يصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اليوم 10 من فبراير/شباط الحاليّ، حيث يتسلم رئاسة الاتحاد الإفريقي بعد أيام قلائل من أحدث دفعة من رافضي انقلابه سيقت إلى المشانق إثر محاكمات وُصفت بـ”المسيَّسة” دون أن يجرؤ صوت داخل البلاد على المجاهرة بذلك حتى جنازاتهم ضُيِّقت على مشيعيها.
وبالنظر إلى سجل السيسي في مجال حقوق الإنسان، يشاهد الأفارقة – لا سيما أولئك المتأثرين بحملات القمع الوحشية من حكوماتهم -، ما يجري، ويتساءلون عمَّا إذا كان الاتحاد الإفريقي برئاسة السيسي سيستمر في العمل كالمعتاد أم يعالج أزمات القارة حقًا، لكن استنادًا إلى المخاوف الحقوقية من التأثير المحتمل لرئاسة السيسي للاتحاد، ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل.
عندما يكون السيسي رئيسًا للاتحاد الإفريقي
لأول مرة في تاريخ المنظمة، ستكون رئاسة الاتحاد الإفريقي للعام الحاليّ للرئيس المصري الذي تسبب انقلابه العسكري عام 2013 في تجميد عضوية مصر في الاتحاد على مدار 6 سنوات متواصلة على خلفية الانقلاب الذي قاده عام 2013 على الرئيس المعزول محمد مرسي، فهل يستمع الرئيس المصري من جيرانه الأفارقة إلى لوم أو نقد لحال حقوق المصريين أم أن تراجع الملف الحقوقي قاسم عام أوغالب؟
نصَّ بيان لمنظمة العفو الدولية على مخاوف حقيقية من تأثير رئاسة السيسي للاتحاد الإفريقي على استقلال آليات حقوق الإنسان الإقليمية
خشية العدوى الضارة، عبَّرت منظمة العفو الدولية “أمنستي” عن قلقها من تولي القاهرة رئاسة المنظمة الإفريقية، وحذرت القادة الأفارقة – وقد تنادوا لقمتهم الـ32 في أديس أبابا – من تداعيات تصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرئاسة دورة الاتحاد لعام 2019.
“مصر أصبحت أكثر خطورة من أي وقت مضى بالنسبة للمنتقدين السلميين”، مَنْ يقول ذلك ليس سوى منظمة العفو الدولية، وليس هذا تقريرها الأول ولا هي المنظمة الحقوقية الوحيدة التي تزداد قوة وحزمًا في دق ناقوس الخطر بشأن حقوق الإنسان في مصر.
ليست هذه مبالغة، فقد نص بيان لمنظمة العفو الدولية على مخاوف حقيقية من تأثير رئاسة السيسي للاتحاد الإفريقي على استقلال آليات حقوق الإنسان الإقليمية، وذكَّر بوقائع، مضيفًا ما يتبلور حاليًّا بشأن تعديلات دستورية قد تتيح للسيسي البقاء في الحكم بصلاحيات واسعة حتى عام 2034.
السيسي، بحسب بيان العفو الدولية التي تتخذ من لندن مقرًا لها، أظهر منذ قلبه نظام الحكم عام 2013 ازدراءً مروِّعًا لحقوق الإنسان، وتحت قيادته شهدت مصر انحدارًا كارثيًا في الحقوق والحريات بين عمليات قتل جماعي للمتظاهرين وحالات إخفاء قسري واسعة النطاق وأحكام إعدام جماعية على المئات بعد محاكمات جائرة، فضلاً عن أسوأ حملة قمع ضد حرية التعبير في تاريخ البلاد الحديث.
السيسي إلى أديس أبابا لتسلم رئاسة الاتحاد الإفريقي وسط مخاوف وانتقادات حقوقية
وينوَّه بيان العفو الدولية أن “مصر السيسي” تهاجم بشراسة اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان بسبب شكاوى قدمتها على خلفية انتهاكات حقوقية في مصر، التي لم توَّقع بعد على معاهدات حقوق الإنسان الأساسية للاتحاد، وهو ما قد يبدو مبررًا للقلق الحقوقي من تلك الرئاسة المصرية، ودافعًا للمنظمة كي تطالب دول الاتحاد بضمان تمسك مصر بقيم الاتحاد ومبادئه في هذا المجال.
الانتقادات الحقوقية في مصر منذ الانقلاب العسكري وحتى في عهد مبارك تُصنف داخليًا على الدوام كمؤامرات لتشويه البلاد، تقف وراءها تمويلات وأجندات أجنبية، ويزيد السيسي على ذلك في لقاءاته برؤساء العالم بتقديم تصوره الجديد الخاص لحقوق الإنسان المستند إلى كون “مصر ليس أوروبا ولا أمريكا”، وإلى انشغال إدارته عن حق التعبير والحرية بتأمين حق التنيمة والرفاهية رغم كثرة دلائل الإخفاق في هذا المجال.
ووسط هذه الأجواء، من المتوقع أن ينصب اهتمام مصر خلال توليها رئاسة الدورة الحاليّة للاتحاد الإفريقي على ملف الأمن والسلام، وبحسب خبراء ومحللين، من غير المرجح أن يكون تعزيز السلطات متعددة الأطراف أو الإصلاح المالي للاتحاد على جدول الأعمال، وعوضًا عن ذلك، ستسعى لتعزيز نفوذها في القارة من دون أن يعني ذلك بالضرورة تدعيم مؤسسات المنظمة الاقليمية.
الأمن مقدم على الإصلاح
كما جرت العادة، ستتصدر أزمات القارة الأمنية جدول أعمال القادة، كذلك من المحتمل أن يكون مقترح روندا لتمويل الاتحاد الإفريقي وخفض اعتماده على المانحين الخارجيين – الذين ما زالوا يدفعون أكثر من نصف الميزانية السنوية للمنظمة – على الطاولة، إلا أنه قد لا يرى النور ليس بسبب اعتراض مصر عليه، وإنما الدول الأعضاء الأخرى.
أما عن إصلاح مفوضية الاتحاد الإفريقي فهو موضوع أكثر حساسية، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، رفضت معظم الدول مقترحًا بمنح الذراع التنفيذي للاتحاد الإفريقي الحق في اختيار نواب ومفوضين.
من المقرر أن تركز قمة الاتحاد الإفريقي على “اللاجئين والعائدين والأشخاص المشردين محليًا” على أن يتم تقديمه في سياق أمني
وتعد السوق الموحدة من أبرز برامج “جدول أعمال 2063” التابع للاتحاد الإفريقي، الذي يعتبر بمثابة إطار إستراتيجي للتحول الاجتماعي والاقتصادي، لكن الاتفاقية التجارية واجهت اعتراضًا من جنوب إفريقيا وبالتالي يتعين على السيسي أن يدفع بقوة من أجل التصديق على هذا الاتفاق إذا كان سيبدأ تنفيذه.
كذلك من المقرر أن تركز قمة الاتحاد الإفريقي على “اللاجئين والعائدين والأشخاص المشردين محليًا” على أن يتم تقديمه في سياق أمني، وتنصب القاهرة نفسها “بطلة” في المعركة ضد الهجرة غير الشرعية، ونموذجًا لاستضافة اللاجئين على أراضيها.
وما زالت قضية هجرة الأفارقة “للفردوس الأوروبي” كما يُسمى تشكل أحد أكبر التحديات لمنظومات القارية في أوروبا وإفريقيا، ففي ظل عجز دول المنشأ عن توفير ظروف ملائمة لشعوبها تمنعهم من الهجرة تتذرع دول الاستقبال بحماية وسيادة الأمن القومي لرفض استقبال المهاجرين غير النظاميين، وما بين الأمرَّين يظل المجتمع الدولي عاجزًا عن وضع حلول دائمة لظاهرة اللجوء.
نائب قائد بعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية يزور يومبي التي وقعت فيها اشتباكات في ديسمبر 2018
وبعيدًا عن شواطئ أوروبا، يرزح داخل القارة السمراء أكثر من 22 مليون إنسان ما بين لاجئ ونازح، تسببت في حدوثها الصراعات المسلحة وإخفاقات الحكومات وانتهاكات حقوق الإنسان إلى جانب الفقر وتراجع الفرص، ورغم كثرة المنظمات التي تتعامل مع هذه المشكلة فإن أغلبها يتعاطى فقط مع الآثار الإنسانية للظاهرة.
ورغم النفق المظلم، ثمة مبادرات إفريقية تعمل على تخفيف حدة المعاناة، منها برنامج روندا للاجئين الرواد الذي يعمل على مساعدتهم لإقامة مشاريعهم الخاصة، ومن المبادرات أيضًا توقيع الاتحاد الإفريقي مذكرة تفاهم مع دولة قطر لتقديم دعم بـ20 مليون دولار من أجل إعادة إدماج المهاجرين الأفارقة، وهناك قانون دمج اللاجئين الذي أقرته إثيوبيا في يناير/كانون الثاني الماضي، ويسمح لأكثر من 90 ألف لاجئ يعيشون في المخيمات بالعمل والتنقل والإقامة في الحواضر والمدن.
وحتى الآن لا توجد حلول جاهزة لمعضلة اللاجئين في إفريقيا، فموجات اللجوء والنزوح موجودة منذ عقود وتمتد معها التأثيرات لتصبح احتياجات اللاجئين بعيدة المدى، ما يجبر المنظمات العاملة في هذا المجال على التعاطي مع الآثار الإنسانية للظاهرة وإخماد جذورها السياسية والاقتصادية.
الاتحاد الإفريقي وسيل من الإخفاقات
في الوقت الذي يجتمع فيه رؤساء الدول والحكومات الأفارقة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في القمة الثانية والثلاثين للاتحاد الإفريقي، اليوم الأحد، فإن السودان في منتصف شهره الثاني من الاحتجاجات التي اندلعت بسبب الارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة، وخلالها قتلت قوات الأمن أكثر من 45 شخصًا وألحقت إصابات خطيرة بالعديد من الأشخاص الآخرين، بل أطلقت الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع داخل المستشفى في أثناء متابعة الجرحى.
وفي زيمبابوي، أدى الارتفاع الحاد في تكلفة الوقود، مع ما يترتب على ذلك من ارتفاع تكاليف المعيشة، إلى ظهور احتجاجات واسعة النطاق، ردًا على ذلك، أطلقت قوات الأمن العنان لهجوم وحشي، مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا واعتقال تعسفي لأكثر من 600 آخرين، وتشير التقارير أيضًا إلى أن العديد من النساء تعرضن للاغتصاب في حملة القمع وكثير من الناس تعرضوا لإصابات موهنة، ويحرم معظم المقبوض عليهم من حقوق محاكمتهم العادلة في المحاكم، كما تم إغلاق الإنترنت في أعقاب الاحتجاجات، في محاولة واضحة لمنع الناس من دعم أو تنظيم التجمعات السلمية.
لا يزال الاتحاد الإفريقي يستثمر في معالجة أعراض الصراعات والعنف بدلاً من معالجة الأسباب الحقيقية الكامنة ورائها
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تميزت الانتخابات العامة التي اختتمت لتوها بتوتر ملموس وجيوب من العنف المدمر، مما أدى إلى فرار أكثر من 20 ألف شخص من البلد إلى البلدان المجاورة، وكشف تحقيق أجرته الأمم المتحدة عن وجود 59 مقبرة جماعية وقتل أكثر من 500 مدني في يومبي في الجزء الغربي من البلاد، وفي أعقاب الانتخابات، أغلقت الحكومة العديد من وسائل الإعلام وشنت حملة على الإنترنت والرسائل المتنقلة.
في مواجهة هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تميزت استجابة الهيئات الإقليمية، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي (AU) والجماعة التنموية للجنوب الإفريقي (SADC)، بعدم التوافق أو تأخر رد الفعل أو الصمت الذي يصم الآذان، فلم يكن هناك رد وحيد يدين أو يدعو إلى وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والمستمرة في زيمبابوي، لا من الاتحاد الإفريقي ولا من الجماعة التنموية.
لا يختلف الوضع كثيرًا عن السودان، فقد كان بيان الاهتمام الأخير والوحيد الذي أصدره رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي (في 30 من ديسمبر 2018) ضعيفًا وباهتًا، وبدلاً من إدانة الانتهاكات الفاضحة المستمرة، حصر الرئيس نفسه في مجرد الدعوة إلى “ضبط النفس” من جميع الأطراف، واختار أن يذكّر القادة السياسيين السودانيين “بمسؤوليتهم الجماعية” لإيجاد حلول سلمية، والدعوة بفعالية بالسلام دون إماطة اللثام عن النظام الذي يمارس العنف.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، شابت ردود فعل الاتحاد الإفريقي والجماعة التنموية للجنوب الإفريقي حالة من الارتباك والتناقض والاختلاف بشأن الصراع الذي تلا الانتخابات، مما أدى إلى تقويض شرعيتها الخاصة والمخاطرة بتصاعد التوتر السياسي والعنف المحتمل، لكن كان لديهم ميزة مشتركة واحدة، حيث لم يعلقوا على الإطلاق على القيود المفروضة على وسائل الإعلام والاحتجاجات السلمية وإغلاق الإنترنت، التي ترقى إلى الحرمان التعسفي من حق المواطنين في حرية التعبير والتجمع في وقت كانوا في أمس الحاجة إليها.
وكما هو العرف، من المتوقع أن تقيم قمة الاتحاد الإفريقي بتقييم حالة السلام والأمن في إفريقيا، ومن المتوقع أيضًا أن تتصدر مواقف الثلاث أزمات الأخيرة (جمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وزيمبابوي) جدول الأعمال، بالإضافة إلى الأوضاع القائمة منذ فترة طويلة في جمهورية إفريقيا الوسطى ودول حوض بحيرة تشاد وجنوب السودان والصومال.
وعلى الرغم من الالتزامات والتقدم في إنشاء الهياكل والآليات مثل مجلس السلم والأمن (PSC) ونظام الإنذار المبكر القاري للاتحاد الإفريقي (CEWS)، لا يزال الاتحاد الإفريقي يستثمر في معالجة أعراض الصراعات والعنف بدلاً من معالجة الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها، حيث استمرار انتهاكات حقوق الإنسان وفشل مكافحة الإفلات من العقاب.
أمثلة كثيرة، من جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان، إلى شمال شرق نيجيريا والكاميرون، فشل الاتحاد الإفريقي والهيئات الإقليمية في التصرف حتى وصل الوضع إلى نقطة حاسمة، وحتى عندما أظهر الاتحاد الإفريقي قلقه إزاء انتهاكات حقوق الإنسان، فقد فشل مرارًا وتكرارًا في معالجة القضايا بشكل مباشر، وافتقر إلى الشجاعة والإرادة السياسية لدفع التغيير.
قبل عام قالت لجنة الأمم المتحدة إن الاتحاد الإفريقي يتواطأ مع سفك الدماء في جنوب السودان بعدم القدرة على إنشاء المحكمة
على سبيل المثال، في عام 2015، قدم الاتحاد الإفريقي دليلاً دامغًا على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في بوروندي، حيث أطلق الرئيس بيير نكورونزيزا حملة قمع وحشية على حقوق الإنسان في سعيه للحصول على ولاية ثالثة مثيرة للجدل في منصبه، وأعرب الاتحاد الإفريقي عن نيته في وقف الانتهاكات بشكل حاسم، إلا أنه تراجع عن ذلك قبل أن يتخذ أي إجراء ملموس، ومن خلال مجموعة شرق إفريقيا (EAC)، اختار الاتحاد طريق الوساطة، وهي عملية تجاهلت بشكل كامل المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في البلاد منذ عام 2015.
وفي جنوب السودان، هناك وعد طال انتظاره لم يتحقق بعد، فقد مضى الآن أكثر من 3 سنوات منذ التوقيع على اتفاقية السلام “الأصلية” في جنوب السودان، التي تنص على إنشاء “محكمة مختلطة” من الاتحاد الإفريقي، وتضم قضاة من جنوب السودان ودول إفريقية أخرى للنظر في قضايا جرائم الحرب، وقبل عام قالت لجنة الأمم المتحدة إن الاتحاد الإفريقي يتواطأ مع سفك الدماء في جنوب السودان بعدم القدرة على إنشاء المحكمة، ودعت مجددًا لتأسيس المحكمة، وعلى الرغم من اتفاقيات السلام المتعاقبة، يستمر العنف، حيث ملايين المدنيين في جنوب السودان يُقتلون ويُشردون ويتعرضون للعنف الجنسي دون عدالة تلوح في الأفق.
لم يعد الوعظ كافيًا لضمان السلام والاستقرار، فقد حان الوقت لإجراء الاتحاد الإفريقي تغييرات جذرية في كيفية رده على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم المرتكبة في حالات النزاع، وعلى الرغم من إجراءاته وخطبه، فإن الاتحاد الإفريقي في حاجة إلى أن ينظر إليه على أنه الواقف إلى جانب الناس الذين يناضلون من أجل العدالة والحرية وليس العكس.