في محطة جديدة تدخلها قضية مقتل جمال خاشقجي اتهم أعضاء في الكونغرس الأمريكي الرئيس دونالد ترامب بازدراء المجلس بعد تجاهله المهلة المحددة لتحديد هوية المسئولين عن الجريمة.
وكان برلمانيون أمريكيون قد أعطوا الرئيس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مهلة أربعة أشهر بموجب قانون “ماغنيتسكي” للكشف عن الضالعين في الحادث غير أن ترامب تجاهل هذه المهلة التي انتهت دون تقديم أي معلومات جديدة تكشف عن أسماء وهوية المتورطين.
معاونون في الكونغرس قالوا إنهم لم يتلقوا أي تقارير من البيت الأبيض في هذا الشأن فيما كشف مسئول بالبيت الأبيض أنه وفقا لمبادئ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، يحق للرئيس التزام الصمت والامتناع عن الرد على طلب البرلمان,
وأمام هذا التجاهل الذي أبداه ترامب تجاه طلب الكونغرس دعا عدد من الأعضاء إلى ضرورة التحرك من أجل محاسبة الضالعين في الجريمة وتحمل عواقب فعلتهم، كذلك دعوا إلى إعادة النظر في العلاقات مع السعودية وفي دور التحالف العسكري الذي تقوده الرياض في اليمن.
تجاهل ترامب.. علامة استفهام
البداية كانت مع السيناتور الديمقراطي كريس كونز الذي قال إن مسؤولية محاسبة الضالعين في اغتيال خاشقجي تقع على عاتق مجلس الشيوخ، ما دام البيت الأبيض يتجاهل مطالب الكونغرس.
فيما أوضح إليوت إنغل، النائب عن الحزب الديمقراطي، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن رفض إدارة ترامب التعامل مع قضية مقتل خاشقجي تجاهل طلب تحديد هوية القتلة وتزويد معلومات بشأنها، يدفع إلى التساؤل حول معرفة ما الذي يحرك سياسة ترامب الخارجية.
إنغل في بيان له أشار إلى أن الإدارة الأميركية جددت ازدراءها للسلطة الدستورية للكونغرس برفضها الاستجابة لمطالبه. وأكد البيان أن لجنة الشؤون الخارجية ستواصل الضغط من أجل تحقيق ما وصفها بالمحاسبة الحقيقية عن “جريمة القتل الوحشية”، سواء أتعاونت الإدارة الأميركية أم لم تتعاون.
من جانبه أشار العضو الجمهوري في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل مكول إلى أنه “عندما تفشل الولايات المتحدة في القيادة فإننا نعرض سلامتنا للخطر، ونتخلى عن أولئك الذين يسعون لتحقيق العدالة حول العالم”،
مشيرًا أن رسالة وزير الخارجية مايك بومبيو بشأن الإجراءات المتخذة في قضية خاشقجي مقلقة ولا تفي بالمتطلبات الواردة في قانون ماغنيتسكي، داعيا في بيان صحفي البيت الأبيض إلى الامتثال فورا للقانون، وتزويد الكونغرس بالمعلومات المطلوبة.
البيت الأبيض لا يزال يدعم الأمير، البالغ من العمر 33 عاما والذي هو الحاكم الفعلي، رغم تقرير الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي إيه) السابق الذي خلص إلى أن انه أمر باغتيال خاشقجي
مكول الذي يعد كبير الجمهوريين في اللجنة طالب إدارة ترامب بتحديد المسؤولين عن الجريمة ومحاسبتهم، موضحًا أن التقاعس عن تزويد المجلس بالمعلومات الكافية لن يثنيه عن المضي قدما في اتخاذ التدابير اللازمة للكشف عن الضالعين ومحاسبتهم.
أما السيناتور بوب ميننديز زعيم الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية ففي تصريح له لشبكة “سي.أن.أن” فكشف أن إدارة ترامب أظهرت أنها مستعدة لتجاهل القانون الأميركي من خلال جهودها المتواصلة لمنع المساءلة بشأن مقتل خاشقجي، مضيفًا أنه قد حان الوقت ليتحرك المجلس داعيًا لإعادة النظر في العلاقات مع الرياض وفتح تحقيق بشأن ما يحدث في اليمن.
علاقات قوية تربط بين ترامب وبن سلمان
خاشقجي ليس الاتهام الوحيد
في مقال له بصحيفة “الديلي تليغراف” البريطانية، تطرق مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط، راف سانشيز، إلى ما يثار بشأن وجود مكالمات مزعومة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومساعديه هدد فيها الأمير “باطلاق رصاصة” على خاشقجي، بحسب التقرير الأممي.
سانشير اعتبر أن “هذه المكالمات في حال تأكيدها ستكون الدليل المباشر الذي يربط بن سلمان بخطط اغتيال خاشقجي”، مشددًا على أن “هذا الدليل سيدحض رواية المسؤولين السعوديين الذين ينفون علم بن سلمان بالأمر”، مضيفا أن “البيت الأبيض لا يزال يدعم الأمير، البالغ من العمر 33 عاما والذي هو الحاكم الفعلي، رغم تقرير الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي إيه) السابق الذي خلص إلى أن انه أمر باغتيال خاشقجي”.
مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط أكد أن قضية خاشقجي ليست الوحيدة على قائمة التهم الموجهة للرياض، كاشفًا أنه “حتى لو نجحت السعودية في تجاوز ملف اغتيال خاشقجي ، فإنها لازالت تواجه في الوقت نفسه ملف الاتهامات الخاصة باعتقال وتعذيب الناشطات النسويات اللواتي نشطن في مجال الدعوة لنيل المرأة السعودية حقها في قيادة السيارات”.
المزاعم التي لفت إليها جيف بيزوس، حول ابتزازه من قبل صحيفة “ناشونال انكويرر” بنشر مواد عنه وعن عشيقته، قد يكون ردا سعوديا على الطريقة التي تعاملت بها صحيفة واشنطن بوست (التي يملكها بيزوس) لقضية مقتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي.
ابتزاز المناوئين للمملكة
لم يكن ترامب وحده الذي يتجاهل دعوات اتخاذ موقف حاسم تجاه المتورطين في مقتل خاشقجي أيا كانت مناصبهم، إذ كثفت السعودية من جهودها هي الاخرى لتقليم أظافر المعارضين لروايتها بشأن تبرئة ولي العهد من الجريمة، مستخدمة في ذلك كافة الأساليب على رأسها الابتزاز.
“نون بوست” امس نشر تقريرًا عن حملة الابتزاز التي يتعرض لها الرئيس التنفيذي لشركة “أمازون” جيف بيزوس عن طريق مجلة “ناشونال إنكوايرر”، إحدى صحف التابلويد الأمريكية، التي نشرت تقريرًا عن رسائل نصية “حميمية” بينه وبين المذيعة التليفزيونية السابقة لورين سانشيز.
الفريق الأمني الذي اختاره بيزوس للكشف عن ملابسات حصول المجلة على تلك الصور توصل إلى أن الأمر يتعلق بانتقام الرئيس الأمريكي وحلفاءه من صحيفة “واشنطن بوست” التي يملكها الرجل والتي تقوم على الدوام بانتقاد سياسة ترامب بشكل قاسٍ، مرجحًا أن خيوط الفضيحة تنتهي عند أشخاص مقربين من الرئيس الأمريكي إلا أن الأمر لم يتم إثباته بطريقة عملية حتى وقتنا الحاليّ.
بيزوس وعلى مدونة “ميديام”ألمح إلى وجود دوافع سياسية وراء محاولات الابتزاز تلك كاشفًا أن شركة “أيه أم آي” المالكة للمجلة حاولت التوصل لاتفاق معه يقضي بعدم نشر الصور مقابل بيان منه يقول فيه إن لا علم لديه أو دليل على دافع سياسي وراء تقرير “إنكوايرر”.
أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة ميتشغان، جوان كول، في مقال له تعليقا على الواقعة أشار إلى العلاقة القوية التي تربط بين ديفيد بيكر مدير المجلة التي ابتزت بيزوس والرئيس الأمريكي وصهره كوشنر، لافتًا إلى أن المجلة ذاتها هي من نشرت عددًا خاصة لتلميع المملكة خلال زيارة ولي عهدها لواشنطن مارس 2018.
أمام تجاهل ترامب كل هذه الملابسات التي تضيق الخناق حول ابن سلمان كمتورط أساسي في الجريمة، يبقى الكونغرس في تحد جديد أمام ميوعة الإدارة الأمريكية في تحديد هوية المتورطين في جريمة ربما تشوه صورة العدالة الأمريكية المزعومة دوليًا
وفي نفس السياق نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا في الـ29 من مارس 2018 تطرقت فيه إلى أبعاد الحملة الدعائية التي رافقت زيارة بن سلمان إلى الولايات المتحدة في هذا التوقيت، ودوافعها السياسية والاقتصادية، وعلاقة الرئيس الأمريكي بديفيد بيكر.
التقرير كشف عمق العلاقة بين بيكر وترامب التي دفعت الأخير لتقديم العون للأول لجذب الاستثمار السعودي، ففي يوليو/تموز 2107 زار بيكر البيت الأبيض، وأخذ معه ضيفًا خاصًا، وهو كيسي غراين، رجل الأعمال الفرنسي الذي عمل مستشارًا للأمير الوليد بن طلال، وعمل أحيانًا وسيطًا تجاريًا بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورجال الأعمال الغربيين.
الأمر ذاته اكدته جوليت كايم، محللة شؤون الأمن القومي، في تصريحاتها لـ “سي إن إن” لافتة إلى أن المزاعم التي لفت إليها جيف بيزوس، حول ابتزازه من قبل صحيفة “ناشونال انكويرر” بنشر مواد عنه وعن عشيقته، قد يكون ردا سعوديا على الطريقة التي تعاملت بها صحيفة واشنطن بوست (التي يملكها بيزوس) لقضية مقتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي.
وأوضحت كايم “من جهة بيزوس، يمكنه التكهن بأن المملكة العربية السعودية لها أسبابها الخاصة للنيل منه، وجمع هذه المعلومات عبر أجهزتها الاستخباراتية المعقدة وبعهدها تمريرها إلى ناشونال انكويرر للنشر”.
رئيس فريق التحقيق الأممي، أغنيس كالامارد
ماذا بعد؟
المعلومات التي أوردها فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة حول مقتل خاشقجي ، وأنه ضحية “قتل وحشي” تم التخطيط له مسبقاً، وتم تنفيذه من قبل مسؤولين في السعودية، ساهمت بشكل كبير في تحريك المياه الراكدة في هذا الملف
رئيس فريق التحقيق، أغنيس كالامارد، أشارت إلى أن السعودية “قوضت بصورة جدية” الجهود التركية الرامية إلى التحقيق بمقتل خاشقـجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول.
وتابعت أنها طلبت من الرياض أن تمسح لها وفريقها بزيارة المملكة رسميا، مشيرة إلى أن لديها “قلقا بالغا” من درجة العدالة في عملية محاكمة 11 سعوديا يتهمون بقتل خاشقجي، موجهة دعوتها إلى كل من لديه معلومات حول الجريمة إلى مشاركتها مع فريق التحقيق قبل إصداره تقريره النهائي حول القضية في يونيو المقبل.
وأمام تجاهل ترامب كل هذه الملابسات التي تضيق الخناق حول ابن سلمان كمتورط أساسي في الجريمة، يبقى الكونغرس في تحد جديد أمام ميوعة الإدارة الأمريكية في تحديد هوية المتورطين في جريمة ربما تشوه صورة العدالة الأمريكية المزعومة دوليًا وهو ما يتجنبه الكثير من اعضاء البرلمان.
وفي الجهة الأخرى فإن الرئيس الأمريكي بات بين مطرقة المصالح الاقتصادية التي يسعى إليها من وراء حماية ولي العهد السعودي من الملاحقة وسندان الإساءة لمرتكزات بلاده الحقوقية، لتبقى الأيام القادمة وحدها كفيلة بمن ستكون له الغلبة.