يرى المكتئبون العالم من منظور مختلف، قاتم بعض الشيئ مثل غرفة بلا نوافذ لا تدخلها الشمس فقط جدران رمادية صماء شاحبة تنضح منها البرودة والرطوبة وتضغى عليها العتمة المطبقة، ووفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية يعاني أكثر من 350 مليون شخص حول العالم من جميع الأعمار من الاكتئاب الذي يختلف عن التقلبات المزاجية اليومية العادية والانفعالات العاطفية التي لا تستمر طويلا، وفي أسوأ حالاته من الممكن أن يفضي الاكتئاب إلى الانتحار، وفي حال عانى أحد أصدقائك المقربين من هذا المرض النفسي اللعين فيجب عليك أن تكون حذراً فالحديث مع شخص مصاب بالاكتئاب ليس بالأمر السهل.
لا تتركه فريسة للوحدة، فمريض الاكتئاب بحاجة إلى الاهتمام الحقيقي
من أكثر الاعتقادات الشائعة حول التعامل مع الشخص المكتئب هي أنه يود أن يُترك وحيداً دائماً، حسناً ربما يبدو هذا صحيحاً في بعض الأحيان ولكن لا يجب أن يظل الشخص المكتئب وحيداً طوال الوقت إذ أن الوحدة ستولد لديه المزيد من الأفكار السلبية التي ستغذي بدورها مرض الاكتئاب.
عادة ما تطغى على مريض الاكتئاب مشاعر جلد الذات وأحياناً احتقار النفس ولذلك لا تعظه ولا تخبره أن اكتئابه سيزول مع الصلاة والتقرب إلى الله
وجزء كبير من علاج الاكتئاب يرتكز على التواصل الاجتماعي مع أفراد الأسرة والأصدقاء ولكن يجب أن يكون هذا التواصل صادقاً وناجماً عن اهتمام حقيقي خاصة وأن الأشخاص الداعمين ربما يصطدموا بصخرة عناد الشخص المكتئب ورفضه الدائم للحديث، وفي الكثير من الأحيان سوف يتحدث الشخص المكتئب بكلاماً حاداً ربما لا يُرضي من حوله، وأكثر ما يضر مريض الاكتئاب هو الاهتمام المتقطع لأنه يفسره على أنه تدخل في شئونه وليس اهتماماً حقيقياً، ولذلك في حال قرارك بالتواجد إلى جانب صديقك المصاب بالاكتئاب إما أن تستمر في الاهتمام وتصبر وتقدم المساعدة وإلا فابتعد.
ليس للاكتئاب أي علاقة بالبعد عن الدين
عادة ما تطغى على مريض الاكتئاب مشاعر جلد الذات وأحياناً احتقار النفس ولذلك لا تعظه ولا تخبره أن اكتئابه سيزول مع الصلاة والتقرب إلى الله، وعوضاً عن ذلك وقبل أن تتحدث مع صديقك المصاب بالاكتئاب اقرأ جيداً عن هذا المرض وخاصة في مقالات المتخصصين حتى تدرك طبيعته وطبيعة التعامل معه.
فوفقاً للأبحاث العلمية الحديثة فإن مرض الاكتئاب ينجم عن اختلالات في وظائف الدماغ وذلك مثل: انخفاض السيروتونين وهو ناقل عصبي يعمل على تنظيم النوم والمزاج والشهية وحرارة الجسم ولذا قد نجد مريض الاكتئاب لا يأكل ولا ينام وتغلب عليه مشاعر الحزن، وهناك أيضاً انخفاض النورادرينالين وهو ناقل عصبي ينظم مستوى الشعور والتركيز، وانخفاض الدوبامين وهو ناقل عصبي ينظم الوضعية البدنية والحركة والمزاج، وانخفاض الأسيتيلينكولين وهو الناقل العصبي المسئول عن تنظيم انفعالات الغضب والعدوانية والصحة الجنسية.
ذكر الطبيب النفسي “نيل بورتون” أن الاكتئاب لا يعني بالضرورة ضعف الإرادة أو الشخصية وإنما على العكس تماماً قد يكون مريض الاكتئاب في رحلة للبحث عن معنى أعمق وأكبر لحياته
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فالاكتئاب هو اضطراب نفسي بيولوجي لا علاقة له بضعف الإيمان كما هو متوارث في الثقافة الشعبية، وفي حال خضع مريض الاكتئاب للعلاج وتناول الأدوية الطبية بشكل منتظم وبطريقة ترفع من مستوى الناقلات العصبية سيستعيد المريض حالته الطبيعية وبسرعة عالية الكفاءة.
لا تقل له كلمة “يجب” ولا تتعامل معه كأنك طبيبه
ذكر الطبيب النفسي “نيل بورتون” أن الاكتئاب لا يعني بالضرورة ضعف الإرادة أو الشخصية وإنما على العكس تماماً قد يكون مريض الاكتئاب في رحلة للبحث عن معنى أعمق وأكبر لحياته مشيراً، إلى أن أكثر الشخصيات الملهمة في التاريخ قد تعرضت للاكتئاب في مرحلة من مراحل حياتها، وعليه يجب أن نعلم أن مريض الاكتئاب يخوض معركة كبيرة تدور رحاها داخل روحه وفي هذه اللحظات الحالكة من حياته لا تأتي وتنظر عليه وتخبره بما يجب فعله وما لايجب.
لا تقول له “يجب أن تخرج مع أصدقائك.. يجب أن تغادر غرفتك” وإلى آخر تلك الأوامر التي تجعله يشعر بأنه مسلوب الإرادة والعقل، كما أن نبرتها تحمل قدراً كبيراً من الاستعلاء، وجزءاً كبيراً من دور الأشخاص الداعمين ينصب على منح الثقة للمكتئب وإعطائه فرصة حقيقية للتخلص من مشاعره السلبية الكامنة في أعماقه وسوف يحدث ذلك حين تؤمن بأن دورك كشخص داعم يتجلى في الإنصات: اجعله يتحدث عن مخاوفه ورحلته الداخلية والعقبات التي تواجهه، دعه يغوص في قاع الاكتئاب ويضع يده على مكمن الداء ليعرف من أين يأتي الدواء.
ادعمه في رحلة علاجه النفسي
ذكرت منظمة الصحة العالمية أن الاكتئاب هو تفاعل معقد بين العوامل الاجتماعية والنفسية والبيولوجية وعلى غرار تشخصيه فعلاجه أيضاً هو تفاعل بين الجوانب الاجتماعية والنفسية والبيولوجية فبجانب الأدوية التي يجب أن يتناولها مريض الاكتئاب بانتظام يجب أن تكون عائلته وأصدقائه إلى جانبه في هذه المرحلة من الخروج من براثن هذا الاضطراب اللعين الذي يقتات على أرواح مرضاه.
في مرحلة ما لابد أن تأتي لا محالة سيكون عليك أيها الصديق أن تقنع صاحبك المكتئب بأسلوب هادئ خالي من الإلزام أنه لا مفر من تناول العلاج
طرق العلاج النفسي للاكتئاب ترتكز على التحفيز السلوكي والعلاج السلوكي المعرفي والأدوية المضادة للاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية وكذلك مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، وثمة فرق أساسي بين درجات الاكتئاب لدى الأشخاص التي تتراوح بين الاكتئاب الطفيف والاكتئاب الحاد، ودور الصديق الداعم ينصب هنا على اصطحاب صديقه المكتئب إلى الطبيب النفسي ومساعدته في تسجيل كل ما يدور في ذهنه في ورقة وذلك عبر الإنصات إليه وذلك حتى يحدد الطبيب درجة الاكتئاب والعلاج اللازم.
في مرحلة ما لابد أن تأتي لا محالة سيكون عليك أيها الصديق أن تقنع صاحبك المكتئب بأسلوب هادئ خالي من الإلزام أنه لا مفر من تناول العلاج، فالاكتئاب عادة لا يزول بمفرده وإنما على العكس تماماً يتمدد داخلنا حتى يصير وحشاً تصعب السيطرة عليه.
لا تحاصره من جميع الجوانب كأنه سجين
حسناً، لا يتعارض هذا المبدأ بأي شكل من الأشكال مع وجودك بجانبه، بداية يجب أن نكون على دراية أن لدى مريض الاكتئاب حاسة قوية لاستشعار مشاعر المحيطين به ليس هذا فحسب ولكنه يكون حساساً جداً تجاه هذه المشاعر، ففي حال كنت صادقاً واهتممت بصاحبك جيداً احرص على أن تترك له مساحة حرة يتنفس من خلالها وفي حال شعر بأنك تحاصره دائماً سيقابل مشاعرك تلك بالرفض التام ولن يدعك بالقرب منه، وفي حال حاصرته من جميع الجوانب ستتأكد حينها ظنونه بأنك تشك بأنه مجنون ويمكن أن يقدم على تصرف متهور في أي وقت من الأوقات.
في النهاية قد يستغرق علاج الاكتئاب شهور وقد يمتد لسنوات تتخللها فترات صعود وهبوط تقدم وانتكاس، ولذلك يجب أن تحدد موقفك كشخص داعم من البداية ويجب أن تعلم بأنك قد تجد مقاومة شديدة من صديقك في مختلف مراحل المرض وربما لن يقدّر في مرحلة ما كل ماتقوم به من أجله وقد يتكلم معك بأسلوب سيئ بسبب اكتئابه، وبسبب ذلك الحزن الجاثم على صدره وعليه عليك أن تتحلى دائماً بالصبر ولا تتوقف أبداً في منتصف الطريق.