ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ سنة 2014، كم مرة تمت الموافقة على إجراء ملك وملكة إسبانيا لزيارة دولة إلى المغرب وتلاها إعلان بالإلغاء؟ حول هذه المسألة، لا يتفق الدبلوماسيون؛ لكنهم لا يختلفون أيضا حول المعلومة التي تفيد بأن آخر زيارة، قد ألغيت قبل أيام قليلة من تاريخ الزيارة المقرر لها، والتي كانت بتاريخ التاسع من كانون الثاني/يناير. ولتأجيل الزيارة “إلى أجل غير مسمى”، بررت الرياض هذا القرار بأسباب تتعلق بجدول أعمال الملك محمد السادس. في المقابل، تؤكد بعض الصور أن الملك كان في عطلة في باريس بالتزامن مع تاريخ الزيارة التي ألغيت. وبعد مرور 13 شهرا، أجرى الملك فيليبي والملكة ليتيسيا يوم الأربعاء أول زيارة رسمية لهما إلى الجار الجنوبي.
عموما، ربما لم تكن عطل الترفيه الباريسية السبب الذي دفع بالعاهل المغربي إلى تأجيل زيارة ملوك إسبانيا إلى المغرب، وإنما رغبة منه لتجنب إظهار الخلاف بينه وبين زوجته للعموم. وخلال تلك الفترة، اتخذ الملك قرار الانفصال عن للا سلمى، لكنه لم يعلن عن ذلك إلى غاية هذا الوقت. وتجدر الإشارة إلى أن آخر مرت شوهدت فيها للا سلمى على العلن تعود إلى شهر كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2017.
في المقابل، أعلن الملك عن هذا القرار بشكل غير رسمي خلال شهر آذار/مارس الماضي من خلال مجلة “أولا” الإسبانية. وخلال ذلك الوقت، لو لم تظهر للا سلمى إلى جانب الملك محمد السادس بمناسبة الزيارة الملكية التي كان مقرر لها في شهر يناير/ كانون الثاني من سنة 2018، لتجلى هذا الانفصال للعلن قبل الإعلان عنه بطريقة الملك الخاصة.
في الأثناء، وخلال زيارة الدولة التي أداها خوان كارلوس وليتيسيا إلى المغرب سنة 2005، ظهرت للا سلمى طوال الوقت إلى جانب ملكة إسبانيا. لكن، من سيعوض للا سلمى ابتداء من يوم الأربعاء القادم؟ من الممكن أن تضطلع شقيقة الملك بهذا الدور، الأميرة للا حسنة، التي تولت من أشهر مهام السيدة الأولى، وبكثافة.
رئيس الحكومة الإسباني، بيدرو سانشيز، والملك محمد السادس
بشكل عام، تحيل الصعوبات من أجل تحديد تاريخ الزيارة الملكية وتأخّر الملك المغربي -لمدة ستة أشهر- عن الموافقة على الاجتماع برئيس الحكومة الإسبانية الجديد، بيدرو سانشيز؛ على مدى تعقيد العلاقة السياسية مع الجار الجنوبي، على عكس العلاقات الاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن ملك إسبانيا وعقيلته قد كانت لهما زيارة إلى المغرب خلال شهر تموز/ يوليو سنة 2014، إلا أن هذه الزيارة قد استمرت لبضع ساعات فقط وتمثل دورها في تقديم الملك الإسباني لنفسه بعد أن تسلم العرش قبل شهر.
عموما، ستمنح الزيارة، التي تبدأ بتاريخ 13 شباط/فبراير فرصة للملك فيليبي السادس والأعضاء الخمسة التابعين للحكومة الإسبانية المرافقين له من أجل تعزيز العلاقات الممتازة بين الدولتين المتجاورتين. لكن، ستكون الحقيقة بعيدة كل البعد عن الخطابات التي سيلقيها الملكان خلال هذا الأسبوع. فمنذ سنة 2014، ساءت الكثير من المسائل، على رأسها الهجرة ومشاكل سبتة ومليلية وطبيعة العلاقات السياسية، وبلغ هذا التدهور أعلى مستوياته. ومنذ أربعة سنوات، لم تعقد القمة الثنائية السنوية بين الحكومتين، الإسبانية والمغربية.
على الرغم من أن وزارة الداخلية المغربية ترفض تقديم تفاصيل حول جنسيات المهاجرين غير الشرعيين من أجل عدم تسليط الأضواء على المغرب، إلا أن بعض المصادر تؤكد أن أغلبية القادمين إلى إسبانيا عن طريق البحر، هم من المغاربة (22 بالمائة)
على الرغم من الالتزام الأوروبي، الذي أعلن عنه سانشيز في البرلمان، المتعلق بتقديم مساعدات للمغرب بقيمة 140 مليون يورو من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية التي تصل إلى إسبانيا بشكل فعال، إلا أن تدفقات المهاجرين لم تتوقف عن التنامي. وخلال سنة 2018، سجل رقم قياسي جديد، حيث دخل حوالي 64.298 شخص “دون وثائق رسمية” إلى إسبانيا؛ وهي نسبة أعلى بحوالي 131 بالمائة من النسبة المسجلة خلال سنة 2017. وخلال سنة 2019، ازداد الوضع سوءا، حيث سجل تدفق 4.612 مهاجر غير شرعي إلى إسبانيا خلال شهر كانون الثاني/ يناير، وهو ما يعادل زيادة بنسبة 112 بالمائة مقارنة بنفس الشهر من السنة الماضية.
من جانب آخر، على الرغم من أن وزارة الداخلية المغربية ترفض تقديم تفاصيل حول جنسيات المهاجرين غير الشرعيين من أجل عدم تسليط الأضواء على المغرب، إلا أن بعض المصادر تؤكد أن أغلبية القادمين إلى إسبانيا عن طريق البحر، هم من المغاربة (22 بالمائة)، حيث يعد جزء كبير منهم من شباب الريف المغربي. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد الكثير من المهاجرين غير الشرعيين لعناصر الشرطة الإسبانية عند وصولهم أنهم لم يواجهوا أية صعوبات خلال عبور سواحل الريف، كما لو أن السلطات المغربية تسهل أمامهم المغادرة عبر البحر من أجل الحد من الضغوطات الاجتماعية داخل البلاد.
في الوقت ذاته، لا تسهل وزارة الداخلية المغربية عملية تقديم معلومات حول المهاجرين غير الشرعيين القصر غير المصحوبين بمرافقين. في المقابل، تؤكد نفس المصادر ارتفاع عدد المهاجرين من هذه الفئة خلال سنة 2018. في الوقت الراهن، يوجد في إسبانيا 13 ألف قاصر تحت رعاية الإدارات المستقلة في إسبانيا، 80 بالمائة منهم من المغربيين الذين لا يمكن إعادتهم إلى أوطانهم-وهو نفس العائق الذي تواجهه دول أوروبية أخرى على غرار فرنسا وسويسرا- بسبب عدم تعاون الرباط.
لم تحتج الحكومة الإسبانية، ولكنها طلبت إنشاء مجموعة عمل لم تجتمع إلا مرة واحدة بتاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر من نفس السنة، في ملقا؛ إلا أنها لم تُختتم بأية نتائج
عموما، تعد سبتة ومليلية من أكثر الحدود ازدحاما في القارة الأفريقية وأكثرها إثارة لقلق السلطات. ففي غرة آب/ أغسطس الماضي، أغلقت الرباط مكتب الجمارك التجاري في مليلية الذي افتتح منذ منتصف القرن التاسع عشر دون حتى إعلام سلطات مدريد مسبقا بهذا القرار. وتكتسي هذه النقطة أهمية كبرى حيث صُدّرت منها سنة 2017 سلع بقيمة بقيمة 47 مليون يورو.
في هذا الشأن، لم تحتج الحكومة الإسبانية، ولكنها طلبت إنشاء مجموعة عمل لم تجتمع إلا مرة واحدة بتاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر من نفس السنة، في ملقا؛ إلا أنها لم تُختتم بأية نتائج. ووفقا لمصادر من وزارة التنمية الإسبانية، تمثلت الإجراءات الانتقامية الوحيدة في منح 15000 تصريح فقط من أصل 20.000 طلب تصريح للشاحنات التي تطلبها الرباط بموجب اتفاقية النقل الثنائية.
وفقا لتقرير حرر نهاية الشهر الماضي، في إطار التحضير للزيارة الملكية إلى المغرب، أوضح المكتب الاقتصادي والتجاري لإسبانيا في الرباط أن مكتب الجمارك التجاري في مليلية لن يفتح من جديد. وأورد هذا المكتب أن السبب في ذلك يعود إلى “وضع التجارة غير النظامية بين البلدين”؛ في إشارة إلى البضائع المهربة من المدن المستقلة، سبتة ومليلية، إلى المغرب. وأضافت نفس الجهة في هذا التقرير أنه “مع المزيد والمزيد من القيود، كانت التجارة الرسمية [عبر الجمارك] هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على التجارة المستدامة على المدى المتوسط والبعيد مع المغرب”.
بالإضافة إلى التجارة القانونية، من خلال الجمارك، ترغب الرباط الآن في مكافحة تهريب السلع في غضون مدة تتراوح من خمس إلى 10 سنوات، ومرة أخرى، دون حوار مع الحكومة الإسبانية. وقد أعلن عن هذا المشروع في السادس من شباط/ فبراير الحالي، في البرلمان المغربي، المدير العام للجمارك نبيل لخضر. وشدد على أنه من الضروري إنهاء “نشاط التهريب المزدهر على المعبر الحدودي بشكل كامل”. كما كلفت الرباط شركة الاستشارات المغربية توبا بدراسة البدائل المحتملة لنشاط التهريب في سبتة.
في الأثناء، قدر لخضر أنه من خلال الحمالين الذين يعملون في سبتة ومليلية، تدخل بضائع تتراوح قيمتها بين 1،100 و1،460 مليون يورو سنويا إلى المغرب، أي ما يعادل الصادرات من إسبانيا إلى أستراليا، دون أن تستفيد الديوانة المغربية من هذه الحركة التجارية. في المقابل، توفر هذه الصادرات مداخيل لبلديات المدينتين المستقلتين، سبتة ومليلية، عن طريق الضرائب الخاصة.
ملكي إسبانيا والمغرب في قصر الإليزيه
من ناحية أخرى، يؤدي منع تهريب السلع، الذي يضاف إلى إغلاق مكتب الجمارك التجارية، إلى تضييق الخناق على الاقتصاد في سبتة ومليلية. وبالنسبة للرباط، لا تعد هذه المهمة سهلة البتة، لأنها توفر آلاف مواطن الشغل، فضلا عن أنها توفر مصدرا للعملة الأجنبية. كما توفر النشاطات التجارية على الحدود بين البلدين مصدر للدخل لمئات من الموظفين العاملين في حدودها، الذين يتقاضون أجورا مقابل غض النظر عن تجارة التهريب. ووفقا لتقارير صادرة عن الشرطة الإسبانية، تعتبر التجارة غير النظامية طريقة لغسل أموال المخدرات المتأتية من الريف المغربي، وليس من السهل العثور على بديل.
من جهتها، بعد أن أغرقتها الهجرة وازدادت الحاجة للاعتماد على المغرب في الحرب ضد الإرهاب، ضاعفت الحكومة الإسبانية من الإيماءات التي توجهها للجار المغربي. في هذا الإطار، بذلت مدريد كل جهودها في بروكسيل من أجل الحصول على المساعدات التي تقدر بحوالي 140 مليون يورو لصالح المغرب، أو من أجل أن تشمل اتفاقيات الصيد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب منطقة الصحراء الغربية. ومن جهته، أعلن جيلز ديفيرز، المحامي الفرنسي لجبهة البوليساريو، أنه سيطعن في الحكم الصادر بشأن الاتفاقات الجديدة. ووفقا لمصادر قضائية، يملك محامي البوليساريو كل الأدلة للفوز بالقضية.
الجانب الذي لا زال يشهد ازدهارا في العلاقة المغربية الإسبانية، فيختزل في المجال الاقتصادي؛ خاصة وأن التجارة الرسمية، التي لا تمر عبر سبتة ومليلية، لا تتوقف عن النمو
عموما، يفسر عدم الاستعداد المغربي للتأقلم مع الجانب الإسباني، من بين الكثير من الأمور الأخرى، بالموقف المزدوج للحكومة الاشتراكية الإسبانية تجاه المغرب، وأيضا بموقف الحزب الشعبي الإسباني فيما يتعلق لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب. ووفقا لمنظمات محلية، تجاوز عدد السجناء السياسيين في المغرب إلى غاية يوم 20 كانون الثاني/ يناير-في حدود 500 سجين- بكثير نفس العدد في فنزويلا-273 سجين وفقا للمنتدى الجنائي الفنزويلي. علاوة على ذلك، لا يعد غالبية السجناء المغربيين من الإسلاميين، وإنما من النشطاء الريفيين الشباب الذين تحولوا إلى ضحية للقمع الذي تعاني منه المنطقة منذ شهر أيار/ مايو من سنة 2017.
أما الجانب الذي لا زال يشهد ازدهارا في العلاقة المغربية الإسبانية، فيختزل في المجال الاقتصادي؛ خاصة وأن التجارة الرسمية، التي لا تمر عبر سبتة ومليلية، لا تتوقف عن النمو. وتحديدا، يعد المغرب الزبون الثاني لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، خلف الولايات المتحدة مباشرة، كما أنه المزود الحادي عشر للبلد الأوروبي. في الأثناء، تؤتي الاستثمارات الإسبانية نتائج جيدة، حيث يستقبل المغرب أكثر من ثلث الاستثمار الأسباني في إفريقيا، على الرغم من أن 29 دولة أخرى، بما في ذلك بعض الدول الصغيرة في أمريكا اللاتينية، تحظى بأولوية عندما يتعلق الأمر بجذب رؤوس الأموال الإسبانية.
لكن، يوجد سؤال يطرح نفسه ويتمحور حول السبب الذي يجعل المغرب في المرتبة الثلاثين في قائمة وجهات الاستثمارات الإسبانية على الرغم من أن البلدان قريبان جدا من بعضهما. في هذا المعنى يشرح المكتب الاقتصادي والتجاري لسفارة إسبانيا في الرباط في تقريره التحضيري عن الزيارة الملكية أن “إحدى المشاكل الرئيسية متمثلة في عدم وجود الأمن القانوني للاستثمارات، مما يولد الكثير من النزاعات”.
المصدر: الكونفدنسيال