أمريكا تدرس وروسيا تحذر: هل بات التدخل العسكري في فنزويلا قريبًا؟

mdwrw

في تصريح أثار موجة من الجدل، أعلن خوان غوايدو، الزعيم المعارض الذي نصّب نفسه رئيساً بالوكالة في فنزويلا في الثالث والعشرين يناير الماضي، استعداده للموافقة على فكرة التدخل العسكري في بلاده للإطاحة بنظام الرئيس نيكولاس مادورو حال تمسكه بموقفه والتشبث بالكرسي.

غوايدو وفي رده على سؤال خلال مقابلة له على وكالة فرانس برس حول ما إذا كان ينوي استخدام سلطاته كرئيس للجمهورية بالوكالة ورئيس للبرلمان للموافقة على تدخّل عسكري خارجي في بلاده، قال “سنفعل كل ما تقتضيه الضرورة، من الواضح أنّ المسألة مثيرة للجدل، لكن في ممارستنا لسيادتنا ولسلطاتنا، سنفعل ما هو ضروري”.

تأتي تصريحات غوايدو بعد 5 أيام فقط من تلميح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن خيار استخدام القوة العسكرية في فنزويلا يبقى مطروحا للتعامل مع الأزمة هناك، مؤكدا رفضه لقاء مادورو، في الوقت الذي أبدت فيه بعض الدول اعتراضها على فكرة استخدام القوة العسكرية كحل لتلك المعضلة.. فهل بات استهداف فنزويلا عسكريًا مسألة وقت؟

تغيير النظام بالقوة في كاراكاس سيكون خطأ فادحا، لأن فنزويلا، ليست بلدا بعيدا في الجانب الآخر من العالم، بل دولة توجد في النصف نفسه من الكرة الأرضية مع الولايات المتحدة

مادورو مستعد للحوار

تتزامن تصريحات رئيس البرلمان الفنزويلي مع ما أبداه مادورو بشأن استعداده للحوار مع مجموعة العمل الدولية حول فنزويلا، معربًا دعمه لـ “آلية مونتيفيديو”، التي تم إنشاؤها للبحث عن حوار سياسي في البلاد، قائلا في مؤتمر صحفي في كاراكاس “إن آلية مونتيفيديو، بطريقة محترمة، توفر الحوار بين الفنزويليين بمساعدة إخواننا من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي”

الرئيس الفنزويلي أضاف أنه على استعداد لتقديم الدعم الفوري لأي مساعي تؤدي إلى الحوار والتفاهم بين الفنزويليين”، وتابع “اقترح إجراء انتخابات مبكرة الى الجمعية الوطنية، وسوف أصادق عليها”، كما أعلن أنه سيمنع دخول المساعدات الإنسانية التي بدأت تصل إلى كولومبيا عند الحدود مع بلاده، التي وصفها بـ”الاستعراض”، موضحأ أن “فنزويلا لن تقبل استعراض المساعدات الإنسانية المزعومة، لأننا لسنا متسوّلين”.

وكانت الدول الأوروبية والأميركية اللاتينية قد دعت قبل يومين، خلال أول اجتماع لمجموعة اتصال دولية حول فنزويلا، في أورغواي، إلى تنظيم “انتخابات رئاسية حرّة وشفافة وذات مصداقية” في هذا البلد النفطي، بينما اعتبرت الولايات المتحدة أنه “فات الأوان” للحوار مع الرئيس مادورو.

رئيس البرلمان الفنزويلي غوايدو

تربص أمريكي

في سبتمبر 2018 أفادت مجلة “ناشيونال إنترست” أن لدى أنصار “نظام مادورو” ما يكفي من المعارضين لغزو واحتلال البلاد، ففي مقالها ذكرت الكاتبة تيد غالين كاربنتر أن داعمي سياسة التدخل الأمريكية، “مثل عضو الحزب الجمهوري ماركو روبيو، كما يبدو لم ينتهوا من هدر أرواح الأمريكيين وأموال دافعي الضرائب في العمليات العسكرية، التي لا معنى لها في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى”، مشيرة إلى أنهم لو اكتفوا من ذلك، لما دعوا إلى ضرورة تغيير النظام في فنزويلا.

ووفقا لأقوال روبيو كما نقلت كاربنتر فإن التهديد القادم من كاراكاس مهم بما يكفي لتنظر واشنطن في إمكانية استخدام القوة العسكرية ضدها، حيث ذكر في نهاية أغسطس الماضي “كنت أؤيد حل الوضع في فنزويلا بالوسائل السلمية، غير العسكرية، التي كانت ستسمح بإعادة الديمقراطية”، مشيرا إلى أن “نظام مادورو تحول الآن إلى خطر على المنطقة وحتى الولايات المتحدة”، وأضاف: “الوضع يتفاقم يوما بعد يوم، هنا في هذا النصف من الكرة الأرضية”.

لكن يبدوا أن روبيو فقط ليس الوحيد المؤيد لتدخل عسكري في البلد المجاور، إذ يشاركه الرئيس دونالد ترامب هذا الموقف، حيث كلف أحد مساعديه العام الماضي بالإعداد لخطة للتدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا، إلا أن المسؤولين المحيطين بترامب عارضوا هذه الفكرة، مشيرين إلى أن استخدام القوة سيؤدي إلى عواقب سلبية طويلة الأمد، بحسب المجلة.

كاربنتر أشارت إلى أن تغيير النظام بالقوة في كاراكاس سيكون خطأ فادحا، لأن فنزويلا، ليست بلدا بعيدا في الجانب الآخر من العالم، بل دولة توجد في النصف نفسه من الكرة الأرضية مع الولايات المتحدة. ولابد لمواطني الولايات المتحدة أن يكونوا أكثر انتباها للتطورات السلبية في منطقتهم الجيوسياسية والاستراتيجية.

على ما يبدو، يتعين علينا توضيح موقفنا مرة أخرى. لقد دعمنا فنزويلا الصديقة، شريكنا الاستراتيجي، وسنواصل دعمها. سنقف في صف واحد مع هذا البلد لحماية سيادته.. نائب وزير الخارجية الروسي

علاوة على ذلك فإن الرئيس مادورو لديه قاعدة شعبية كبيرة من المؤيدين، ممن يتوقع تصديهم لأي عمل عسكري خارجي، إضافة إلى دعم الجيش له، وهو الأمر الذي سيكون له آثار سلبية على المنطقة كلها، ويعرض مصالح أمريكا وعلاقاتها مع دول أمريكا الجنوبية إلى التوتر، وانهت الكاتبة مقالها بأن “فنزويلا ليست العراق”.

يذكر أنه منذ انتخاب مادورو رئيسًا للبلاد للمرة الثانية في مايو 2018 وأمريكا وعدد من الدول الأخرى سواء في أوروبا أم أمريكا اللاتينية المعروفة ضمن “مجموعة ليما” تسعى إلى تحريض الشعب الفنزويلي ضد رئيسه بعدما رفضت نتائج الانتخابات الأخيرة، وصلت إلى حد التلويح بالقيام بعمل عسكري صريح.

علاوة على ذلك دعمت تلك الدول المعارضة الفنزويلية بصورة كبيرة حتى باتت أقوى من النظام نفسه، وذلك عبر تمويلات خارجية واشتباكات بين الحين والآخر مع رجال دين كاثوليك لدعمها، تزامن هذا مع مساعي إجهاض الاقتصاد الفنزويلي الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، وذلك بعد نجاح مخطط تخفيض أسعار النفط في الأسواق العالمية بالتعاون مع السعودية والدول المصدرة للبترول “أوبك”.

وفي أول رد فعل خارجي على إعلان غوايدو نفسه رئيسًا بالوكالة في الثالث والعشرين من يناير الماضي أعلن ترامب دعمه لهذه الخطوة، معلنًا في بيانه له اعترافه الرسمي بخوان غوايدو رئيسا لفنزويلا،  فيما رد عليه الرئيس الفنزويلي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا، مانحًا البعثة الدبلوماسية الأمريكية 72 ساعة لمغادرة البلاد، بينما شككت خارجية واشنطن في صلاحياته باتخاذ هذا القرار

تحذير روسي وتحفظ صيني

وفي المقابل حذرت وزارة الخارجية الروسية واشنطن من أي تدخل عسكري في فنزويلا، مشيرة إلى أن ذلك قد يتحول إلى سيناريو كارثي، ربما يلقي بظلاله القاتمة على المشهد الدولي برمته.

نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، في حديث لمجلة “الحياة الدولية” الروسية، قال: “نحن نحذر من ذلك،  نحن نرى أن ذلك سيكون سيناريو كارثيا، والذي سيهتز له نموذج التنمية الذي نراقبه في منطقة أمريكا اللاتينية” مضيفا: “إن روسيا ستواصل دعمها لفنزويلا التي تعد شريكا استراتيجيا لموسكو، وسنعمل على حماية سيادتها”.

وأوضح أنه “وبينما نراقب تطورات الوضع في فنزويلا، نرى سعي مجموعة معينة من الدول والولايات المتحدة فيما بينها في استخدام المنصات المختلفة، بما في ذلك منظمة الدول الأمريكية، لزيادة الضغط على فنزويلا الصديقة تحت ذرائع مختلفة. أنا متأكد تماما من أن الفترة المقبلة ستحتوي على محاولات جديدة لتشويه سياسة كراكاس، وصب الزيت على نار العمليات الداخلية الصعبة التي تحدث هناك. وعدم السماح باستمرار الحوار بين الفنزويليين، ومنع القوى البنّاءة من المساهمة في الحوار، وبصورة عامة ، تحويل هذه البوصلة الإقليمية نحو الضغط”.

ربما تكون الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها فنزويلا تحت قيادة مادورو، في وقت تعد فيه كراكاس هدفًا لعزلة سياسية كبيرة في المنطقة وعقوبات مالية تتهددها من الولايات المتحدة وعملائها، هو القول الفصل في تلك الأزمة

وأختتم نائب وزير الخارجية الروسي حديثه مجددًا التأكيد على دعم نظام مادورو، قائلا : “على ما يبدو، يتعين علينا توضيح موقفنا مرة أخرى. لقد دعمنا فنزويلا الصديقة، شريكنا الاستراتيجي، وسنواصل دعمها. سنقف في صف واحد مع هذا البلد لحماية سيادته… وسيستمر التعاون المادي والعملي بين روسيا وفنزويلا في مختلف المجالات”

وعلى الجانب الأخر أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون يينغ، اليوم السبت، أن بلادة تدعم جهود المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في فنزويلا، مؤكدا أن الشعب الفنزويلي يجب أن يقرر مصير بلادة على أساس شرعي.

بينغ في تصريحاته قال  إن بلاده “تؤمن بأن الشعب الفنزويلي هو من يجب أن يجد مخرجا للمشكلة في البلاد ضمن إطار التشريع وعلى أساس قانوني من خلال الحوار السلمي ومن خلال القنوات السياسية”، مشيرًا إلى أنه، “بهذه الطريقة فقط تستطيع فنزويلا تحقيق نظام واستقرار طويل الأجل”، وتابع:: “تدعم الصين جهود المجتمع الدولي بهذا الصدد، وتأمل أن تستمر جميع الأطراف في لعب دور بناء في الحل السلمي للمشكلة الفنزويلية”.

الرئيسان، الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين

عمل عكسري وشيك

الحديث عن القيام بعمل عسكري ضد نظام مادورو ورغم إعلان ترامب دراسته بشكل جدي واستعداد غوايدو الموافقة عليه إلا أنه خيارًا ربما يكون صعبًا في الوقت الحالي، خاصة في ظل الرفض الروسي والصيني لهذا الخيار، هذا بخلاف موقف عدد من الدول الداعمة لهذا النظام على رأسها تركيا وكوبا وبوليفيا والمكسيك.

البعض ذهب إلى ترجيح حلول أخرى أكثر واقعية دون الولوج في مستنقع جديد لأمريكا خاصة وأن سيناريو فيتنام والصومال لا يزال عالقًا في أذهان الكثير من الأمريكان، إضافة إلى مساعي ترامب تقليص عدد قوات بلاده في الخارج كما أعلن قبل ذلك سواء في سوريا أو أفغانستان، وهو التوجه الذي يتعارض مع مسألة شن عمل عسكري ضد فنزويلا في هذا التوقيت الحرج بالنسبة له على وجه الخصوص.

ربما تكون الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها فنزويلا تحت قيادة مادورو، في وقت تعد فيه كراكاس هدفًا لعزلة سياسية كبيرة في المنطقة وعقوبات مالية تتهددها من الولايات المتحدة وعملائها، هو القول الفصل في تلك الأزمة، هذا الأمر الذي ربما يدفع مادورو إلى تقديم تنازلات سريعة من شأنها الحفاظ على استقرار الدولة دون الدخول في مواجهات تزيد من نزيف التراجع وتعمق الأزمة.

هذا الوضع الصعب  حول جسر سيمون بوليفار في فنزويلا إلى رمز لهجرة الملايين الفنزويليين الذين يقصدون بلدان أمريكا اللاتينية المجاورة مثل البرازيل وبيرو وكولومبيا، في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات إلى أن نحو 4 ملايين فنزويلي من أصل 30 مليون غادروا بلادهم خلال السنوات القليلة الأخيرة، هربًا من البؤس والفقر وبحثًا عن أدني مقومات العيش، بعدما بلغ التضخم أكثر من 2600% العام الماضي، فيما تشير التوقعات إلى احتمالية بلوغه 13000ً% هذا العام.

وأمام تلك الوضعية الصعبة تطرأ على الساحة حلولا سياسية للخروج من عنق الزجاجة، ربما على رأسها عمل انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، تصبح الكلمة العليا فيها للشارع الفنزويلي، تحت رعاية أمريكية روسية، وهو الحل الذي ربما يواجه اعتراضا من هنا أو هناك، لتبقى الأيام القادمة هي الفيصل في تحديد ملامح مستقبل الدولة النفطية الكبيرة.