في الوقت الذي تجاوزت فيه سفينة العلوم والتكنولوجيا حد الفضاء، وتحول العالم إلى قرية إلكترونية صغيرة في ظل الطفرة الهائلة من التقدم، هناك مناطق لا تزال تحيا في العصور الحجرية القديمة، في بقاع نائية، منعزلة تمامًا عن الخطوات التي قفزتها الكرة الأرضية، محافظة في الوقت ذاته على عادات وطقوس متوارثة عبر ألاف السنين.
في أقصى جنوب غرب إثيوبيا حيث وادي “الأومو” تعيش عدد من القبائل يصل عددها قرابة 16 قبيلة، أشهرها «حمر» و«بودي» و«داساناش» و«الكارا» و«الهامر» و«كويغو» و«مورسي»، على ضفاف نهر يحمل نفس اسم الوادي، معتمدة على نبضه الذي يفيض كل عام، في الغابات العذراء االمحيطة به، والتي تحميهم من الحيوانات البرية والبرمائية.
الطبيعة الجغرافية للمكان وخارطة تضاريسه فرضت نوعا مختلفا من الحياة على السكان، جعلتهم يعيشون في معزل عن الكون وما فيه، يسيرون عراة تكسوهم الألوان والنباتات التي تنمو على ضفاف النهر، وسط حزمة من العادات والطقوس التي صٌنفت بأنها الأعجب والأغرب في القارة بأسرها
معايير الجمال
بعيدًا عن الأنوثة والتقاسيم الجسدية والمكياج وطبيعة الشخصية وروحها التي تعد أبرز معايير الجمال عن النساء في الوقت الراهن، فإن الوضع داخل تلك القبائل مختلف بصورة كلية، فالجمال هناك يرتبط في المقام الأول بالقوة والقدرة على التحدي وتحمل الأعباء هذا بخلاف طقوس أخرى غريبة.
ففي قبيلة “مورسي” على سبيل المثال والتي يعيش أهلها عراة تتزين نساؤها بوضع لوح خشبى أو فخارى فى شفاههن عند بلوغ الفتاة ١٥ عامًا، ويتم وضع قطعة خشبية صغيرة حتى يلتئم الجرح ثم يتم تركيب قطع أكبر فأكبر مع مرور السنين حتى الوصول إلى الحجم المراد الذي يعرف منه عمر الفتاة.
عقاب رادع في انتظار الشاب إن أخفق في هذا الاختيار، فلن يكون بوسعه الزواج، وسيتم ضربه على يد السيدات اللواتي يجلسن ويشاهدن الطقوس، وهو ما يجعل صورته سيئة بين أقرانه
هذه القطعة الخشبية هي معيار الجمال وتقييم وزن المرأة مقارنة بغيرها، فكلما كبر حجم اللوحة تكون الفتاة أجمل فى نظر شباب القبيلة، ويكون مهرها من البقر أكبر، وتكون بنت قبيلة المرسى مخيرة فى قطع أسفل الشفاه، وإن لم تحمل اللوح فسيكون مهرها قليلًا جدًا وتتم إزالة الأسنان الأمامية لتفادى الاحتكاك بتلك القطعة الخشبية.
الجمال لا يتوقف عند اللوح المعلق أسفل الشفاة وفقط، فهناك بعض القلائد الحديدية الثقيلة التى تعلقها فى أذنيها، أما الرجال فيتزينون بالطين الملون ويضعون على رؤوسهم تيجانًا من الأغصان الخضراء ويستخدمون القوارب الخشبية فى الصيد وعبور النهر، حيث يستعرض الصغار مهاراتهم فى السباحة وسط التماسيح واللعب بالعقارب السامة.
النساء يتوسلن للجلد للرغبة في الزواج
التعبير عن الحب
طقوس التعبير عن الحب والرغبة في الارتباط والزواج تتميز عند تلك القبائل بالقاسية، حيث يقوم الحبيب بضرب فتاته أسفل ظهرها، في تقليد يعرف بـ”أوكولي بولا” كما في قبيلة “حمر” وكلما كانت الضربة قوية وتنزف دما، دل ذلك على شدة الحب، حتى أن الدماء تسيل من ظهورهن، لكنها عادة مقبولة لديهم.
النساء يقفن في طابور منتظم ثم يمر عليهم الشباب ويضربوهن ضربًا مبرحًا بالسياط، والمرأة التي تتحمل هذا الضرب دون ألم أو صراخ تفوز بقلب الشاب ومن ثم الزواج، لذا لقبت نساء تلك القبيلة “حمر” التي تتميز بشرتهن باللون البرتقالي بأنهن أقوى نساء العالم لما يتحملونه من حياة قاسية وضرب مؤلم.
يمكن لرجال قبيلة هامار الارتباط بثلاثة زوجات، تحدد مرتبة كل زوجة وفقاً لمجوهراتها، الزوجة الأولى ترتدي عقداً مكوناً من حلقة حديدية تنتهي بشوكة كبيرة بنهايتها
أما الرجال فلهم معايير أخرى لتحديد أهليتهم للزواج، تنطوي على اختبارات قفز من فوق الماشية، تكون ضرورية لكي ينجحوا في مساعي التحول من صبية لرجال، ويتعين، بموجب تلك الطقوس الاحتفالية، أن يقفز كل صبي من فوق 15 بقرة، كلها ملطخة بالروث لكي تصبح زلقة.
عقاب رادع في انتظار الشاب إن أخفق في هذا الاختيار، فلن يكون بوسعه الزواج، وسيتم ضربه على يد السيدات اللواتي يجلسن ويشاهدن الطقوس، وهو ما يجعل صورته سيئة بين أقرانه، ويظل هكذا خجلا من المشي في القبيلة حتى يؤهل نفسه ويعاود الاختبارات مرة أخرى.
في قبيلة “هامار” ووفقاً للوضع الاجتماعي ولعدة عوامل أخرى يمكن لرجالها الارتباط بثلاثة زوجات، تحدد مرتبة كل زوجة وفقاً لمجوهراتها، الزوجة الأولى ترتدي عقداً مكوناً من حلقة حديدية تنتهي بشوكة كبيرة بنهايتها، أما الزوجتان الثانية والثالثة فترتديان حلقات حديدة أكثر بساطة.
تتميز نساء القبائل بالقوة
المنجي.. الوأد بطرق خرافية
واحدة من أغرب الطقوس التي تمارسها تلك القبائل وأثارت جدلا حقوقيًا عالميًا ما يسمى بـ ” المنجي” وهي الأداة المستخدمة لقتل الأطفال والرضع لدى القبائل الإفريقية في وادي الأومو والتي بسببها يموت كل عام عشرات بل المئات من الأطفال في الوقت الذي تعاني فيه القبائل من هزات بسبب قلة أعدادها.
ويقص بالمنجي هم الأطفال الذين يولدون خارج نطاق الزوجية وتعني “الملعون” من قبل شيوخ القبائل، فالمهور الغالية أدت إلى تعذر الزواج على الكثير من الشباب الذين فضلوا الارتباط بطرق غير شرعية، ولذا فعندما يولد أطفالهم سيطلق عليهم هذا المسمى الذي يعد جواز سفر سريع نحو الموت
القبائل هناك تعتقد أن أطفال “المنجي” يجلبون الأرواح الشريرة و اللعنة وسوء الحظ والجفاف والمجاعة والمرض والموت إلى القرية ولذلك أمر شيوخ القبائل بقتلهم جميعًا، وتكون طريقة القتل بوضع الطفل وحيداً في الأدغال دون طعام أو ماء أو إغراق الطفل في النهر.
هناك أنواع عدة لـ “المنجي” فهناك “المرأة المنجي” وهي المرأة التي تتزوج دون الحصول على موافقة الزواج من الأهل، “أسنان المنجي” وهم الأطفال الذين تنبت أسنانهم العلوية قبل السفلية، أو تكون أسنانهم مشوهة
ورغم إنهاء بعض القبائل لهذه الخرافة كما هو الحال في قبيلة “كاراك” بفضل جهود بعض المؤسسات الحقوقية التي سعت لمحاربتها بشدة عبر عدد من الحملات وجهود الإنقاذ إلا أن عدد من القبائل الأخرى لا تزال تمارسها في مقدمتها قبيلة “هامر”
وهناك أنواع عدة لـ “المنجي” فهناك “المرأة المنجي” وهي المرأة التي تتزوج دون الحصول على موافقة الزواج من الأهل، “أسنان المنجي” وهم الأطفال الذين تنبت أسنانهم العلوية قبل السفلية، أو تكون أسنانهم مشوهة يطلق عليهم شيوخ القبائل اسم “المنجي”، كذلك “توأم المنجي” حيث تعتبر ولادة التوائم لعنة ويطلق عليهم اسم المنجي فور ولادتهم.. كل هذه الأنواع تكون معرضة للقتل.
العديد من المؤسسات الخيرية في العالم تبنت هذه القضية وسعت لإنقاذ هؤلاء الأطفال من خرافات القبائل على رأسها مؤسسة “أطفال الأومو” والتي أخدت على عاتقها منذ عام 2008 جهود إنقاذ أطفال الأومو ورعايتهم ونجحت في انقاذ 37 طفلا من الموت المحقق، وتوفر لهم ملاذا آمنا، ومدرسة للتعليم وجودة التعليم.
المؤسسة وعلى لسان صاحبها جون روي تهدف إلى وضع حد لهذه الممارسة القبلية المدمرة، من خلال توفير التعليم والدعم الإنساني للأطفال الذين تم إنقاذهم، وذلك عبر عدد من الوسائل والأليات الإعلامية التي تستهدف حث المؤسسات الحقوقية الدولية على التحرك كما هو الحال في الفيلم الوثائقي الذي أعدته المؤسسة لتسليط الضوء على تلك الظاهرة الخرافية.