يُعرف عن الأتراك أنهم عاشوا خلال تاريخهم في جغرافيا متنوعة، بحكم طبيعة حياتهم القائمة على التِّرحال. لأجل ذلك، تأثروا بكثير من المعتقدات والثقافات خلال رحلاتهم تلك. وحين ننظر إلى النظام الاجتماعي لهم أنذاك، نلاحظ أنهم كانوا على شكل قبائل وعشائر، وهو ما جعلهم يقبلون أديانًا مختلفة في نفس الزمان.
يرجع ذلك بشكل مباشر، إلى انتشار هذه القبائل في مساحة جغرافية واسعة، فكان من الطبيعي مثلا أن تتأثر القبائل التي على حدود الدولة البيزنطية بالمسيحيّة، وأن تتأثر القبائل القريبة من حدود الصين بالبوذية، وكذلك الأمر مع القبائل التي تأثرت بالزرادشتية على الحدود الإيرانية، نتيجة للأنشطة التجارية لهذه القبائل مع جيرانهم.
من أقدم المعتقدات التي عرفتها تلك الدولة في آسيا الوسطى، هي “الطوطميّة”. وتقوم الطوطمية على أساس الاعتقاد بوجود علاقة نسب بين الإنسان والحيوان والنبات، أو أن هناك قوة سحريّة تربط بينهم
وبحسب العديد من المصادر التاريخية التركية، فإن أول قوم أُطلق عليهم الترك، هم قبائل الـ”جُوك تُرك”، الذين قويت شوكتهم منذ القرن الخامس الميلادي، واستحوذوا تدريجيا على ما يُعرف بما وراء النهر. انقسم الـ”جوك ترك” سياسيا إلى دولتين منفصلتين؛ هما: أتراك الشرق وأتراك الغرب. وقد ضعفت أركان دولة أتراك الشرق بعد ذلك، نتيجة اعتداءات الصينيين عليها، واستمرت دولة أتراك الغرب.
ومن أقدم المعتقدات التي عرفتها تلك الدولة في آسيا الوسطى، هي “الطوطميّة“. وتقوم الطوطمية على أساس الاعتقاد بوجود علاقة نسب بين الإنسان والحيوان والنبات، أو أن هناك قوة سحريّة تربط بينهم. والطوطم هو القوى الدينية الجمعية للقبيلة، ولما كان هؤلاء الأتراك يعيشون حياة عشائر قبليّة منفصلة، اندرجوا في سلك الديانة الطوطمية، التي انتشرت في المجتمعات البدائية بشكل عام.
انتشرت الطوطمية أيضا في دولة “الأويجور” التي قامت بعد انهيار الـ”جوك ترك” إبان القرن السابع الميلادي. والآثار التي ظهرت لاحقا في الصين، منذ عصر دولة الـ”جُوك تُرك” تثبت هذا الاعتقاد. وفي كتابه المعروف بـ”رسالة ابن فضلان.. في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة” أشار الرحالة العربي أحمد بن فضلان، الذي خرج في رحلة من بغداد عام 921 م، قاصدا تلك البلاد، إلى أن انتشار تلك المعتقدات في بلاد الترك آنذاك.
ومن المعروف عن هذه القبائل أيضا، أنها كانت تتأثر بدين زعيمها، لذلك نلاحظ أنهم من أكثر الأمم التي كانت تغيّر معتقداتها وفق ما يعتنقه زعيم القبيلة. ولكن ينبغي الإشارة إلى أنهم بالرغم من تغيير دينهم وقبولهم بدين جديد، إلا أن الأديان كانت تتغير بنسب متفاوتة لديهم، حسب ما يتوافق مع ثقافتهم وطبيعة حياتهم.
من بين المعتقدات التي انتشرت أيضا بين هذه القبائل في آسيا الوسطى؛ “الشامانية”، وهي تقوم على أساس التناغم بين الإنسان والطبيعة. وقد انتشرت بشكل كبير بين قبائل الأتراك المتعددة
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، فإنه بالرغم من تأثر قبائل الأتراك بـ”البوذية“، وتبني الملك “توبو هان” لها، وهو ما جعل الأتراك يتحولون إليها تدريجيا، إلا أنهم أخذوا من البوذية ما يوافق طبائعهم وثقافتهم آنذاك، فلم يأخذوا مثلا طرق دفن الموتى في البوذية. وقد انتهى أثر البوذية في آسيا الوسطى، تقريبا في منتصف القرن السابع الميلادي.
من بين المعتقدات التي انتشرت أيضا بين هذه القبائل في آسيا الوسطى؛ “الشامانية“، وهي تقوم على أساس التناغم بين الإنسان والطبيعة. وقد انتشرت بشكل كبير بين قبائل الأتراك المتعددة، وبحسب ما ذكره العالم الألماني ولفارم إبرهارد، الذي قام بالعديد من الدراسات حول الحياة في أسيا الوسطى، فإن الشامانية وجدت بين قبائل الأتراك منذ القرن السادس.
ينقسم العالم في الشامانية إلى طبقات، حيث يوجد في العالم العلوي اثنتا عشرة طبقة، وهي تمثل عالم النور أو الجنة، كما يوجد في العالم السفلي تسع طبقات تمثل موطن الإنسانية. أما الإله الخالق الذي يحكم كل هذه العوالم فإنه يقيم في أعلى طبقة من السماوات، كما توجد في الطبقات العلوية الأخرى مخلوقات تُعبد أيضا، لكنها في الدرجة الثانية بعد الإله الخالق.
وبحسب العديد من المصادر، فإن الشامانية قد تركت بعض آثارها في عادات الأتراك لمئات السنين، ليست كدين، ولكن كعادات؛ مثل قراءة الطالع وبعض أعمال السحر والشعوذة. وقد تبنّى ملكان من ملوك الأويجور “الشامانية”، وهما: “كول بيلجا” و”مويون تشور”، وفي القرن الثامن هجر الأويجور ذلك المعتقد وتبنوا “المانوية”.
تأثرت بعض القبائل التركية التي كانت تعيش على حدود إيران اليوم بـ”الزرادشتية”
تقوم المانوية على أساس أن العالم مركّب من أصلين قديمين، وهما النور والظلام. وقد أعلن ملك الأويجور عام 763 “المانوية” دينا رسميا للأويجور، ومن هنا بدأ هذا المعتقد في الانتشار بين تلك القبائل. لكن المانوية كانت تختلف بشكل جذري مع أهم مبادئ قبائل الأتراك، فقد حرّمت عليهم الحرب وأكل اللحوم.
ومن المعلوم أن مجتمع هذه القبائل كان قائما على الحرب والصيد آنذاك، لذلك كانت المانوية من أكثر المعتقدات القديمة (قبل الإسلام) التي غيّرت هذا المجتمع. ورغم أنهم كانوا يقبلون الأديان مع بعض التغييرات التي تناسب ثقافتهم، إلا أن ذلك لم يحدث مع المانوية، لأنها صارت الدين الرسمي لهم.
كما تأثرت بعض القبائل التركية التي كانت تعيش على حدود إيران اليوم بـ”الزرادشتية“. وبحسب المؤرخين المختصين في الأديان القديمة في آسيا الوسطى، فإن انتشار الزرادشتية بين هذه القبائل كان على المستويين الثقافي والفني فقط، وليس كديانة، والدليل على ذلك أنهم كانوا يرسمون الآلهة الخاصة بهم على اللوحات الفنية، ولكن على الطراز الزرادشتي.
الرغم من انتشار العديد من المعتقدات بين قبائل الأتراك في آسيا الوسطى، تحت تأثير حضارات اليونان والهند والصين، إلا أنه لم يخل زمان من وجود معتنقي ديانة الـ”جوك تانري” في الأماكن المختلفة للعالم التركي
إلى جانب الأديان المذكورة سابقا، فمن أقدم الأديان التي اعتنقتها قبائل الأتراك، ديانة الـ”جوك تانري” ومعناها إله السماء، وهي ديانة قريبة من الأديان السماوية، تقوم على فكرة الإله الواحد ووجود الشيطان والآخرة والجنة والنار، وهو ما جعل بعض المؤرخين الأتراك يذكرون أنه من ضمن أسباب قبول الأتراك للإسلام أنه قريب من تلك الديانة.
وأخيرا، فإنه بالرغم من انتشار العديد من المعتقدات بين قبائل الأتراك في آسيا الوسطى، تحت تأثير حضارات اليونان والهند والصين، إلا أنه لم يخل زمان من وجود معتنقي ديانة الـ”جوك تانري” في الأماكن المختلفة للعالم التركي. وأكبر دليل على ذلك، أن أقدم الكتابات التي عُثر عليها لاحقا، وتعود إلى القرن الثامن الميلادي، تشير إلى الـ”جوك تانري”.
حتى أن اللغوي محمود بن حسين الكاشغري، قد ذكر هذه الديانة في كتابه “ديوان لغات الترك” الذي كتبه في القرن الحادي عشر.