بعد أيام قليلة من إعلان انفصال الرئيس التنفيذي لشركة “أمازون” جيف بيزوس عن زوجته ماكينزي، الشهر الماضي، إثر زواج دام قرابة 25 عامًا، فوجئ الرجل بصحيفة “ناشونال إنكوايرر”، إحدى صحف التابلويد الأمريكية، تنشر تقريرًا عن رسائل نصية “حميمية” بينه وبين المذيعة التليفزيونية السابقة لورين سانشيز.
الرأي العام الأمريكي لم يتفاعل مع الواقعة حينها بالشكل المتوقع، كونها لا تعدو سبقًا صحفيًا يأتي في إطار التنافس الإعلامي على تحقيق أكبر قدر من الانتشار والجماهيرية خاصة أن بيزوس الذي تصنفه مجلة “فوربس” الرجل الأغنى في العالم هو المالك لصحيفة “واشنطن بوست” المثيرة للقلق للإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فحصول الصحيفة على رسائل وصور خاصة لبيزوس دفعه إلى فتح تحقيق شامل وعاجل لمعرفة كيفية تسريب تلك المعلومات التي تندرج تحت بند الخصوصية الشخصية، وبعد شهر تقريبًا من التحقيقات كشف الرجل النقاب عن معلومات جديدة بشأن هوية سارق تلك البيانات.
الفريق الأمني المختص بالتحقيقات الذي عينه رجل الأعمال الأغنى عالميًا توصل إلى أن الأمر يتعلق بانتقام الرئيس الأمريكي من صحيفة “واشنطن بوست” التي تقوم على الدوام بانتقاد سياسة ترامب بشكل قاسٍ، مرجحًا أن خيوط الفضيحة تنتهي عند أشخاص مقربين من الرئيس الأمريكي إلا أن الأمر لم يتم إثباته بطريقة عملية حتى وقتنا الحاليّ.
وعليه ومن خلال تدوينه له على موقع “ميديام” اتهم بيزوس مجلة “ناشونال إنكوايرر” بـ”الابتزاز والتهديد”، كاشفًا أن شركة “أيه أم آي” المالكة للمجلة حاولت التوصل لاتفاق معه يقضي بعدم نشر الصور مقابل بيان منه يقول فيه إن لا علم لديه أو دليل على دافع سياسي وراء تقرير “إنكوايرر”.
بيزوس ألمح إلى وجود دوافع سياسية وراء تلك الواقعة، تتعلق بطبيعة موقف صحيفته “واشنطن بوست” من إدارة ترامب وسلوك حلفائها في المنطقة، فهل هناك علاقة تربط بين محاولة الابتزاز تلك والسعودية على سبيل المثال، علمًا بأن المجلة ذاتها التي ابتزت بيزوس، نشرت العام الماضي، عددًا خاصًا عن مساعي الإصلاحات لولي العهد السعودي، أفردته بنحو 100 صفحة، على هامش زيارته للولايات المتحدة؟
مالك أمازون أوضح أن بيكر غاضب جدًا من التحقيق والمجلة أخبرته أن “لديهم رسائل نصية أخرى وصور عارية يمكن أن ينشروها إن لم نتوقف عن تحقيقنا”
من جيف بيزوس؟
ولد جيف بيزوس في الـ12 من يناير 1964 في مدينة ألباكيركي بولاية نيو مكسيكو بالولايات المتحدة، والده هو تيد يورغنسن، غير أنه وبعد انفصاله عن والدته جاكلين غيس التي تزوجت بعد ذلك من مهاجر كوبي يدعى ميغيل بيزوس، تبنى الأخير جيف ليحمل اسم عائلته وهو الاسم الذي اشتهر به حتى اليوم.
تخرج في جامعة برينسون بعد دراسته للكمبيوتر، ثم عمل في عدد من المؤسسات في وول ستريت مثل Fitel Bankers Trust وبعدها مؤسسة الاستثمار المالي D.E. Shaw حيث أصبح أصغر نائب رئيس في تاريخ الشركة في 1990، وبدا أن مسيرة جيف الاقتصادية واعدة ومربحة بشكل مذهل لكنه فجأة قرر التوقف عن العمل لمدة أربعة سنوات!
في عام 1995 أسس جيف موقع أمازون لبيع الكتب عبر الإنترنت ورغم تشكيك الكثير من خبراء التسويق والمبيعات في نجاحه فإن الموقع حقق انتشارًا كبيرًا وأصبح عالميًا في سنة 1997، وفي سنة 1998 بدأ الموقع بتنويع بضائعه عبر إضافة الأقراص المدمجة وشرائط الفيديو وفي 2002 بدأ ببيع الملابس، كما أنشأ الموقع محرك البحث A9 في سنة 2003 وهو محرك بحث متخصص في مواقع التجارة الإلكترونية.
في الـ5 من أغسطس سنة 2013 اشترى بيزوس صحيفةWashington Post الأمريكية بمبلغ 250 مليون دولار منهيًا سيطرة عائلة غراهام على المؤسسة لأكثر من أربعة عقود، وبحسب إحصاءات 2016 في موقع The richest فإن ثروة جيف بيزوس تبلغ نحو 63.6 مليار دولار.
بيزوس وزوجته ماكينزي
ما الحكاية؟
في مقال تحت عنوان “No thank you, Mr. Pecker” كشف بيزوس ملامح الفضيحة متهمًا وبشكل واضح مجلة “ناشونال إنكويرر” بالابتزاز والتهديد، لافتًا إلى أنه استعان بمحقق لمعرفة دوافع مدير الشركة الناشرة للمجلة “ديفيد بيكر”، و”الخطوات غير العادية التي قامت بها أنكويرر المملوكة لشركة “أمريكان ميديا إنك/ إي أم آي”.
مالك أمازون أوضح أن بيكر غاضب جدًا من التحقيق والمجلة أخبرته أن لديهم رسائل نصية أخرى وصور عارية يمكن أن ينشروها إن لم يتوقف عن التحقيق، مبينًا أن ملكيته لـ”واشنطن بوست” جعلته عدوًا للكثير من الناس، ومنهم دونالد ترامب الذي طالما استهدفه، ويعد بيكر من أهم المقربين القدماء له.
وأضاف في مدونته أن المجلة كان لها دور بارز في إجهاض قصة تورط ترامب في علاقة جنسية مع عارضة في “بلاي بوي” في إشارة منه إلى كارين ماغدوغال التي زعمت أنها أقامت علاقة مع الرئيس الأمريكي، وقالت “إي أم آي” إنها نسقت عملية دفع 150 ألف دولار مع حملة ترامب.
يبدو أن “بيكر لم يكن راضيا عن محاولات “واشنطن بوست” الكشف عن دور الحكومة السعودية في جريمة مقتل جمال خاشقجي، الذي كان أحد كتاب الصحيفة، وتغطية الصحيفة للدور السعودي أغضبت بيكر، الأمر الذي تسبب بمحاولة ابتزاز صاحب شركة “أمازون”
كما كشف في مقالته عن رسالة تهديد إلكترونية مرسلة من مدير قسم المحتوى ديلان هاوارد في “إي أم آي” إلى محامي بيزوس، مارتن سينغر، جاء فيها: “في مصلحة التعجيل بهذا الوضع، ومع خطط واشنطن بوست لنشر تقرير لا أساس له عن تقرير (ذا ناشونال إنكويرر) فإنني أريد أن أذكرك بأننا حصلنا على صور خلال جمعنا للأخبار”.
الرسالة أشارت إلى أن “ذا إنكويرر” حصلت على تسع صور عارية ومنها صورة لبيزوس وهو عار من الوسط يحمل هاتفه، وأخرى في سرواله الداخلي، وصورة أخرى وسانشيز تقوم بتدليكه، هذا بخلاف رسالة أخرى من محامي “إي أم آي” جون فاين، يطلب منه تفاهمًا متبادلاً يتم نشره من خلال نشرة أخبار يتم التفاهم عليها، يعترف فيها بيزوس وصحيفته بأنهم لا يعرفون بدوافع سياسية لتغطيات المجلة.
بيزوس اختتم مقالته بأنه على استعداد لمواجهة هذه الحملة رغم ما بها من إحراج شخصي له، لافتًا إلى أنه لو لم يفضح تفاصيل الواقعة فهذا يعني أن هناك أمورًا أخرى يخشاها، متسائلاً “لو كان موقفي هو أنني لا أستطيع مواجهة هذا النوع من الابتزاز فمن يستطيع؟”.
ديفيد بيكر
ما علاقة السعودية والإمارات؟
بيزوس في مقاله ألمح لدور محتمل للرئيس الأمريكي الذي تربطه صداقة قوية بمدير “ذا إنكويرر”، وربما للسعودية إثر تغطية صحيفة واشنطن بوست التي يملكها لقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده بإسطنبول أكتوبر الماضي.
هذا التلميح دفع أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة ميتشغان، جوان كول، إلى التساؤل عن احتمالية وجود هذا الدور وضلوع الرياض في تلك الفضيحة التي من المتوقع ألا تتوقف عند مجرد الابتزاز فحسب، تزامنًا مع ما يثار بشأن حملات سعودية لتحسين صورة ولي العهد وملاحقة الوسائل والجهات والشخصيات التي تسيء له مستغلة في ذلك النفوذ السياسي والإعلامي للمملكة داخل أمريكا وأوروبا.
كول في مقاله المنشور على “كومون دريمرز” قال: محاولة ديفيد بيكر ابتزاز مدير شركة (أمازون) جيف بيزوس، لم يكن ليلفت نظري إلا بهذا القدر، لكن بيكر يخلط الأمور كلها، فبعدما أصبح دونالد ترامب رئيسًا فإنه كافأ بيكر على ولائه بعشاء خاص في البيت الأبيض، حيث تم استقبال مدير الشركة الإعلامية ذات العلاقات القوية مع العائلة المالكة في السعودية، التي كان يحاول الحصول فيها على تجارة، وفي الوقت ذاته الحصول على تجارات أخرى”.
وأضاف: “نعلم أن بيكر أحضر معه المصرفي الفرنسي ورجل العلاقات العامة للسعوديين كيسي غراين إلى البيت الأبيض”، مرجحًا تورط بيكر مع ديوان الملك سلمان، مرجعًا ذلك إلى “البحث عن فرص استثمارية ” وأشار إلى أن “الصحافي سبنسر إكرمان كتب عن قرار بيكر الغريب لإصدار عدد خاص من مجلته مؤيد للسعودية، ووضعه في محلات البقالة وبيع الصحف في ربيع عام 2018، فلربما كان يأمل أن يثير اهتمام ربات البيوت الأمريكيات للمسلسل الدرامي الذي حدث في الرياض قبل عام تقريبًا من صدور العدد الخاص، عندما أطاح محمد بن سلمان بابن عمه من ولاية العهد، واختطف عددًا من رجال الأعمال والأمراء ووضعهم في ريتز كارلتون في الرياض”.
بيكر وغراين تحدثا مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض بحضور صهره جارد كوشنر قبل التوجه لتناول العشاء والتقاط الصور الشخصية، فيما أوضحوا كيفية استخدام بيكر إمبراطوريته الإعلامية لحماية صورة ترامب
“يبدو أن بيكر لم يكن راضيًا عن محاولات “واشنطن بوست” الكشف عن دور الحكومة السعودية في جريمة مقتل جمال خاشقجي الذي كان أحد كتاب الصحيفة، وتغطية الصحيفة للدور السعودي أغضبت بيكر، الأمر الذي تسبب بمحاولة ابتزاز صاحب شركة “أمازون” وإسكاته من خلال نشر صور محرجة له” هكذا أوضح كول.
أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة ميتشغان نقل عن الصحافي والمحامي رونان فارو، قوله في تغريدة على “تويتر”، إن بيكر هو مسدس للإيجار، مشيرًا إلى أن الأسترالي ديلان هاوارد حاول ابتزازه عندما كان يقوم بالتحقيق في تحرشات المنتج السينمائي هارفي وينستاين، وهذا ما يقوده كول للتساؤل عما إذا كان بيكر هو النسخة الأمريكية لروبرت ميردوخ الذي حاولت صحف التابلويد التابعة له التنصت على مكالمات البريطانيين وابتزازهم، وقال رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجر، إن ميردوخ هدده بمواد حتى ينصاع لأوامره.
كما نقل عن محقق بيزوس قوله إن هاتف الأخير لم يتعرض للقرصنة، ويعتقد أن مؤسسة حكومية التقطت الإشارات، وذهبت التكهنات للسعودية، التي استخدمت برنامجًا إسرائيليًا للقرصنة على حساب خاشقجي في “واتساب”، فيما يؤكد أن “السعودية وشريكتها الإمارات العربية المتحدة جيدتان في القرصنة، فقد دخلتا على هاتف أمير قطر وزرعتا فيه فيديو مزيفا”.
كول يعزز ذلك بقوله: “لأن حكومة اليمين المتطرف لبنيامين نتنياهو تريد النجاة من خلال تطبيع العلاقات مع السعودية، فإنه من مصلحة الموساد حماية السعودية وكذلك ترامب وبيكر”، مختتمًا بالقول: “السؤال هو: هل قامت وكالة الأمن القومي بالتجسس على بيزوس بناء على طلب من ترامب، الذي قدم المواد بدوره إلى صديقه بيكر؟”.
غلاف المطبوعة التي نشرتها “أيه أم آي” للترويج لولي العهد السعودي خلال زيارته لأمريكا
في الـ29 من مارس 2018 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا عن الحملة الدعائية التي رافقت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة في هذا التوقيت، ودوافعها السياسية والاقتصادية، وعلاقة الرئيس الأمريكي بديفيد بيكر.
التقرير الذي أعده جيم راتنبيرغ وكيت كيلي وجيسكا سيلفر ومايك ماكنتير كشف عمق العلاقة بين بيكر وترامب التي دفعت الأخير لتقديم العون للأول لجذب الاستثمار السعودي، ففي يوليو/تموز 2107 زار بيكر البيت الأبيض، وأخذ معه ضيفًا خاصًا، وهو كيسي غراين، رجل الأعمال الفرنسي الذي عمل مستشارًا للأمير الوليد بن طلال، وعمل أحيانًا وسيطًا تجاريًا بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورجال الأعمال الغربيين.
معدو التقرير أشاروا إلى أن بيكر وغراين تحدثا مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض بحضور صهره جارد كوشنر قبل التوجه لتناول العشاء والتقاط الصور الشخصية، فيما أوضحوا كيفية استخدام بيكر إمبراطوريته الإعلامية لحماية صورة ترامب، ففي أثناء الحملة الانتخابية لعام 2016، قامت شركته بالتكتم على قصة عارضة سابقة في مجلة “بلاي بوي”، زعمت أنها أقامت علاقة عاطفية مع الرئيس.
فضيحة “ذا إنكويرر” و”ديفيد بيكر” لن تكون الأخيرة في إطار الحملة التي تقودها الرياض للزود عن ولي عهدها في مواجهة الانتقادات الدولية الحادة التي انعكست بصورة ملحوظة على صورة السعودية خارجيًا
وحسبما أوردت الصحيفة نقلاً عن شركة “أمريكان ميديا إنك” فإنه وبعد هذا اللقاء بشهرين فقط سافر بيكر إلى السعودية بمعية غراين، حيث عقدا لقاءات مع ولي العهد، وناقشا فرصًا تجارية معه، لافتة إلى أنه بحلول شهر يناير/كانون الثاني كان بيكر واثقًا بدرجة كبيرة من علاقته مع المستثمرين السعوديين، للطلب منهم مساعدته على شراء مجلة “تايم” التي يطمح منذ وقت بامتلاكها، وذلك بناء على شخصين يعلمان بالأمر، مع أن شركة “أمريكان ميديا إنك” تجادل في حدوث أمر كهذا، فيما لم يستجب البيت الأبيض للتعليق.
كما أشارت في الوقت ذاته إلى أن الشركة أصدرت عددًا خاصًا لزيارة ولي العهد هدف في البداية إلى استثمار الاهتمام الإعلامي لتلك الزيارة للبحث عن فرص استثمارية جديدة، وكانت حريصة على ألا تذكر أي دعم مالي سعودي، لأن تلقي الشركة أموالاً أجنبية لنشرات ذات طابع ترويجي يقتضي منها الكشف عن المبالغ لوزارة العدل، بحسب الصحيفة.
معدو التقرير اعتبروا أن هذا العدد لم يكن سوى نشرة ترويجية عن السعودية والأمير، مشيرين إلى أنها تجنبت الحديث عما هو مزعج، مثل الحملة العسكرية التي يقودها ابن سلمان في اليمن أو مظاهر قلق منظمات حقوق الإنسان بشأن الاعتقالات التي قام بها ولي العهد في نوفمبر/تشرين الثاني ضد النخبة التجارية، بمن فيهم أبناء أعمامه.
وتختتم الصحيفة تقريرها بأن الدعم بين ترامب وبيكر كان متبادلاً، حيث حرص الأخير على تجميل صورة الرئيس والزود عنه في مواجهة وسائل الإعلام الأخرى، فيما تعهد الأول للثاني بالدعم وفتح أسواق استثمارية جديدة في السعودية والإمارات كنوع من رد الجميل على ما قام به من جهود في هذا الشأن.
يبدو أن فضيحة “ذا إنكويرر” و”ديفيد بيكر” لن تكون الأخيرة في إطار الحملة التي تقودها الرياض للزود عن ولي عهدها في مواجهة الانتقادات الدولية الحادة التي انعكست بصورة ملحوظة على صورة السعودية خارجيًا، الأمر الذي يدفع المملكة وحلفاءها على رأسهم الإمارات لتوظيف نفوذهما الخارجي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بشأن مستقبل الأمير الشاب.