لا داعي للقول أن حياة المرأة في دولة كالسعودية ليس أمرًا هينًا، ولا سيما أن النساء هناك لسن في مواجهة متكررة ومستمرة مع أحكام المجتمع الذكوري والنظام الديني المتشدد فقط، وإنما لأنهن فريسات السلطات الأمنية التي تستاء بشكل عنيف من وعي النساء بفساد وتطرف الدولة في العديد من القضايا الحقوقية، وذلك على الرغم من جميع محاولات الأخيرة في تصدير صورة الانفتاح والحداثة للعالم، إلا أن ما يحدث في الداخل مختلفًا تمامًا، حيث تقبع الكثير من التناقضات والصراعات تحت قشور الترفيه والإصلاح والاعتدال الذي توعد به.
ومنذ بداية العام الماضي، استيقظ العالم على خبر اعتقال نشطاء وناشطات في مجال حقوق الإنسان والمرأة، وفي الوقت الذي لم يندهش فيه الكثيرين من سياسات السعودية القمعية، وقف المتحدث الأمني لرئاسة أمن الدولة ليبرر هذه الخطوة، قائلًا: “الجهة المختصة رصدت نشاطًا منسقًا لمجموعة من الأشخاص قاموا من خلاله بعمل منظم للتجاوز على الثوابت الدينية والوطنية والتواصل المشبوه مع جهات خارجية فيما يدعم أنشطتهم وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج”.
لم يبدو هذا الرد مقنعًا للجهات التي رأت أن هؤلاء الأشخاص لم يعارضوا الحكومة وكانوا بعيدين عن انتقاد النظام وشؤونه، ولم تكن نشاطاتهم تخرج عن إطار حرية التعبير عن قضايا الدفاع عن حقوق المرأة مثل قيادة السيارة وإلغاء نظام الوصاية والدفاع عن معتقلي الرأي، ومع ذلك تهورت السعودية وزادت ملفها في مجال حقوق الإنسانية سوءًا وسوادًا عندما عرضت المحتجزات للتعذيب والتشهير عبر اتهامهم بالخيانة والعمالة للسفارات الأجنبية، ومن أبرزهن:
لجين الهذلول
تنتمي الهذلول التي ولدت في عام 1989 إلى منطقة القصيم، واحدة من أكثر المناطق المتشددة اجتماعيًا، ومع ذلك فهي ولدت في أسرة منفتحة نسبيًا ويتضح ذلك من السنوات التي قضتها في جنوب فرنسا بغرض التعلم، فقد كانت هذه المرحلة من أهم المحطات التي أثرت في شخصيتها وتكوينها الفكري المستقل عن الجماعة، وذلك إلى جانب دعم والدها ضابط البحرية وأمها واهتمامهما بشكل كبير في تعليمها وتوسيع آفاقها الفكرية، كما قالت في إحدى المقابلات التلفزيونية.
حين بدأت المعتقلة السعودية لجين بالانضمام إلى مجال الدفاع عن المرأة في عام 2012 عبر تطبيق “كيك” الذي سمح لها بنشر فيديوهات انتقادية للنظام الذي يرفض السماح للمرأة بالقيادة، لم يقتنع الكثير من رواد العالم الافتراضي بآرائها ومطالبها لأنها كانت تظهر غالبًا بصورة الفتاة لجريئة التي تتحدى السلطات من خارج الحدود وهي في كندا، ولكن عندما نشر والد الهذلول فيديو لها وهي تقود السيارة داخل في الرياض بعد وصولها من المطار.
منذ ذاك الحين، بدأت القصة تأخذ منحى أكثر جدية من قبل، فبعد 13 شهر، قادت لجين السيارة من الإمارات إلى الحدود السعودية، وتم توقيفها لمدة 26 ساعة على الحدود إلى أن قررت وزيرة الداخلية سجنها لمدة شهرين بتهمة القيادة وتحريض الرأي العام على الرغم من امتلاكها رخصة سياقة معترف بها في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. ولدى الإفراج أرغمتها السلطات على توقيع تعهد بعدم الحديث عن هذا الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي.
التزمت لجين الصمت حتى بعد أن أقرت السلطات القانون الذي يسمح للنساء بالقيادة واكتفت بقول “الحمد لله” على حسابها في تويتر، فلقد حذرتها الدولة سابقًا بعدم التعليق على هذا التغيير على وسائل التواصل الاجتماعي. عند انتهاء هذه الموجة، انضمت الهذلول إلى قضية جديدة وهي رفض ولاية الرجل على المرأة السعودية في جميع نواحي حياتها، إذ كانت أول صورة نشرتها على حسابها في انستغرام تقول فيها “أنا ولية أمري”.
في شهر مايو/آيار الماضي، تم اعتقال لجين مرة أخرى، ومنذ دخولها السجن الأخبار التي تؤكد تعرضها للتعذيب والتهديد بالاغتصاب على يد سعود القحطاني، المستشار في ديوان ولي العهد السعودي، فبحسب ما كتبته شقيتها، علياء الهذلول، في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، فإن مستشار القصر القحطاني دأب على حضور تعذيبها وكان يضحك ويهددها بالاغتصاب والقتل وإلقاء جثمانها في مجاري الصرف الصحي وأجبرها على أن تأكل معه ورجاله خلال شهر رمضان.
فخوذها محروقة
— علياء الهذلولAlia al-Hathloul (@alia_ww) January 13, 2019
بالجانب إلى ذلك، ذكرت مجلة “إي بي سي” الأمريكية أن زوجها الكوميدي السعودي وواحد من المؤيدين لآرائها ومواقفها الحقوقية، فهد البتيري، تم إلقاء القبض عليه في الأردن وتم ترحيله إلى السعودية، ويقال أنه تم إجباره على تطليق زوجته. كما لاحظ رواد المنصات الاجتماعية اختفاء حسابه من تويتر واختفاء حساب والداها أيضًا الذي نشر معلومات عن حالها داخل السجن.
إيمان النفجان
ولدت الكاتبة والمدونة السعودية في مدينة الطائف لأب يعمل كضابط عسكري، أنهت مرحلة البكالوريوس في وطنها الأم، من ثم انتقلت للمملكة المتحدة لدراسة الماجستير في نفس تخصصها وهو اللغة الإنجليزية. قبل أشهر تقريبًا من اعتقالها، كانت تعمل كمساعدة مدرس في مجال اللسانيات في جامعة الرياض، وفي الوقت ذاته كانت لا تزال تعمل على تحقيق درجة الدكتوراه في اللغويات.
لخصت إيمان أهم التحديات التي تواجه المرأة السعودية بقولها: “القضايا الثلاث للمرأة السعودية هي: الوعي..الحماية..الثقافة، وأقصد بذلك: الوعي في ماهية حقوقها الإسلامية والمدنية، وثانياً حمايتها من العضل والزواج أثناء الطفولة والعنف الأسري، وأخيراً إزالة العقبات النابعة من العادات والتقاليد وليس من الإسلام وروحه الجميلة”.
بدأت النفجان نشاطها الاجتماعي منذ عام 2008 عبر مدونة اسمها “النساء السعوديات” والتي دونت فيها كل ما يخص المرأة السعودية وما يتعلق بها من مسائل اجتماعية وثقافية. انتهجت نفس طريقة التعبير التي سارت عليها الهذلول وقادت السيارة في عام 2011 رفضًا لحظر السلطات قيادة المرأة في المملكة.
تكرر هذا التحدي في عام 2013، عندما دشنت حملة على موقع تويتر وجمعت وقتها حوالي 11 ألف توقيع من الداعمين لقيادة المرأة السعودية. وبطبيعة الحال تم إيقافها في كلتا المرتين وفتحت أعين السلطات عليها، ولا سيما أنها كانت كاتبة في صحيفة “الجارديان” البريطانية وتخاطب الرأي العام الغربي، ما جعل انتقاداتها اللاذعة بشأن قضية القيادة وقوانين عدم الاختلاط والعنف ضد المرأة أمرًا لا يمكن التغاضي عنه.
علق روبرت ماهوني، نائب المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، على حادثة إعتقال النفجان قائلًا: “إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قام مؤخرًا بجولة في الغرب لإبراز صورة الحداثة والإصلاح. لكن في اللحظة التي يعود فيها إلى بلاده تعود السلطات السعودية إلى العادات القديمة – تخنق المعارضة وتحتجز الصحفيين الناقدين”.
علمًا أنها أم لـ4 أطفال واختيرت في قائمة المائة شخصية مفكرة في العالم، لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في عام 2011 لدورها في تمكين المرأة، وهي الآن واحدة من السجينات اللاتي لا يُعرف لهن مكان، وتبرز المفارقة في أن آخر مدونة لها في تاريخ 17 سبتمبر 2017 تحمل اسم “التغيير يمكن أن يحدث في المملكة العربية السعودية.
عزيزة اليوسف
كتبت الناشطة الحقوقية على موقع تويتر بـ”أنها مؤمنة أن الله خلقنا متساوين في الحقوق والواجبات وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”، وتضيف: “لا أؤمن بالقلبية أو الطائفية”. تلخص لنا اليوسف توجهاتها الفكرية في هذا التعريف القصير الذي يتناقض مع الموروثات الاجتماعية التي بنيت عليها الثقافة السعودية.
تعد عزيزة من أبرز النشاطات السعودية المطالبات بحق المرأة في قيادة السيارة، كما أن اسمها برز أيضًا في قضية رفع وصاير الرجل على المرأة وكانت آخر تغريدة نشرتها على حسابها تبين مدى إيمانها واتساع آمالها بتحقيق هذه الأمنية، ولا سيما أنها تقول: “بعد السماح بالقيادة متأكدة أن قرار إلغاء الولاية هو القرار القادم، لأنهم قرارين مكملين لبعض، جدًا متفائلة ومترقبة”، ولسوء الحظ انتهى هذا التفاؤل والانتظار بالسجن خلف قضبان الاستبداد.
عملت عزيزة كأستاذة جامعية متقاعدة متخصصة في نظم المعلومات في جامعة الملك سعود، ونشأت في عائلة منفتحة سمحت لها بتولي حملات تطالب باستقلال المرأة عن الرجل تحت إطار حملة “أنا ولية نفسي”، على اعتبار أنه نظام وضعي ولا يمت للدين الإسلامي بأي صلة وليس هناك مبرر لإجبار المرأة على التقيد بإذن الوالد أو الزوج في جميع تفاصيل حياتها، وما هي إلا إجراء تزيد حياة المرأة صعوبة عام بعد عام.
عائشة المانع
ولدت المانع في عام 1948 في السعودية، وانتقلت مع عائلتها بين مصر ولبنان ودرست علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في بيروت رغبةً منها بالتعرف على الطرق التي ستمكنها من تغيير الواقع الاجتماعي للمرأة وتنميته وتطويره إلى نموذج أفضل من الموجود. حصلت المانع على درجة البكالوريوس من جامعة أوريغون في الولايات المتحدة عام 1971 أكملت الماجستير في جامعة أريزونا والدكتوراه من جامعة كولورادو في عام 1981.
برز اسمها كأول امرأة سعودية تعمل مديرة إشراف في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في المنطقة الشرقية ومن أوائل النساء اللاواتي ساهمن في إطلاق أول حملة للمطالبة بقيادة المرأة للسيارة في عام 1990، وبعد صمت أكثر من 20 سنة، شاركت في الحملات الأخرى في عام 2011 و2013. يأتي أمل المانع المتجدد من إيمانها بقدرة التغيير ودحض الأفكار الجاهلية، ففي لقاء لها، أشارت أن استخدام الحاسوب كان محرمًا على المرأة ولكن بعد سنوات من المطالبة والاعتراض لم يعد ينظر لهذه الأجهزة كنوع من المحرمات.
يضاف إلى ذلك، تأسيسها الشركة الخليجية للإنماء في عام 1985 والتي تهدف من خلالها إلى توفير التعليم التقني والفني والحواسيب الإلكترونية للنساء، وفي العالم ذاته أسست كلية محمد المانع للعلوم الصحية، والتي قالت بأنها حلم والدها بإنشاء كلية طبية وحلمها في الآن ذاته في تمكين المرأة اقتصاديًا، إيمانًا منها بأن العلم وسيلة لتحقيق الأماني. وأخيرًا اجتهدت من أجل المطالبة بالسماح للمرأة السعودية بالاشتراك في انتخابات عضوية مجالس الغرف التجارية في عام 2014.