يبدو أن مساعي المعارضة في الجزائر نحو تقديم مرشح موحد في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 18 إبريل المقبل تسير في الطريق الصحيح حتى ولو جاءت متأخرة، لكن تحقيق هذا الهدف سيتطلب تقديم تنازلات حقيقية من قبل المترشحين الثلاثة البارزين المتمثلين في رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري الذي يمثل تيار الإخوان والجنرال المتقاعد علي غديري المحسوب على رئيس الاستخبارات السابق الفريق محمد مدين، إضافة إلى رئيس الحكومة الأسبق رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس الذي يسوق نفسه على أنه ممثلا للتيار الوطني المعارض.
وتبني المعارضة مسعاها للتوافق حول مرشح موحد من قناعتها أن فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي ترشح للانتخابات الرئاسية رغم متاعبه الصحية الظاهرة للجميع سيقود البلاد إلى طريق لا يتوقع أي أحد كيف ستكون نهايتها، لذلك تعمل على عدم تشتيت الأصوات المناوئة له بين المعارضين بتقديم مرشح واحد يجمع الرافضين لبقاء بوتفليقة خمس سنوات جديدة في سدة الحكم التي وصل إليها عام 1999.
تفاؤل
تبدي جبهة العدالة والتنمية التي يرأسها عبد جاب الله احد أقطاب التيار الإسلامي في البلاد والذي رفض الترشح للرئاسيات بعدما لم يوفق في مناسبات سابقة تفاؤلا بالمشاورات التي أجرتها مع مختلف قيادات المعارضة لتحقيق أهداف المبادرة التي تقودها.
تنحصر القائمة حاليا في كل من عبد الرزاق مقري وعلي غديري وعلي بن فليس، إضافة إلى عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني وزير السياحة الأسبق
وأعلن رئيس مجلس الشورى لجبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف في تصريح لقناة “الشروق نيوز” الخاصة أنه من المنتظر أن تعقد المعارضة أول اجتماعاتها الجماعية يوم الاربعاء المقبل 20 فبراير شباط.
وكشف بن خلاف أن المشاورات ستتمحور خلال هذا الاجتماع حول اختيار المرشح الموحد وبرنامجه السياسي الذي سيقدمه لدخول الرئاسيات المقبلة، وكذا البرنامج والإصلاحات التي سيقوم بها بعد فوزه في الانتخابات.
وأوضح رئيس مجلس الشورى أن الصراع في اختيار المرشح الموحد سيدور بين المترشحين المحتملين الذين سحبوا استمارات الترشح وخطوا مراحل متقدمة في جمع التوقيعات التي يتضمنها الملف الذي سيودع لدى المجلس الدستوري والبالغ عددها 60 ألف توقيعا.
وتنحصر القائمة حاليا في كل من عبد الرزاق مقري وعلي غديري وعلي بن فليس، إضافة إلى عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني وزير السياحة الأسبق، والذي تظل حظوظه ضئيلة في أن يكون مرشح الإجماع للمعارضة مقارنة بمنافسيه الثلاثة الآخرين.
والتقت جبهة العدالة والتنمية لحد الآن 11 حزبا و6 شخصيات وطنية ضمن مشاورات الاتفاق حول المرشح الموحد، ورحب الجميع بهذه المبادرة وأبدوا انخراطهم فيها، وفق ما قاله بن خلاف الذي لا يستبعد أيضا أن تفضي اجتماعات المعارضة بقرار مقاطعة الانتخابات الرئاسية في ظل اقتناع عدد من أقطابها أن الاستحقاق المقبل محسوم مسبقا للرئيس بوتفليقة الذي سيستفيد من العزوف الكبير الذي تعرفه الانتخابات في البلاد وكذا من تدخل الإدارة لصالحه، إضافة إلى ضعف قطب المعارضة في حد ذاته، فتكتلها والبحث عن مرشح إجماع جاء متأخرا.
قبول حذر
أعلنت حركة البناء الوطني التي تُرشح رئيسها بن قرينة أن اجتماع هيئة التنسيق الموسعة التابعة لها خرج بقرار ضرورة ” استمرار الحركة في التواصل والتشاور مع كل القوى الفاعلة في البلاد دون استثناء من أجل تغليب المصلحة العليا للوطن والاستجابة لطموحات وتطلعات المواطنين في التقدم الديمقراطي والتطور التنموي.”
أكدت حركة مجتمع السلم في بيان ” موافقتها المبدئية على المبادرة التي عرضها عبد الله جاب الله في اللقاء الذي جمعه رفقة وفد من حزبه برئيس الحركة وأعضاء من المكتب التنفيذي الوطني”
وأكدت الهيئة ” استعداد الحركة للتنازل ضمن أي مسعى يحقق الإجماع بين الجزائريين وينهي حالة الاصطفاف والاستقطاب والتوتر القائمة، والذي لا يؤدي في تقديرنا إلا لمزيد من الاحتقان الذي لا يخدم أحدا”، كما دعت ” لانعقاد مجلس الشورى الوطني في دورة استثنائية يوم 23 من هذا الشهر للبت في الخيارات التي حضرها المكتب التنفيذي الوطني تنفيذا لقرارات المجلس السابقة”.
وتعقد هذه الدورة الاستثنائية عشية زيارة ميدانية مرتقبة للرئيس بوتفليقة لعاصمة البلاد بمناسبة إحياء الجزائر ذكرى تأميم المحروقات المصادق لـ24 فبراير من كل عام.
من جانبها أكدت حركة مجتمع السلم في بيان ” موافقتها المبدئية على المبادرة التي عرضها عبد الله جاب الله في اللقاء الذي جمعه رفقة وفد من حزبه برئيس الحركة وأعضاء من المكتب التنفيذي الوطني”، وذلك من باب أن رئيسها عبد الرزاق مقري سبق وأن “عرض الفكرة ذاتها في الشهرين الأخيرين على العديد من الشخصيات ورؤساء الأحزاب التي كانت تشكل هيئة التشاور والمتابعة للمعارضة في لقاءات جماعية وثنائية.”
وأبدى من جانبه الجنرال المتقاعد علي غديري موافقته على حضور هذه المشاورات، والموقف ذاته يتقاسمه علي بن فليس، لكن رغم عدم رفض أقطاب المعارضة المختلفين لمبادرة المرشح الموحد، إلا أن انخراطهم فيها يبقى غير مؤكد، وينتظر ما ستسفر عنه المشاورات الجماعية، بالنظر إلى طموحات كل طرف واختلاف رؤيته لمستقبل البلاد مع الآخر.
وتتخوف جبهة العدالة والتنمية من طغيان طموح الزعامة لدى المرشحين البارزين والمشاكل التي يعيشها كل طرف، فمقري لم يخف ولعه بأن يكون المرشح الرئاسي رقم 2 باسم حركته بعد الزعيم المؤسس الراحل محفوظ نحناح، إضافة إلى أن ترشح بوتفليقة ذكى خلافا قديما جديدا في صفوف حزبه بعدما دعا الرئيس السابق للحركة أبو جرة سلطاني إلى مراجعة قرار مجلس الشورى المتعلق بترشيح مقري وقراءة المشهد السياسي كما يجب، بالنظر إلى أن فوز بوتفليقة يبدو شبه محسوم.
يبدو أن الكفة قد تميل لصالح علي غديري بالرغم من مشواره السياسي المتواضع، إلا أن خلفيته العسكرية وما يشاع حول وقوف مدير الاستخبارات السابق وراءه يجعله الحصان الأسود الذي قد يملك أوراق التغلب على جناح السلطة الذي يدعم بوتفليقة
أما علي بن فليس، فيرى نفسه دائما أنه الجدير بأن يكون مرشح المعارضة دون منافس لهزم بوتفليقة الذي غلبه في رئاسيات 2004 و2014، كما أنه يعتقد أن الوصول إلى كرسي الرئاسة هو المنصب الوحيد الذي ينقص سيرته الذاتية بعد مشواره السياسي الذي أوصله حتى تولي الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم ورئاسة الحكومة، ومن ثمة فإن التخلي عن الترشح لصالح شخص آخر وكأنه يندرج ضمن سابع المستحيلات، ربما فقط لصالح غديري لأنه قادم من مؤسسة يعتبرها بن فليس هي أساس الحكم في البلاد.
ويبدو أن الكفة قد تميل لصالح علي غديري بالرغم من مشواره السياسي المتواضع، إلا أن خلفيته العسكرية وما يشاع حول وقوف مدير الاستخبارات السابق وراءه يجعله الحصان الأسود الذي قد يملك أوراق التغلب على جناح السلطة الذي يدعم بوتفليقة وجعل غديري وجماعته على هامش صنع القرار في البلاد.
حملة مسبقة
في خضم النقاش الدائر بين أطياف المعارضة حول دخول معترك الرئاسيات مشتة أو بمرشح توافق يحرج معسكر بوتفليقة، شرع هذا الأخير في حملة انتخابية قبل الأوان بتنظيم تجمعات تحت لواء الأحزاب التي تدعمه أو التنظيمات التي تسانده، ومرددة شعارات الاستقرار والاستمرارية التي صارت معروفة للجزائريين.
وقبل الظهور المترقب لبوتفليقة في 24 فبراير الذي قد يكون قبل إيداعه ملف ترشحه لدى المجلس الدستوري والمحدد قبل منتصف الليل من يوم 3 مارس آذار الداخل، باشرت مديرية حملته الانتخابية التي أوكلت إدارتها للوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال كما حدث في 2004 و2009 و2014 عملها قبل الوقت.
وقال سلال يوم الخميس خلال تجمع مساند لبوتفليقة نظمه الاتحاد العام للعمال الجزائريين “أنظروا إلى صدى ترشح الرئيس بوتفليقة دوليًا وعلى مستوى كل ولايات الجمهورية، هل فيه رفض أو تردد، حقيقة هناك أشخاص لا يوافقون، لكن ليس هنالك مشكل، لأننا سنسير في إطار الشفافية التامة، سنعمل على أن تكون المشاركة قوية للسماح لبوتفليقة بالفوز”.
بين تحركات المعارضة في الوقت بدل الضائع، ووثوق معسكر بوتفليقة بالفوز في رئاسيات 18 إبريل المقبل بكل الطرق، يبقى الشارع الجزائري حتى الآن غير مبال بانتخابات يراها محسومة مسبقا لرجل يحكم البلاد منذ 1999
وأضاف سلال “إننا بحاجة إلى نظرة وقوة وشجاعة الرئيس بوتفليقة في اتخاذ القرارات”.
ولم يفوت سلال الفرصة في الرد على انتقادات المعرضة التي شككت في أن يكون بوتفليقة من حرر رسالة إعلان ترشحه قائلا ” لقد سهر بشكل شخصي على كتابة كل كلمة في رسالة ترشحه للاستحقاقات المقبلة”.
ورغم أن ولاياته الأربع السابقة محل انتقاد واسع من المعارضة، إلا أن سلال لم يلتفت لذلك وتحدث عما قد يفعله بوتفليقة في السنوات الخمس القادمة بالقول ” حان الوقت للرجل والمجاهد لاستكمال مشروعه ومواكبة الإصلاحات وتحقيق طموحات الشعب الجزائريين. هو الرجل الذي تكون فيه معظم الكفاءات والنظرة الشاملة لتجسيد الإصلاحات ميدانيًا”.
ووعد مدير حملة بوتفليقة بإصلاحات في الاقتصاد والسياسة ومختلف المجالات، لكن السؤال الذي يطرح ما الذي منع الرجل من تنفيذ هذه الإصلاحات في السنوات العشرين الماضية، وهل سيستطيع تقديم الحياة التي ينتظرها الجزائريون في 5 سنوات بعدما حرموا منها خلال عقدين من الزمن.
وبين تحركات المعارضة في الوقت بدل الضائع، ووثوق معسكر بوتفليقة بالفوز في رئاسيات 18 إبريل المقبل بكل الطرق، يبقى الشارع الجزائري حتى الآن غير مبال بانتخابات يراها محسومة مسبقا لرجل يحكم البلاد منذ 1999، ما يجعل الكثيرين منه يعتقد أنه ليس في حاجة للمشاركة في انتخابات علمته التجارب أنها لا تقدم ولا تؤخر وضعه المهلك بارتفاع القدرة الشرائية والتراجع المستمر لمستوى التعليم والصحة والحريات وغيرها من المجالات