التوجه الروسي في ملف المصالحة الفلسطيني كان بناء على طلب إسرائيلي لتهيئة الظروف للعودة إلى مفاوضات السلام، حيث يرى الاحتلال الإسرائيلي أن عملية السلام غير ممكنة في ظل الانقسام، فالسلطة وفتح باتت لا تمثل الكل الفلسطيني وأي تسوية معها منقوصة، إضافة إلى أنها تنظر للرئيس عباس بأنه ضعيف عن تطبيق أي اتفاق تسوية، وتلاقى ذلك مع الرغبة الروسية لحضور أكبر في الشرق الأوسط من خلال الساحة الأكثر فعالية وهي الملف الفلسطيني.
الفلسطينيون ينقسمون بموقفهم من روسيا، حيث تلاقت رغبة الطرفان حماس وفتح الخصمان الأكبر في الشارع الفلسطيني في التوجه نحو روسيا لعقد لقاء ضم عديد الفصائل والتباحث في أمر المصالحة الفلسطينية، وتنظر الفصائل الكبرى لروسيا من عدة اتجاهات، حيث ما تزال حماس ترى في روسيا قوة اشتراكية مضادة للهيمنة الأمريكية، وقد رأينا في الفترة الأخيرة استحضارها لنماذج حركات التحرر الاشتراكيين، ووقوفها بتصريح صحفي مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في حين تبحث فتح التي تمثل السلطة عن أي وسيط جديد يخفف من التفرد الأمريكي في عملية السلام، تحقق من خلاله مكاسب لتمرير قرارات دولية داعمة لمواقفها ورؤيتها من السلام، وتوفر حماية ورعاية دولية أكثر حضوراً في الشارع الفلسطيني، وتقترب الجهاد الإسلامي في رؤيتها لروسيا من حماس.
فجوة في وجهات النظر الداخلية
ظهر حجم الفجوة بين الفصائل خصوصاً حماس وفتح في لقاءات موسكو، فقد حدثت مشادات كلامية حادة بين عضو اللجنة المركزية لفتح عزام الأحمد وعدة قيادات من الفصائل خصوصاً وفد حماس، ومع أن الأخيرة وافقت على النقاط المقدمة من حركة فتح والتي ظهرت في البيان الختامي للفصائل الفلسطينية إلا أن الجهاد الإسلامي رفضت بندين أساسيين هما: اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعي ووحيد دون ربط ذلك بإعادة بناءها وتطويرها وفق اتفاق القاهرة 2005، ورفضت البند الثاني المتعلق بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
مع أن لقاء موسكو قد تجاوز القرار الفتحاوي برفض الجلوس مع حماس حتى تسلم غزة، إلا أنها جلست دون أي شروط، قد يدفع ذلك الجهود المصرية من جديد
رغبة الأطراف جميعاً أولها الطرف الأممي متمثلاً بالمؤسسات الدولية ثم الاحتلال الإسرائيلي وكذلك روسيا وأمريكا بإنهاء الانقسام الفلسطيني وفق أي آلية معينة قد تبدو واضحة من خلال لقاءات موسكو، لأن جميع الأطراف قد ضاقت من مسألة تأثير الانقسام على مستقبل أي عملية تسوية بما يمثله من تمزق في النظام السياسي الفلسطيني ينعكس على حياة الناس خصوصاً في قطاع غزة، يضع الاحتلال الإسرائيلي في حرج دائم من المسألة الإنسانية في القانون الدولي، مع استمرار مسيرات العودة على الحدود التي تعري الاحتلال الإسرائيلي أكثر في السياق الدولي، كما أن الاحتلال الإسرائيلي يتخوف من انفلات الأمور في الضفة الغربية إذا دخلت مرحلة اللا نظام، لكن الأطراف نفسها لم تتفق على شيء في لقاءات موسكو، ولم تأخذ بطاقة العبور الدولي من جديد.
مصر كلمة السر في استكمال خطوات المصالحة
يبدو أن هناك توصية مصرية لحماس والجهاد في تبنى أن ترعى مصر استكمال حوارات المصالحة بين الفصائل، فقد رفضت فتح متمثلة بالسلطة في الآونة الأخيرة محاولات مصر لتقريب وجهات النظر قبل تسلم حماس غزة، وحاولت مصر مرات عديدة الضغط على فتح، وبعد عدم استجابة الأخيرة لمصر قدمت مصر تسهيلات أكثر لحماس من ضمنها فتح معبر رفح أمام حركة السفر للخارجين والعائدين دون وجود موظفي حكومة الوفاق الذين انسحبوا من المعبر بأمر من السلطة.
ومع أن البند الثاني في البيان الختامي لاتفاق موسكو نص على ” رفض تماماً الادعاءات الباطلة باستحالة التغلب على حالة الانقسام، ونؤكد على وحدتنا الوطنية الفلسطينية” إلا أن الواقع يشير لاستحالة التغلب على حالة الانقسام بسبب خلاف “التسليم والتسلم” وخلاف “مصادر المال والمانحين”.
رغبة موسكو أن تكون حاضرة في الملف الفلسطيني لحضور أكبر في المنطقة العربية لم يدفعها للدخول في تفاصيل وتعقيدات المشهد الفلسطيني، لكنها تحدثت بالاتفاق على عموميات تكمل من بعدها مصر محاولة جمع التفاصيل
ومع أن لقاء موسكو قد تجاوز القرار الفتحاوي برفض الجلوس مع حماس حتى تسلم غزة، إلا أنها جلست دون أي شروط، قد يدفع ذلك الجهود المصرية من جديد، وهنا يمكن الإشارة أن فتح وحماس تسعيان لوجود روسي ضروري في هذه الفترة تزامناً مع عقد مؤتمر وارسو في 13 و14 من شباط الحالي المنعقد والذي تنظمه أمريكا وبولندا، حيث سيبحث بشكل أساسي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المنطقة وأفق التسوية من وجهة النظر الأمريكية، وربط مسار الصفقة الجديد بمسار انشاء حلف ضد إيران، لكن روسيا الفاعل الدولي الثاني وذات التمدد المهم في الشرق الأوسط رفضت المشاركة في مؤتمر وارسو.
تدويل تبحث عنه الفصائل
رغبة موسكو أن تكون حاضرة في الملف الفلسطيني لحضور أكبر في المنطقة العربية لم يدفعها للدخول في تفاصيل وتعقيدات المشهد الفلسطيني، لكنها تحدثت بالاتفاق على عموميات تكمل من بعدها مصر محاولة جمع التفاصيل، لكن الشيطان دائماً يدخل في التفاصيل، فستبقى محادثات موسكو معلقة إن لم يتبعها اتفاق يختتم بمؤتمر دولي مالي ينقذ الفصائل والسلطة من أزمتها المالية الحالية.
لذلك تحدث البند السابع في البيان الختامي بشكل واضح وفق ما ورد “نرحب بإرادة المجتمع الدولي لمواجهة الإجراءات والحلول أحادية الجانب”، ثم البند التاسع “إبلاغ المجتمع الدولي في ذلك الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكافة المنظمات الإقليمية والدولية بنتائجه” يظهر ذلك رغبة الأطراف في تدويل قضية الانقسام لتأخذ رعاية أكبر من مصر لوحدها بما يضمن مسار المال والضغط على كافة الأطراف، ولا تبدو الأطراف خائفة من مؤتمر دولي جامع، يحقق رغبتهم في تخفيف الضغط الأمريكي.
روسيا تتحرك وفق رغبتها بدور فاعل أكبر لكنها لا تتجاوز الخطوط الحمراء للاحتلال الإسرائيلي.
تخوف الفصائل من الانتخابات في شكلها الحالي لا يعني عدم رغبتها الذهاب إليها، فقدرتها غير رغبتها، وإن كانت الساحة الفلسطينية عاجزة عن إجراء انتخابات ديمقراطية جديدة تعيد توحيد النظام السياسي الفلسطيني، إلى أن حماس التي تبحث عن شرعية دولية جديدة، وفتح التي تبحث عن تخفيف الضغط الأمريكي ومقاومة الابتزاز المالي يدفع باتجاه أن تلعب روسيا دوراً أكثر فعالية في طرح ملف التدويل للقضية.
وهو أمر بعيد المنال أمام السياسة الإسرائيلية التي تعتمد على الوقت لتذويب القضية أكثر، وانهاك الطرفين للقبول بالحد الأدنى من التنازلات الإسرائيلية، وهنا يمكن الإشارة أن روسيا تتحرك وفق رغبتها بدور فاعل أكبر لكنها لا تتجاوز الخطوط الحمراء للاحتلال الإسرائيلي.