بعد خروجهم باتفاق مع النظام برعاية روسية، في أبريل/نيسان 2018 أعادت الفصائل العسكرية التي كانت تعمل في الغوطة الشرقية تشكيل نفسها وتنظيم معسكرات لها في الشمال السوري، إضافة إلى إعادة هيكلة عناصرها الذين هجروا مع عائلاتهم إلى الشمال السوري بمنطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات على وجه التحديد.
فصائل الغوطة الشرقية تهيئ عناصرها مع ظروف الشمال السوري
تهيئة عسكرية متماشية مع ظروف الشمال السوري
بعد أيام من تهجيرهم من الغوطة الشرقية قام قائد جيش الإسلام عصام بويضاني بزيارة أهالي عناصره والمصابين منهم في المخيمات التي أوت الوافدين من الغوطة الشرقي إلى مدينة الباب وإعزاز شمال حلب، جاءت زيارة بويضاني في وقت انهيار معنويات مقاتليه بعد تهجيرهم من مناطق نفوذهم في الغوطة الشرقية، واستطاعت قيادة جيش الإسلام الرد على الكثير من التساؤلات عن مآلات الجيش في الشمال السوري، هل سيحل نفسه أم أنه سيعود للعمل العسكري من جديد؟
أوصلت قيادة الجيش فكرة للعناصر أنها ستعيد هيكلة الجيش من جديد وصياغة الترتيبات القيادية فيه للعمل في المنطقة والاندماج من خلال ذلك في صفوف قوات المعارضة في الشمال السوري، متماشية مع الترتيبات العسكرية في المنطقة المتمثلة بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والحكومة السورية المؤقتة.
جيش الإسلام أكبر فصائل الغوطة الشرقية
كما تتابعت زيارات قيادة الجيش للقياديين في صفوف الجيش الوطني من بينها قيادة لواء المعتصم العامل في منطقة درع الفرات وغصن الزيتون إضافة إلى التنسيق مع القوات التركية في المنطقة للتوصل إلى حل جذري: إما انضمام جيش الإسلام للجيش الوطني أو حل نفسه.
وأعلن جيش الإسلام في أغسطس/آب 2018 بناء معسكرات له في ريف حلب الشمالي في المنطقة الممتدة بين مدينة الباب شرقي حلب ومدينة عفرين إلى الشمال الغربي من حلب، حيث تضمنت 5 معسكرات موزعة على المنطقة من بينها قيادة الجيش التي تم تحصينها بشكل جيد، إضافة إلى مراكز تدريبية وتوعوية لأفراد الجيش.
كتائب جيش الإسلام شاركت في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون قبل حملة التهجير من الغوطة الشرقية، وكانت منضوية في مرتبات الفيلق الثالث ضمن الجيش الوطني
كما نشرت معرفات جيش الإسلام صورًا تظهر تدريبات عسكرية وتكتيكية لمقاتليه في معسكر تابع له في منطقة غصن الزيتون، الذي يحتوي على عناصره المهجرين من ريف دمشق الجنوبي، بينما شملت التدريبات كل معسكرات الجيش في المنطقة التي تعمل على تكثيف جهود عناصر الجيش وزيادة خبرتهم القتالية في الشمال السوري الذي انتقلوا اليه حديثًا، وإلى جانب ذلك الدروس الشرعية التي تعمل على توعية المقاتلين وتجهيزهم دينيًا وأخلاقيًا لمحاربة أعداء الثورة السورية كافة، من ضمنها هيئة تحرير الشام وميليشيا الوحدات وقوات النظام وميليشياته.
وتجدر الإشارة أن كتائب جيش الإسلام شاركت في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون قبل حملة التهجير من الغوطة الشرقية، وكانت منضوية في مرتبات الفيلق الثالث ضمن الجيش الوطني وحتى خروجهم من الغوطة الشرقية إلى ريف حلب الشمالي فإن قيادة جيش الإسلام أكدت أنها تحت مظلة الجيش الوطني السوري شمال حلب.
ورغم الاتهامات التي وجهت لجيش الإسلام وقيادته بتفكك الجيش وتسليمه الغوطة الشرقية فإنها لا تمس الواقع بصلة بحسب ما أوضح المتحدث الرسمي بجيش الإسلام حمزة بيرقدار، واعتبرت قيادة الجيش أن الخروج من الغوطة الشرقية جاء نتيجة تنازلاتهم عن المنطقة بسبب استهداف النظام للتجمعات المدنية بالأسلحة الكيميائية، التي كانت ورقة ضغط على الجيش.
قائد فيلق الرحمن في الشمال السوري
من جانبه فيلق الرحمن أحد أبرز الفصائل العسكرية التي كانت تعمل في الغوطة الشرقية بريف دمشق أعلن إعادة هيكلته من جديد، وقال وائل علوان الناطق باسم فيلق الرحمن في تصريح له 2 من يناير/كانون الثاني على حسابه في تويتر: “أعاد فيلق الرحمن تشكيل نفسه، وترتيب صفوفه من جديد ضمن معسكراته في منطقة عفرين ولا علاقة لفيلق الرحمن بأي عنصر سابق خارج معسكراته الآن”.
وأكد أن فيلق الرحمن ماضٍ في إعداد عناصره وتهيئتهم لقتال قوى الإرهاب وفي مقدمتهم نظام الأسد والميليشيات الانفصالية، وجميع أعداء الثورة السورية، فيما أعلن الناطق الرسمي وائل علوان في 7 من فبراير/شباط الحاليّ أن فيلق الرحمن بعد أن أتم تنظيم صفوفه ضمن معسكراته في منطقة عفرين، انضم لصفوف الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري.
أبدت هذه الفصائل استعداداتها للمشاركة في صفوف قوات الجيش الوطني في معاركه على تخوم مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الوحدات، إضافة إلى نشر عناصر لها على خطوط التماس الممتدة على أطراف مدينة الباب وعفرين شمال حلب
واندرج فيلق الرحمن وجيش الإسلام في صفوف الجيش الوطني السوري، بعد محاولات من قيادة الجيش الوطني لإدخالهم في صفوفه، فضلًا عن الضغوط التركية لتوحيد صفوف المعارضة في المنطقة وجعلها تحت قيادة واحدة وعدم خروجها عن وحدة الصف، فالرغبة التركية مستمرة في توحيد الفصائل العسكرية ووضعها تحت مظلتها.
كما أبدت هذه الفصائل استعداداتها للمشاركة في صفوف قوات الجيش الوطني في معاركه على تخوم مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الوحدات، إضافة إلى نشر عناصر لها على خطوط التماس الممتدة على أطراف مدينة الباب وعفرين شمال حلب.
جيش الإسلام سيطر على مواقع إستراتيجية خلال تشكيله
نشأة أبرز فصائل الغوطة الشرقية
نشأ جيش الإسلام كأكبر قوة عسكرية معارضة للنظام السوري في دمشق بعد تحالفات بين كتائب عسكرية وألوية في الغوطة الشرقية عام 2013، وكان لمؤسسه زهران علوش دورًا مهمًا في السيطرة على العديد من المواقع العسكرية التي كانت تحت سيطرة قوات النظام آنذاك، إضافة إلى توسيع رقعة الجيش في الغوطة.
تعتبر نواة جيش الإسلام الأولى هي سرية الإسلام التي أسسها علوش بعد خروجه من سجن صيدنايا الذائع الصيت، بعد سجنه لعامين وكسب الجيش خلال وجوده في الغوطة الشرقية، شعبية كبيرة نظرًا لبسط سيطرته وقوته العسكرية في المنطقة إلى جانب خدمته لأهداف الثورة، وبلغ قوام الجيش 8000 مقاتل في مختلف المحافظات السورية وأغلبها في دمشق.
وعندما خسر الجيش قائده زهران علوش نتيجة غارة روسية في أواخر عام 2015، تراجع نفوذه وتقدمه في المنطقة فضلًا عن التدخل الروسي الذي دمر عتاده في الغوطة الشرقية التي تخضع لحصار خانق، وتسلم بعده قيادة جديدة مما أدى إلى تراجع قوة الجيش وعملياته العسكرية نظرًا لفقدان القيادة الجديدة لكاريزما زهران العسكرية في قيادة المعارك.
اقتتال الفصائل العسكرية المعارضة للنظام السورية يختلف من منطقة لأخرى تبعًا لاختلاف العقيدة أو اختلاف المكاسب الاقتصادية والقوة والنفوذ
أما فيلق الرحمن انبثق من نواة لواء البراء الذي تشكل في أغسطس/آب 2012، ومع انضمام المزيد من الكتائب العسكرية في الغوطة إلى صفوفه اعتمد لواء البراء اسم فيلق الرحمن في مطلع عام 2014 الذي خاض معارك عسكرية في الغوطة الشرقية إلى جانب جيش الإسلام ضد قوات النظام، ودخل فيلق الرحمن في اشتباكات مسلحة مع جيش الإسلام بسبب وقوف الفيلق إلى جانب الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام الذي نشب بينه وبين جيش الإسلام خلاف في النفوذ والمكاسب الاقتصادية.
وإلى جانب فيلق الرحمن وجيش الإسلام نشأت كتائب تابعة لتحرير الشام في الغوطة الشرقي، إضافة إلى كتائب عسكرية تابعة لحركة أحرار الشام التي تتخذ من محافظة إدلب مقرًا رئيسيًا لها، وهذه الفصائل كان قوامها قليل جدًا لا يتعدى جزء من الفيلق وجيش الإسلام في الغوطة الشرقية.
هل انتهى خلاف كبرى فصائل الغوطة الشرقية؟
هل انتهى خلاف فيلق الشام وجيش الإسلام؟
اقتتال الفصائل العسكرية المعارضة للنظام السورية يختلف من منطقة لأخرى تبعًا لاختلاف العقيدة أو اختلاف المكاسب الاقتصادية والقوة والنفوذ، خاصة مع نشوء فيلق الرحمن الذي يعتبر قوة مناهضة لجيش الإسلام حيث بلغ قوام الأخير 8000 عنصر بينما بلغ عدد عناصر الفيلق آنذاك 6500 عنصر يعملون على خطوط التماس ضد قوات النظام.
وتعود أسباب الخلاف بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن لعدة أمور أهمها اختلاف العقيدة فجيش الإسلام يتبع السلفية، وفيلق الرحمن الشافعية، هذه الخلافات تنامت مع المكاتب الشرعية التابعة لكل فصيل على حدة، ويضاف إلى ذلك اتهامات الفيلق لجيش الإسلام بتغييب عشرات المعتقلين في سجونه في الغوطة الشرقية ومن ضمنهم رزان زيتونة بالإضافة للتهرب من القضاء ومحاولة اعتقال القاضي الشرعي في المجلس الأعلى في الغوطة الشرقية.
بينما يتهم جيش الإسلام فيلق الرحمن بالسيطرة على أنفاق الغوطة الشرقية، والتحكم في قوت المدنيين في الغوطة فضلًا عن تمييز عناصر الفيلق بأسعار المنتجات الغذائية التي يتم تهريبها عبر الأنفاق المتصلة بدمشق.
الأسباب هذه دعت اقتتال فيما بينهما استمر لسنوات وفق خلاف في السيطرة، وقسمت هذه الفصائل الغوطة الشرقية إلى قسمين لكل منهما مناطق نفوذ، حيث تمركزت قوات فيلق الرحمن في مدينة حرستا أما جيش الإسلام في مدينة دوما، ولكل منهما قرى وبلدات محيطة تابعة لمراكز قيادتهم.
الاشتباكات التي دارت خلال عامي 2016 و2017 دفعت المدنيين للوقوف في وجه المتقاتلين، إضافة إلى مظاهرات ودعوات من المجلس الإسلامي السوري لحل الخلاف الحاصل، لكن الخلاف استمر إلى مرحلة التهجير القسري في أبريل/نيسان من العام الماضي، حيث رعت روسيا اتفاقين الأول مع فيلق الرحمن الذي خرج إلى إدلب والثاني مع جيش الإسلام الذي خرج إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.
وبعد وصول قادة الفصيلين العسكريين إلى المنطقة أعلنت قيادتهما إيقاف الخلاف وعدم نقله إلى الشمال السوري، وذلك تحت رعاية لواء المعتصم حيث نشرت صورًا لقائد جيش الإسلام عصام بويضاني وعبد الناصر شمير قائد فيلق الرحمن ومعتصم عباس قائد لواء المعتصم، وبرعاية الحكومة السورية المؤقتة انتهى الخلاف بشكل جذري ليبدأ العمل من جديد في صفوف الجيش الوطني السوري.