ابن حيان مؤرخ الأندلس وصف تداعيات سقوط العرب قديما وحديثاً

يقدم لنا تاريخ الأندلس في مراحله الأولى صفحات باهرات من ضروب المجد الحربي والسياسي، والتمدن والعرفان، ولكنه يقدم إلينا في مراحله الأخيرة صفحات شجية مؤثرة؛ من تقلب الحدود، وتعاقب المحن، والانحدار البطيء المؤلم إلى معترك الهزيمة والذلة والسقوط. قصة الأندلس لا تمثل سوى حقيقة تاريخية خالدة بخصوص تبادل الحضارات والدول. كما أن الصراع الطويل الذي خاضته الأندلس قبل أن تستسلم، فضلًا عما يحف به من ألوان البطولة الخالدة، صفحة رائعة من الاستشهاد المؤثر قلما يقدمها إلينا تاريخ أمة من الأمم التي اشتهرت بالذود عن حياتها وحريتها.
أن مصير الأندلس كان يهتز في يد القدر منذ ظهور دول الطوائف، وغلب عليها الخلاف والتفرق، وانحدرت إلى معترك الحرب الأهلية
لقد سقطت قواعد الأندلس الشهيرة في سلسلة من المعارك والمحن الطاحنة، التي تقلبت فيها الأمة الأندلسية، منذ انهيار صرح الخلافة الأموية في الأندلس، في أواخر القرن الرابع الهجري، فقامت دول الطوائف الصغيرة المفككة على أنقاض دولة عظيمة شامخة، وكان سقوط كل قاعدة من هذه القواعد الشهيرة يمثل ضربة مميتة للدولة الإسلامية في الأندلس، ويحدث أعمق صدى في جنباتها.
كانت الأمة الأندلسية كلما سقطت قاعدة من قواعدها الشهيرة في يد عدوتها القديمة المتربصة بها – إسبانيا– ألِفت عزاءها في قواعدها الأخرى، وهرع معظم السكان المسلمين إلى القواعد الباقية؛ استبقاء حياتهم ودينهم وكرامتهم، حتى لم يبقَ من تلك القواعد الشهيرة سوى غرناطة وأعمالها، تؤلف مملكة إسلامية صغيرة أبيه، استطاعت عبقرية بُنَاتها النصيرين أن تسير بها خلال العاصفة أكثر من مئتي عام.
أن مصير الأندلس كان يهتز في يد القدر منذ ظهور دول الطوائف، وغلب عليها الخلاف والتفرق، وانحدرت إلى معترك الحرب الأهلية، تفسح لعدوها الخطِر مجال التفوق عليها، والضرب والتفريق بينها. وقد استطاع بعض ذوي النظر الثاقب من رجالات الأندلس، حتى في ذلك العصر الذي كان الإسلام يسيطر فيه على معظم أنحاء شبه الجزيرة الإسبانية، أن يستشف ما وراء هذا التفرق من الخطر الداهم. ومن هنا يقول “ابن بسام الشنتريني” نقلاً عن ابن حيان، مؤرخ الأندلس في القرن الخامس الهجري، وبعد أن يصف حوادث خروج أهل بلنسية في قتال عدوهم، نجده وقد ذكر: “وقد استوفينا في شرح هذه الفادحة مصائب جليلة، طالما حذر أسلافنا لحاقها، بما احتملوه عمن قبلهم من آثاره.
ولم يكن هذا التنديد من جانب المؤرخ الأندلسي، بتواكل أهل الأندلس، وتخاذلهم عن نصرة دينهم وإخوانهم، إلا أحد أشكال التعبير عن الحقيقة في عصر الطوائف
ولا شك عند أولي الألباب أن ذلك مما دهانا من داء التقاطع، وقد أخذنا بالتواصل والألفة، فأصبحنا من استشعار ذلك والتمادي عليه على شفا جرف يؤدي إلى الهلكة لا محالة”، وأضاف: “نشأ من الناس هالع يعللون أنفسهم بالباطل، من أول الدلائل على فرط جهلهم، اغترارهم بزمانهم، وبعادهم عن طاعة خالقهم، ورفضهم وصية نبيهم، وغفلتهم عن سد ثغرهم، حتى أطل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم، يتبجح دورهم، ويستقري بسائط بقاعهم، يقطع كل يوم طرفًا ويبيد أمة، ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكراهم، لهاة عن بثهم، فنبذوا السلاح، وكلفوا بالترقيح، ونافسوا في النشب، وعطلوا الجهاد، وقعدوا فوق الأرائك مقعد الجبابرة المتفاتنين من أهل موسطة الأندلس!
ينتظرون من ينبعث من أهلها للقتال عنهم حسبة، ولا يرفدون المختل ممن رابط إليهم بعليقه، فتبًّا لهم تبًّا، فتضعضع ثغرهم بتوالي هذه النكبات، ولحقت المسلمين بهم المضايق يكرب سماعها، حتى عمَّ تلك الثغور الجلاء وتوزع المسلمين البلاء، وخربت ديارهم، وبادت أثارهم”().
ولم يكن هذا التنديد من جانب المؤرخ الأندلسي، بتواكل أهل الأندلس، وتخاذلهم عن نصرة دينهم وإخوانهم، إلا أحد أشكال التعبير عن الحقيقة في عصر الطوائف. ولقد ظهرت دلالات ذلك منذ سقطت طليطلة، أول قاعدة إسلامية كبيرة، في يد ألفونسو السادس ملك قشتالة سنة 478هـ (1085م) حيث اتضح أن الأندلس أضحت على وشك الفناء، وأن دول الطوائف المنهكة الممزقة ستسقط تباعًا في يد عدوها القوي، وأن دولة الإسلام في إسبانيا ستُطوى وتُختم حياتها المجيدة في شبه الجزيرة. وقد ساد الفزع والتوجس يومئذ جنبات الأندلس كلها، حتى قال شاعرهم حينما سقطت طليطلة:
يـا أهل أندلس شدوا رحالكم فما المقام بهـــــــا إلا من الغلط
الســلك ينثر من أطرافه وأرى سلك الجزيرة منثورًا من الوسط
من جاور الشر لا يأمن بوائقه كيف الحياة مع الحيات في سفط
لكن الدرس كان عميق الأثر، في جنح زعماء الطوائف للرشاد، وجمعت المحنة منهم الكلمة، وارتدوا إلى ما وراء البحر يلتمسون الغوث من “المرابطين” إخوانهم في الدين. كان المرابطون يومئذ في عنفوان دولتهم، وأميرهم يوسف بن تاشفين يبسط سلطانه على أمم المغرب، من المحيط غربًا حتى تونس شرقًا، فاستجاب المرابطون لصراخ الطوائف، وعبروا البحر إلى الأندلس في قوات ضخمة، التقت الجيوش بقيادة يوسف بن تاشفين، بالجيوش الإسبانية بقيادة ألفونسو السادس في سهل الزلاقة (رجب479هـ/أكتوبر 1086م) فأحرز المسلمون نصرًا حاسمًا، وكانت موقعة الزلاقة من أيام الأندلس المشهورة، وانتعشت دول الطوائف، وقويت نفوس الأمة، وبدا أن الأندلس ستبدأ حياة جديدة.
لكن سرعان ما انقلب المرابطون على إخوانهم وحلفائهم، وجذبتهم نعماء الأندلس وثرواتها، وحطموا دول الطوائف، وبسطوا حكمهم على الأندلس زهاء نصف قرن. هنا جاشت القواعد الأندلسية بالثورة على المرابطين، وعبر الموحدون البحر إلى الأندلس، واستولوا تباعًا على قواعدها الكبرى وبسطوا عليها حكمهم زهاء قرن آخر. وفي ظل الموحدين أحرزت الجيوش الإسلامية نصرها الحاسم على ألفونسو الثامن ملك قشتالة، بقيادة الخليفة الموحدى “يعقوب المنصور”، وذلك في موقعة الأرك الشهيرة (593 هـ/1195م).
عند التدقيق في سقوط الأندلس كأنه يحكى واقع سقوط العرب حديثا
لكن تلك الجيوش ما لبثت أن لقيت هزيمتها الحاسمة بعد ذلك بقليل في مواجهة جيوش إسبانيا، في عهد الخليفة محمد الناصر ولد المنصور في موقعة “العقاب” المشئومة التي فنيت فيها معظم الجيوش الموحدية والأندلسية (609 هـ/1212م). كانت هزيمة العقاب ضربة شديدة لسلطان الموحدين وللأندلس، فعاد شبح الفناء يلوح للأندلس قويًّا منذرًا، وسرى التوجس إلى كُتَّاب العصر وشعرائه، وظهر واضحًا في رسائلهم وقصائدهم.
وعند التدقيق في سقوط الأندلس كأنه يحكى واقع سقوط العرب حديثا، الفرقة وعدم وجود قائد حقيقي ، ظهور دول الطوائف، والأحزاب والقومية بيننا حديثا، تمزق الأندلس وضعف حكمها في ظل عدو متربص لها في الشمال وكان يستعد لالتهام فريسته، كأنه الواقع الأن ضعف وتمزق المسلمين في ظل وجود الصهاينة والأمريكان متربصين لالتهام الأموال والثروات وكسر المسلمين، كان ملوك المسلمين في دول الطوائف يستعينوا بعدوهم من أجل غزو بعضهم البعض والحفاظ على ملكهم هو أهم غاية لهم، والآن يحدث كل الحكام المسلمين مستعدون لركوع في ساحات وقصور الغرب والصهاينة من أجل الحفاظ على حكمهم ولا أهمية لدينهم ولا أوطانهم ولا الأخوة، وخير شاهد ما يحدث الآن بين العرب وبعضهم البعض، ومقاطعة بعضهم البعض كدول الخليج ومصر ومقاطعتهم لقطر واقع يعيد نفسه.
ظهور دول خائنة ومراسلات بينهم وبين الفونسو وتهنئة بسقوط اشبيلية الدولة المسلمة القوية، كأنه العتيبة سفير الإمارات في الخيانة، وتحمل رايات الخيانة الأن بين المسلمين دولة نحسبها شقيقة، البعد عن الدين وظهور الفساد في جميع الطرقات والقرى وكل شبر عجل في السقوط، كأنه الواقع الذى يعيشه المسلمين الأن، بعد الجميع عن الدين والعقيدة، ولم نربى أبطال على العقيدة والوطن بل نربيهم على الشهوة والأنانية والذاتية وكيف يكون لصا يسرق خير بلده وأهله، فتمزقت الأمة بضعف ضمير أبنائه، وكأن لنا كل يوم سقوط ولم نعتبر من التاريخ فهل من معتبر.