يعد ملف إعادة العوائل العراقية من مخيم الهول في سوريا من أبرز التحديات الإنسانية والأمنية التي تواجه الحكومة العراقية في الوقت الراهن، حيث تعمل بالتعاون مع المنظمات الدولية، على تأهيل هذه العوائل ودمجها في مجتمعاتها الأصلية، بعد سنوات من النزوح واللجوء في المخيمات.
ومع الجهود المبذولة، يواجه الملف عددًا من التحديات الأمنية والاجتماعية، وسط انتقادات واسعة بسبب التأخر في التنفيذ واستخدام الملف لتحقيق مكاسب سياسية، ما يزيد من تعقيد الوضع.
اتفاقية أممية
في إطار ذلك، وقّع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع الحكومة الإيطالية اتفاقية بقيمة 3 ملايين يورو تهدف إلى دعم إعادة الإدماج المستدام للمواطنين العراقيين العائدين من مخيم الهول شمال شرق سوريا، وخاصة النساء والأطفال الذين تضرروا جراء الصراع.
وأشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية “واع”، إلى أن العائدين، الذين قضى العديد منهم سنوات في مخيمات مغلقة ومراكز احتجاز، يواجهون تحديات إنسانية وأمنية كبيرة تتمثل في صعوبة الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى معاناتهم من الصدمات النفسية والعنف.
وأوضح البيان أن المشروع الجديد سيعمل على تلبية الاحتياجات العاجلة وطويلة الأمد لهؤلاء العائدين، مع التركيز على إعادة إدماجهم من خلال تمكينهم اقتصاديًا، وتوفير فرص كسب العيش، وتعزيز الصحة النفسية، إلى جانب خلق بيئة مجتمعية داعمة تسهّل تقبلهم واندماجهم.
وسيسلط المشروع الضوء على دور قادة المجتمع المحلي في تعزيز التماسك المجتمعي وبناء الثقة والمصالحة، ما يضمن عملية إدماج شاملة ومستدامة للعائدين، كما ستشمل الجهود إشراك لجان السلام ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز الشعور بالانتماء وتحقيق الاستقرار في المجتمعات المحلية.
وأكد نائب الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ساشا غرومان، أن “الشراكة تمثل خطوة مهمة نحو معالجة التحديات المعقدة التي يواجهها العائدون ومجتمعاتهم“.
من جانبها، أعربت القائمة بالأعمال في السفارة الإيطالية، كيارا فرانتشيني، عن أهمية المشروع في تعزيز الثقة والتماسك المجتمعي، مشيرة إلى أنه يعكس القيم المشتركة بين إيطاليا والعراق في احترام الكرامة الإنسانية وضمان الحق في العودة الآمنة.
وأكد البيان أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحكومة الإيطالية ملتزمان بتعزيز التعاون مع الحكومة العراقية لضمان التنفيذ الفعّال لهذا المشروع، ما يمهد الطريق لمستقبل أفضل للعائدين من مخيم الهول وللمجتمعات التي تستقبلهم.
أكبر عملية إدماج
تأتي هذه الجهود كجزء من استراتيجية عراقية أوسع تهدف إلى إعادة بناء النسيج الاجتماعي وضمان عودة آمنة ومستدامة للعوائل المتأثرة بالنزاعات.
وأكد مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، أن جميع العائدين من مخيم الهول يخضعون لبرنامج شامل للتأهيل النفسي قبل دمجهم في المجتمع. وأوضح في حديثه لوكالة “شفق نيوز” المحلية، أن هؤلاء الأفراد يتم تدقيق أوضاعهم الأمنية من خلال فرق متخصصة، ومن ثم نقلهم إلى مخيم الجدعة في الموصل، ليتم إخضاعهم لبرامج التأهيل النفسي والاجتماعي بإشراف وزارة الهجرة والمهجرين وبمشاركة خبراء من مختلف التخصصات والوزارات.
وأضاف الأعرجي أن تقييم الأفراد يتم بالتعاون مع الإدارات المحلية والعشائر وقادة المجتمع المدني، لضمان جاهزيتهم للاندماج الكامل في مجتمعاتهم الأصلية، كاشفًا عن إعادة أكثر من 2000 عائلة من مخيم الجدعة إلى مناطقهم الأصلية بعد إتمام برامج التأهيل، بينما لا تزال 600 عائلة تخضع للبرنامج نفسه تمهيدًا لدمجهم.
من جانب آخر، دعا نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، فؤاد حسين، الدول الأوروبية إلى التعاون مع العراق من خلال تسلّم رعاياها المحتجزين في مخيم الهول، خاصةً ذوي تنظيم داعش، في خطوة تهدف إلى تخفيف العبء عن العراق وضمان التعامل مع هذه الحالات وفق إطار دولي منظم.
خطط متأخرة
رغم الجهود الحكومية المتسارعة في السنوات الأخيرة لإعادة النازحين من مخيم الهول وإدماجهم في المجتمع العراقي، لا تزال هذه الخطط تواجه انتقادات عدة، أبرزها التأخر في التنفيذ ومحدودية الفعالية على مستوى القبول المجتمعي.
ويرى الناشط الإغاثي أركان الراوي أن التحركات الحكومية الأخيرة لإعادة النازحين كانت مدفوعة بالضغوط الدولية والرغبة في إغلاق ملف المخيمات نهائيًا.
وفي حديثة لموقع “نون بوست” يشيد الراوي بجدية الإجراءات في العامين الماضيين، خصوصًا فيما يتعلق بإخضاع العائدين لبرامج شاملة تشمل الدعم النفسي والقانوني والتي تمثل خطوة إيجابية لضمان إعادة التأهيل قبل عودتهم إلى المجتمع المضيف.
ويلفت إلى التحديات الكبرى التي تواجه العائدين، فالعديد من أفراد المجتمع المضيف ينظرون بعين الشك والحذر إلى هؤلاء، خاصة في المناطق التي شهدت انتهاكات جسيمة ارتكبها تنظيم داعش، والذي ينتمي إليه بعض أفراد العوائل العائدة.
هذا الأمر، بحسب الراوي، خلق فجوة مجتمعية زادت من صعوبة الإدماج، مشيرًا إلى أن بعض السكان في المناطق المتضررة يعانون من ذكريات أليمة تجعل قبول العائدين مسألة شديدة التعقيد.
ويشدد الراوي على أهمية إشراك المجتمع المحلي في برامج المصالحة، حيث تشكل لجان السلام التي تضم شيوخ العشائر والسلطات المحلية أداةً فعالةً لإعادة بناء الثقة بين العائدين والمجتمع.
واعتبر الراوي تصريحات وزارة الهجرة بشأن إنهاء ملف النازحين وإغلاق المخيمات بالكامل بحلول عام 2025، تعكس التزامًا حكوميًا بطيّ صفحة النزوح، لكنه شدد على أن التحديات التي تواجه العائدين في سوق العمل والمجتمع قد تعيق تحقيق هذا الهدف بالكامل، داعيًا إلى ضرورة توسيع برامج الدعم وتمويلها لضمان استدامة عملية الإدماج.
ورقة ضغط سياسية
بات ملف إعادة العوائل من مخيم الهول في سوريا يأخذ أبعادًا تتجاوز كونه إنسانيًا أو أمنيًا، ليصبح أداة للضغط السياسي في المشهد العراقي، ما يُعمّق الجدل حول نوايا الأطراف الفاعلة فيه.
وينتقد الصحفي والكاتب العراقي، سلام خالد، تسييس الملف واستخدامه كورقة ضغط بين القوى السياسية، خاصة ضد الأحزاب السنية التي تواجه حرجًا في التعامل معه، بالنظر إلى أن أغلب العوائل العائدة تنتمي للمحافظات السنية.
وأوضح في حديثه لـ”نون بوست” أن المجتمعات المضيفة تواجه صعوبة في تقبل هذه العوائل بسبب ارتباط بعضها بتنظيم داعش، ما يتطلب جهودًا كبيرة لتعزيز التفاهم والمصالحة، وعدّ البرامج القائمة غير كافية لتجاوز النظرة الدونية التي يعاني منها العائدون، داعيًا إلى تبني خطة شاملة تجمع بين الجهود الحكومية والمجتمعية والدولية.
واشار خالد إلى أنه حضر العديد من الاجتماعات المتعلقة بإعادة العوائل من مخيم الهول إلى العراق، واطلع عن كثب على الإجراءات الأمنية والاجتماعية المعتمدة.
ويصف خالد الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية، مثل منظمة الهجرة، بأنه مهم لكنه غير كافٍ، مشيرًا إلى أن هذه المنظمات تتحمل جزءًا من المسؤولية عن بطء العملية، حيث إن الدورات وورش العمل وبرامج التأهيل التي تقدمها لم تُترجم إلى تقدم ملموس على الأرض.
وينوّه خالد إلى أن التعقيدات الإقليمية والدولية ومخاوف الحكومة السورية والمنظمات المسيطرة على منطقة مخيم الهول دفعت الحكومة العراقية إلى تسريع وتيرة إعادة هذه العوائل.
يتضّح مما سبق أن غياب الاستراتيجية الواضحة والاهتمام الجاد بالمصالحة المجتمعية قد يجعل هذه الجهود الحكومية بلا جدوى، ما يهدد بعودة الأزمات الأمنية والاجتماعية في المستقبل.