قبل فترة بسيطة، دعت منظّمة الصحة العالمية في أحد تقاريرها إلى حظر “اختبار العذرية” الذي يُفرض على الفتيات في بعض المجتمعات للتأكدّ من عفّتهنّ، مؤكّدةً على أنه لا يوجد أيّ أساسٍ علميّ أو طبيّ لهذا الاختبار، عوضًا عنه أنه لا يوجد أيّ فحصٍ يمكن أنْ يثبت أنّ الفتاة قد مارست الجنس من قبل أم لا. وبالتالي، تعتبر المنظمة أن اختبار “العذرية” ينتهك حقوق المرأة الأساسية، وينزع منها حقّ التمتع بصحتها دون أضرار جسدية ونفسية، لما يحمله الاختبار من “ألم وإهانة، وصدمة لها”، بحسب ما جاء في تقريرها.
لكنّ البكارة وغشاءها لا يزالان مسألة حياة وموت للعديد من النساء في الثقافات المختلفة. حيث تلقَّن الفتاة منذ سنٍّ مبكرة جدًا أن عذريّتها ثمينة وأن العفة مهمّة، بل يتعدّى الأمر إلى أنْ تصبح شيئًا يُفاخَر به أمام العائلة والمجتمع، فنجد أنّ الكثير من الدول والمجتمعات لا تزال تصرّ على إجراء فحص العذرية للفتاة قبل الزواج، وأخرى لا تزال مستمرة على العادة البالية بإظهار “الدم” الناتج عن ما يُعتقد أنه “فضّ غشاء البكارة” على قطعة قماشٍ بيضاء في اليوم التالي للزفاف.
مشكلة عالمية منتشرة
لا يعدّ اختبار العذرية مشكلةً فريدة تقتصر على دول الشرق الأوسط وشرق آسيا وحسب، إذ أنه ينتشر في العديد من البلدان حول العالم غيرها أيضًا. لكن كلّ بلدٍ أو مكان يتّبع طريقته الخاصة في الاختبار؛ فهناك من يتّبع “اختبار الأصابع” الذي يتمّ عن طريق إدخال إصبعين في المهبل لفحص الغشاء. وفي أماكن أخرى، يكون الاختبار مرئيًا بحيث أنّ المرأة أو الفتاة تُعتبر عذراء في حالة لم يكن هناك أيّ علامة واضحة أو عيب على غشاء بكارتها يمكن رؤيتها من خلال الأجهزة التصويرية.
لا يُعتبر أيٌّ من غشاء البكارة أو فتحة المهبل دليلًا نهائيًّا وكافيًا على عذرية المرأة من عدمها
لكن يتعدّى موضوع الاختبار مستوى الخيال في بعض قرى المغرب الذي لا يزال إلى حدٍّ كبير اليوم متشبّثًا بإجراء اختبار عذرية الفتاة قبل زواجها. يُطلب من الفتاة في تلك القرى الاستلقاء على ظهرها مع فتح ساقيها على وسعهما لتقوم الفاحصة، والتي عادةً ما تكون امرأةً مسنّة للغاية، بكسر بيضة في مهبل الفتاة. فإذا انزلقت البيضة إلى داخلها فهذا يعني أنها قد مارست الجنس مُسبقًا.
وبغضّ النظر عن الطريقة المتّبعة، يتمّ التركيز غالبًا على جانبين اثنين بشكلٍ أساسيّ لتحديد العذرية من عدمها؛ أن يكون غشاء البكارة سليمًا دون أيّ عُطب أو عيب، وأنْ تكون فتحة المهبل ضيّقة. كلاهما معتقدان منتشران على نطاقٍ واسع، حتى في الدول التي لا تعترف بفحص العذرية ولا تشرّعه. لكن في الحقيقة، لا يُعتبر أيٌّ منهما دليلًا نهائيًّا وكافيًا على عذرية المرأة من عدمها.
تفنيد أسطورة غشاء البكارة
لتفنيد تلك الأساطير الكثيرة، قد يكون من اللازم علينا أنْ نبدأ مع غشاء البكارة من الناحية البيولوجية. وببساطة، فهذا الغشاء أو كما يُعرف بالإنجليزية بمصطلح Hymen ، هو عبارة عن غشاء رقيق يوجد داخل المهبل على بعد مسافة تبلغ حوالي 2.5 سم من فتحته. ولا يزال هنالك خلاف واضح حول وظيفته، إذ يعتقد كثيرٌ من الأطبّاء أنه لا يوجد أيّ استخدام معيّن أو فائدة واضحة لهذا الغشاء في جسم المرأة.
وترتكز فكرة العذرية المرتبطة بغشاء البكارة في زمننا الحالي بقوّة على الدين والعادات المجتمعية. لكن أساسًا يرجع الأمر إلى ما قبل ذلك بكثير، حيث أنّنا لو عدنا إلى أصل الفكرة في الثقافات واللغات القديمة، لوجدنا أنّ الكلمة العربية “غشاء البكارة” هي كلمة مضلّلة وخاطئة تشريحيًّا. أمّا في اللغة الإنجليزية، فتعود كلمة “هايمن Hymen ” إلى الثقافة اليونانية القديمة، حيث كان هايمينوس هو إله الزواج. وفي الثقافات جميعها تقريبًا، القديمة منها والحديثة، نجد ارتباطًا واضحًا بين الاسم وبين العذرية أو العفَّة عند النساء.
ومن هذه النقطة تحديدًا، تسعى الكثير من المنظّمات إلى تصحيح المعلومات المضلّلة حول الغشاء، والترويج لكلمة “إكليل المهبل vaginal corona” بديلًا للكلمة المستخدمة لوصف ذلك العضو، كخطوة أساسية وأولى لتبديد الأساطير المتعلقة به وتصحيح الأخطاء المجتمعية والثقافية المرتبطة به على مرّ السنين.
غشاء البكارة لا يكون عرضةً للتمزّق فقط عند ممارسة الجنس، فقد يتمزّق بفعل النشاطات البدنية، أو من تلقاء نفسه خلال نموّه وتشكله. علاوةً على أنه قد يكون غير موجود من الأساس عند بعض الفتيات.
وعلى عكس ما يعتقد معظم الناس، فغشاء البكارة ليس غشاءً مغلقًا أبدًا، بل يحتوي على فتحات أو مسامات تسمح بخروج دم الحيض شهريًا عند الفتاة بعد البلوغ. يترتّب على هذه المعلومة الأساسية والمهمّة، أنّ الغشاء لا يكون عرضةً للتمزّق فقط عند ممارسة الجنس. فقد يتمزّق بفعل النشاطات البدنية والرياضية، أو من تلقاء نفسه خلال نموّه وتشكله. علاوةً على أنه قد يكون غير موجود من الأساس عند بعض الفتيات. وبالتالي، يمكن للفحص الطبي، رغم ما يشكله من إهانة للفتاة وخضوع للتقاليد البالية، أن يُعطي معلومات تتعلّق بحالة غشاء البكارة وشكله ووجوده من عدمه، إلّا أنه لا يستطيع بأيّ شكلٍ من الأشكال أن يؤكد على عذرية الفتاة.
الأنواع والأنماط المختلفة لغشاء البكارة عند الفتيات
وبكلماتٍ أخرى، لا يوجد شكلٌ واحد لغشاء البكارة، فهو مرن وكثافته تختلف من امرأة إلى أخرى فقد يكون رقيقًا عند بعضهنّ وأكثر سُمكًا عند أخريات. وبالتالي، من غير الصحيح الاعتقاد بأنّ الفعل الجنسي سيؤدي دائمًا إلى تغييرات في غشاء البكارة. فلطالما كانت هناك العديد من الحالات التي تُظهر العديد من النساء ممّن يمتلكن غشاءً على الرغم من نشاطهنّ الجنسيّ.
يمكن للفحص الطبي، رغم ما يشكله من إهانة للفتاة وخضوع للتقاليد البالية، أن يُعطي معلومات تتعلّق بحالة غشاء البكارة وشكله ووجوده من عدمه، إلّا أنه لا يستطيع بأيّ شكلٍ من الأشكال أن يؤكد على عذرية الفتاة.
كما أنّ حدوث نزيف بسبب الممارسة الجنسية الأولى ليس أمرًا حتميًّا بتاتًا، إذ أنه ببساطة لا يحدث لأكثر من 40% – 50% من النساء وفقًا للعديد من التقارير الطبّية والعلمية. أما في حال حدوث النزيف في المرّة الأولى، فقد يكون ذلك نتاجًا لبعض التمزّقات والجروح الصغيرة في أجزاء أخرى في المهبل وفتحته.
لماذا لا تختفي الأسطورة وتستمرّ بالانتشار؟
تستمر تلك الأساطير حول العذرية بسبب نقص المعلومات المهمّة حول جسم الإنسان من جهة، وحول طبيعة العلاقة الجنسية وما يحدث خلالها من جهةٍ ثانية. وهي معلومات لا يتم تدريسها في الغالب في المدارس، ولا يتم العثور عليها دائمًا عبر الإنترنت، ولا تتوفّر بشكلٍ صحيح في البيت أو المجتمع أو غيرها من المؤسسات الأكاديمية والتعليمية الأخرى، بما فيها مدارس الطبّ التي تقدم القليل من التعليم عن الأعضاء التناسلية للمرأة.
ما يعني أنّ الجهل ليس السبب الوحيد لاستمرار كلّ تلك العادات الرديئة، على الرغم من لعبه دورًا في ذلك. لكن يمكننا القول أيضًا أنّ الخوف لا يزال يلعب دورًا كبيرًا، فقد ألقت تلك الأساطير والمعلومات التي تداولناها لسنين طويلة ظلالًا من السلبية حول جسم المرأة والعملية الجنسية في العقل الجمعيّ للمجتمعات المختلفة، حتى المتقدّمة منها. إذ تستغلّ تلك المجتمعات الأسطورة والمعلومات الخاطئة لتعمل بمثابة نظام رقابيّ ذاتيّ تلجأ إليه الفتيات لحماية أنفسهنّ من مخاطر ممارسة الجنس من جهة، فيما تستغله مجتمعات أخرى لسلب المرأة لملكيّتها الطبيعية لجسدها ورغباتها التي تتبع للهيمنة الذكورية والمجتمعية التقليدية.