خلال كلمته بمراسم افتتاح عدد من المشروعات بمنطقة “سنجان” في العاصمة أنقرة، أمس الاثنين، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده سجلت نموًا بنسبة 3.5 أضعاف خلال فترات قيادة حزب “العدالة والتنمية” مشددًا على أنه خلال السنوات الـ 17 التي حكم خلالها الحزب حققت تركيا نهضة شاملة وضعتها في مصاف الدول المتقدمة.
أردوغان أشار إلى أن الموقع الذي باتت فيه البلاد بالديمقراطية والاقتصاد هام، مستدركًا بالقول: ” إلا إنه ليس كافيًا حتى الان”، مضيفًا :” لا يزال هناك الكثير من الخطوات التي سنخطوها والعمل الذي يجب أن ينجز، كما بداية يجب علينا الحفاظ على مناخ الأمن والاستقرار من أجل جعل تركيا في المكان الذي تستحقه مع اقترابها من أن تصبح في مستوى الدول المتطورة”.
وذكر أن تركيا تتطور باستمرار في منطقتها والعالم، وقال: “وهذا هو السبب وراء السعي لإحاطتها بالتنظيمات الإرهابية، والعمل على تدمير اقتصادها”، مؤكدًا على العمل ليل نهار من أجل جعل بلاده على مستوى الدول المتقدمة في التعليم والصحة والعدل والأمن والمواصلات والطاقة والرياضة وظروف العمل والمساعدات الاجتماعية.
ورغم التحديات الاقتصادية القوية والهزات السياسية العنيفة التي تعرضت لها تركيا خلال الأونة الأخيرة، والتي سعت إلى تقويض هذا النجاح إلا أن الأرقام المعلنة بنهاية العام الماضي تجهض كافة تلك المحاولات، ليواصل قطار التنمية بالدولة التركية سريانه دون توقف وإن تعثر بعض الشيئ في بعض المحطات.
الرئيس التركي حدد العام 2023 الذي يوافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية تحت المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، لتصبح بلاده من بين أعظم الاقتصادات في العالم، من خلال مشاريع وتطوير لمرافق وبنى تحتية جديدة، وجسور وقنوات مائية.. فكيف يتحقق ذلك؟
ما قبل 2002
عانى الاقتصاد التركي في مرحلة مابعد التحرير عام 1981 وحتى 2003 من موجات قاسية من الركود، دفعت بالمنظومة الاقتصادية إلى مراتب متأخرة جدا في قائمة اقتصاديات العالم، لاسيما الأزمة المالية عام 2001 حيث تراجع معدلات التنمية بشكل مخيف وارتفعت نسب البطالة والعجز والتضخم التي تراوحت في عقد التسعينات ما بين 70 – 90%.
في 21 فبراير (شباط) 2001، والمعروف أيضا باسم الأربعاء الأسود، تعرضت البلاد لواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها الحديث، ورغم اتساع رقعة الأزمة المالية العالمية لتطال العديد من اقتصاديات الدول إلا أن الوضع في تركيا كان أكثر قسوة وتأثرًا.
شهد هذا اليوم اجتماع ساخن لمجلس الأمن الوطني التركي، تفجرت خلاله الأوضاع بين كل من رئيس الوزراء «مصطفى أجاويد» والرئيس التركي «أحمد نجدت سيزر» كشفت عن هشاشة الوضع الاقتصادي والمالي التركي، حيث وجه الرئيس تهم التقصير للحكومة محملا إياها مسئولية ما وصلت إليه الأوضاع، ما تسبب في انسحاب رئيس الوزراء ومعه بعض الوزراء.
وصل العجز في الميزانية التركية في عام 2001 إلى -16%. كما وصلت الدّيون العامة إلى -74%، وتدنّى الدّخل القومي إلى مستويات كبيرة
عقب الاجتماع أدلى أجاويد بتصريحات حساسة فهمت حينها أنها اعتراف صريح بفشل الحكومة في التعامل مع الأزمة، لتهبط بعدها بورصة اسطنبول هبوطًا كبيرًا مما دفع البنك المركزي التركي إلى تعزيز الأسواق المالية بمبالغ كبيرة، تراوحت بين مليارين، وثلاثة مليارات دولار، وشرع الاقتصاد التركي في الانكماش بنسبة 6% في عام 2001.
وصل العجز في الميزانية التركية خلال هذا العام إلى -16%. كما وصلت الدّيون العامة إلى -74%، وتدنّى الدّخل القومي إلى مستويات كبيرة، حيث بلغ 180 مليار دولار، وهو أدنى مستوىً له منذ عام 1992. وقد بلغ دخل الفرد في عام 2001، 2180 دولار، كما أدّى انخفاض قيمة العملة التركية بنسبة مئة بالمئة إلى تفشّي الفقر بين المواطنين الأتراك، حيث بلغت نسبة الفقر في البلاد 50%.
كما انهارت أنظمة البنوك، حيث أعلن 25 بنكاً خاصاً إفلاسهم، وحُمّلت أعباء الودائع على الشعب وخزينة الدولة. حيث تمّ إنقاذ 4 بنوك من قبل الدّولة من الانهيار. وتمّ آنذاك تعويض خسائر البنوك التي بلغت 53 مليار دولار من الشعب التركي وخزينة الدولة التركية، وذلك عن طريق فرض 750 مليار دولار كضريبة من أجل تعويض الخسائر. وهذا الرّقم يعادل ضعفي حجم الاقتصاد التركي آنذاك.
في هذه الأثناء كان اللجوء للمؤسسات الدولية هو الحل الأسرع للخروج من عنق الزجاجة، وبالفعل اعتمدت تركيا برنامجًا مدعومًا من صندوق النقد الدولي لتحقيق الاستقرار، تضمَّن ربط «الليرة التركية» بالدولار، كما اشترط الصندوق من أجل نجاح هذا البرنامج وجود سياسة نقدية صارمة، بالإضافة إلى مزيد من تحرير الاقتصاد.
ورغم التطور النسبي الملحوظ للبرنامج خلال مراحله الاولية إذ انخفض معدَّل التضخُّم، وانخفضت أسعار الفائدة على أذون الخزانة من 90% إلى 40%. في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000، إلا أن الاقتصاد التركي بدأ يعاني من تأرجح وفقدان توازن في ظل ما يعانيه من هشاشة تجعلة عرضة لأي هزة في أي وقت.. وظل الوضع على ماهو عليه حتى تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الأمور في نوفمبر 2002.
الرئيس التركي الأسبق أحمد نجدت سيزر
العدالة والتنمية
كان المشهد العام واضحًا أمام حزب العدالة والتنمية حين تولى مقاليد الأمور، وعليه أجرى عددًا من الإصلاحات العامة السريعة التي تهدف إلى إحداث حالة من الإنعاش للاقتصاد حتى يعبر أزمته آنذاك، وبالفعل وفي غضون عشر سنوات فقط شهد الاقتصاد التركي قفزة نوعية.
الحزب منذ البداية التزم بتنفيذ الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي عام 2001، والذي أجبره على اتخاذ سياسات تقشفية صارمة، وإجراء إصلاحات هيكلية طالت عددا من القطاعات كان أهمها القطاع المصرفي، حيث تم تعويم سعر الليرة التركية، ورفع القيود المفروضة على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، والتشديد على الانضباط المالي، ورفع استقلالية البنك المركزي.
العديد من الخبراء أرجعوا نجاح الاقتصاد التركي خلال السنوات الأخيرة إلى عدد من الأسباب، على رأسها الاستقرار السياسي، فوصول الحزب إلى السلطة منفردا أعطاه نوعا من القوة، تلك القوة التي ساعدته في تنفيذ مشروعاته التنموية دون عراقيل أو عوائق، الأمر الذي انعكس في الناحية الأخرى على معدل ثقة المواطنين في الحكومة من جانب وقدراته على الانجاز من جانب آخر.
قفز الاقتصاد التركي قفزات هائلة في مضمار التطور والنمو خلال السنوات التي تقلد فيها التنمية والعدالة المسئولية، فبعد عشر سنوات فقط من الحكم أصبح في المرتبة السّابعة عشر عالميّاً والسّادسة في القارّة الأوروبية
هذا مع الوضع في الاعتبار الاصلاحات الديموقراطية التي أقرتها الحكومات المتوالية والتي من شانها التسريع في عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي وإطلاقها الحريات والاصلاحات في المجال القضائي واحترام حقوق الإنسان، كل هذا ساهم في تعزيز الصورة الايجابية للاقتصاد التركي دوليًا.
أما على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، فقد نجحت الحكومة خلال السبعة عشر عاما الماضية في إجراء بعض الخطوات الجيدة لتطوير المنظومة الاقتصادية على رأسها تسديد الديون العامة والخارجية للدولة عن طريق اتباع أنظمة مالية ناجحة، والتي كانت تقدر بـ16 مليار دولار، وإعادة هيكلة النظام المالي في البلاد، من خلال التطور الذي طرأ على البنوك العامة في تركيا، فلم يعلن أي بنك إفلاسه خلال فترة حكم العدالة والتنمية عكس ما كان عليه الوضع في السابق.
نقلة نوعية في الاقتصاد التركي بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم
17 عامًا من النمو
قفز الاقتصاد التركي قفزات هائلة في مضمار التطور والنمو خلال السنوات التي تقلد فيها العدالة والتنمية المسئولية، فبعد عشر سنوات فقط من الحكم أصبح في المرتبة السّابعة عشر عالميّاً والسّادسة في القارّة الأوروبية، بينما في 2017 وصل إلى الثالث عشر عالميًا والخامس أوروبيا متوقعا أن يصل إلى المرتبة العاشرة عالميا، والثالثة أوروبيا بحلول عام 2023.
وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي في 2017، فإن الناتج المحلي الإجمالي في تركيا بلغ 2.08 تريليون دولار، بعد إيطاليا التي بلغ فيها 2.3 تريليون دولار، وفرنسا 2.83 تريليون دولار، بينما تليها إسبانيا بـ1.77 تريليون دولار، كما قدر التقرير القوة الشرائية للفرد في تركيا في العام نفسه بـ25 ألفا و780 دولارا، في حين كانت تعادل 16 ألفا و900 دولار عام 2010. وتهدف تركيا لرفع متوسط دخل الفرد لديها إلى 25 ألف في عام 2023 مقابل نحو 10 آلاف دولار حاليا بعد أن كان 3.3 ألف دولار في 2003.
العديد من المؤشرات تعكس المعجزة الاقتصادية التي شهدتها تركيا خلال السنوات الماضية، منها تراجع نسبة التّضخّم من 32% إلى 7 – 9%، كذلك نسب الفائدة من 65% إلى ما دون العشرة بالمائة خلال الأعوام الأخيرة، إضافة إلى انخفاض عجز الميزانية بالنسبة للدخل القومي من 16% إلى 1%.
ارتفعت قيمة صادرات تركيا خلال الربع الأول من 2018 بنسبة 8.9% على أساس سنوي، إلى 41 ملياراً و185 مليون دولار، فيما بلغت قيمة الواردات 61 ملياراً و902 مليون دولار
تركيا الآن باتت عضوًا في منظمة التعاون والتنمية ومجموعة الـ 20، ومن الجهات المانحة المهمة في المساعدة الإنمائية الرسمية الثنائية ODA، كما أنها أصبحت مُصدرًا ذا ثقة للسلع الاستهلاكية ذات الجودة العالية، وهي الآن أكبر منتج في أوروبا لأجهزة التلفزيون، والمركبات التجارية الخفيفة، كما أن سلعها تمر إلى داخل السوق الألماني؛ بسبب دقَّتها.
وتُعد ثامن أكبر منتج للمواد الغذائية في العالم والوجهه السياحية السادسة الأكثر شعبية، كما أن 43 شركة من أكبر 250 شركة إنشاءات عالمية تركيَّة، وقبل عشر سنوات تدهورت صناعة الغزل والنسيج بشدة، أما الآن فقد أصبحت صناعة متطورة وتصدر سلعًا ذات جودة أعلى إلى أوروبا..
ورغم التحديات، ارتفعت قيمة صادرات تركيا خلال الربع الأول من 2018 بنسبة 8.9% على أساس سنوي، إلى 41 ملياراً و185 مليون دولار، فيما بلغت قيمة الواردات 61 ملياراً و902 مليون دولار، ليبلغ عجز التجارة الخارجية 20.7 مليار دولار، بحسب أرقام هيئة الإحصاء ووزارة الجمارك والتجارة
كما أعلنت مؤسسة الإحصاء التركية، أن عائدات السياحة للربع الأول من العام الحالي، بلغت 4 مليارات و425 مليون دولار. وجاءت العائدات من السياح الأجانب بنسبة 76.1%، ومن المواطنين الأتراك المقيمين في الخارج بنسبة 23.9%، فيما بلغ متوسط إنفاق السائح في تركيا 723 دولاراً، فيما تراجعت نسبة البطالة في يناير/ كانون الثاني 2.2 نقطة إلى 10.8%، حيث انحسرت البطالة في أوساط البالغين إلى 576 ألف شخص في يناير مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
تخطط تركيا للوصول للمرتبة العاشرة بين اقتصاديات العالم
سداسية المعجزة
اعتمد الرئيس رجب طيب أردوغان، طيلة فترة حكمه، سواء كان رئيسا للوزراء أو رئيسًا للدولة، على إحداث تنمية شاملة في كافة القطاعات، غير أن هناك 6 قطاعات رئيسية احتلت نصيب الأسد في هذه القفزة التي وصفها محللون بـ “المعجزة”، في مقدمتها: تعزيز القدرة التنافسية والتوظيف، حيث قفزت الدولة في مؤشر التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي من المرتبة 61 عام 2002إلى 45 في 2014/2015 وتأتي في المرتبة 55 في التصنيف العالمي لممارسة أنشطة الأعمال للبنك الدولي
ثم يأتي سوق العمل في المرتبة الثانية ضمن أولويات حكومة أردوغان، حيث تراجعت نسب البطالة بصورة كبيرة وملفتة للنظر في ظل توسعة رقعة المشروعات التي بدورها تخلق فرص عمل كبيرة، هذا بخلاف ارتفاع الحد الأدنى للأجور والذي يجعلها الأعلى بين دول منظمة التعاون والتنمية، وكذلك فإن تركيا لديها نظام مكافأة نهاية الخدمة سخيّ جدًا مقارنة بالدول الأخرى.
يعد برنامج التحول الصحي التركي Turkey’s Health Transformation Program مثالًا يحتذى به للعديد من الدول في كيفية إجراء تحول سريع ومؤثر في الأداء الصحي للفقراء
الحماية الاجتماعية والقضاء على الفقر كان هو الأخر على قائمة أولويات الحكومة خلال السنوات الماضية، حيث انخفض الفقر من 44% في عام 2002 إلى 22% في عام 2012، وعلى الرغم من ذلك، فإن النسب لا تزال عالية في تصور البعض وبحاجة إلى تعزيز الجهود المبذولة في هذا الشأن، إضافة إلى ارتفاع مؤشر التنمية البشرية بتركيا من 0.671 في 2005 إلى 0.759 في 2013.
وفي مجال التعليم فقد زاد معدل الالتحاق بالمدارس، فاعتبارًا من 2014/2015 حققت معدل التحاق بالمدارس الابتدائية يكاد يكون عالميًا بنسبة 96.3%، مع معدلات التحاق بالمدارس الثانوية بلغت نسبتها 79.4%، وتسعى الحكومة بنشاط إلى زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس الثانوية من خلال الامتثال لقانون «4 + 4 + 4» الخاص بالتعليم، الذي ينص على إلزامية التعليم، حتَّى الصف 12 أو الثالث الثانوي.
ويعد برنامج التحول الصحي التركي Turkey’s Health Transformation Program مثالًا يحتذى به للعديد من الدول في كيفية إجراء تحول سريع ومؤثر في الأداء الصحي للفقراء، وهو البرنامج الذي ساهم في رفع معدلات الخدمات الصحية المقدمة في تركيا بصورة غير مسبوقة.
ورغم اقتراب الدولة من تحقيق تأمين صحِّي شامل، ورفع مخصصات الصحة في الميزانية العامة للدولة، حيث وصل إجمالي الإنفاق الصحي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لتصل 6.7% في عام 2011، إلا أن ارتفاع أسعار الخدمة والأدوية المقدمة ربما يكون التحد الأبرز خلال المرحلة المقبلة وهو ما تعهدت به الحكومة.
أما في مجال الطاقة فقد أجرت الدولة عددًا من الإصلاحات ساهمت بشكل كبير في جذب استثمارات كبيرة من القطاع الخاص، ومن تلك الإصلاحات إصدار بعض التشرسيعات الخاصة بالكهرباء والغاز والطاقة المتجددة، وإنشاء سلطة تنظيمية لقطاع الطاقة، وإصلاح أسعارها، وإنشاء سوق للكهرباء، وإدخال الغاز الطبيعي على نطاق واسع، وإعادة هيكلة شركات الطاقة المملوكة للدولة، والشراكة مع القطاع الخاص.
ومن ثم ورغم التأثيرات الواضحة التي أحدثتها الهزات التي شهدتها تركيا خلال السنوات الماضية، اقتصادية كانت كهبوط العملة المحلية، أو سياسية كمحاولة الانقلاب الفاشلة والتي أثرت بشكل كبير على المنظومة الاقتصادية، إلا أن المؤشرات الإجمالية تذهب إلى استمرار الدولة في سياساتها التنموية في ظل التحديات الراهنة.