ترجمة وتحرير: نون بوست
يستعد النيجيريون للتوجه إلى صناديق الاقتراع إما لإعادة انتخاب الرئيس الحالي محمد بخاري أو انتخاب منافسه، أتيكو أبو بكر. وقد تسببت الانتخابات الرئاسية التي ستنعقد يوم 16 شباط/ فبراير في حدوث اضطرابات سياسية في البلاد، مهددة بذلك الاستقرار النسبي الذي حققته نيجيريا منذ عودتها إلى تطبيق النظام الديمقراطي متعدد الأحزاب سنة 1999.
بالإضافة إلى التبعات المباشرة على السياسة، سيخلق تزايد الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد بيئة ملائمة لتفاقم التهديدات الأمنية الإقليمية والطائفية في نيجيريا وانتشارها في الفترة التي تسبق الانتخابات. ومع تمرد تنظيم الدولة في الشمال الشرقي، وعودة ظهور النشطاء في ولاية دلتا الغنية بالنفط الموجودة في جنوب النيجر، وهي أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، إضافة إلى الصدامات الطائفية حول حقوق الأراضي وسط البلاد، ستندلع اضطرابات في البلاد على مدى أسابيع.
المعارضة في الجنوب
يعتبر الصدع الديني بين الشمال، الذي تقطن فيه أغلبية مسلمة من نيجيريا، والجنوب، ذي الأغلبية المسيحية، أحد أقدم النزاعات وأكثرها أهمية في البلاد. وفي العقود الأخيرة، تجنب القادة النيجيريون حدوث نزاع كبير من خلال عقد اتفاق غير رسمي ينص على تداول الرئاسة كل فترتين أو كل ثماني سنوات. وحتى بموجب هذا الاتفاق، يبدو أن منصب الرئاسة سيظل يتقلّده رئيس من الشمال خلال السنوات الأربع القادمة، ذلك أن كلا المرشحين الرئاسيين من الشمال، لكن هذا لا يعني أن التوترات الإقليمية لن تهدد السلام.
من جهة أخرى، ستشكل محاكمة رئيس المحكمة العليا في نيجيريا والجندي البارز، والتر اونوغن، نقطة خلاف رئيسية مع اقتراب موعد الانتخابات. في شهر كانون الثاني/ يناير، أُقيل اونوغن من منصبه بعد اتهامه بجرائم عديدة مرتبطة بالفساد، وهي خطوة اعتبرها العديد من النيجيريين في الجنوب كمحاولة حكومية للحد من تأثيرهم الإقليمي على السياسة الوطنية. وقد أدى ذلك بالفعل إلى اندلاع احتجاجات عنيفة عبر الجنوب وفي العاصمة أبوجا.
منذ سنة 2016، ساهمت سياسة الحكومة النيجيرية الحالية إما في سداد أموال الزعماء السابقين أو توظيفهم لتأمين صناعة النفط في منطقة الدلتا إلى حد كبير لضمان استمرار تدفق إنتاج النفط والإيرادات بشكل منتظم
تجدر الإشارة إلى أن موعد محاكمة اونوغن سيكون قبل ثلاثة أيام فقط من تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية. لكن على الرغم من أن محاكمته لا ترتبط مباشرة بالانتخابات، إلا أن توقيتها، فضلا عن الانقسامات الإقليمية التي تحدث داخل البلاد، يمكن أن يؤدي إلى اندلاع المزيد من الاحتجاجات التي قد تتداخل مع الانتخابات، مما ينجر عنه تفاقم الاضطرابات السياسية.
علاوة على ذلك، هناك تحد إضافي مرتبط بسياسات نيجيريا الإقليمية المثيرة للانقسام، ألا وهو التهديد الدائم للإنتاج النفطي الوطني في دلتا. ويعتبر النفط، الذي يمثل حوالي 9 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي و85 بالمائة من الصادرات، أغلى الموارد الطبيعية في نيجيريا. كما يصادف أن النفط يتوزع جغرافياً في ولاية دلتا الواقعة جنوب نيجيريا، ما يعطي بعض الولايات الجنوبية مستوى غير متكافئ من النفوذ فيما يتعلق باقتصاد الدولة والخلافات حول السيطرة على عائدات النفط.
على مدى العقد الماضي، قامت مجموعات متشددة في الجنوب بابتزاز كل من شركات النفط الأجنبية والحكومة النيجيرية من أجل الحصول على حصة أكبر من الثروة النفطية من خلال شن هجمات ضد المنشآت النفطية وبعض الموظفين. ومن خلال تنفيذ هجمات بين سنة 2009 و2016، حصلت هذه الجماعات على مئات الآلاف من براميل النفط التي تنتج يوميا، وهو الأمر الذي أثر على إيرادات شركات النفط الأجنبية والحكومة المحلية، وكذلك حياة الموظفين. وتجعل الأوضاع المضطربة في دلتا، إضافة إلى نقص البنية التحتية في المنطقة، العمليات الأمنية فيها مكلفة وغير فعالة، كما أن المشاهد الطبيعية تعتبر المكان المفضل لحرب العصابات، حيث من الصعب حماية شبكات خطوط الأنابيب ومحطات الضخ الكبرى.
تمتلك جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد مصلحة قوية في الخروج من منطقة الشمال الشرقي والتقدم نحو العاصمة النيجيرية أبوجا للقيام بمزيد من الهجمات هناك على الرغم من محاولتها القيام بذلك خلال السنوات الأخيرة
منذ سنة 2016، ساهمت سياسة الحكومة النيجيرية الحالية إما في سداد أموال الزعماء السابقين أو توظيفهم لتأمين صناعة النفط في منطقة الدلتا إلى حد كبير لضمان استمرار تدفق إنتاج النفط والإيرادات بشكل منتظم. نتيجة لذلك، أصبحت الأوضاع في المنطقة هادئة نسبيًا. لكن، من غير المرجح أن توفر هذه الاستراتيجية حلاً لفترة أطول، خاصة وأن هناك بعض المؤشرات التي تفيد بأن مجموعة جديدة من المتشددين أصبحت نشطة في ولاية دلتا. ففي كانون الثاني/ يناير، أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم “الإخوة السبعة كولواما” مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف خط أنابيب. وعلى الرغم من أن الهجوم يبدو حادثا فرديا ومعزولا، إلا أن المرحلة الانتقالية بعد الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى زيادة النشاط العسكري عن طريق اختبار الوضع السياسي الراهن.
العنف في المناطق الشمالية الشرقية والوسطى من البلاد
في هذه الأثناء، وتحديدا في الإقليم الشمالي الشرقي، وضعت جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد نيجيريا على خريطة الحركات الجهادية الدولية. وقد نجت حركة المتمردين التي تنشط منذ سنوات طويلة، المعروفة سابقا باسم بوكو حرام، من جهود القوات العسكرية النيجيرية، التي استمرت لسنوات للحد من نفوذها. وواصلت الفصائل التي يقودها أبو مصعب البرناوي في شن هجمات قاتلة ضد قوات الأمن. أما الفصائل التي تقع تحت سيطرة أبو بكر شكوي فكانت تركز أكثر على الأهداف السهلة. وتعد عمليات الاختطاف أيضا من الحوادث العادية، وكثيرا ما تستهدف فرق المساعدات الدولية.
تمتلك جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد مصلحة قوية في الخروج من منطقة الشمال الشرقي والتقدم نحو العاصمة النيجيرية أبوجا للقيام بمزيد من الهجمات هناك على الرغم من محاولتها القيام بذلك خلال السنوات الأخيرة. في الحقيقة، كانت أبوجا هدفا معتادا لحملات قصف جماعات بوكو حرام خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2015، بما في ذلك الهجمات التي استهدفت مبنى الأمم المتحدة ومراكز التسوق ومراكز النقل.
لكن منذ ذلك الحين، واجهت هذه المنظمة الجهادية النيجيرية مشاكل للتغلب على المسافة التي تفصل قاعدتها الجغرافية عن العاصمة الواقعة في المركز، ناهيك عن مدينة لاغوس المتواجدة على الجانب الآخر من البلاد. مع ذلك، لا تزال لدى هذه المنظمة رغبة في مهاجمة الأهداف البارزة خارج منطقة الشمال الشرقي، ولا يزال المسلحون يهددون بتنفيذ هجمات في العاصمة أبوجا.
يعد الصراع الدامي الحالي الذي تعيشه البلاد بمثابة مزيج من العنف والنزاعات حول الأراضي بين معظم الرعاة المسلمين والمزارعين المسيحيين المتواجدين وسط نيجيريا
ستُتيح الانتخابات المقبلة الفرصة لجماعة بوكو حرام لإلحاق الضرر بالمشهد السياسي من خلال تقويض العملية الديمقراطية التي تعارضها أيديولوجية جماعات تنظيم الدولة. وقد أصبحت حقيقة استمرار هجمات هذه الجماعات الإرهابية، على الرغم من ادعاءات الجيش النيجيري بانهزامها، مسؤولية سياسية بالنسبة للرئيس بخاري وستظل عبئا بغض النظر عمن سيفوز خلال الانتخابات التي ستعقد في 16 شباط/ فبراير. وسيكون هجوما متواضعا على العاصمة أبوجا كفيلا بتقويض الإدارة القادمة.
أخيرا، يعد الصراع الدامي الحالي الذي تعيشه البلاد بمثابة مزيج من العنف والنزاعات حول الأراضي بين معظم الرعاة المسلمين والمزارعين المسيحيين المتواجدين وسط نيجيريا. وعلى الرغم من أن المواجهات بين الأطراف المتنازعة تعتبر معزولة من الناحية الجغرافية وأقل تهديدا للأمن القومي من العمليات التي يقوم بها مقاتلو دلتا النيجر وجماعات تنظيم الدولة والمتظاهرين السياسيين، إلا أن هذا الصراع يلحق أضرارا جانبية ويشكل تهديدا كبيرا لأي شخص يسافر لولايات بينو وتارابا وبلاتو أو كادونا. تجدر الإشارة إلى أن المنطقة مليئة أيضا بعمليات الاختطاف من قبل العصابات التي تطالب بفدية.
تهديدات للمدن الكبرى
عندما يتعلق الأمر بالمدن الكبرى في نيجيريا، من المحتمل أن تشكل الاحتجاجات والمظاهرات السياسية المتزامنة مع فترة الانتخابات التهديد الأكبر والأكثر مباشرة لهذه المناطق المتواجدة في كل من أبوجا ولاغوس. وفي حال تأخرت الانتخابات (مثلما حدث سنة 2015 عندما لم تكن المعدات المتعلقة بالانتخابات جاهزة في الوقت المناسب)، أو انتهت بنتائج متقاربة، أو في حال كانت النتائج محل نزاع بسبب المخالفات، فسيزداد خطر اندلاع موجات العنف. لكن موجات العنف ستستهدف الأحزاب السياسية المعارضة والإدارات الحكومية، مما يعني أن الأفراد والمنظمات غير المتورطين مباشرة في النزاعات الانتخابية يجب أن يكونوا قادرين على الاختفاء عن الأنظار وتجنب المشاركة في التجمعات العامة الكبرى.
بغض النظر عن المرشح الذي سيفوز خلال انتخابات 16 شباط/ فبراير، سيستمر مناخ انعدام الاستقرار السياسي في نيجيريا بعد أن يقع فرز الأصوات ويتم الإعلان عن النتائج النهائية
في المنطقة الجنوبية المنتجة للنفط في دلتا النيجر، لم تشن الجماعات الإرهابية الناشئة، على غرار “الإخوة السبعة كولواما”، هجمات شبيهة بالهجمات المستمرة والمتكررة التي كانت قد تسببت في اضطرابات كبيرة في الماضي. مع ذلك، لا تزال صناعة النفط تشكل نقطة ضغط يمكن أن يستغلها متساكنو الجنوب في حال اعتراضهم على نتائج الانتخابات، أو على محاكمة رئيس المحكمة العليا، والتر اونوغن. وعقب الانتخابات، قد تؤدي أي محاولات لتغيير الترتيبات السياسية الحالية غير الرسمية لحفظ السلام إلى عودة اندلاع الهجمات الإرهابية ضد الهياكل الأساسية للنفط والموظفين.
من المؤكد أن جماعات تنظيم الدولة ستشنّ هجمات تستهدف النشاطات المرتبطة بالانتخابات في المنطقة الشمالية الشرقية، لكن الاختبار الحقيقي لقدراتهم يكمن في مدى قدرتهم على الخروج من ولايات مثل يوبي وبورنو وغومبي وأدماوة التي تقع في المنطقة الشمالية الشرقية والقيام بهجمات في المناطق الحضرية على غرار مدينة أبوجا. في الواقع، أثبتت جماعات بوكو حرام عدم امتلاكها لشبكة كبيرة من الناشطين خارج شمال شرق البلاد قادرة على دعم الهجمات المنتظمة، ما يعني أنه على المسلحين أن يخاطروا بحياتهم وذلك عن طريق قيامهم برحلات طويلة برا حاملين أسلحتهم لضرب أهداف أخرى. ويمنح أسلوبهم في العمل السلطات والمدنيين فرصا كبيرة لملاحظة هذه الأنشطة غير الاعتيادية والتصدي لها، على غرار القيام بعمليات مراقبة استباقية لعمليات الهجوم من أجل التصدي لها قبل حدوثها.
بغض النظر عن المرشح الذي سيفوز خلال انتخابات 16 شباط/ فبراير، سيستمر مناخ انعدام الاستقرار السياسي في نيجيريا بعد أن يقع فرز الأصوات ويتم الإعلان عن النتائج النهائية. وخلال هذه الفترة الانتقالية والغموض الذي يحيط بها، ستخضع العوامل الهشة، التي وضعت نيجيريا في مناخ يتسم بتهديدات متنوعة خلال السنوات الأخيرة، للاختبار.
المصدر: ستراتفور