ترجمة وتحرير: نون بوست
أثِير الجدل مؤخرًا حول مدى نفوذ جماعة الضغط الموالية لـ”إسرائيل” في واشنطن، بعد أن ردت النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا إلهان عمر بحدة عن التقارير التي تفيد بأن القيادي الجمهوري كيفين مكارثي كان يستهدفها هي وزميلتها المسلمة رشيدة طليب، عضوة الحزب الديمقراطي عن ولاية ميشيغان.
اقتبست عمر كلمات من أغنية راب تقول “كل شيء يدور حول طفل بنيامين”، مشيرة بذلك إلى أن الدافع وراء التحرك الذي قام به مكارثي هو الأموال الطائلة التي تضخها جماعة الضغط الموالية لـ”إسرائيل”. وردا على السؤال المتعلق بالطرف الذي كانت تشير إليه بالتحديد، أجابت عمر “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “أيباك!”.
من المرجح أن التحقيق الذي أجرته قناة “الجزيرة” حول مدى تأثير الجماعات الموالية لـ”إسرائيل” في السياسة الأمريكية قد أثار جدلا واسعا، حيث تسلل مراسل متخفيًا إلى “مشروع إسرائيل”، وهي منظمة غير حكومية وغير ربحية مقرها واشنطن. وعلى مدى ستة أشهر خلال سنة 2016، سجل هذا الصحفي بشكل سري محادثات حول الإستراتيجية السياسية لهذه المنظمة ونفوذها. ومع ذلك، لم تبث الشبكة هذا التحقيق إلى حد الآن، بسبب الضغوطات التي مارستها جماعة الضغط الموالية لـ”إسرائيل” للإلغاء بثه.
وصف ديفيد أوشز، مؤسس منظمة “هاليف” بأن جماعة الضغط المؤيدة لـ”إسرائيل” لا تستطيع تنفيذ أجندتها دون إنفاق الأموال
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حصل موقع “الانتفاضة الإلكترونية” على الفيلم الوثائقي الذي يتضمن أربعة أجزاء ونشرها خلال الأسبوع الذي أُجريت فيه الانتخابات النصفية الأمريكية، لذلك لم يحظى بالكثير من الاهتمام في ذلك الوقت. وفي هذا الفيلم الوثائقي، تحدث قادة هذه الجماعة المؤيدة لـ”إسرائيل” بشكل علني عن كيفية استخدام هذه المنظمة للأموال للتأثير على العملية السياسية في الولايات المتحدة. وكانت تصريحاتهم فظة للغاية لدرجة أنه لو أدلى بها المنتقدون لوقع اتهامهم بمعاداة السامية.
في حديثه مع المراسل، وصف ديفيد أوشز، مؤسس منظمة “هاليف” التي تساعد على إرسال الشباب إلى مؤتمر أيباك السنوي، كيف تنظم “أيباك” ومانحوها عمليات جمع التبرعات خارج المظلة الرسمية للمنظمة، حيث لا تظهر الأموال في السجلات بأنها متأتية من “أيباك” بالتحديد.
في سياق متصل، أشار أوشز إلى المجموعة التي تنظم عمليات جمع التبرعات في كل من واشنطن ونيويورك قائلا: “هذه هي أكبر مجموعة سياسية مخصصة لهذا الغرض، وهي بالتأكيد تعتبر المجموعة الأغنى في العاصمة”، مضيفًا أنه ليس لها اسم رسمي لكنها مرتبطة بشكل واضح بمنظمة “أيباك”. وأكد أوشز: “إن مجموعة أيباك تصنع الفارق حقا. فهي أفضل طريقة لاستثمار الأموال، كما أن شبكاتها هائلة ومترامية الأطراف”. وتجدر الإشارة إلى أن أوشز وأيباك رفضا التعليق على هذه الادعاءات.
من جهة أخرى، نوه أوشز بأن جماعة الضغط المؤيدة لـ”إسرائيل” لا تستطيع تنفيذ أجندتها دون إنفاق الأموال، حيث قال إن “أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ لن يفعلوا أي شيء ما لم تضغط عليهم، وفي حال لم تمارس عليهم ضغوطا، يعرقلون الأمور والطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي المال”.
في أعقاب تغريدة لـ إلهان عمر، أفادت صحيفة “واشنطن بوست” بأن “اللجنة اليهودية الأمريكية طالبت عمر بالاعتذار، واصفة إيحاءها بأن أيباك تدفع للسياسيين الأمريكيين مقابل دعمهم بأنه “كذب واضح ومعادي للسامية بشكل مذهل”
لقد اعتبر أوشز منظم حملة جمع التبرعات أنتوني براون، وهو ديمقراطي رشح نفسه للكونغرس عن ولاية ماريلاند، مثالا يحتذى به، حيث قال: “نريد من المجتمع اليهودي المواجهة وجها لوجه في هذا التجمع الصغير الذي يضم 30 أو 40 أو 50 شخصا، وإخبارهم ‘بأهمية الأمر بالنسبة إلينا. ونريد التأكد من أنه لو دعمناهم بالمال فإنهم سيفرضون صفقة إيران’. وبهذه الطريقة، عندما يريدون أمرا منه أو منها، مثل الصفقة الإيرانية فإنهم سيقومون بالتعبئة ويقولون له، انظر نتبرع لك بـ 30 ألف دولار، وفي الواقع، لهذا الأمر أثر كبير”.
إن هذا الادعاء لا يختلف كثيرا عما تحدثت عنه إلهان عمر، التي تلقت نقدا لاذعا على خلفية ذلك. ففي أعقاب تغريداتها، أفادت صحيفة “واشنطن بوست” بأن “اللجنة اليهودية الأمريكية طالبت عمر بالاعتذار، واصفة إيحاءها بأن أيباك تدفع للسياسيين الأمريكيين مقابل دعمهم بأنه “كذب واضح ومعادي للسامية بشكل مذهل”. وهو الأمر الذي جعل عمر تعتذر يوم الاثنين عن تغريداتها، لكنها أصرت على رأيها بأن أيباك وغيرها من جماعات الضغط الأخرى تضر بالسياسة الأمريكية.
في هذا الفيلم الوثائقي الخاضع للرقابة، واصل أوشز وصف حملة جمع التبرعات التي استضافها جيف تالبينز، أحد كبار مديري الحافظات الوقائية، قائلا: “عندما نكون في نيويورك مع جيف تاليبنز لا نتحدث عن أي شيء يتعلق بالفلسطينيين. أتعلم لماذا؟ لأنه موضوع غير مهم، فالأهم هو إيران”. وأضاف أوشز أن “ما يجري هو أن جيف يُجري لقاءات مع النواب في الغرف الخلفية، ويتحدث معهم عن الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها، في المقابل يقوم هؤلاء النواب بتقديم مغلفات تحتوي على 20 بطاقة ائتمانية، تحتوي كل منها على ألف دولار، مع العلم أن ثروة تالبينز تبلغ 250 مليون دولار”.
بالإضافة إلى ذلك، شرح أوشز أن “الدخول إلى النادي في نيويورك يتطلب التعهد بدفع مبلغ لا يقل عن 10 آلاف دولار للانضمام والمشاركة في مثل هذه الفعاليات. ولكن بعض الأشخاص يقدمون بأكثر من ذلك”. تدعو منظمة أيباك لعضوية نادي الكونغرس على الموقع الخاص بها، وتلتزم بدفع خمسة آلاف دولار لكل دورة انتخابية.
عرضت الجزيرة فيلما مشابها عن اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، الذي أثار جدلا كبيرا. فقد كشف هذا الفيلم مؤامرة دبرها مسؤول في السفارة الإسرائيلية في المملكة المتحدة تهدف للإطاحة بنواب البرلمان المؤيدين لفلسطين، مما أدى إلى استقالته.
خلال حوار أجراه مع مراسل من “الجزيرة”، صرح المسؤول البارز في “أيباك” إريك غالاغر، الذي تقلد منصبه بين سنة 2010 و2015، بأن “أيباك تحقق نتائج رائعة لـ”إسرائيل”، على غرار تقديم مساعدة عسكرية تقدر بحوالي 38 مليار دولار”. وألمح غالاغر خلال لقاء تم تسجيله سرا عند تناول الغداء إلى أن “كل جهود أيباك تهدف بشكل أساسي للتأثير على الكونغرس”.
كان الفيلم الذي أنتجته وحدة التحقيق التابعة للجزيرة بعنوان “اللوبي”، وتم تسجيل مقاطع منه من خلال كاميرا خفية استخدمها محقق تخفى بصفته يهوديا مؤيدا لـ”إسرائيل” من بريطانيا، حيث ادعى أنه يريد الانضمام لمنظمة “إسرائيل بروجيكت”. وفي شقته الفاخرة في دوبونت سيركل، استضاف هذا المراسل عدة اجتماعات ما أتاح له الاندماج داخل المجتمع المؤيد لـ”إسرائيل”، وكسب ثقة كبار المسؤولين الذين كشفوا له الكثير من المعلومات المهمة الداخلية، التي تم تسريب الكثير منها لتتصدر عناوين الأخبار الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، عرضت الجزيرة فيلما مشابها عن اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا، الذي أثار جدلا كبيرا. فقد كشف هذا الفيلم مؤامرة دبرها مسؤول في السفارة الإسرائيلية في المملكة المتحدة تهدف للإطاحة بنواب البرلمان المؤيدين لفلسطين، مما أدى إلى استقالته.
لقد عرض الفيلم لقطات من الولايات المتحدة أثار لدى المسؤولين الأمريكيين شعورا بأنهم تعرضوا لاختراق أمني أيضا. وقد قدم اللوبي الإسرائيلي في المملكة المتحدة شكوى رسمية متهما البرنامج بمعاداة السامية لكن وكالة الرقابة الإعلامية البريطانية رفضت هذا الادعاء ذلك أنها لم تجد في البرنامج ما يبين أنه تم استهداف هؤلاء الأشخاص بناء على دينهم أو عرقهم.
بدلا من تقديم شكوى، قام اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة بممارسة بعض الضغوطات السياسية ما نتج عنه قيام مجموعة تتألف من 19 نائبا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بكتابة رسالة إلى وزارة العدل الأمريكية طلبوا فيها إجراء تحقيق شامل حول النشاطات التي تقوم بها “الجزيرة” في الولايات المتحدة، وتسجيل القناة بصفتها وكيلا أجنبيا. ونتيجة لذلك، رضخت قطر لجميع الضغوطات التي سُلطت عليها من خلال التراجع عن بث البرنامج.
المصدر: ذي إنترسبت