“مش قادر أصدق أني كل ما أدخل تويتر ألاقي أكبر جمهورين في الوطن العربي بيشتموا بعض طول الوقت… هي خلاص حياتنا بقينا نصحى الصبح نشوف هنشتم بعض ازاي؟”.. جسد اللاعب الدولي المصري محمد صلاح، نجم نادي ليفربول الإنجليزي، بتغريدته تلك التي نشرها أمس الاثنين على حسابه الرسمي على “تويتر” واقع ما وصل إليه الشارع الرياضي في مصر خلال الأونة الأخيرة.
وما بين “حرامية الساعات” و “دلدول الكفيل” اشتعلت ساحات السجال بين جمهور ناديي الأهلي والزمالك المصريين، لتتجاوز منصات السوشيال ميديا إلى الملاعب والمدرجات وشاشات الفضائيات والمواقع الإخبارية، حتى وصل الحال إلى التحذير من إحداث فتنة كروية جماهيرية لا يمكن توقع تبعاتها خاصة وأن جمهور الناديين يتجاوز عشرات الملايين.
ورغم المنافسة حامية الوطيس بين مشجعي الفريقين طيلة العقود الطويلة الماضية ومنذ نشأة الناديين، إلا أنها استقرت عند المنطقة الدافئة، مكتفية بشعارات التأييد والدعم وفي أقسى الظروف استخدام الألعاب النارية والشماريخ، لكن الوضع تغير تمامًا خلال الأشهر الماضية.
مش قادر أصدق أني كل ما أدخل تويتر ألاقي أكبر جمهورين في الوطن العربي بيشتموا بعض طول الوقت… هي خلاص حياتنا بقينا نصحى الصبح نشوف هنشتم بعض ازاي؟
— Mohamed Salah (@MoSalah) February 11, 2019
وبالعودة إلى الوراء قليلا وبالتحديد مارس 2018 حين فرض تركي آل الشيخ، مسئول هيئة الترفيه بالسعودية، ورئيس الاتحاد العربي لكرة القدم، نفسه على خارطة الإعلام الرياضي المصري، بزيارته للنادي الأهلي مستقلا سيارته الفارهة لتفتح له أبواب النادي وتفرش السجادة الحمراء ويجلس الرجل على مقعد رئيس النادي بعد أن منح الرئاسة الشرفية له، في مشهد أثار الكثير من التساؤلات حينها.
منذ تلك الوهلة دخل الرجل ميدان الرياضة المصرية بسرعة الصاروخ، هبط على ساحات الكرة بـ”الباراشوت”، أمواله التي حملها ووعوده الخيالية كانت جواز سفره لأن يصبح الشخصية الأكثر حضورًا في الإعلام المصري في وقت لا يساوي في حساب الزمن لحظات.
وماهي إلا أيام قليلة وبدأت إرهاصات الفتنة تخيم على المشهد الكروي المصري بما له من جماهيرية غير مسبوقة في الوطن العربي بأكمله، حيث نجح الرجل في إحداث حالة من الشقاق بين جماهير الأندية ومجالس إدارتها في البداية وصلت في نهاية الأمر إلى مواجهات بين الجماهير وبعضها البعض.. ليدفع إلى التساؤل الأكثر غموضًا: لماذا لم تتحرك الأجهزة الرسمية في الدولتين، المصرية والسعودية، لوأد تلك الفتنة التي تسبب فيها آل الشيخ؟ وهو ما يجر لسؤال أخر: هل الوضع الحالي بسخونته الشديدة هو ما تريده أنظمة الحكم في البلدين؟
رأس حربة قوى ابن سلمان الناعمة
في السنوات الأخيرة، سعت الرياض إلى تعزيز نفوذها وتأثيرها على دوائر صناعة القرار في بقية العواصم العربية، ومع سيطرتها المالية على صناعة الترفيه في المنطقة، اتخذت المملكة الرياضة وسيلة لمد نفوذها، بضخ المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، على رأسها مصر على سبيل المثال.
لُقب آل الشيخ بأنه “رأس حربة قوى ابن سلمان الناعمة” فقربه – عن طريق والده- من العائلة المالكة، وتحديدًا من الأمير فيصل بن فهد والأمير سلطان بن فهد (الرئيسان السابقان للاتحاد العربي السعودي لكرة القدم)، أسرعت من وتيرة تدرج تركي في المناصب عامًا تلو الآخر، فبعد تخرجه في كلية الملك فهد الأمنية 2001، التحق بالعمل في وزارة الداخلية بإمارة الرياض، ثم مكتب وزير الدفاع وديوان ولي العهد بـ”المرتبة الممتازة” عام 2015، وصولاً إلى تعيينه مستشارًا للديوان الملكي برتبة وزير في يونيو 2017، وذلك قبل أن يتم اختياره رئيسًا للهيئة العامة للرياضة في الـ6 من سبتمبر 2017، في خطوة قيل وقتها إنها مدعومة من ولي العهد محمد بن سلمان.
آل الشيخ مع رئيس النادي الأهلي
عُرف عنه التخبط والعشوائية في اتخاذ القرارات التي وصفت بعضها بأنها “مثيرة للجدل” وكان لها تداعيات سلبية على المملكة بصفة عامة غير أن قربه الشديد من ابن سلمان وثقة الأخير فيه كانت الضامن لبقائه في منصبه رغم تعدد المطالب التي تنادي برحيله والإطاحة به، فالرجل لم يقف عند حاجز التخبط الداخلي وفقط، بل تجاوز حدود بلاده ليثير الجدل خارجيًا إلى الحد الذي بات يهدد فيه علاقات المملكة بأشقائها على رأسهم المغرب والكويت.
“الكفيل السعودي” أو “شوال الرز” كما يحلو لبعض الجماهير المصرية أن تسميه، نجح في اختراق مفاصل الكرة المصرية، متجولا بين أكبر ناديين في الشرق الأوسط، محدثا حالة من الخصام جرًاء دعمه لصفقات لاعبين لهذا النادي أو تلك، وصلت إلى معايرته لمجلس إدارة النادي الأهلي بالحصول على ساعات كهدايا ومن هنا جاء مصطلح “حرامية الساعات” الذي يردد كثيرًا رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، المقرب حاليًا من ترك.
— TURKI ALALSHIKH (@Turki_alalshikh) June 25, 2018
استفزاز الجماهير المصرية
أثار آل الشيخ حفيظة الملايين من المصريين عبر هجومه الشديد على شخوص يعتبرها الشعب المصري رموزًا غير مقبول الاقتراب منها، على رأسهم رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب الذي اتهمه بالحصول على أموال لدعم حملته الانتخابية وحصول النادي على ما يقرب من 250 مليون دولار في صورة صفقات تحمل هو تكلفتها بالكامل.
هذا بخلاف تمنيه استمرار إصابة اللاعب محمد صلاح التي تعرض لها خلال مباراة فريقه مع ريال مدريد في نهائي أبطال أوروبا العام الماضي، قبيل كأس العام الذي أقيم في روسيا ، ما اعتبره المصريون استفزاز لمشاعرهم، حيث كتب يقول” “لازم يوحشنا قبل كأس العالم”، وأتبعها بتغريدة أخرى : “في اعتقادي أن نادي ليفربول لن يسمح لصلاح بأخذ إبرة الكورتيزون، لأن ذلك فيه خطورة على اللاعب في المدى البعيد، وسيضغط بشدة في سبيل استكمال العلاج لمدة شهرين، مما يعني للأسف أننا لن نرى النجم محمد صلاح في كأس العالم”.
اختراق آل الشيخ لم يتوقف عند حاجز اختراق الأندية وتفريغ محتواها فقط، بل تجاوز ذلك إلى إجهاض حلم الملايين من المصريين في تمثيل منتخب بلادهم في المونديال تمثيلًا مشرفًا، سواء بتشتيت تركيز اللاعبين داخل معسكرهم أم فيما قيل بشأن التدخل باستخدام المال لشراء النقاط الـ3 لمباراة فريقه مع نظيره المصري.
كما تعمد التلميح ما بين الحين والآخر إلى اتهام الحكام المصريين بمجاملة النادي الأهلي، الأمر الذي دفع الأخير إلى الرد لأول مرة منذ بداية الهجوم من قبل الرجل، وكانت إدارة النادي الأهلي نشرت بيانا احتجت فيه على “إساءات آل الشيخ للنادي”، وأعلنت فيه تأجيل مباراة الأهلي وبيراميدز .
ورد تركي على بيان الأهلي في سلسلة تدوينات على فيسبوك متهما إياها بالتسويق لبطولات زائفة على حسابه، وتحول السجال بين الطرفين إلى مجموعات هاشتاغات تصدرت قائمة المواضيع الأكثر انتشارا في مصر، حيث أطلق ناشطون وسم #جمهور_الأهلي_لا_يخضع_للمال”، أعرب فيه مشجعو النادي الأحمر عن غضبهم من تصريحات رئيس هيئة الترفيه السعودي و أكدوا على دعمهم لفريقهم المفضل.
لم يقف آل الشيخ مكتوف الأيدي حيال الرد الذي وصف بـ “القوى” من الأهلي، ففي بيان نشره على صفحته الرسمية بـ “فيس بوك” بعد ساعات من قرارات النادي المصري،) قال فيه: “هو ما شاء الله لسه فايقين إن فيه هجوم وإساءة ليكم من رئيس الاتحاد العربي”، وهو التصريح الذي يمكن أن يفهم أنه اعتراف بأنه تعمد الإساءة للنادي العريق.
تصريح ناري من تركي ال الشيخ ؛ ووعد بالتعاقد مع أربعة لاعبين من ( العيار الثقيل ) لنادي الاهلي المصري?@Turki_alalshikh pic.twitter.com/PQC4tOwUpf
— أخبار الكرة العالمية (@ReNgo_Sport) March 14, 2018
ليست الرياضة وحدها
منذ الوهلة الأولى يعتقد الزائر لصفحته الشخصية سواء على “فيس بوك” أم “تويتر” أنه مسؤول بالرياضة المصرية نظرًا لحجم التغريدات والمنشورات التي يدونها عن الشأن الكروي المصري، البعض قد يظنها عشقًا وحبًا في المحروسة لكن سرعان ما يكتشف أن الأمر ليس كذلك.
9 أشهر فقط.. استطاع فيها مستشار ولي العهد السعودي اختراق الرياضة المصرية حتى النخاع، بصورة غير مسبوقة في تاريخ المصريين، لم يترك بابًا رياضيًا إلا وطرقه، ولا نافذة كروية إلا ودخل منها، مستعرضًا قدراته المالية التي كانت البوابة السحرية للتوغل في المجتمع المصري عبر إحدى أبرز أدوات القوى الناعمة.
الكثير حينها ربط بين منصب الرجل كمسئول عن الرياضة السعودية وبين ممارساته في مصر، لكن حتى بعد مغادرة الرجل منصبه وتوليه إدارة الترفيه لم يتوقف عن التدخل في الشأن المصري، ففي مشهد وصف بـ “المخجل” التقى آل الشيخ بعشرات الفنانيين المصريين لتوقيع عقود معهم خلال الفترة المقبلة، الصور المتلقطة أثارت مشاعر المصريين بصورة كبيرة.
???????❤️ pic.twitter.com/LIgvW3bBQM
— TURKI ALALSHIKH (@Turki_alalshikh) February 8, 2019
الرياضة لم تكن سوي بوابة عبور ومظلة لتحركات آل الشيخ في المشهد السياسي وصناعة القرار في مصر، ليصير في وقت قصير جدًا مهندسًا جديدًا لنسج شبكة نفوذ سياسي ومالي لولي العهد مع القاهرة، والتي كانت شواهدها عديدة أهمها دخوله في تفاوض مع جهاز المخابرات العامة المصرية.
أما الشاهد الأهم على أدواره البعيدة عن الرياضة، جولة المفاوضات التي أجراها مع المخابرات العامة لتمويل قناة إخبارية تعبر عن السياستين المصرية – السعودية تبث من القاهرة بكوادر مصرية وأموال سعودية لمواجهة المد الإعلامي القطري، والتي توقفت بعد واقعة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في اسطنبول اكتوبر الماضي.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل سعى إلى الاستحواذ على نسبة كبيرة في شركة إعلام المصريين، المملوكة لجهاز المخابرات العامة، والتي باتت المالك لغالبية الإعلام المصري الخاص، وذلك وفق ما نقل “مدى مصر” عن مصادر أوضحت أن: «آل الشيخ عرض في مقابل ذلك قرابة 750 مليون دولار، إضافة إلى توفير تمويل كبير للقناة الإخبارية».
لازم يوحشنا قبل كاس العالم ?? pic.twitter.com/9LmyoWsk6T
— TURKI ALALSHIKH (@Turki_alalshikh) March 23, 2018
مثير للفتنة
هجومه الشديد النادي الأهلي في مقابل الاستقبال الأسطوري له بمقر نادي الزمالك وبدعم من صديقه المقرب، مرتضى منصور، أثار حالة استياء بين جماهير الناديين، حتى من داخل النادي الأبيض أيضًا رغم الدعم الذي يقدمه الرجل له في صورة صفقات ومنشآت رياضية.
الناقد الرياضي بجريدة “البيان” المصرية، عمر عبدالرازق، أشار إلى أن ما يقوم به مستشار ولي العهد السعودي في حقيقته تفريغ للمشهد الرياضي من أفضل مميزاته، لافتًا إلى أن هناك أخلاقيات وضوابط للمنافسة الشريفة يفتقدها ترك بتعمده استفزاز مشاعر الجماهير.
عبدالرازق لـ “نون بوست” أضاف إلى أن الرياضة هي الواجهة الخارجية لتغول آل الشيخ في الجسد المصري، لافتا إلى أنه فشل في تحقيق ما كان يحلم به، في إشارة منه إلى الغزو الناعم للشارع المصري عبر بوابة الرياضة ومن بعدها الفن، محذرًا من تبعات تلك الممارسات التي تزيد حالة الاحتقان الجماهيري.
أما أحمد ياسين، أحد أعضاء أولتراس أهلاوي فأشار إلى أنه من البداية وهناك نوايا غير سوية من قبل المستشار السعودي كاشفًا أن أسلوب “المكايدة” الذي يتبعه كان واضحًا جدًا وهو ما دفع الكثير من المحبين للنادي الأحمر للتحذير من تداعيات العلاقة غير المتكافئة بين مجلس إدارة الفريق والمندوب السعودي على حد وصفه.
تركي آل الشيخ يوقع مذكرات تفاهم لاستقطاب أبرز الفعاليات الترفيهية المصرية pic.twitter.com/0GKx4cL5RY
— العربية (@AlArabiya) February 8, 2019
ياسين كشف في تصريحاته لـ “نون بوست” أن العلاقة بين جماهير الناديين قوية للغاية لاسيما في الآونة الأخيرة، مشيرًا أنه ولأول مرة يتبع الجمهوران تقليدًا رائعا يتمثل في المشاركة الوجدانية لضحايا الناديين، وهو ما يتضح في إنارة الهواتف الخلوية كل مباراة في الدقيقتين، 24 و74 في إشارة لضحايا الجمهورين في حادثتي الدفاع الجوي وبورسعيد.
نفس الرأي ذهب إليه المشجع الزملكاوي، محمد عمر، الذي عبر عن استنكاره للمبالغة في استقبال تركي آل الشيخ في نادي الزمالك قبل أيام، منوهًا أن تاريخ النادي أعرق من أن يرضخ بهذه الطريقة المهينة لأموال الكفيل السعودي، مطالبًا جمهورا الناديين بالتوحد في مواجهة الفتنة المراد حدوثها والتي ربما تتفاقم حال نشوب بعض السلوكيات المتطرفة هنا أو هناك.
ورغم حالة الغضب التي سيطرت على جماهير الرياضة المصرية والمدافعين عن كرامة بلدهم في مواجهة مراهقة مستشار ابن سلمان، فلا أحد من المسؤولين المصريين حرك ساكنًا حيال ما يفعله الرجل ليل نهار، وهو ما أثار العديد من التساؤلات عن دوافع هذا الخنوع.
البعض ذهب في تفسيراته للصمت المصري بأن آل الشيخ لا يمثل نفسه فقط، فهو بمثابة مسئول بدرجة وزير، ومن ثم فإن أي تحرك ربما يقود إلى توتر في العلاقات مع المملكة، وهو ما تتجنبه السلطات المصرية في الآونة الأخيرة في ظل الدعم المقدم من الرياض لها طيلة السنوات الماضية.