أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد، والمزمع إجراؤها في إبريل/نيسان المقبل. ترشّح بوتفليقة “المقعد” يعيد السؤال مجدّدا في هذا البلد العربي عن الحاكم الفعلي للجزائر التي تسبح فوق ثروات باطنية كبرى، دون أن تعود بفائدة تذكر على البلاد والشعب.
ولاية خامسة
يسعى بوتفليقة من خلال ترشحه، للفوز بفترة رئاسية خامسة، على الرغم من حالته الصحية المتدهورة منذ سنوات، واحتجاج المعارضة على بقائه في السلطة. ويستعمل الرئيس الجزائري الكرسي المتحرك حاليا، ونادرا ما يظهر علنا منذ أن أصيب بسكتة دماغية في عام 2013، ولم يصدر عنه أي تصريح بشأن مشاركته في الانتخابات الرئاسية قبل اليوم.
وكان حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يملك أغلبية المقاعد في البرلمان، أعلن دعمه لترشح بوتفليقة مطلع هذا الشهر. وقال الوزير الأول، أحمد أويحيى، الذي يدعم حزبه التجمع الوطني الديمقراطي ترشح بوتفليقة، إن مرض الرئيس لا يمنعه من أداء مهامه الدستورية.
ووعد بوتفليقة، الذي بدأ ولايته الأولى في 27 إبريل/نيسان من عام 1999، في بيان ترشحه بتنظيم “ندوة وطنية شاملة” من أجل معالجة القضايا “السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد”، واقترح “إثراء للدستور” بعد انتخابه لفترة رئاسية خامسة، وفق وكالة الأنباء الرسمية في الجزائر.
الفريق صالح ورجال الجيش
ترشّح بوتفليقة للرئاسة للمرة الخامسة عل التوالي وهو في هذه الحالة الصحية، يؤكّد وجود عديد الأطراف التي تسعى إلى تثبيت حكم الرئيس الحالي لفترة أطول حتى تتمكّن من الاستفادة أكثر من وجوده، فغيابه يعني خسارة هذه الجهات لعديد الامتيازات التي تتمتع بها.
ضمن أبرز الأطراف الداعمة بقوة لبقاء بوتفليقة في الحكم، نجد قائد أركان الجيش قايد الصالح، الذي يتحكم في مقاليد الجيش أو بالأحرى في المنظومة العسكرية والأمنية، التي تعتبر صاحب القرار الحقيقي في المحطات الكبرى في الجزائر.
ولا يعتبر قائد صالح- الذي ينحدر من مدينة تلمسان نفس مدينة الرئيس بوتفليقة- مجرّد داعم بسيط للرئيس، بل هو من بين أبرز المتحكمين في الرجل الذي لا يقوى على الحركة ولا الكلام، فهو من دبّر ونفّذ عملية استبعاد الجنرال محمد مدين “الشهير باسم الجنرال توفيق” رئيس جهاز المخابرات وجهاز الأمن الوطنى السابق، والذي كان عماد الحكم في الجزائر.
تعوّض صورة الفريق قائد صالح المتداولة في أغلب وسائل الإعلام المحلية، صورة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المثيرة للشفقة
إلى حدود سنة 2016، كانت دائرة الاستعلام والأمن مسؤولة عن إدارة وتنظيم السلطة السياسية والمالية في الجزائر. وتشكل هذه الدائرة جهاز المخابرات الجزائري، وهي تضم هيكلا مترامي الأطراف يقوده الجنرال توفيق، وبعد حل هذا الجهاز الاستخباراتي، بات جزء كبير من السلطة في يد الفريق صالح.
ويعتمد قائد صالح على دعم المقربين من بوتفليقة له وكذلك قبيلته، فمنذ أن تم تعيينه رئيسًا لقيادة أركان الجيش الجزائري تمت ترقية وجوه كثيرة وجميعهم من الغرب من تلمسان، فيما تم استبعاد البعض وإجبار البعض الآخر على المعاش المبكر.
وفي الأشهر القليلة الماضية، عرفت الجزائر موجة إقالات واعتقالات مسّت قيادات كبرى في الجيش، فقد سُجن رؤساء مناطق عسكرية مخلصون (كان يُعتقد أنه لن يتم المساس بنفوذهم) لبضعة أسابيع، بعد اتهامهم بحياكة مؤامرات، قبل أن يتمّ إطلاق سراحهم دون تقديم توضيحات.
ويعتبر قائد صالح، من بين ضباط الجيش الجزائري القليلين النافذين، الذين بدأوا مسيرتهم المهنية في زمن جيش التحرير الوطني الجزائري، الجناح المسلح لحزب جبهة التحرير الوطني خلال حرب الاستقلال، وهو ما يزيده قوة.
الفريق قايد صالح
كثيرا، ما يظهر قائد صالح في افتتاحيات الصحف ونشرات الأخبار في الجزائر، فصورته لا تكاد تغيب عن الجزائريين، وتكتسح مشاهد اجتماعات رئيس هيئة الأركان قايد صالح مرتدياً الزي العسكري، مع المتعاونين معه، البرامج التلفزيونية لدقائق عديدة وطويلة. وتبدو لهجة القائد الأعلى، التي تُنقل عبر التلفزيون، لهجة حازمة ومستبدة، ما يدلّ على حجم قوته ونفوذه.
وتعوّض صورة الفريق قائد صالح المتداولة في أغلب وسائل الإعلام المحلية، صورة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المثيرة للشفقة التي يظهر من خلالها بوتفليقة مثبتا في كرسيه المتحرك بأحزمة من الواضح أنها تؤلم جسد رئيس الدولة المنهك.
علي حداد واللوبي المالي
إلى جانب قائد صالح وما يمثّله من جبهة تتحكم في مصير البلاد، يظهر أيضا اللوبي المالي الذي يتحكم بدوره بدرجة كبيرة في الجزائر، فقد سبق له أن سببا في صدور عديد القرارات المصيرية في تاريخ البلاد، وإلغاء أخرى.
وتصاعد دور رجال الأعمال في الحياة السياسية الجزائرية بشكل لافت في السنوات الأخيرة، خصوصًا داخل منتدى رؤساء المؤسسات الذي يُعد أكبر تجمع اقتصادي لرجال الأعمال الجزائريين، الذين يتمتعون بنفوذ قوي في البلاد، فقد تمكنوا من فرض سلطتهم على الحكومات المتعاقبة على حكم الجزائر.
رجل الأعمال علي حداد
ضمن هذا اللوبي المالي الذي يسيطر على الاستثمارات في البلاد، يظهر علي حداد الذي يعتبر إحدى أبرز الشخصيات المقربة من الدائرة الرئاسية، وصاحب النفوذ القوي في البلاد. ويتذكّر الجميع كيف انتهى الصراع بينه وبين رئيس الحكومة الأسبق عبد المجيد تبون بإقالة هذا الاخيرة بعد أقل من 3 أشهر على تقلد منصب رئاسة الحكومة الجزائرية.
وتحوّل رجل الأعمال الجزائري علي حدادا، من مقاول صغير في مسقط رأسه إلى شخصية بارزة في عالم المال والأعمال، تستحوذ على المشاريع والصفقات الكبرى في الجزائر، وتترأس أكبر تكتل لرجال الأعمال، ولها علاقة وطيدة ببعض دوائر صنع القرار.
استفاد سعيد من منصب شقيقه عبد العزيز عندما أصبح رئيسا للجزائر، حيث بدأ نفوذه يبرز في الساحة السياسية الجزائرية
يسيطر حداد على عديد المجالات في البلاد،فقد سبق أن أسس صحيفة “وقت الجزائر” باللغتين العربية والفرنسية، وقناتين تلفزيونيتين “دزاير تي في” و”دزاير نيوز”. وفي الرياضة، اشترى أحد أكبر أندية كرة القدم في الجزائر، وهو اتحاد العاصمة. وفي قطاع الصحة، عقد شراكة مع الشركة الأميركية العملاقة “فاريان ميديكال سيستم”. وهو أيضا صاحب الامتياز الحصري في تسويق سيارات “تويوتا” اليابانية في الجزائر. كما يمتلك شركة عملاقة تسيطر على قطاع الأشغال العمومية في الجزائر.
وتؤكد وسائل إعلام جزائرية أن علي حدّاد دعم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية عامي 2009 و2014، وموّل حملته الانتخابية، كما يتوقع أن يموّل حملة بوتفليقة لهذه الدورة أيضا، وكان أمس قد عبّر عن دعمه لترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
سعيد بوتفليقة.. الخيط الناظم
الرابط بين الشخصيتين السابق ذكرهما والمجموعات التي تدعمهما، هو سعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره الخاص الذي يُقدم على أنه الرجل الأقوى في النظام العليل، والذي يلقبه بعض الجزائريين برجل الظلّ وعماد النظام.
ويُعرف عن سعيد، تأثيره اللافت للنظر على قرارات بوتفليقة الرئيس، خصوصًا بعد تدهور الحالة الصحية للأخير، وفرضت ظروف مرض الرئيس على “سعيد” تسيير بعض الأمور التي تتجاوز صلاحياته كمستشار للرئيس، إذ أصبح الوسيط الذي ينقل إليه ومنه، وفيما يفشل الكثير من كبار المسؤولين في مقابلة الرئيس يبقى سعيد حلقة الوصل بينهم، يعين الوزراء ويقيلهم ويصدر الأوامر والقرارات ويعطلها، فله صلاحيات واسعة ما فتئت تتدعم يومًا بعد يوم.
ويتحكم سعيد بدرجة كبيرة في علي الحداد صاحب إمبراطورية المال في الجزائر، فله الفضل الكبير فيما وصل إليه حداد من مال وجاه، وهو من يدعمه في السلطة، لذلك، فإن علي حدّاد يكن ولاء كبير لسعيد بوتفليقة ويأتمر بإمرته، وهو ما تجلى في العديد من المحطات.
أما قائد الأركان الفريق صالح، فلسعيد بوتفليقة الفضل الكبير أيضا فيما وصل إليه من مراتب، فدون سعيد لم يكن الفريق صالح سيصل لمنصب قائد الأركان الجزائرية، فقد كان لشقيق بوتفليقة الأصغر دور كبير في تنحية مسؤول الاستخبارات الجنرال توفيق مدين.
سعيد بوتفليقة يتوسط سياسيين جزائريين
قليلا ما يظهر سعيد بصورة علنية، فقد اقتصر ظهوره العلني فقط على المواعيد الانتخابية الرئاسية أو البلدية أو التشريعية، ليدلي بصوته إلى جانب شقيقه الرئيس وشقيقهما الآخر عبد الغني، وهو ظهور عائلي ينقله التلفزيون الرسمي. كما سجّل الرجل ظهور إعلامي من وقت لآخر في بعض المناسبات والأحداث لكن بشكل هادئ، ومعظمها لم يخرج عن نطاق التضامن.
واستفاد سعيد من منصب شقيقه عبد العزيز عندما أصبح رئيسا للجزائر، حيث بدأ نفوذه يبرز في الساحة السياسية الجزائرية، لا سيما مع الوعكات الصحية المتتالية التي ألمت بالرئيس منذ عام 2005، حتى بات يتحكم في معظم البلاد، وقوية سلطته في تعيين مقربين له أو موالين في مناصب حساسة داخل الدولة.
يسعى سعيد بوتفليقة، من خلال رجال الجيش ورجال الأعمال إلى المحافظة على المصالح الحيوية للعائلة الحاكمة، فيما يقوم هو بحماية مصالحهم الشخصية، وتمكينهم من النفوذ التي يسعون إليها، فنحن هنا أمام مصالح مشتركة بين هذه الأطراف المتحكمة في البلاد.