من الشائع جدًّا أنْ تشعر المرأة بالقلق والخوف من الحمْل والولادة. فهذا أمرٌ طبيعيّ قد يكون كلٌّ منّا عايشه في مرحلة من مراحل حياته مع زوجته أو إحدى قريباته أو معارفه. أو قد تكونين نفسك قد مررتِ بهذه الحالة سابقًا. فالمخاوف من التغيّرات المرتبطة بالحمل ومن ثمّ الولادة لا تعدّ سهلة أبدًأ وغير عادية، لدرجة أنّها قد تتحوّل إلى حالة من الخوف أو الرهاب الشديد.
فبالنسبة للحوامل، من الطبيعي أنْ ترتبط الولادة بالشعور بالخوف، خاصة إذا كانت حالة الولادة الأولى. فمن اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن الحمل، تدخل المرأة بمرحلة صعبة من التوقع والشكوك فيما يخصص المرحلة القادمة، سواء شهور الحمل أو الولادة وما بعدها، لا سيّما مع تعرّضها للقصص المرعبة والسلبية عن التجربة بحيث يصبح من الصعب عليها التركيز على القصص الإيجابية منها.
أكثر من مجرّد قلق وتوتّر
في أحيان كثيرة، تصبح حالة الخوف هذه أكثر من حالة عابرة تأتي تباعًا للقلق والتوتّر الحاصل. فقد تتحوّل، مثلها مثل حالات الفوبيا الأخرى، إلى مرَضٍ بيولوجيّ واضطراب نفسيّ حقيقيّ. وهو ما يعرف بمصطلح توكوفوبيا، وهو نوع الرهاب أو الفوبيا الدفينة التي تصيب النساء من الولادة بشكلٍ أساسيّ والحمل بشكلٍ ثانويّ. وقد عرّفته الجمعية البريطانية للطبّ النفسيّ بأنه اضطرابٌ نفسي لم ينتبه إليه الكثيرون وقد يغفلون عنه تمامًا، لكنّ هذا لا يمنع تواجده وانتشاره.
الأمهات الأصغر سنًّا والأقلّ تعليمًا واللواتي لا يمتلكن شبكةً اجتماعية قويّة أكثر عرضةً للإصابة بفوبيا الولادة
ومنذ ذلك العام، بدأت الإحصاءات بالإشارة إلى أنّ ما يقرب من 13% من النساء غير المتزوجات وحوالي 40% من الحوامل لأول مرة وأكثر من 70% من الحوامل للمرة الثانية أو الثالثة ممن سبق لهن حدوث مضاعفات قوية في الولادة السابقة، معرّضات للإصابة بهذه الحالة الرهابية. بعض الباحثين يعتقدون أنّ معدّل انتشار المرض بين النساء قد يصل إلى 30٪.
وفي المحصلة، لا يمكن الحصول أبدًا على نسبةً واحدة نظرًا لاختلاف مستوياته عند النساء، عدا عن أنّ الاكتئاب أو القلق الذي يصيب المرأة فترة الحمل والولادة قد يؤثّر على تشخيصها بالرهاب. تشير الدراسات أيضًا إلى أنّ الأمهات الأصغر سنًّا هنّ الأكثر عرضةً للإصابة برهاب الولادة، كما هو الحال مع الأمهات الأقلّ تعليمًا واللواتي لا يمتلكن شبكةً اجتماعية قويّة.
وبشكلٍ عام، تشمل أعراض المرض المخاوف المرتبطة بالحمل والولادة، مثل الخوف من الوفاة أو تعرّض الجنين للأذى، وسوء النوم والأرق، والشعور بالاستثارة الشديدة مثل تسارع نبضات القلب وصعوبة التنفّس، واضطرابات الأكل وآلام المعدة الشديدة، وغيرها من مشاكل الصحة النفسية والعقلية الأخرى مثل القلق والاكتئاب قبل الولادة وزيادة خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
آثار ممتدّة وأكثر جدّية ممّا تتخيل
على مستوى العلاقة الزوجية أو العاطفية، قد يتولد لدى المريضة شعور بعدم الرغبة في إقامة أيّ علاقة جنسية مع الامتناع عنها في بعض الأحيان، الأمر الذي يؤثّر سلبًا على العلاقة أو الزواج، لا سيّما وأنّ معظم الأزواج غير واعين لهذه الحالة وما يرافقها من أعراض خارجة عن نطاق سيطرة المرأة وإرادتها.
يميل عددٌ من النساء إلى الولادة عن طريق عملية قيصرية لتجنّب تجربة الولادة الفعليّة وكل ما يتعلّق فيها من تفاصيل قد تتحوّل إلى أعراض لاضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية
كما تمتدّ أضرار هذا الخوف على الجنين وتؤثّر عليه سلبًا، حيث عادةً ما يتسبّب ذلك في انخفاض وزنه عن المعدّل الطبيعي عند الولادة، نظرًا للصعوبات التي تمرّ فيها أمّه. فيما قد ينعكس الخوف أيضًا على علاقة الأم بطفلها بعد الولادة، فتجد صعوبة بالارتباط به كنتيجة للصدمة التي مرّت فيها أثناء المخاض.
أمّا عن آثار الفوبيا الجانية، فتشير الأبحاث إلى أنّ بعض النساء من اللواتي يعانين من هذه الحالة يفضلن تجنّب الحمل تمامًا، أو قد يفكرن في الإجهاض بعد اكتشاف الحمل، فيما يميل عددٌ منهنّ إلى الولادة عن طريق عملية قيصرية لتجنّب تجربة الولادة الفعليّة وكل ما يتعلّق فيها من تفاصيل قد تتحوّل إلى أعراض لاضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية (PTSD).
قد تجد الأم صعوبة بالارتباط مع طفلها بعد الولادة نتيجة لفوبيا الولادة
تقترح الدراسات الحديثة أنّ قصص الولادة السلبية للآخرين قد تزيد من الخوف من الولادة عند الكثير من النساء. وهو الأمر الذي ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيزه، خاصة وأنّ السنوات الأخيرة شهدت صعودًا للأمّهات الجديدات ممّن يقمن بالحديث عن تجاربهنّ في الحمل والولادة والتربية على تلك الوسائل والمنصّات، انطلاقًا من فكرة أنّ تبادل القصص حول التجارب الصعبة يمكن أن يساعد في الحد من مشاعر العزلة والوحدة ويعمل على دعم الأقران المارّين بتجارب مشابهة. وهو ما أثبتته الأبحاث بطبيعة الحال.
لكن على الجانب الآخر، فمشاركة القصص الصادمة والصعبة قد يؤدي بشكلٍ لا واعٍ إلى تعزيز الخوف منها عند الآخرين وتحويلها إلى تجارب غير مرغوبة بعض الشيء أو بالمطلق. تزداد سلبية الأمر مع غياب الجانب المهنيّ لنقل القصص والتعامل معها، أو عدم توافر إمكانية اللجوء لخبيرٍ نفسيّ للحصول على المساعدة اللازمة.
كيف يمكن التخلّص من هذا الخوف؟
تكون الخطوة الأولى لعلاج التوكوفوبيا عن طريق الحصول على التوعية والتثقيف اللازمين عن الولادة والحمل وما يتعلّق فيهما، عن طريق مختّصين أو خبراء مهنيّين، والأهمّ من ذلك وجود شبكة اجتماعية داعمة للمرأة الحامل أو المُقبلة على الحمل، بما في ذلك الزوج والعائلة والأصدقاء. وكما هو الحال مع اضطرابات الخوف والقلق الأخرى، يمكن أن يساعد الاسترخاء والتمارين الخفيفة وبطء التنفس على تهدئة الجسم وتخفيف الإثارة المفرطة التي تأتي مع الفوبيا ونوبات الهلع.
ومع ذلك، قد يحتاج بعض النساء إلى مزيد من العلاج الموجّه على يد طبيبٍ أو معالِج نفسيّ، باستخدام آليات العلاج السلوكي المعرفيّ لعلاج الفوبيا، حيث يتناقش المعالِج مع مريضة حول الأسباب المؤدية لخوفها وهلعها، ويفهمها ليقدّم لها الحلول الممكنة، كما يمكن تعزيز العلاج باستخدام مضادات الاكتئاب والقلق الخفيفة دون أنْ تؤثّر على حالة الجنين.
وبالنهاية، الكثير منّا يجهل بشكلٍ جزئيّ أو كلّي ما يحدث مع المرأة حين تجد نفسها وجهًا لوجه مع تجربتي الحمل والولادة اللتين من الممكن جدًّا تحوّلهما لصدمةٍ نفسيّة، تختلف شدّتها من امرأة لأخرى، وتؤدّي إلى الهلع والقلق من بعض ما يتعلّق بهما كالعلاقة الجنسية مع الزوج أو الارتباط العاطفيّ بالطفل بعد الولادة. والأهمّ من ذلك هو نفسية الأمّ المركّبة التي تحتاج لعناية خاصة في هذه المرحلة نظرًا لخطورتها وأهمّيتها.