منذ عدة سنوات كنا نشتكي من قلة فرص العمل وكثرة عدد الخريجين وزيادة معدلات التضخم الاقتصادي وصعوبة الحصول على عمل مناسب براتب معقول، كما كان الكثير من الشباب يضطرون للعمل في وظائف لا يحبونها أو حتى دراسة مجالات لا يرغبونها لعدم توافر وظائف مناسبة لهم في مدنهم أو حياتهم العملية القريبة.
ظلت الأوضاع بهذا الشكل إلى أن ظهر لنا الحل السحري الذي سهل الحياة لدى الكثير من الأسر وجدد أحلام الشباب في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ومكن لهم فرص عمل في مهن يحبونها ويخلصون لها، تزامن كل ذلك مع ثورة الإنترنت وانتشاره الكثيف بين الشباب والعالم أجمع، كخطوة تقنية وحياتية ملحة، ومع تلك الخطوة انتشرت وظائف جديدة ومتطلبات أكثر حداثة وتطورًا، كان أبرزها استخدام الإنترنت في التسويق التجاري للسلع والشركات وإضفاء جزء افتراضي على كل ما هو موجود في الحياة الواقعية مثل بناء مواقع إلكترونية لكل شركة أو التسويق لبعض المطاعم والمحلات الموجودة في الواقع، بجانب وجود العديد من الخدمات التي يود أصحابها تأديتها والوصول إلى شخص متخصص لإنجازها بطريقة أسرع، بجانب الأعمال التي زادت لعمل مشاريع ربحيه أساسسها الإنترنت.
عندما تقرر أن تكون عامل “فري لانس” يجب أن تضع في ذهنك عدة اعتبارات أولها أن ما تقوم به من عمل غير مضمون
أغلب ما يتم عمله على الإنترنت يتنوع بين الكتابة والتدوين، البرمجة وتصميم المواقع، الترجمة والتسويق الإلكتروني وخلافه، ومع الوقت أمسى الكثير من الشباب يفعلون أشياء يحبونها ويتعلمون بشغف كل جديد في مجالهم، كما تمكن عشرات الشباب من جني أموال كبيرة تفوق أي وظيفة في الحياة الواقعية التي كانت ستتعامل معك على أنك مبتدئ دون خبرة وبالتالي يقل أجرك، وبجانب كل ما يقدمه “الفري لانس” من مميزات نجد أننا وقعنا ضحايا لمشكلات نفسية واجتماعية أخرى لم تكن في الحسبان.
عندما تقرر أن تكون عامل “فري لانس” يجب أن تضع في ذهنك عدة اعتبارات أولها أن ما تقوم به من عمل غير مضمون، فيمكن أن تجد أن جدول أعمالك مزدحم جدًا في بعض الأيام وفي بعض الأيام الأخرى ليس لديك ما تقوم به، بجانب أنه إن كانت حياتك عشوائية وغير مرتبة فتأكد أن حياتك الاجتماعية ستكون عين المصاب، ولن تجد ما يوقفها لتستقيم حياتك بشكل عام، والناحية الاجتماعية في الفري لانس مُهددة من عدة اتجاهات، أولها عدم تنظيمك لوقتك الذي يمكن أن ينقضي في العمل كل يوم ودون أي تنظيم وتجد أنك قد تظل أيامًا لا تفارق شاشة الكمبيوتر على حساب طعامك وصحتك.
وهناك جانب آخر يجهله من لا يعملون في هذا المجال وهو شعورك بالصداع المستمر ومن أقل سبب سيودي بك إلى تفضيلك النوم والهدوء على فعل أي شيء كنشاط اجتماعي مثل الحديث مع أحد الأصدقاء أو مشاركة الحياة الأسرة، ويمكننا أن نذكر الجلوس منحني الظهر والتشبع من كل ما تراه على الإنترنت لترسم لنفسك دائرة لا يوجد بها مساحة لأحد غيرك.
بشكل عام توجد مشاكل عدة نتيجة هذا النوع من العمل ليست مشاكل اجتماعية مباشرة ولكنها مشاكل نفسية تؤذي الفرد وتؤثر على اجتماعيته ككل، فعلى سبيل المثال شعورك بالقلق تجاه وقت تسليم العمل، وشعورك أنك لن تستطيع إنهاءه في الوقت المناسب سيؤثر على تعاملك مع غيرك، بجانب وحدتك وانعزالك عن الآخرين سيودي بك إلى فراغ مُهلك وسيُنمي فرصة كونك شخصية حدية لا تتعامل مع الآخرين بشكل طبيعي وتكون دائمًا سلبيًا تجاههم.
إن قررت أن تعمل فانتبه لحياتك من البداية وجرب أن تعمل بهذا الشكل لمدة قصيرة حتى لا تجد نفسك ضحية لطريقة عمل لا تستطيع تحملها أو اللحاق بتطوراتها
بجانب كل المشاكل التي يمكن أن نستنبطها من هذه الطريقة في العمل نجد أن كل شخص يمكن أن تنشأ لديه مشاكل جديدة وفريدة من نوعها، فأنا مثلًا أعاني من التعامل مع الآخرين، عندما أتعرف على أشخاص جدد يكون السؤال الغالب ماذا تعملين؟ فيصعب علي الإجابة أو الشرح والتكرار لعدم اعتراف الكثيرين بالفري لانس أو عدم معرفتهم به، فكثيرون يرون أن العمل إن لم يكن بشكله التقليدي لا يعتبر عملاً، بجانب بعض المشاكل الأخرى التي يعاني منها الكثيرون وهي الفترة التي أجلس فيها في المنزل، حيث إنها فترة كبيرة ومملة وأشعر بسخافة الحياة وأنا أرى كل أفراد الأسرة يخرجون ويدخلون لقضاء مصالحهم وأنا كالحبيسة بين جدران المنزل، شعور سخيف أن أظل عالقة في نفس المكان كل يوم بلا تغيير والمفترض أنني أعمل مثل الآخرين.
رغم كل ما أرويه من مساوئ لا أهدم إيجابية العمل المستقل وأرى أن به الحل لمشاكل كثيرة، وعلى النقيض يمكن أن تتحول كل السلبيات التي أذكرها إلى مميزات إن استطاع الفرد أن يصوغها ويطوعها لصالحه، بجانب وجود العديد من الشخصيات التي تفضل العزلة المطلقة وتريد الابتعاد عن عناء المدير المُتذمر دائمًا وأصدقاء العمل الثرثارين أغلب الوقت، وتظل النقطة الأهم لدى الشخص نفسه الذي يحدد أسبابه لتغيير طريقه عمله، فإن قررت أن تعمل فانتبه لحياتك من البداية وجرب أن تعمل بهذا الشكل لمدة قصيرة حتى لا تجد نفسك ضحية لطريقة عمل لا تستطيع تحملها أو اللحاق بتطوراتها.