الحب أكثر من مجرد كلمة تعبيرية تصف العلاقة بين الناس والأشياء بل هي فعل قوي له القدرة الحقيقية على صنع المعجزات، من يحب تتغير حياته لأجل أحباءئه ويستطيع أن يفعل كل ما كان في نظره صعب، بالحب نتمكن من العطاء والتحدي والمواصلة مع وفي سبيل من نحب، هذا بالنسبة للأشخاص العاديين؛ فماذا عن الأدباء؟ عمن يكتبون أساسًا قصص الحب وينسجونها لنا في أبهى أشكالها، هل كان الحب دافعًا وإلهامًا لهم ليكتبوا المزيد ويزيدوا إبداعهم أم كان مصدر عذاب وألم وبالتالي انعكس على كتاباتهم ايضًا؟ هذا ما سنعرفه هنا
جوزيه ساراماجو وزوجته بيلار
ساراماجو وبيلار
“إلى بيلار: التي لم تكن قد ولدت بعد، وتأخرت في المجيء” ساراماجوا
ساراماجوا أديب جائزة نوبل الأشهر، يبهرنا بقصة حبه التي تخطت الأعراف وتزوج فتاة في منتصف عمره تقريبًا، كان هو في الستينات وكانت هي في الثلاثينيات، بعدما حاولت بشكل من الأشكال التواصل معه، وبعد ان تقابلا أراد أن يأخذ فرصة أخرى ليقابلها ويعرف إن كانت متزوجة أم لا، وبعد أن عرف تزوجها، لم يكن ساراماجوا يكتب عن الحب بل اكتفى بعيشه وكانت قصة حبه قصة أسطورية شجعته وأيدته وجعلته يعترف بأن بيلار هي المرأة العظيمة التي تقف في ظهره وتعززه دائمًا، كانت بيلار إسبانية وكان ساراماجوا برتغاليًا.
ولكن رغم صغر السن واختلاف اللغات إلا أن الحب كان أقوى من كل الأعراف، ترجمت بيلار كل أعمال ساراماجوا تقريبًا إلى الأسبانية وكانت داعمته الأولى وفتاته المثقفة، وبعد وفاته قالت «حقيقة أن ساراماغو ميْتٌ لا تعني أن ساراماغو قد مات. ساراماغو، مازال حيّا». وما زالت متيمة بحب الرجل والمفكر الأعظيم.
طه حسين وزوجته سوزان
طه حسين وسوزان
“وإن الحب لا يسأم ولا يمل ولا يعرف الفتور .. ولا بد أن تلحّ في حبك حتى تظفر بمن تحب أو تفنى دونه” طه حسين
لا أحد لا يعرف الدكتور طه حسين “عميد الأدب العربي” الذي علمنا كلنا قصة كفاحه وإبداعه رغم ما عاناه من ظروف عصيبة بسبب كونه ضرير، ولكن رغم كل ما عانى كان هناك من يدعمه ويشد أزره ويشجعه على الوقوف؛ وقد كانت زوجته “سوزان بريسو” التي لُقبت فيما بعد بسوزان طه حسين، يمكننا أن نطبق مقولة أن الحب أعمى والحب يصنع المعجزات معًا في هذه القصة المهيبة، فأن تتزوج فتاة فرنسية مسيحية من شاب مسلم مصري وضرير أمر لا يتقبله أحد! ولكن للحب كان رأي آخر، ورغم رفض عائلة الفتاة في البداية إلا أنها أذعنت لعل للحب أمر آخر، وقد كان بالفعل، كانت سوزان عيني طه حسين التي يرى العالم من خلالها، رآها ببصيرته وأحق في تقديره لها منذ المرة الاولى، كانت تقرأ له كتبه وتلهمه، وبعد وفاته كتبت سوزان قصة حياتها مع طه حسين أسمتها “معك” وقد شعرت أن الحياة بلا معنى بدون حبيبها ورفيق عمرها.
الشاعرن سيلفيا بلاث وتيد هيوز
سيلفيا بلاث وتيد هيوز
«أن تحبّ أحدهم، يعني أن تتقاتل معه حتى الموت، حتى ينتهي أحدكما» تيد هيوز
«لا تعطِ، أبداً، قلبك كله» سيلفيا بلاث
مَن هو الذي استطاع أن يلعب اللعبة جيدا
الأصم، المثقل، الأعمى من الحب؟
أم ذاك الذي خمّن الثمن
قبل أن يمنح قلبه كاملاً، ويخسر سلفيا بلاث
قصة حب عادية، شاعرن يلتقيان في الجامعة وفي إحدى الحفلات، شاعرة شابة هشة تخشى ألا تجد الحب الذي تتمناه وشاعر مخضرم، على الأغلب، يعرف الكثير من الفتيات، تعرفا ونشأت بينهما قصة حب وتوطدت وتزوجا، كان الاثنين يزوران تماثيل وقبور الشعراء ويقرأوا أبياتهم وكانت قصة حبهم لطيفة ومثيرة إلا أن تخلى أحدهم عن العهد وقد كان تيد، كسر قلب حبيبته بخياناته المتعددة لها، وهي، صاحبة الحس المرهف والقلب الهش، لم تتحمل أو تقوى، وظلت في آلام طيلة حياتها إلا أن قررت أن تدع حدًا لكل هذه الآلام وهو الانتحار بالغاز.
لم تكن سلفيا شهيرة في حياتها ولكن أشتهرت وأصبحت أيقونة لامعة وتم عمل الكثير من الأبحاث والدراسات عن حياتها وزوجها الذي ظل صامتًا بعد وفاتها ونشر عمله الأخير رسائل عيد الميلاد الذي سلط الضوء على سيلفيا، ورغم أن المذكور في علاقتهما كان دائمًا عن سلفيا، إلا أنه في الأخير جاءت الروائية الهولندية كوني بلمن وألفت كتاب بعنوان “أنت قلت”، يركز على حياة تيد نفسه ومدى تسببه في انتحار سلفيا، قصة حب مأساوية شهدها العالم.
سكوت فيتزجيرالد مؤلف جاتسبي العظيم
فيتزجيرالد وزيلدا
في القرن العشرين كانت تُقام أشهر قصة حب بين سكوت فيتزجيرالد مؤلف جاتسبي العظيم وبين زيلدا راقصة البالية الشابة المتحررة في ذلك الوقت، تعرفا وتزوجا وأصبحت قصة حبهما الشهيرة مصدر إلهام ووحي للكثير من الأعمال السينيمائية والدراما، كانت زيلدا تشارك سكوت في قراءاته وحياته وكانت تقرأ كل كتبه قبل أن تُطبع لتقول رأيها فيها بموضوعية، وأصبحا شهيرين بفضل نجاح سكوت وتمكنا من حياة الثراء والترف إلى أن شعرت زيلدا بالضجر من العلاقة؛
بينما كان سكوت منغمس في كتابة أهم رواياته وهي “جاتسبي العظيم” ذهبت لتتعرف على شاب آخر وطلبت الطلاق، بعدما علم سكوت بذلك حبسها لمدة شهر في غرفة وبدأت سلسلة المعاناة لها، حتى حاولت الانتحار، وفي تلك الفترة كتبت زيلدا أول وأخر رواية لها وهي “أهديني رقصة الفالس” والتي اعتبرها سكوت فضح لعلاقتهما وسرقة لبعض ما كان سيكتب عنه في روايته القادمة، ولم يهتم النقاد بهذه الرواية أو تلقى احتفائهم، وتدهورت الأوضاع إلى غير رجعة بين الثنائي المشهور حتى تدهورت شهرتهم بسبب الأوضاع الاقتصادية.
عاشت زيلدا في المصحات النفسية إلى أن ماتت محترقة في إحدى المستشفيات، وخرجت قصة حياتها للنور عندما اهتم بها أحد الكتاب الفرنسيين وألف كتاب عنها اسمه “أنشودة ألاباما” مما جعل الأدباء يركزون عليها مرة أخرى.
ت. إس. إليوت وفيفان إليوت
الشاعر المصري أمل دنقل
أمل دنقل وعبلة الرويني
اطمئن لن أحبك! أمل دنقل لعبلة الرويني.
علاقة غريبة تبدأ بين صحفية وشاعر “صعيدي” قح، تطورت العلاقة بين شخصيتين متناقضتين بعض الشيء من مقابلة صحفية إلى علاقة حب، رغم وعد الشاعر بألا يفعل، فزواج، وبعد الزواج الذي استمر أول تسعة أشهر في هناء وسعادة إلى أن أصيب دنقل بالسرطان، وقام باستئصاله بعد فترة من المرض، وبعد شفاءه التام ظهر له ورم آخر في مكان آخر واستمرت لإقامة أمل مع زوجته لمدة عام ونصف في المستشفيات وكانت أكبر مدة غقامة بين الزوجين وبعدها انتقل إلى العناية الإلهية، بعد وفاة ألفت عبلة الرويني كتاب “الجنوبي” يتحدث عن قصة حياة أمل دنقل ومواقفهما معًا، كما كتب أمل دنقل تسع رسائل حب لزوجته وكتب فيها الكثير من الشعر.
“دائما أنتِ في المنتصف!
أنتِ بيني وبين كتابي ..
بيني وبين فراشي ..
وبيني وبين هدوئي ..
وبيني وبين الكلام!
ذكرياتك سجني وصوتك يجلدني
وأنا بين الشوارع وحدي
وبين المصابيح وحدي!
أتصبب بالحزن بين قميصي وجلدي!
ودمي: قطرة -بين عينيكِ- ليست تجف!
فامنحيني السلام!
امنحيني السلام!”
أمل دنقل
الكاتب فرانس كافكا
كافكا وميلينا
“ميلينا، أنت بالنسبة لي، لست امرأة، أنت فتاة، فتاة لم أر مثلها أبدًا من قبل، لست أظن لهذا أنني سأجرؤ على أن أقدم لك يدي أيتها الفتاة، تلك اليد الملوثة، والمعروقة، المهتزة، المترددة، التي تتناوبها السخونة والبرودة. أتعلمين يا ميلينا، إنك عندما تذهبين إليه (يقصد زوجها) فإنك بذلك تخطين خطوة واسعة إلى أسفل بالنسبة لمستواك، لكنك إذا خطوت نحوي فسوف تتردين في الهاوية، هل تدركين ذلك؟”
كافكا رائد الأدب الكابوثي والعبثي الأديب التشيكي الخائف دائمًا والسوداوي على الدوام، إن تعمقنا شخصية كافكا سنرى انه شخصية مثيرة للتأمل والشفقة ورغم كل الألم الذي عاناه في حياته إلى أنه تمكن من الحب، وللأسف لم يكن حبه طبيعيًا كحب العامة، الحب الذي يغير للأفضل ويعطي الرغبة في الحياة بل كان حبه نوعًا من احتقاره لذاته ايضًا كما نرى في الاقتباس السابق، أحب كافكا ميلينا السيدة المتزوجة مرتين وأحبها وهي متزوجة كذلك.
بدأت علاقتهم عندما قابلته وعرضت عليه ترجمه أعماله من اللغة التشيكية إلى الألمانية، تعرفا على بعض ورغم ذلك استمرت علاقتهم وحبهم عبر المراسلات، وعلينا أن نلاحظ أن ميلينا كانت مسيحية وكافكا يهودي والأهم من ذلك كله وعلى الرغم من الحب بينهما، لم نجد هذا الحب إلا متجسدًا في رسائل كافكا إلى ميلينا التي استمرت لثلاث سنوات وساعدت كافكا أن يحيى بوحدته وآلامه بشكل أفضل ولم تنهيها، الشيء الأهم أن العلاقة انتهت عندما انتقل كافكا ليعيش مع اخته وهو مريض وانصرفت ميلينا إلى زواجها، كانت نوع من الحب المستحيل والغير لطيف إلى أن مات كافكا ولكنها أخرجت لنا عملًا أدبيًا هامًا يمكننا أن نتعرف منه على حياه هذا المجنون البائس.