ما انفك ملف شرق الفرات شمالي شرقي سوريا، ومستقبل المنطقة، بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الإنسحاب من سوريا، تشغل بال المتابعين للشأن السوري، خاصة وأن المنطقة هي الوحيدة الخارجة عن الصراع بين المعارضة السورية المسلحة والنظام السوري، والذي يدار حالياً عبر اجتماعات سوتشي بإدارة كل من تركيا وروسيا وإيران، فالوجود الأمريكي على الأرض، إضافة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المنطقة كقوة محلية غير محسوبة لا على النظام ولا على المعارضة عقد الوضع فيها.
اليوم تطرح البدائل لملء الفراغ الذي يحدثه الانسحاب الأمريكي الذي يبدو أنه بات وشيكاً، وإن لم يكن بالانسحاب الكامل حسب ما تم الإعلان عنه، ولعل أهم الطروحات وأحدثها هو موضوع نشر قوات من بيشمركة روجافا وهي القوات الكردية التي تتشكل من مقاتلين انشقوا عن النظام السوري ولجؤوا إلى إقليم كردستان العراق و تدربوا هناك، إلى جانب قوات من العشائر العربية من أبناء المنطقة، ليكونوا قوة عسكرية تنتشر على الحدود مع تركيا، التي تعلن بشكل رسمي رفضها لبقاء قوات سوريا الديمقراطية كقوة عسكرية على حدودها الجنوبية.
في السياق ذاته، زار وفد من المعارضة السورية برئاسة نصر الحريري رئيس هيئة المفاوضات السورية المعارضة عاصمة إقليم كردستان العراق أربيل، وعقدت اجتماعات مع الرئيس السابق للإقليم وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم مسعود بارزاني، وفي خضم الزيارة تم طرح المقترح على قادة الإقليم، وذلك حسب تصريحات لعضو الوفد وعضو أمانة تيار الغد قاسم الخطيب، تيار الغد الذي تطرح ذراعه العسكرية المسماة قوات النخبة لتكون ضمن القوات العربية التي ستنتشر في المنطقة.
دور قوات النخبة وتيار الغد برئاسة أحمد الجربا يدور في فلك السعودية التي تطمح لتكون مديرة عمليات إعادة الإعمار في المنقطة
حتى الآن لا تصريحات رسمية صدرت عن قوات البيشمركة بهذا الخصوص عدا عن تصريح للقيادي في البيشمركة دلوفان روباري لصحيفة الشرق الأوسط الذي أبدى استعداد القوات للانتشار في المنطقة في ذات الوقت الذي أكد عدم وجود خطة واضحة للانتشار حتى الآن.
تحرك المعارضة السورية في هذا الاتجاه يشي بموافقة تركيا-سعودية لهذا الطرح، فهيئة المفاوضات إن صح التعبير تتقاسمها كل من تركيا والسعودية، وتحركها باتجاه أربيل لطرح هكذا مقترح لن يحصل إلا بوجود موافقة مبدئية على أقل تقدير لهذا المقترح، وما يؤكد ذلك تصريحات وفد المعارضة الذي زار أربيل بضرورة «إبعاد مقاتلي حزب العمال الكردستاني الموجودة في شرق الفرات» وهذا مطلب تركي ملح وتؤكد عليه أنقرة ويعتبر الحجة الأبرز لها في تهديدها باجتياح المنطقة في حال لم يصار إلى توافق على تغيير الواقع الحالي للمنطقة والقوة المسيطرة عليه.
فيما تدور قوات النخبة وتيار الغد برئاسة أحمد الجربا يدور في فلك السعودية التي تطمح لتكون مديرة عمليات إعادة الإعمار في المنطقة، وكانت لزيارات المسؤولين السعوديين خلال العامين الفائتين رسائل واضحة بهذا الخصوص.
في ذات السياق، لن تجد الولايات المتحدة الأمريكية ضيراً في هكذا طرح، إذا ما أخذنا بالحسبان أنها تود أن تحافظ على شعرة معاوية بينها وتركيا حليفها الاستراتيجي في حلف الناتو، وأيضاً حليفها في الشرق الأوسط المتمثل بالسعودية، وقوات البيشمركة المؤتمرة بأوامر بارزاني حليف الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.
تدرك قوات سوريا الديمقراطية إن الاحتكام للصراع العسكري مع تركيا، لن يحمي مناطق سيطرتها، خاصة إذا ما تم ذلك بضوء أخضر من واشنطن التي لم تبد حتى الآن موقفاً حازماً من التهديدات التركية
إذن، يظل تطبيق هكذا طرح رهناً بموافقة قوات سوريا الديمقراطية صاحبة السيطرة الفعلية على المنطقة، والتي يبدو أن الجميع متفق على عدم نجاعة العمليات العسكرية لإخراج المنطقة من سيطرتها، فتحول المنطقة إلى ساحة حرب سيعطي المجال للنظام السوري وروسيا وإيران للتحرك واقتناص الفرصة للسيطرة على المنطقة، خاصة وأن روسيا لوحت قبل الآن بالاحتكام للقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة بين النظام السوري وتركيا وأبرزها اتفاق أضنة، الأمر الذي يعطي المجال لعودة النظام إلى المنطقة دون قتال، وهذا ما لاتريده الأطراف الأخرى.
من جانبها، تدرك قوات سوريا الديمقراطية إن الاحتكام للصراع العسكري مع تركيا، لن يحمي مناطق سيطرتها، خاصة إذا ما تم ذلك بضوء أخضر واشنطن التي لم تبد حتى الآن موقفاً حازماً من التهديدات التركية، لا بل يظهر من تحركها أنها تحاول إرضاء جميع الأطراف.
يبدو سيناريو انتشار قوات مشتركة كردية-عربية بتوافق جميع الأطراف السيناريو الأنجع لدرء خطر تحول المنطقة إلى ساحة حرب، لكن يتوقف ذلك على مدى متانة أي اتفاق يحصل بين الأطراف مجتمعة
لم تعلن قوات سوريا الديمقراطية أي موقف رسمي حتى الآن من هذا الطرح، ولا تزال دبلوماسية مجلس سوريا الديمقراطية الغطاء السياسي للقوات تتحرك بين موسكو وواشنطن للحصول على العرض الأفضل والتي يبدو أنها لم تحصل عليه حتى الآن.
في ضوء ذلك، يبدو سيناريو انتشار قوات مشتركة كردية-عربية بتوافق جميع الأطراف السيناريو الأنجع لدرء خطر تحول المنطقة إلى ساحة حرب، لكن يتوقف ذلك على مدى متانة أي اتفاق يحصل بين الأطراف مجتمعة، في انتشار قوات عسكرية قوامها ما يقارب العشرين الف مقاتل في منطقة تعج بالمقاتلين أساساً، يحتاج لضمانات تمنع أي صدام بين القوى العسكرية المحتمل انتشارها في المنطقة، خاصة وأن هذه القوات تتبع لتيارات وأيديولوجيات مختلفة عن بعضها البعض، ويبقى الرهان على مدى واقعية تقديرات مديري المعركة الدبلوماسية ونجاعة مقارباتها، للوصول لحلول تحمي المنطقة من أتون حرب قد يخرج منها الجميع خاسراً وإن كانت نسب الخسارة متفاوتة