقرير تحليلاً شاملاً وعميقا لمكائد الاقتصاد السياسي السعودي وطموحاته، ومبادلاته، ومدى علاقته بالواقع. في المقابل، يسلط الضوء على العلاقة التي يسودها الاضطراب أحيانا بين ولي العهد، محمد بن سلمان، والموظفين الحكوميين.
الاقتصاد الجديد
لطالما أبدى الموظفون الحكوميون عزمهم على إفشال خطط محمد بن سلمان في تنفيذ رؤيته لتحويل اقتصاد المملكة الثري، رغم محدوديته واعتماده على النفط، إلى اقتصاد معولم ومتنوع وحديث. ومن خلال تحويل كمية صغيرة من المجوهرات الملكية إلى نقود، من باب المجاملة لأسواق رأس المال العالمية، يمكن إعادة استثمار الفائض الاقتصادي في مشاريع حديثة ومتطورة، على غرار الطاقة الشمسية، وأوبر وغيرها. فأين يكمن الخطأ في ذلك؟
يشبه برنامج بن سلمان الإصلاحي تقريبًا كتابا عن التحويل الاقتصادي مستمد من كتاب قواعد يمارسها صندوق النقد الدولي والاستشاريون الاستراتيجيون، حيث يتضمن كل مقومات “الاقتصاد الجديد”. مع ذلك، وكما رُوي لنا، ماطل البيروقراطيين في المملكة وأرجئوا العمل بهذا البرنامج، بل وسخروا منه أيضا. فهل هم مجرد رجعيين “لم يتمكنوا من فهم محتواه” أم أن هناك أسبابا أخرى وراء تحفظهم؟
غالبا ما يختلف الاقتصاديون والمموِّلون بشأن التقييمات التي يقدمونها حول الشركات، لأن ذلك عادة ما يكون مدفوعًا بعامل تباين الأرباح خاصة بالنسبة لشركات التكنولوجيا المتقدمة ذات الآفاق المستقبلية الهائلة للنمو
يوجد صورتان راسختان تتبادران إلى الذهن على شكل شخصيتين تلفزيونتين، وهما السير همفري أبلبي التي قام بأدائها الممثل الإنجليزي، نايجل هوثورن، في المسلسل الكوميدي “يس مِنِسْتر”، فضلا عن شخصية خادم الأمير ريجنت التي لعب دورها الممثل روان أتكينسون في سلسلة “بلاكادار الثالث”. بالنسبة للشخصية الأولى، استخدم السير همفري حيلة التعتيم لإحباط جدول أعمال وزيره ورئيس الوزراء في وقت لاحق، ويرجع السبب في ذلك إلى اعتقاده أنه أعلم من ذلك السياسي الجاهل، لكنه شعر أيضا أن من واجبه حماية الخدمة المدنية التي كانت تعاني من متاعب جراء القادة السياسيين. أما بالنسبة للشخصية الثانية، فقد سعى خادم الأمير ريجنت ضمن سلسلة ” بلاكادار” إلى استخدام ذكائه لاستغلال سيده المغرور والغبي.
حماية الدولة
في ظل السعي لعدم مقارنة محمد بن سلمان بسياسي أخرق أو أمير متكبر، قد نتساءل عما إذا كانت مهمة المسؤولين السعوديين تتمثل في حماية الدولة، أم خدمة مصالحهم الخاصة أم كلاهما على حد السواء؟
تعتبر عمليات التقييم الواسعة لأرامكو أحد الجوانب البارزة التي تضمنها التقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”. وبقيمة مبدئية تبلغ 2 تريليون دولار، وهو رقم يبدو أنه انبثق أكثر عن 100 مليار دولار الذي سيتقلص مع عائد تبلغ نسبته 5 بالمائة، ستنخفض قيمة تثمين الشركة إلى قرابة 666 مليون دولار، وهو الحد الأدنى من التقديرات الرسمية اللاحقة.
غالبا ما يختلف الاقتصاديون والمموِّلون بشأن التقييمات التي يقدمونها حول الشركات، لأن ذلك عادة ما يكون مدفوعًا بعامل تباين الأرباح خاصة بالنسبة لشركات التكنولوجيا المتقدمة ذات الآفاق المستقبلية الهائلة للنمو. ويعد هذا الأمر أقل شيوعًا بالنسبة للصناعات “التقليدية” التي تعتمد على الطاقة، إلا إذا كانت هناك وجهات نظر متباينة على نطاق واسع حول الاحتياطيات، وهو ما لا ينطبق على حقول النفط السعودية التي تم إجراء بحوث كافية حولها.
مستثمرون سعوديون وأجانب أمام شعار شركة النفط العملاقة السعودية أرامكو.
لماذا يحدث هذا الاختلاف الثلاثي في التقييم؟ يلمح تقرير “وول ستريت جورنال” إلى أحد الاحتمالات، المتمثل في زيادة الأسعار للاستهلاك المحلي المدعوم تاريخيا، وهو ما يحدث في إطار تحريك التقديرات الأكثر انخفاضا نحو التقديرات الأصلية. لكن، سيتم رفض اتخاذ مثل هذه الخطوة باعتبارها غير مقبولة سياسيا. ومن المرجح أن هذا الاختلاف يُعزى إلى الحدود غير الواضحة بين الشركات والدولة من جهة وملكية الأصول الخاصة بالأمير من جهة أخرى.
من المحتمل أن تبقى رؤية بن سلمان مجرد تمنّي بالنسبة له، نظرا لأن عملية تنفيذها تبدو أمرا خياليا
من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل؛ كم من أرباح شركة أرامكو ستذهب بالفعل إلى كيان الشركة المعروض في العرض العام الأولي؟ في هذه الحالة، ستطرح مسألة التقييم، التي تعد المسألة الأساسية للعرض العام الأولي، أسئلة سياسية وكذلك اقتصادية للمملكة.
انعدام الشفافية
ترتبط بما ذُكر آنفا مسألة الشفافية، حيث يسلط التقرير الذي نشرته “وول ستريت جورنال” الضوء على الجدل الذي يدور بين قائمة بورصات نيويورك أو لندن، حيث يعتقد البعض أن اعتماد بورصات نيويورك سيساهم في إثارة الكثير من الدعاوى القضائية من قبل حاملي الأسهم. في الأثناء، لن يكون طرح أسهم شركة أرامكو في بورصات لندن شفافا على نحو يدعو إلى الاطمئنان.
بصرف النظر عن التقييم، ما الذي تحاول شركة أرامكو والمملكة وموظفوها الحكوميون إخفاؤه؟ فبالنسبة لبلد يشتهر بالفساد ويحتل المرتبة 49 من 100 على مؤشر مدركات الفساد الذي تضعه منظمة الشفافية الدولية، من غير المحتمل أن يمتثل الموظفون الحكوميون والأمراء لمعايير الشفافية المطلوبة في مثل هذه الحالات. بالتالي، من المرجح ألا يحمي الموظفون الحكوميون المتقاعسون أسيادهم فحسب، بل أنفسهم أيضًا.
يتمتع محمد بن سلمان بكل الصلاحيات لإقالة أولئك الذين يتصدون أو يضعون العراقيل في وجه تنفيذ خططه ويستبدلهم بفريق جديد سيدعم دائمًا رؤياه
يتمثل التفسير الأقل إثارة للسخرية في أن الموظفين الحكوميين السعوديين سيسعون ببساطة إلى فعل ما يرونه صحيحا لبلادهم من خلال حماية أصولهم الوطنية الأساسية بدلاً من رهنها في مغامرات غير آمنة وتنطوي على درجة عالية من المجازفة. لذلك، من المحتمل أن تبقى رؤية بن سلمان مجرد تمنّي بالنسبة له، نظرا لأن عملية تنفيذها تبدو أمرا خياليا، حيث أثبت الموظفون الحكوميون أنهم يفكرون على نحو أكثر واقعية من خلال وضع عراقيل أمام أفكار أميرهم المجنونة.
في المقابل، يتمتع محمد بن سلمان بكل الصلاحيات لإقالة أولئك الذين يتصدون أو يضعون العراقيل في وجه تنفيذ خططه ويستبدلهم بفريق جديد سيدعم دائمًا رؤياه. ولم يتضح بعد كيف يمكن تحويل الاقتصاد السعودي دون تطبيق مبدأ المساءلة وسيادة القانون، والشفافية. كما أنه من الجيد أن نحلم بالقيام بتحول نيوليبرالي، بيد أن مثل هذا المشروع يحتاج إلى تطبيق أهم الأساسيات الكفيلة بإرساء اقتصاد فعال، التي تشمل الشفافية، والاستقرار السياسي، ناهيك عن ضرورة التصريح بالمكاسب.
المصدر: ميدل إيست آي