ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ نهاية الحرب الباردة، أولى المجتمع الدولي المزيد من الاهتمام للحد من الانتشار النووي أكثر من القضايا التقليدية من قبيل التحكم في انتشار الأسلحة والاستقرار الاستراتيجي. حيال هذا الشأن، اجتمع نائب رئيس معهد بروكنجز للأبحاث، بروس جونز، بثمانية باحثين وخبراء سياسيين لمناقشة تغير موازين القوى في العالم وتحديد الأولويات المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي والحد من انتشار الأسلحة النووية، فضلا عن الأثر الذي تخلفه بلدان مثل الصين وإيران وروسيا وكوريا الشمالية.
1 ـ النظام النووي العالمي الجديد
يرى نائب رئيس معهد بروكنجز ومدير برنامج السياسة الخارجية، بروس جونز، أن سياسة المجتمع الدولي غير الحكيمة خلال العقدين الماضيين، فضلا عن ازدياد المنافسة على التسلح النووي من طرف القوى الكبرى، أخلاّ بتوازن النظام العالمي. وقد أفاد الباحث في مجالي الأمن والاستراتيجية في برنامج السياسة الخارجية لمعهد بروكنجز، فرانك روز، أن الولايات المتحدة ركزت على تخفيض عدد الأسلحة النووية خلال 25 سنة الماضية، لكن هذه الاستراتيجية على وشك أن تتغير.
أضاف روز أن حقبة التركيز على الاستقرار انتهت، لتتمحور سياسة الولايات المتحدة في الوقت الحالي على إدارة المنافسة مع القوى العظمى واتباع سياسة رادعة تطمح بالأساس إلى القطع مع احتمالية نشوب حرب نووية في المستقبل. واستدل روز بكتابيْ “مناورات قاتلة” و”نهاية اللعبة” للمحلل والكاتب الأمريكي ونائب وزير الخارجية الأميركية في إدارة كلينتون، ستروب تالبوت.
يوافق تالبوت على هذه الاستراتيجية الجديدة ويدعو إلى المزج بين سياستيْ الردع والحد من انتشار الأسلحة النووية. ويرى الباحث الأمريكي في مركز أبحاث الأمن والاستخبارات في القرن 21، روبرت آينهورن، أنه يجب على الولايات المتحدة أن تجعل من الاستقرار أولوية قصوى، ويجب إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية مع روسيا، التي تنص على إنتاج الأسلحة النووية بكميات متساوية بين الطرفين.
ترى نائبة رئيس الإدارة الوطنية للأمن النووي سابقاً، مادلين كريدون، أن استراتيجية الردع المعتمدة بعد انتهاء الحرب الباردة كانت مُبررة تماما، حيث كانت هناك الكثير من الأسلحة النووية التي لا يحتاج العالم إليها، ناهيك عن انشغال روسيا في اقتصادها وسعي الولايات المتحدة للتعامل مع الإرهاب. على الرغم من ذلك، لم تكن هناك أي قوة نووية مستعدة للتخلي عن ترسانتها. من جهته، يشاطر فرانك روز كريدون الرأي حيث قال إن تغيير الاستراتيجية أمر ضروري. ودعا الباحث الأمريكي إلى التركيز بشكل صارم على السيطرة الثنائية للولايات المتحدة وروسيا، بالإضافة إلى تقييم العلاقات الأمريكية مع كل من الصين والهند وباكستان وإدخال تقنيات جديدة لتعطيل عمليات بناء السلاح النووي.
الحد من التسلح
2 ـ عودة روسيا
أوضح بروس جونز أن روسيا لم تتخذ خطوات لتحديث ترسانتها من الأسلحة النووية فحسب، بل هددت باستخدام هذه الأسلحة. فكيف يجب على الولايات المتحدة الأمريكية النظر إلى العلاقة النووية الثنائية مع روسيا؟ في هذا الصدد، يرى مايكل أوهانلون، كبير الباحثين في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز، أن الأسلحة النووية لن تصبح آمنة في حال عدم توافق القوى العظمى بشأن ما ستتنافس عليه. ومن المرجح أن روسيا تسعى لتوظيف أجندتها النووية لعرقلة النظام العالمي عوضا عن تحقيق الاستقرار. وإذا قررت موسكو أن خرق معاهدة الحد من التسلح أو إنهاءها يخدم أهدافها الجيوستراتيجية، فسيكون من دواعي سرورنا أن نفعل ذلك.
أوضحت سوزان مالوني، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز أن إيران تنظر لروسيا بشكل مختلف تماما، لا سيما وأنها لعبت دورا رئيسيا في المفاوضات التي أدت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
أفاد فرانك روز أنه “باستثناء سوريا وبيلاروسيا، لا تمتلك روسيا أي حلفاء استراتيجيين آخرين، وهو ما يجعل ترسانتها النووية شديدة الأهمية بالنسبة لأمن روسيا القومي واستراتيجيتها الجيوسياسية. ولا تعتقد روسيا أن البنية الأمنية الأوروبية التي وضعت في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات تصب في مصلحتها”. أما فيما يتعلق بالسؤال الذي طرحه بروس جونز حول الدور الذي تلعبه روسيا في انتشار الأسلحة النووية الإيرانية والتابعة لكوريا الشمالية، فقالت مادلين كريدون: “أعتقد أن روسيا تلعب دور الرادع عندما يتعلق الأمر بكوريا الشمالية، لكن بيونغ يانغ ترى موسكو كلاعب صغير نظرا لندرة المساعدات التي تقدمها وغياب منافع سياسية كبيرة من التعامل معها”.
أوضحت سوزان مالوني، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز أن إيران تنظر لروسيا بشكل مختلف تماما، لا سيما وأنها لعبت دورا رئيسيا في المفاوضات التي أدت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. ولا تعمل روسيا كرادع لإيران نظرا لأن الولايات المتحدة تتكفل بهذا الدور، ليبدو وكأن الروس يمثلون الشريك الأكثر موثوقية بالنسبة إليهم. ويرى روبرت آينهورن أن روسيا لا تريد امتلاك إيران لأسلحة نووية أو قدرة تخصيب واسعة النطاق، لكنها تملك مصالح اقتصادية معها لأنها تشتري منها المفاعلات النووية والوقود باستمرار. وعلى الرغم من ذلك، تجمع بين موسكو وواشنطن مصلحة مشتركة تقوم على الحد من إمكانيات إيران النووية مع الوقت.
3 ـ التحدي الصيني:
دعا بروس جونز إلى التحدث عن الصين، حيث أنها تسعى لتوظيف ترسانتها النووية لصالحها. حيال هذا الشأن، بين فرانك روز أن الصين تخير الحفاظ على سياسة عدم استخدامها للأسلحة في المقام الأول، إذ أنها لا تسعى لمضاهاة الأمريكيين أو الروس بقدر ضمان امتلاكها لقدرة دفاعية. ويبدو أن الخطر الصيني الأكبر يتجلى في هجماتها السيبرانية ومراقبتها بالأقمار الصناعية.
قال بروس جونز أن الصين تستفيد بشكل كبير من التهور الروسي ومجازفات موسكو وزعزعتها لاستقرار العالم، لكنها لا تريد القيام بمثل هذه الأمور بنفسها
اعتبر مايكل أوهانلون أن روسيا تعتبر أكثر تهورا من الصين التي تمثل دولة صاعدة في المجال النووي وتتبع سياسات مرنة ومن غير المتوقع استعراضها لقدراتها في الوقت الحالي. كما تقوم السياسة الخارجية الصينية على ضبط النفس بشكل رئيسي، خاصة فيما يتعلق بالمجال النووي. وقد ذكر ستروبي تالبوت أن سياسة الصين نابعة من انخراطها في العولمة الاقتصادية والتكنولوجية، فضلا عن حاجتها إلى نظام عالمي سلمي. ويوافق مايك أوهانلون على هذا الرأي مشيرا إلى أن الصين تسعى لدفع العالم لقبول هيمنتها بشكل تدريجي، لكنها لا تسعى لقلب النظام العالمي، في المقابل تستعد روسيا لقلب أجزاء متعددة من النظام الأوروبي.
أورد بروس جونز أن الصين تستفيد بشكل كبير من التهور الروسي ومجازفات موسكو وزعزعتها لاستقرار العالم، لكنها لا تريد القيام بمثل هذه الأمور بنفسها. وطالما تتكفل موسكو بإلهاء العالم وإضعاف أوروبا وتقسيمها ولا تذهب بعيدا عند قيامها بذلك، ستكون بكين أبرز المستفيدين من هذا الوضع.
4 ـ التكنولوجيا والأسلحة النووية:
طرح بروس جونز تساؤلات حول تأثير القدرات السيبرانية على الأسلحة النووية والاستقرار الاستراتيجي على نطاق أوسع، مما دفع فرانك روز للإشارة إلى أن القدرات السيبرانية تغير مفاهيم اللعبة السياسية باستمرار، حيث يجدر بالأمريكيين تحديد نظام القيادة الخاصة بهم ومراعاة التهديد الناجم عن الهجمات السيبرانية. من جهتهم، يرى الصينيون والروس أنه لا يمكن الفصل بين الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والقدرات الاستراتيجية والنووية.
تطرق فرانك روز إلى وجود تفاعل جوهري بين الإنترنت والتكنولوجيات الأخرى، وهو ما يجبر الأمريكيين على البحث عن بدائل فعالة للرد على الهجمات السيبرانية. من جهته، أعرب مايكل أوهانلون عن إيمانه بأن الرد بواسطة هجوم نووي للرد على الهجمات السيبرانية والأسلحة البيولوجية يكون فقط عندما تتسبب هذه الهجمات في ضرر يتناسب مع الهجمات النووية.
أورد فرانك روز أننا سنشهد هجمات نووية يقودها الذكاء الاصطناعي في المستقبل، إلا أن ذلك لن يحدث في وقت قريب
في هذا الإطار، صرحت مادلين كريدون أنه في حال أسفر الهجوم السيبراني عن انهيار النظام المصرفي الأمريكي أو الشبكة الكهربائية وتسبب في موت أشخاص، فيجدر بالاستجابة أن تحدث قدرا مماثلا من الضرر، مع صعوبة تخيل الخيار النووي. الجدير بالذكر أن تقنيات الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية تمثل سلاحا بحد ذاته، مما يدعو إلى ضرورة أخذه بعين الاعتبار.
من جهته، أورد فرانك روز أننا سنشهد هجمات نووية يقودها الذكاء الاصطناعي في المستقبل، إلا أن ذلك لن يحدث في وقت قريب. لكن ما يثير القلق هو نظام الإنذار المبكر وإمكانية قيام الذكاء الاصطناعي بتنظيم حسابات نووية استراتيجية. علاوة على ذلك، يشعر روز بالقلق من توجه الصين نحو تمكين الذكاء الاصطناعي من السيطرة والتحكم بالأسلحة النووية وإبعاد العامل البشري عن دائرة صنع القرار.
5 – الحد من انتشار الأسلحة النووية
الأزمة مع كوريا الشمالية:
ترى جونغ باك أن كوريا الشمالية اتخذت بعض الخطوات التي ساهمت في تحسين صورتها في المشهد السياسي العالمي على غرار تفجيرها لموقع التجارب النووية في بونغي ري، وتفكيك موقع اختبار محركات الصواريخ، وإعادة بعض أسرى الحرب. وقد بدت هذه الإجراءات ذات أهمية كبيرة بسبب سلوك كيم جونغ أون العدائي خلال السنوات السبع الماضية. تجدر الإشارة إلى أن كيم جونغ أون يسير على خطى والده الذي اعتاد القيام بخطوات مماثلة واتخاذ تدابير تجميلية كدليل على حسن نيته.
لا تعتقد جونغ باك أنه إذا وقّع ترامب فقط على إعلان وقف الأعمال العدائية، فإن جونغ أون سيتخلى عن سلاحه النووي. وبالنظر إلى الهوية الوطنية لكوريا الشمالية كدولة نووية، ودور الأسلحة النووية في تعزيز شرعية النظام، والثقافة السائدة في البلاد، يبدو من غير المرجح أن يتخلى جونغ أون عن ذلك كله من أجل إعلان السلام، وبالتالي، يجب مواصلة الضغط على الكوريين الشماليين.
حيال ملف البرنامج النووي الإيراني، صرحت الباحثة سوزان مالوني أنه على الرغم من الخسائر الاقتصادية الكبيرة جداً التي تدفع إيران ثمنها جراء إعادة فرض العقوبات عليها من جديد، إلا أنها تواصل الالتزام بشروط الاتفاق النووي
من جهته، يؤيد روبرت آينهورن، رأي جونغ باك، مشيرا إلى أنه من المرجح ألا يوافق كيم جونغ أون على نزع الأسلحة النووية في كوريا الشمالية بشكل سريع وكامل. ومن المتوقع أنه لن يقبل بتطبيق بعض القيود أو حتى بعض التخفيضات في قدراتها النووية والصاروخية، سوى مقابل الحصول على ضمانات أمنية وفوائد اقتصادية.
أضاف آينهورن أن “كيم جونغ أون سيصر على تحقيق تقدم “متوازن” على صعيد الأهداف الثلاثة الرئيسية للبيان المشترك الصادر في 12 حزيران/يونيو 2018 الذي ينص على تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، والتقدم نحو إحلال السلام في كوريا الشمالية، وإخلائها بشكل شبه كامل من الأسلحة النووية. لكن إدارة ترامب تريد تحقيق فوائد ملموسة قبل تقديم أي تنازلات. وخلاصة القول هي أن الولايات المتحدة الأمريكية ببساطة لا تملك القوة الكافية لإرغام كوريا الشمالية على قبول مطالبها.
6- إيران والشرق الأوسط
حيال ملف البرنامج النووي الإيراني، صرحت الباحثة سوزان مالوني أنه على الرغم من الخسائر الاقتصادية الكبيرة جداً التي تدفع إيران ثمنها جراء إعادة فرض العقوبات عليها من جديد، إلا أنها تواصل الالتزام بشروط الاتفاق النووي. لكنها، تعتقد أن هذا لن يستمر إلى الأبد. فإلى حد ما، يستند صبر الإيرانيين إلى أمل حدوث تغييرات في الوضع السياسي الأمريكي الداخلي.
من المحتمل أن إيران لن تستطيع التحمل حتى نهاية سنة 2022، خاصة بعد الانحدار الشديد الذي شهدته قيمة العملة الإيرانية. ولكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان الإيرانيون سيحاولون حمل الرئيس ترامب على دعوته للمشاركة في مفاوضات، حيث يبدو أن الرئيس الأمريكي يريد إبرام صفقة أكبر وأفضل. لكن ليس من الواضح تماما ما إذا كانت بقية إدارته تريد تحقيق هذا الهدف أو تعتقد أنه واقعي. تجدر الإشارة إلى أن لدى وزارة الخارجية مكتب جديد يبدو أنه يركز بشكل حصري على زيادة الضغط الاقتصادي على إيران بغية تغيير النظام.
أفاد روبرت آينهورن أن العقوبات المتجددة على إيران ستبوء بالفشل على غرار سابقاتها ولن تكون كافية لإجبار إيران على قبول المطالب الاثني عشر التي قدمها مايك بومبي حول السلوك الإيراني الإقليمي والمحلي، ناهيك عن البرنامج النووي. وفيما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، صرحت مالوني أن هذين البلدان لا يملكان الوسائل التكنولوجية للتحرك بسرعة نحو تحقيق برنامج أسلحة نووية جدي. أما روبرت آينهورن، فأفاد أن المملكة العربية السعودية تملك دوافع أكبر لتعزيز قدراتها النووية من أجل السير على خطى إيران، لكنها تفتقر إلى البنية الأساسية اللازمة. كما يفترض العديد من الناس أن باكستان ستدعم البرنامج السعودي بطريقة أو بأخرى غير أن ذلك غير محتمل نظرا لأن باكستان تسعى، في الوقت الراهن، إلى تعزيز علاقاتها مع إيران.
مع ذلك، تعتمد النوايا السعودية، إلى حد ما، على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في نزاعات الشرق الأوسط. وقد شعر السعوديون بالرعب عندما تراجع الرئيس أوباما عن خطه الأحمر في استخدام القوة العسكرية رداً على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية. ومنذ أن تتالت إشارات إدارة ترامب حول تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، شعر المسؤولون السعوديون رفيعو المستوى أنهم بحاجة إلى تحقيق استقلال استراتيجي أكبر، وهذا ما دفع المملكة العربية السعودية إلى ربط علاقات أوثق مع روسيا وغيرها في السنوات الأخيرة.
7- انتشار الأسلحة النووية لدى حلفاء الولايات المتحدة
فيما يتعلق بسؤال بروس جونز حول مدى خطورة تعزيز ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، البلدان التي تعتبر من الحلفاء المقربين للولايات المتحدة الأمريكية، لقدراتهم النووية الخاصة على ضوء تراجع التزام الولايات المتحدة تجاههم، صرّح ستروب تالبوت أن هناك الكثير من العوائق الثقافية والتاريخية والاستراتيجية والسياسية أمام ألمانيا التي تحول دون انتهاجها هذه الاستراتيجية.
أكد جونغ باك أنه كان لدى كوريا الجنوبية برنامجًا سريًا نوويًا في السبعينيات، إلا أن ذلك نشأ من الخوف من تخلي الولايات المتحدة عنها. ومع مرور الوقت، تخلت كوريا الجنوبية عن الأسلحة النووية في مقابل الحصول على ضمانات أمنية أمريكية
أفاد فرانك روز أن كلا من فرنسا والمملكة المتحدة، تمتلكان قدرات نووية مما يحد من حاجتهما إلى المزيد من الانتشار النووي، فضلا عن أن هناك مجموعة متنوعة من الأسباب السياسية والثقافية التي تجعل من غير المحتمل أن نرى حليفًا آخر للناتو يطور قدراته النووية. وحيال هذا الشأن، أشار روبرت آينهورن إلى أن موقف ألمانيا تجاه تعزيز قدراتها النووية هو مجرد رد فعل تجاه الطريقة التي تحدث بها الرئيس عن حلف الناتو، والانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، والاتفاقيات التجارية، وما إلى ذلك.
كما أكد جونغ باك أنه كان لدى كوريا الجنوبية برنامجًا سريًا نوويًا في السبعينيات، إلا أن ذلك نشأ من الخوف من تخلي الولايات المتحدة عنها. ومع مرور الوقت، تخلت كوريا الجنوبية عن الأسلحة النووية في مقابل الحصول على ضمانات أمنية أمريكية. ويعتقد روبرت آينهورن أن لجوء اليابان وكوريا الجنوبية إلى الطاقة النووية يعتمد على عاملين وهما التهديد الخارجي وموثوقية ضمانات الأمن الأمريكية. ومن بين هذين العاملين، تعتبر موثوقية الضمانات الأمريكية أهم بكثير. وأضاف آينهورن أنه إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على استعادة الثقة في موثوقية ضماناتها الأمنية، فإن ذلك سيكون كافياً لإبقاء اليابان وكوريا الجنوبية خارج دائرة البلدان غير النووية.
8- حالة اتفاقية الحد من الأسلحة النووية
تساءل بروس جونز عن تداعيات أزمات السلاح النووي المستمرة في كل من كوريا الشمالية وإيران على النظام العالمي، ليردّ مايكل أوهانلون أنه على الرغم من أنه يؤيد البقاء في خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنه يمكن للولايات المتحدة غض الطرف عن سلوك إيران الإقليمي المدمر من أجل ضمان التوصل إلى اتفاق. وعلى الرغم من كل الهفوات التي ارتكبتها كوريا الشمالية، بيد أنها لا تساهم في زعزعة استقرار المناطق المحيطة بها.
السياسة النووية الأمريكية وقدراتها
9 – السياسة النووية الأمريكية
تساءل بروس جونز عن الطريقة التي يمكن بها وصف تماسك السياسة النووية الأمريكية اليوم وما إذا كان صناع السياسة سينجحون في التكيف مع نظام ضبط التسلح الجديد الذي أنشأته القوى العظمى المنافسة. وقد أورد مايكل أوهانلون أنه تفاجأ بمدى سرعة تغير سياق السياسة للأسلحة النووية مع تطور الجغرافيا السياسية. ففي أواخر العقد الأول من القرن الحالي، أثارت واشنطن جدلا كبير حول ما يسمى بالرؤوس الحربية البديلة التي يمكن الاعتماد عليها.
بين فرانك روز أنه من خلال تقييمه لمراجعة الوضع النووي لسنة 2018، استنتج أن الإدارات الحالية لا تزال تواصل اتباع برامج التحديث النووي الذي اتبعته الإدارات السابقة
لكن في نهاية المطاف، تم إيقاف هذا المشروع دون اختباره. في المقابل، واجهت عملية مراجعة الوضع النووي لسنة 2018، التي تهتم بتطوير نوعين من الرؤوس الحربية التي لا تتطلب اختبارا، معارضة كبيرة، إلا أن الجدل سرعان ما تلاشى. وقد تضمنت مراجعة الوضع النووي توصيات عملية تشبه إلى حد كبير السياسات التي اتبعتها الإدارة الأمريكية السابقة.
بين فرانك روز أنه من خلال تقييمه لمراجعة الوضع النووي لسنة 2018، استنتج أن الإدارات الحالية لا تزال تواصل اتباع برامج التحديث النووي الذي اتبعته الإدارات السابقة. ولم تحدث الإدارة السابقة تعديلات كبيرة على البرنامج، فقد قامت بتعديل الرؤوس الحربية دي5، وتقليل التأثير الذي يحدثه أحد الرؤوس الحربية، وإعادة استخدام صاروخ كروز المطلق من البحر. لكن من الواضح أنها لم تقم بإجراء تغييرات كبيرة.
إن التحدي الأكبر الذي تواجهه هذه الإدارة فيما يتعلق بالسياسة النووية وتحديثها هو خطاب الرئيس. ففي الوقت الذي صادقت فيه الإدارة الحالية على برنامج التحديث الذي اقترحته الإدارة السابقة، كان أكثر ما يثير قلق روز هو أن العديد من الديمقراطيين، خاصة أولئك الذين لا يركزون حقاً على القضايا النووية، يعتقدون بأن هذا البرنامج شبيه ببرنامج ترامب المتعلق بتحديث برنامج واشنطن النووي. لكن هذا الأمر أكبر من أي إدارة أو حزب سياسي واحد.
لا يعتقد روز أن موقف ترامب حول الحد من التسلح يختلف عن موقف الحزب الجمهوري، لكن كيف يمكن تجديد توافق الآراء بين الحزبين للحد من الأسلحة؟ في الواقع، حصلت الإدارة السابقة على إجماع من الحزبين حول القضايا النووية؛ مثل السيطرة على الأسلحة النووية الاستراتيجية مع روسيا من خلال معاهدة ستارت الجديدة، وتحديث الردع الاستراتيجي الأمريكي. مع ذلك، لا زال العديد من الديمقراطيين متخوفين من برنامج التحديث الحالي. وقد قال مايكل أوهانلون إنه لا ينبغي أن تتمحور القضية بالكامل حول تحديث البرنامج، فهو لا يعتقد أنه يمكن الاستمرار في الترفيع في ميزانية الدفاع الأمريكية والتغافل عن حقيقة أن هناك عجزًا بقيمة تريليون دولار في السنة.
أضافت مادلين كريدون أن تطوير سياسات الأسلحة النووية يستغرق عقودا، لهذا السبب سيشعر الحلفاء بالاطمئنان لأن برامج التحديث في الولايات المتحدة ستمتد عبر إدارات مختلفة بحيث تمثل التزامًا أمنيًا طويل الأجل
كما بيّن فرانك روز أن خطاب الرئيس يشير كذلك إلى تحديات مع حلفاء الولايات المتحدة، لذا من المهم التركيز على أحد الأسباب التي جعلت الأمريكيين قادرين على الحفاظ على توافق في الآراء بشأن الردع النووي مع بعض الدول الأوروبية والآسيوية وهو أنه كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالتحكم في الأسلحة وضمان عدم انتشارها في أماكن مثل ألمانيا وهولندا والنرويج. وبهذه الطريقة، تمكنت الحكومات من إخبار شعوبها أنها تدعم سياسات الردع.
أوضحت بوني جينكنز أن مراجعة الوضع النووي لسنة 2018 كان أشبه إلى حد كبير بمراجعة الوضع النووي لسنة 2010. مع ذلك، فإن تصريحات الإدارة الحالية أثار قلق الدول المشاركة في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ولكن في نهاية المطاف، حشدت الإدارة السابقة الدعم الدولي لنزع السلاح النووي العالمي. ومن ناحية أخرى، عمدت الإدارة الحالية إلى قلب المعايير من خلال التصريح علنا بأن الولايات المتحدة لن تصادق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
أضافت مادلين كريدون أن تطوير سياسات الأسلحة النووية يستغرق عقودا، لهذا السبب سيشعر الحلفاء بالاطمئنان لأن برامج التحديث في الولايات المتحدة ستمتد عبر إدارات مختلفة بحيث تمثل التزامًا أمنيًا طويل الأجل. في الواقع، إن الطريقة التي تحدثت بها روسيا وبعض الأفراد في الإدارة الأمريكية الحالية عن حاجتها إلى الأسلحة النووية الصغيرة لأغراض تكتيكية أمر خطير للغاية، فهذه المناقشة تضر بالجهود العالمية للحد من الأسلحة.
قالت كيت هيويت إن الأجيال الصغرى التي نشأت بعد نهاية الحرب الباردة لا تجري محادثات حول القضايا المتعلقة بالأسلحة النووية
أفاد فرانك روز أن هذه القضية صعبة، فالمشكلة الأكبر هي أن الروس لم يظهروا اهتماما كبيرا بأي نوع من الشفافية فيما يتعلق بالأسلحة النووية. وعند التفكير في الخطوات التالية التي سيتم اتخاذها مع روسيا، كان مجلس الشيوخ واضحًا للغاية بأنه في حال عرضت عليها السلطة التنفيذية اتفاقية جديدة للحد من الأسلحة الروسية، فإنها تحتاج إلى تضمين الأسلحة النووية غير الاستراتيجية. وتساءل بروس جونز عما إذا كان لدى الصينيين مصلحة في الانضمام إلى مثل هذه المحادثات، ليجيبه فرانك روز بأنها ليست لديها أي مصلحة في الوقت الحالي.
10 – الجيل القادم من الخبراء النوويين
تساءل بروس جونز عن الخطوة التي يتعين القيام به لتوسيع عدد الكوادر من العلماء الشباب والعلماء والموظفين في المختبرات لضمان وجود جيل يتمتع بمهارات وقدرات مميزة. كما تساءل عما إذا كان لدى عامة الشعب فهم أوسع لسياسة ردع الأسلحة النووية والاستقرار الاستراتيجي. وقد أجابت مادلين كريدون أن هناك حاجة كي يفهم العالم سياسة الردع ويتمكنوا من إلهام الجيل القادم، فضلا عن الحاجة إلى مجموعة من العلماء والمهندسين الذين يمتلكون المهارات الفنية اللازمة للاستفادة منها.
في هذا الإطار، قالت كيت هيويت إن الأجيال الصغرى التي نشأت بعد نهاية الحرب الباردة لا تجري محادثات حول القضايا المتعلقة بالأسلحة النووية. لذا من المهم محاولة إشراك الطلاب في المدارس الثانوية والجامعات في حال كانت هناك رغبة في ضمان مشاركة الأجيال القادمة في هذا النقاش العام. وأضاف فرانك روز أن هناك حاجة بالفعل لإيجاد طريقة لإدخال الشباب في الحكومة للعمل على هذه القضايا. وأوضحت بوني جينكنز أنه يجب تشجيع الناس على الاهتمام والمشاركة في هذه القضية، لا سيما الشعب. كما أنه من الرائع رؤية النساء الأصغر سنا اللاتي يشاركن في هذه القضايا. ويأمل بروس جونز في أن يساعد هذا الحوار على تشجيع المزيد من الشباب.
معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى
تساءل بروس جونز حول كيفية تأثير قرار الانسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى الذي اتخذته إدارة ترامب على البرنامج الحالي للحد من التسلح وحظر انتشاره. وأفاد ستروب تالبوت أن انسحاب إدارة ترامب من معاهدة الحد من الأسلحة النووية هو خطأ فادح، كما أورد أن واشنطن ستتحمل العواقب السياسية للانسحاب.
أضاف فرانك روز أنه من غير المرجح أن تعود روسيا إلى الامتثال لمعاهدة الأسلحة النووية. فبين سنة 2004 و2005، اقترح الروس انسحاب واشنطن وموسكو من المعاهدة، معتبرين أنها لم تعد تعكس الوضع الأمني الحالي في أوراسيا. ومنذ سنة 2013، حاولت الولايات المتحدة إقناع روسيا بالانضمام مجددا للمعاهدة، لكن محاولات إدارة أوباما لم تجدي نفعا، ولهذا السبب يفهم فرانك قرار إدارة ترامب بالانسحاب من المعاهدة.
في الختام، صرحت مادلين كريدون أن روسيا كانت تنتهك الاتفاقية منذ سنة 2014، مما يضع الولايات المتحدة في موقف صعب فيما يتعلق بمستقبل هذه الاتفاقية. وتأمل مادلين في أن تكون هناك استراتيجية واضحة، لأنه في حال لم يحدث ذلك ستفوز روسيا وستدفع الولايات المتحدة عواقب اتخاذ هذا القرار.
المصدر: معهد بروكنجز