بعد نحو 48 ساعة فقط من إعلان فوز المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، بالسباق إلى البيت الأبيض، فجّرت وكالات ووسائل إعلام أمريكية مفاجأة بشأن إحباط محاولة اغتيال للرئيس المنتخب، تُعد الثانية منذ ترشيحه رسميًا لخوض الانتخابات بعد محاولة أولى في يوليو/تموز، عندما تعرض لإطلاق نار خلال حشد انتخابي بولاية بنسلفانيا.
مساء الجمعة الماضي، كشفت وزارة العدل الأمريكية عن “مؤامرة إيرانية” لقتل ترامب، واتهمت رجلًا خمسينيًا قال إن مسؤولًا إيرانيًا كلفه قبل الانتخابات، بالتخطيط لاغتيال الرئيس الجمهوري.
ووفقًا لتفاصيل ذكرتها وكالة “أسوشيتد برس”، فإن مواطنًا أفغانيًا يُدعى فرهاد شاكري، أقر بالتعامل مع مسؤول بالحرس الثوري الإيراني، أصدر له تعليمات في سبتمبر/أيلول الماضي، بوضع خطة في غضون سبعة أيام لمراقبة ترامب وقتله في النهاية.
ولا يزال شاكري طليقًا في إيران، وجاء كشفه لتفاصيل اغتيال ترامب في سلسلة من المقابلات الهاتفية المسجلة مع عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأخبر المحققين أن السبب المعلن لتعاونه كان محاولة الحصول على عقوبة سجن مخففة لأحد مساعديه المسجونين حاليًا في الولايات المتحدة.
واعتقل مساعد شاكري إلى جانب شخص آخر بتهمة محاولة قتل الصحفية الإيرانية الأمريكية البارزة، مسيح علي نجاد، التي تعرضت بالفعل لعدة محاولات اغتيال في السابق.
وبحسب ما أبلغ به شاكري (51 عامًا) المحققين، فقد قال للمسؤول الإيراني إن هذه العملية “تكلّف الكثير من المال”، فرد عليه المسؤول: “لقد أنفقنا بالفعل الكثير من المال.. المال ليس مشكلة”.
وأوضح شاكري للمحققين أن المسؤول أبلغه بأنه إذا لم يتمكن من وضع خطة في غضون الإطار الزمني المحدد بسبعة أيام، فسيتم إيقاف مؤامرة الاغتيال مؤقتًا إلى ما بعد الانتخابات، لأن المسؤول افترض أن ترامب سيخسر، وسيكون من الأسهل قتله حينها.
وحسب الشكوى الجنائية التي تم الكشف عنها في محكمة فيدرالية بولاية مانهاتن، فإن شاكري مواطن أفغاني هاجر إلى الولايات المتحدة عندما كان طفلًا، ثم تم ترحيله عام 2008 بعد أن أمضى 14 عامًا في سجون ولاية نيويورك بعد إدانته بالسرقة في عام 1994، واستخدامه لشبكة من الشركاء الإجراميين في أثناء وجوده بالسجن لتزويد الحرس الثوري الإيراني بعملاء مأجورين لتنفيذ عمليات مراقبة واغتيالات.
من جانبها قالت صحيفة “نيويورك تايمز”، إن هذا الادعاء بشأن خطة لقتل ترامب، يعد أحدث تطور “مثير للقلق” لمسؤولي الأمن الأمريكيين، الذين كانوا قلقين من تصعيد إيراني للعنف داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك ضد الرئيس المنتخب، الذي كان عدوًا لدودًا لطهران.
ويبدو نشر التفاصيل الكاملة للقضية متأخرًا نسبيًا مع حجم التهديدات التي تلاحق ترامب، ما يثير تساؤلات عن سبب التأخر في رفع الشكوى إلى ما بعد إعلان نتائج الانتخابات.
ويعتقد الدكتور علاء السعيد، المتخصص في الشأن الإيراني والخبير بالمنتدى العربي لبحث وتحليل السياسات الإيرانية، أن مثل هذه القضايا لا يتم الكشف عنها عادةً حال وقوعها، وتُعلن التفاصيل بعد التأكد من إحباطها أو اكتمال أركانها وكشف المتورطين بها. ولا يمكن لإدارة بايدن، بحسب السعيد، أن تتكتم على قضية بهذا الحجم، لأنها لا تخص ترامب وحده، إنما تخص الولايات المتحدة كدولة.
خطة الاغتيال حقيقية؟
ترتبط الولاية الأولى لترامب، بعدة قرارات استهدف فيها إيران بشكل غير مسبوق، يتعلق الأول بالانسحاب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وذلك في مايو/أيار 2018، وفرض سلسلة عقوبات مشددة ضد طهران تحت عنوان “الضغط الأقصى” لدفع إيران إلى تنفيذ عدة مطالب.
أما الحدث الثاني، فيتعلق باغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، مطلع عام 2020، في ضربة بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد، رفقة زعيم الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، ومنذ ذلك التاريخ، أصبح ترامب تحت تهديدات ووعيد من قادة عسكريين إيرانيين، تعهدوا بـ “الثأر” لاغتيال سليماني.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، قالت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، إن المسؤولين الأمريكيين توصلوا إلى حقيقية مفادها أن إيران لا تماطل ولن تستسلم بشأن التهديدات المتكررة بقتل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وبعض كبار جنرالاته السابقين، ردًا على اغتيال سليماني، وأوضحت الصحيفة أن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية أبلغوا حملة ترامب، في سبتمبر/أيلول، بتهديدات إيران باغتيال ترامب، حيث قالت الحملة إنهم تلقوا تحذيرات من أن التهديد “اشتدّ في الأشهر القليلة الماضية”، ويُلاحظ هنا أن تاريخ الإبلاغ موافق للتاريخ الذي ذكره المتّهم شاكري في إفادته، حين أبلغه المسؤول الإيراني بوضع خطة الاغتيال.
قبل أيام من تقرير “بوليتيكو”، وتحديدًا في 15 أكتوبر/تشرين الأول، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض شون سافيت، إن الإدارة الأمريكية تتابع تهديدات إيران للمرشح الرئاسي – آنذاك – دونالد ترامب، عن كثب منذ سنوات، وحذّر طهران من “عواقب وخيمة” إذا هاجمت أي مواطن أمريكي.
وأشار سافيت في بيان، إلى أن المؤسسات التي تتعامل مع التهديدات “توفر باستمرار وسرعة المعلومات اللازمة للوحدات المعنية بأمن ترامب”، دون أن يكشف عن معلومات استخباراتية بهذا الشأن.
غير أن إيران نفسها رفضت، في أغسطس/آب أغسطس، ادعاءات بأنها “مرتبطة بخطط اغتيال مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى” بينهم دونالد ترامب، في رد للبعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة على ادعاء وزارة العدل الأمريكية بأن باكستانيًا متهمًا بالتخطيط لاغتيال كبار المسؤولين الأمريكيين في البلاد، له صلات بطهران.
وفي أول رد من طهران على الشكوى الجنائية الأمريكية، نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، ما أسماها “المزاعم المتكررة بضلوع إيران في محاولة اغتيال بعض المسؤولين الأمريكيين”.
وقال بقائي بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”، إن “تكرار هذا الادعاء في الوقت الحالي مؤامرة مقززة من الأوساط الصهيونية والمناهضة لإيران لتعقيد القضايا بين الولايات المتحدة وإيران”، معتبرًا أن الادعاء بدور إيراني في محاولة اغتيال مسؤولين أمريكيين سابقين أو حاليين “لا أساس له من الصحة ومرفوض تمامًا”.
ويذهب المحلل السياسي، الدكتور بسام العموش، إلى استبعاد ضلوع إيران بخطة من هذا النوع تسعى لاغتيال ترامب، مؤكدًا بالقول: “لا تجرؤ إيران على أي عمل بهذا المستوى”.
وفي حديثه لموقع “نون بوست”، يقدّم العموش تفسيرًا لرأيه، قائمًا على النظر في سياق العلاقة بين أمريكا وإيران منذ العام 1979، حيث “كان التمثيل الإعلامي سيد الموقف خلال 45 عامًا، ولم يقع صِدام مباشر وحقيقي بين الطرفين، إنما هناك تنسيق سابق في العمل معًا على إسقاط نظام صدام حسين، وكذلك العمل معًا في أفغانستان”، بينما نقطة الخلاف الوحيدة بين الطرفين هي البرنامج النووي الإيراني، وفق رأيه.
وخلاف ذلك يعبّر الدكتور السعيد عن اعتقاده بأن خطة الاغتيال حقيقية، كنتيجة الاغتيالات التي سبق تنفيذها إبان حكم ترامب، ومُجمل القرارات التي اتخذها ضد إيران، وخوفًا من سياسات أكثر تشددًا قد يتخذها ترامب ضد طهران.
كيف سترد واشنطن؟
ورغم أن ترامب تعهّد، في يوليو/تموز الماضي، بـ”إحلال السلام بالشرق الأوسط”، خلال لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما حذر من “حرب عالمية ثالثة” في حال عدم فوزه بالانتخابات، فإن سياسته تجاه إيران، تبقى الاستثناء الوحيد من حديثه عن السلام العالمي، وهذا ما يفسره تصريحه في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أكد أن على “إسرائيل” ضرب المنشآت النووية في إيران، ردًا على هجوم أطلقته الأخيرة تجاه الدولة العبرية في مطلع الشهر نفسه، وهذا ما يؤشّر على اتباع سياسة أكثر تشددًا تجاه طهران.
رغم تصريحه في يوم بدء الانتخابات بأن “الولايات المتحدة لا تسعى لإلحاق الأذى بإيران، وتريدها أن تكون دولة ناجحة”، فيما يرى مقال في مجلة “إيكونوميست” البريطانية، أن حلم بنيامين نتنياهو بضرب منشآت إيران النووية – وهو ما واجه فيتو قويًا من إدارة بايدن – قد يتحقق في عهد ترامب.
ووفقًا لذلك، يجزم الدكتور العموش، بأن اندلاع مواجهة مباشرة بين واشنطن وطهران أمر غير وارد، مؤكدًا وجود “تفاهمات تحت الطاولة”، وأن الحرب لو كانت واردة، لحصلت قبل هذا الاتهام لإيران، مع إمكانية فرض المزيد من العقوبات ضد مسؤولين إيرانيين، بحسب رأيه.
من جانبه يستبعد السعيد أي تحرك عسكري أمريكي في الوقت الراهن للرد على محاولة الاغتيال، مضيفًا: “سيتم اتخاذ إجراءات قانونية ضد المخططين، وسيكون هناك عقوبات تطال المسؤولين في عملية الاغتيال، ومن لم يتم القبض عليه سيتم إدراجه في لائحة المطلوبين”.
غير أن هذا المخطط سيترك – بحسب السعيد – أثرًا في سياسة ترامب المستقبلية تجاه إيران، وقد تكون العملية “ذريعة لزيادة ورفع سقف العقوبات ومساعدة الكيان الإسرائيلي في عملياته بالداخل الإيراني”، ويستأنف: “الواضح أن فترة ولاية ترامب الثانية ستشهد أحداثًا قوية ضد إيران وميليشياتها لم تكن لتحدث إبّان حكم الديمقراطيين”.