دلالات زيارة رئيس الوزراء اليوناني لتركيا

تاريخيًا لم تكن العلاقات بين تركيا واليونان – دولتي الناتو – جيدة بسبب الخلافات المتعلقة بقبرص والجزر في بحر إيجة، فقد شهدت العلاقات أكثر من محطة توتر وصلت أحيانًا إلى ذروتها، ومؤخرًا كان هناك عدة تطورات مثل رفض اليونان تسليم 8 عسكريين أتراك تابعين لتنظيم غولن لجأوا إليها بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016، كما اعتقلت القوات التركية جنديين يونانيين قالت اليونان إنهما عبرا الحدود بالخطأ، وفي مايو 2018 حصلت بعض المناوشات البحرية تبعتها تصريحات تهديدية متبادلة من الجانبين خاصة من وزير الدفاع اليوناني بانوس كاميونس الذي أعلن استقالته قبل شهر تقريبًا.
وفي ديسمبر الماضي عاد وزير الدفاع لإثارة التوتر عبر الحديث عن عزم اليونان إعلان جزيرة كاستيلوريزو التي تبعد كيلومترًا ونصف عن الساحل التركي منطقة اقتصادية خالصة لليونان من أجل السعي لاستغلال الغاز الطبيعي الموجود في الجزيرة، وتعتبر الجزيرة من الجزر التي يوجد عليها خلاف بين البلدين، وترفض أنقرة أي عملية تنقيب عن الغاز في المنطقة دون التنسيق معها، وقد هددت أكثر من مرة باستخدام القوة ضد سفن كانت متجهة للتنقيب عن الغاز لصالح اليونان في المنطقة.
آخر حلقة في هذه السلسلة كانت انضمام اليونان إلى منتدى غاز شرق المتوسط مع مجموعة من الدول الأخرى، حيث استبعد هذا المنتدى تركيا رغم كونها من أهم الدول في هذا المجال، مما حذا بتركيا أن تعتبر المنتدى استهدافًا لها بالدرجة الأولى أو التفافًا عليها وعلى خططها في المنطقة.
في ظل هذه الأجواء حل رئيس الوزراء اليوناني هذا الأسبوع ضيفًا على أنقرة وتم استقباله بحفاوة واضحة وسمح له بزيارة معهد هالكي الذي كان سابقًا معهد تدريب للمسيحيين الأرثوذكس قبل أن يغلق عام 1971
ويلاحظ مما سبق أن النبرة التوتيرية لوزير الدفاع اليوناني لم تستخدم من رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس، فوزير الدفاع كامينوس هو زعيم حزب اليونانيين المستقلين اليميني الذي دائمًا ما انتقد تركيا ويهدد حاليًّا بسحب تأييده للائتلاف الذي يقوده تسيبراس، حيث احتج كامينوس على اتفاق ينهي الخلاف المستمر منذ عقود على اسم دولة مقدونيا وأعلن استقالته من الوزارة.
زيارة تسيبراس
في ظل هذه الأجواء حل رئيس الوزراء اليوناني هذا الأسبوع ضيفًا على أنقرة وتم استقباله بحفاوة واضحة وسمح له بزيارة معهد هالكي الذي كان سابقًا معهد تدريب للمسيحيين الأرثوذكس قبل أن يغلق عام 1971 (وعد أردوغان بفتحه إذا حسنت اليونان أوضاع الجالية المسلمة في تراقيا الغربية)، والتقى تسيبراس بممثلين عن الأرثوذكس والجالية اليونانية في إسطنبول، كما رافق الناطق باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين تسيبراس في جولة بمتحف أيا صوفيا.
تشير حفاوة تركيا مع رئيس الوزراء اليوناني إلى رغبة تركية واضحة في تحسين العلاقة والعمل على تحقيق أفضل حالة تعاون ممكنة مع وجود فرص تلوح في الأفق يمكن أن تكون لها مساهمات في الاستقرار السياسي والاقتصادي لتركيا، ويلاحظ أن هذا نهجًا تركيًا تمارسه الدولة مؤخرًا مع عدد من الدول المجاورة مثل العراق واليونان وربما سوريا لتخفيف التوتر وحل المشاكل القائمة مما يوفر بيئة جيدة للتعاون الاقتصادي والسياسي ومناخًا أكثر استقرارًا.
لقد قام أردوغان في ديسبمر 2017 بزيارة تاريخية إلى اليونان كسرت الكثير من الجمود وربما تعتبر زيارة تسيبراس الحاليّة في جزء منها ردًا على زيارة أردوغان وفي وقت داخلي حساس.
إن التفاهم بين تركيا واليونان يكسر العزلة المفترضة التي يمكن أن يتصور أن منتدى غاز شرق المتوسط قد يطبقها على تركيا
أما تسيبراس فكأنه تحرر من قيود وزير الدفاع المستقيل، حيث كان لديه إصرار على زيارة تركيا ولقاء أردوغان للحديث عن الموضوع القبرصي والتوصل إلى إنجاز فيه بعد إنهاء مشكلة اسم مقدونيا، ووفقًا للصحافة التركية فقد انتقدت وسائل الإعلام اليونانية زيارة تسيبراس لتركيا واعتبرته مستعجلاً.
جاءت زيارته في وقت تحتاج فيه تركيا لاستقرار أكثر مع اليونان خاصة مع اقتراب موسم السياحة وحاجتها لتهدئة الأجواء، إضافة إلى حاجتها للتعاون الاقتصادي الذي يكون غالبًا أكثر فائدة عندما يكون بين الجيران، أما الأمر الآخر وهو موضوع قبرص فإن التفاهم بين تركيا واليونان يكسر العزلة المفترضة التي يمكن أن يتصور أن منتدى غاز شرق المتوسط قد يطبقها على تركيا.
وإضافة إلى هذا يمكن أن تنفذ بعض المشاريع المشتركة بين البلدين مثل إطلاق رحلات بحرية بين مدينتي إزمير التركية وسالونيك اليونانية، وإنشاء خط حديدي سريع بين إسطنبول وسالونيك، وتطوير معبر إيبسالا – كيبي الحدودي.
أردوغان الذي أعلن استعداده في صيف العام الماضي إطفاء حرائق غابات اليونان مستعد اليوم مرة أخرى لإطفاء حرائق الماضي عبر تسويات وتفاهمات تحقق لتركيا وضعًا أفضل من واقعها الحاليّ
لم يعط تسيبراس وعودًا بإعادة الجنود الانقلابيين، حيث قال إن المحاكم هي المختصة بمثل هكذا قرار، ولكن توقيت الزيارة وحفاوة الاستقبال والتصريحات المصاحبة في ظل الأجواء الحاليّة تشير إلى حالة هدوء ورغبة من التعاون بين الطرفين، لكن من المبكر بالنظر إلى الماضي المتوتر – حيث خاض البلدان من 1879 حتى 1922 4 حروب كبيرة – توقع تحقق تعاون فوري وفاعل، لكن إذا استطاع البلدان التعاون الذي يبدأ بحل الخلافات بشان قبرص وجزر بحر إيجة فإن إمكانية التعاون في مشاريع الطاقة هناك ستكون أكبر وسيستفيد الطرفان، وقد قال أردوغان بعد لقائه مع تسيبراس: “إننا على ثقة بإمكانية حل جميع القضايا والخلافات بين تركيا واليونان عبر الوسائل السلمية“.
إن أردوغان الذي أعلن استعداده في صيف العام الماضي إطفاء حرائق غابات اليونان مستعد اليوم مرة أخرى لإطفاء حرائق الماضي عبر تسويات وتفاهمات تحقق لتركيا وضعًا أفضل من واقعها الحاليّ.