إذا أمعنا النظر قليلاً فى الواقع الذي نعيشه سنجد العديد من التوصيفات المستخدمة بشكل مستمر لكنها فى الحقيقة تفتقر إلى الدقة قليلاً ..
أول أمس تم اعتقال خمسة طلاب من جامعة المنصورة بأسلوب عشوائي تمامًا، وهو أيضًا الأسلوب الذى تم به اعتقال خمسة طلاب آخرين بقسم العمارة جامعة المنصورة منذ فترة قصيرة، في حادثة لم تبد أنها مميزة في شيء حتى أنها لم تأخذ حظًا إعلاميًا كبيراً أو شيء من هذا القبيل، وفي هذه الأحوال تصبح صياغة الخبر هي “اعتقال خمسة طلاب بجامعة المنصورة فى عملية اعتقال عشوائية”.
هنا أصبح من الواجب تصحيح المفاهيم؛ الصحيح – فيما يبدو – أننا الآن جميعًا معتقلون، وما يحدث هو أنك إذا استطعت الوصول إلى منزلك بسلام فقد حصلت على حريتك بشكل عشوائى، لم ينته الأمر هنا! إذ أن اقتحام المنزل ليس أمر مستبعدًا، قد لا يكون الأمر بهذا السوء حيث إنك لست ناشطًا سياسيًا شهيرًا أو قياديًا في أي جماعة أو منظمة لكنه ليس مستبعدًا أيضًا، هذا فقط حتى ينقضى الليل، حيث ستضطر فى الصباح إلى خوض نفس المقامرة مرة أخرى! ستضطر للنزول كي تذهب إلى عملك أو جامعتك منتظرًا لحظة الاعتقال إلا إذا – وبشكل عشوائى تمامًا – استطعت إنهاء يومك والوصول إلى المنزل سليمًا لتعيد الكرّة كل يوم! إن الحصول على الحرية هو الذى يتم بشكل عشوائى هنا وليس الاعتقال!
“تسنيم عبد الحكيم مصطفى” طالبة جامعية، والأخت التوأم لأحد أصدقائي، تمثُل الآن فى المنصورة أمام النيابة، وهى متهمة بثمان تهم أولهم الشروع في قتل ضابط شرطة بالإضافة إلى حرق بوكس شرطة! حسنًا.. ليس هناك شيء غامض أو مثير في الأحداث! والحقيقة أنه من الصعب للغاية أن تكتب شيئًا مميزًا عن الحدث! الأمر ببساطة أنها تعرضت لما يوصف بـ “عملية اعتقال عشوائية”، فأثناء عودة تسنيم من الجامعة مع صديقة لها استوقفها ضابط ما ليسألها عن البطاقة والكارنيه، كنا قد توقفنا منذ زمن – بحكم الاعتياد – عن التذمر بسبب قدرة أي ضابط على إيقاف أحد المارة ثم تلفيق أى تهمة له فقط لأنه يستطيع! اتسعت الدائرة الآن لتضم الفتيات أيضًا، فلأسباب مجهولة تمامًا قرر الضابط احتجاز تسنيم في نادي الشرطة لمدة أربع ساعات! حتى تم ترحيلها إلى قسم أول المنصورة بينما تتعرض للإهانات اللفظية والاعتداء الجسدي.
بينما كانت تسنيم في قسم أول المنصورة ذهبت إليها أختها الكبرى خريجة كلية الحقوق فى إجراء طبيعيى جدًا، لكنها تعرضت للضرب والسب أيضًا، وبأسلوب عشوائى تمامًا نجحت فى تجنب الاعتقال بعد أن تم تهديدها به صراحةً، هكذا أصبحنا جميعًا معتقلين ولكن على قائمة الانتظار، كونك إنسان يعنى أن احتمالات كونك معتقل تقترب من المائة بالمائة، والوقت هو العامل الوحيد فى إدراكك لهذا الأمر، إذا لم تكن معتقلاً الآن فسوف تكون غدًا أو بعد الغد، أما العوامل الأخرى مثل أن تكون بريئًا، لم تقم بأى جريمة، أو حتى ليس لك أي نشاط سياسي، فهي عوامل غير مؤثرة في المعادلة على الإطلاق!
تم ترحيل تسنيم إلى النيابة مع الأربعة طلاب الآخرين، بعد أن تم تعذيبهم وإهانتهم للحصول على اعترافات بضلوعهم فى التهم الموجهة إليهم، أمام النيابة أنكر جميع الطلاب التهم الموجهة إليهم، وأكدوا على أنه تم تعذيبهم وإجبارهم على الاعتراف بها، تم تأجيل القرار حتى يوم السبت المقبل – بإذن الله – فى انتظار تحقيقات الأمن الوطني، وبينما نحن في انتظار قرار النيابة – كما تفعل والدة تسنيم وأخوتها – فإننا ننتظر أيضًا أن نصبح أحرارًا لا لشيء إلا لأننا أبرياء! وهو الأمر البديهى لكن ربما في مكان آخر أو زمن آخر!
تسنيم فتاة بريئة لكنها تنام في زنزانة ضيقة وقذرة منتظرة قرار النيابة والذي قد يكون بتجديد الحبس خمسة عشر يومًا أخرى.
يجب ألا تنام الفتيات البريئات فى زنزانة ضيقة قذرة! يجب أن تستطيع الفتيات العودة لمنازلهن آمنات بينما تنتظرهن أمهاتهن! يجب أيضًا أن توضع عوامل أخرى فى الحسبان عند اعتقال الإنسان مثل كونه بريئًا مثلاً! يجب أن يقف هذا عائقًا حقيقيًا أمام عملية الاعتقال وإلا أصبحنا جميعًا معتقلين بالتعريف.
الحرية_لتسنيم_عبدالحكيم
الحرية_للأبرياء
الحرية_لنا