حدث انقلابان في مصر بينهما ثورة، فهناك انقلاب 23 يوليو/ تموز 1952 الذي قام به مجموعة ضباط أطلقوا على أنفسهم الضباط الأحرار، وانقلاب 30 يونيو/ حزيران 2013 الذي قام به المشير عبدالفتاح السيسي، أما عن الثورة فلا يخفى على أحد الحراك الثوري الذي بدأ مع طليعة يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
استطاعت الانقلابات بكل ما أُوتيت من قوة أن تصور للمصريين في الداخل والعالم في الخارج أنها كانت ثورات، بينما صوروا هم وصورنا – بسوء تقدير منا وسوء إدارة للمشهد – أن ثورتنا كانت انقلابًا شعبيًا لا فائدة منه ولم يجلب إلا كل ضياع للبلاد، فانقلبت الآية وصارت انقلاباتنا العسكرية “شرعية” وحراكنا الثوري انقلابًا!
إذا لابد أن نعرف أن هناك ما يجب اتباعه بعد الثورات لضمان نجاحها “سواء كانت ثورات شعبية أو انقلابات شرعية”؛ وذلك لضمان انقطاع الثورة المضادة لها التي تقوم بكل محاولاتها للعودة منها: أولاً.. إن الثورة تحتاج لقاعدة القمع والإرهاب وقوة مفرطة ضد النظام المضاد لها ليتمكنوا من استقرار الأوضاع وليتيقن النظام القديم من وجود قوة تحمي الثورة، ثانيًا.. قاعدة البناء والإصلاح للحلول الملحة التي قامت من أجلها الثورة، ثالثًا.. عدم الاعتماد على القاعدة الشعبية التي تتلاشى بالوقت.
هكذا يجب أن تكون الأمور، وهكذا يجب أن نعرف، فمن يستطيع الحفاظ على استحقاقاته بالقوة يستطيع أن ينجح ويستمر!
فقد ذكر “جيمس ايخلبرغر” خبير وزارة الخارجية الأمريكية بالأنظمة العسكرية في الدول النامية في تقرير قام برفعه إلى الحكومة المصرية عام 1953 ما ملخصه: “إن المحافظة على السلطة هي هدف في حد ذاتها، لا يختلف في هذا نظام عن نظام، ولكي يتيسر هذا فلابد من توفير القوة السياسية لهذا النظام ليصبح حكمًا ذا فاعلية جيدة، فيبقي أمام الحكم الثوري طريقان لا ثلاث لهما لمعالجة الخطر المهدد له: إما سياسة الانحراف والمساومات، وهو طريق ذو نهاية خطيرة مع أن بدايته تبدو أساس النفع، أو إتخاذ كل ما هو ضروري من قمع وإرهاب أو إصلاح وبناء ضروري لإيجاد قوة حقيقية له”.
هذا كله عكس ما قام به رئيس ما بعد ثورة يناير/ كانون الثاني الدكتور محمد مرسى، فقد تشدق بضرورة إرساء الديمقراطية ومعالم دولة القانون على الجميع بما فيهم النظام القديم وأتباعه، ففتح الباب على مصراعيه أمام الثورة المضادة، حتى ظننا أننا ما كان يجب أن نقوم بثورة ضدهم، وأن استبدادهم سيحاسبهم عليه الله أولاً والقضاء المسيس الذي صنعوه وضمن لهم البقاء كل هذه المدة!
هكذا ظن الرئيس، فالمثالية في الحكم وحسن النوايا أدت لفشل الثورة، هذا بالإضافة إلى دخوله في طريق سياسة الانجراف والمساومات – التي حذر منها ايخلبرغر في تقريره – معهم ومع من هو محسوب على النظام القديم أو من دخل معهم لاحقًا في تحالفات لإسقاط نظام ديمقراطي!!
وبالمقابل، عند النظر إلى ما قام به الضباط الأحرار ومن بعدهم السيسي في انقلابهما، فقد أظهروا العمل بالتقرير سالف الذكر بحذافيره، فقاموا بالقمع لكل من اعتبروهم أعداء لثورتهم التي استطاعوا فيها الاستحواذ علي تأييد شعبي بشكل أو بآخر، ضمنت لهم تأييد ودعم عربي ودولي، يرى في وجود حكومات على هذه الشاكلة ضمانة أكيدة للحفاظ علي مصالحهم في مصر والشرق الأوسط!