ترجمة وتحرير: نون بوست
لقد وافق البرلمان المصري يوم الخميس على اتخاذ تدابير شاملة من شأنها أن تسمح للرئيس عبد الفتاح السيسي بتمديد فترة ولايته إلى سنة 2034، مما سيزيد من ترسيخ حكمه الاستبدادي وتكريس هيمنة الجيش على البلاد بموجب القانون. وسيؤدي تصويت البرلمان، الذي تدير وكالات الاستخبارات التابعة للسيسي أعماله بشكل سري، إلى إجراء عملية تعديل دستوري سريعة يمكن أن تصل إلى مرحلة الاستفتاء في غضون ثلاثة أشهر، مع العلم أن الموافقة على هذا القرار خلال الاستفتاء ينظر إليها على أنها أمر مفروغ منه.
في الحقيقة، تؤكد هذه التعديلات بشكل رسمي ما أصبح جليا لدى العديد من المصريين منذ سنوات وهو أن الحماس الذي اجتاحهم خلال سنة 2011 عندما نجحت الاحتجاجات في الإطاحة بالرئيس حسني مبارك أفسح المجال أمام رئيس ينوي الحكم لعقود وربما مدى الحياة. وقد شجع دعم واشنطن المطلق للسيسي، الذي وصفه الرئيس ترامب “بالرجل العظيم”، الزعيم المصري على مواصلة اتباع نفس السياسة دون خوف من أي إعتراض من الجانب الأمريكي.
هذه التغييرات المقترحة للسيسي، الذي من المقرر أن تنتهي ولايته الثانية سنة 2022، تسمح له بالترشح لولايتين إضافيتين مدة كل واحدة منهما ست سنوات
في تغريدة له على تويتر، كتب السياسي المعارض في المنفى محمد البرادعي، الذي استقال من منصب نائب الرئيس بعد أن قتلت قوات الأمن التابعة للسيسي أكثر من 800 متظاهر سنة 2013، أن “مشروع تعديل الدستور المصري جاري العمل عليه وبأقصى سرعة”، مضيفا أن “الربيع العربي يأخذ مسارا عكسيا”. في المقابل، عبر العديد من المصريين الآخرين عن عدم مبالاتهم حيال هذا الموضوع. وفي هذا الصدد، قال دانيال البالغ من العمر 31 سنة، وهو صاحب متجر في القاهرة رفض الكشف عن اسم عائلته خوفا من العمليات الانتقامية: “لا أهتم حقا لأن السيسي سيظل في الحكم بهذه التعديلات أو دونها”.
إن هذه التغييرات المقترحة للسيسي، الذي من المقرر أن تنتهي ولايته الثانية سنة 2022، تسمح له بالترشح لولايتين إضافيتين مدة كل واحدة منهما ست سنوات. ولكن هذه التحويرات ستقوّض الضمانات الدستورية التي بدأ العمل بها سنة 2014، عقب سنة من توليه الحكم نتيجة انقلاب عسكري. وبفضل هذا التعديل، سيصبح لدى السيسي صلاحية تعيين القضاة والمدعي العام للبلاد، في حين سيتم تجريد السلطة القضائية من صلاحية تدقيق مشاريع القوانين.
سوف يتكفل الجيش، الذي تنص التعديلات على أنه “حارس وحامي الدستور المصري”، بتعيين وزير الدفاع. أما البرلمان، فقد صوت 484 من أصل 596 من المشرعين لصالح هذه التعديلات، ودخلوا في عملية مداولات ومناقشات يتوقع أن تفضي إلى تصويت ثان نهائي بعد شهرين من الآن. وإذا حصل هذا الأمر، سيتم إجراء استفتاء خلال شهر ومن المفترض أن يعقد قبل بداية شهر رمضان في أوائل شهر أيار/ مايو.
في رسالة لها، حذرت عشر جماعات حقوقية مصرية من أن هذه التعديلات الدستورية ستسمح للسيسي “بالتمسك بالسلطة مدى الحياة وممارسة سلطة أحادية غير مسبوقة”. وقبل فترة وجيزة، وعد السيسي بأنه لن يسعى لتمديد فترة ولايته. وفي تصريح أدلى به لشبكة “سي إن بي سي” خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017، قال الرئيس المصري “لن نتدخل”، مشيرا إلى الدستور، مؤكدا أنه ينوي “الحكم لمدة ولايتين مدة كل واحدة منهما أربع سنوات”.
كثيرا ما أشار السيسي خلال خطاباته إلى الفوضى التي تجتاح كلا من ليبيا وسوريا واليمن كأمثلة مظلمة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في مصر
لكن في غضون أشهر من الانتخابات الرئاسية، التي عقدت في شهر آذار/ مارس وشابتها العديد من المخالفات وفاز خلالها السيسي بنسبة 97 بالمائة من أصوات الناخبين، بدأ مؤيدوه في طرح فكرة التعديلات الدستورية، مؤكدين أن السيسي يحتاج إلى تمديد فترة حكمه لإدخال إصلاحات اقتصادية عاجلة وتحقيق الاستقرار في مصر بعد الاضطرابات التي نتجت عن الربيع العربي سنة 2011.
كثيرا ما أشار السيسي خلال خطاباته إلى الفوضى التي تجتاح كلا من ليبيا وسوريا واليمن كأمثلة مظلمة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في مصر. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المواطنين المصريين يشعرون بنفس هذه المخاوف. وفي هذا السياق، قال دانييل، صاحب المحل الذي يدعم السيسي: “أصبحت الأمور مكلفة أكثر، لكنني أستطيع على الأقل مغادرة منزلي والذهاب إلى العمل”.
كانت تكلفة هذا الاستقرار باهظة على صعيد الحريات المدنية وحقوق الإنسان. فقد سجنت الحكومة عشرات الآلاف من المعارضين وحظرت مئات المواقع، ناهيك عن أنها فرضت تدابير مشددة على المحاكم. وقد أعربت جماعات حقوق الإنسان عن أن “وسائل الإعلام تخضع بصورة كاملة تقريبا لرقابة الحكومة، فضلا عن أن جرائم التعذيب أضحت شائعة في السجون المصرية”.
رغم كل هذه الانتهاكات، حظي السيسي بدعم قوي من القادة الغربيين والعرب الذين يعتبرونه حصنا منيعا ضد التطرف والإرهاب، ذلك أن القوات التابعة له تسعى إلى الإطاحة بالقوات المتمردة في سيناء. وقد أطنب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الثناء على الزعيم المصري خلال الزيارة التي أداها إلى القاهرة خلال شهر كانون الثاني/ يناير.
في الأشهر الأخيرة، عقد جهاز المخابرات العامة المصري، الذي يعد من أحد أجهزة الأمن الرئيسية الثلاثة في مصر، اجتماعات شبه يومية لتنسيق خطط تمديد ولاية السيسي، وذلك وفقاً لصحيفة “مدى مصر”
سنة 2017، أخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صورة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بينت للعالم أجمع هوية القادة المفضلين للولايات المتحدة في العالم العربي. وفي الفترة الأخيرة، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القاهرة لتوقيع صفقات أسلحة، على غرار العديد من الدول الأوروبية التي استفادت من الرغبة المتعطشة لمصر لشراء أسلحة بمليارات الدولارات. وفي حين كان أعضاء البرلمان يصوتون لصالح التعديلات يوم الخميس، كان السيسي في ميونيخ يحضر المنتدى الأمني العالمي.
في الأشهر الأخيرة، عقد جهاز المخابرات العامة المصري، الذي يعد من أحد أجهزة الأمن الرئيسية الثلاثة في مصر، اجتماعات شبه يومية لتنسيق خطط تمديد ولاية السيسي، وذلك وفقاً لصحيفة “مدى مصر” التي تعد من إحدى وسائل الإعلام المستقلة القليلة في مصر. وقد ترأس هذه الاجتماعات نجل الرئيس محمود السيسي، الذي يعد من كبار المسؤولين في دائرة المخابرات العامة، حسب ما أفادت به الصحيفة.
خلال جلسة برلمانية عُقدت يوم الأربعاء، صرح رئيس البرلمان علي عبد العال للنواب بأن “جميع الآراء والاتجاهات” ستدرج في النقاش المتعلق بالتغييرات المراد تحقيقها. وقد أشار الكثير من الدبلوماسيين الغربيين المتمركزين في القاهرة إلى أن الحكومة تبدو عازمة على الدفع نحو التغيير بسرعة وبهدوء قدر الإمكان.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام قدمت تغطية سطحية للتعديل الدستوري. فقد انتهى عصر تقديم تغطية تلفزيونية مباشرة للإجراءات البرلمانية التي غالباً ما كانت تتسم بالفوضى منذ سنة 2017. وحيال هذا الشأن، أفاد بعض الدبلوماسيون بأنه تم تحذير النواب المعارضين من عدم تقديم أي انتقادات بشكل علني للتعديلات المراد تمريرها في البرلمان.
أشار بعض المحللين إلى أن “رغبة السيسي في إدخال التعديلات في هذا الوقت بالذات من المحتمل أن تكون مدفوعة بالاقتصاد المصري المتعثر”
تجاهل المصريون هذه التحذيرات من أجل مصلحتهم، مع العلم أن ثلاثة من منافسي السيسي في الانتخابات التي نظمت السنة الماضية لا يزالون في السجن. وفي الأسبوع الماضي، قضت محكمة بسجن 26 عضوا في حملة شعبية عارضت إعادة انتخابه. ويوم الأربعاء، صرح النائب المصري هيثم الحريري، الذي يعد من قلة النواب الذين وجّهوا انتقادات لاذعة للتعديلات، بأن “البرلمان يخالف الدستور الأساسي وينتهك كرامة المصريين”، مضيفا أن “معظم الناس يحترمون القوات المسلحة ويعتزون بها، لذلك أرفض إدخال القوات المسلحة المصرية في المضمار السياسي”.
في شأن ذي صلة، أشار بعض المحللين إلى أن “رغبة السيسي في إدخال التعديلات في هذا الوقت بالذات من المحتمل أن تكون مدفوعة بالاقتصاد المصري المتعثر. فقد حظيت الإصلاحات الاقتصادية القاسية التي أجراها السيسي بثناء صندوق النقد الدولي من خلال تقديمه قرضا بقيمة 12 مليار دولار، لكنها في الوقت ذاته أثارت استياء المصريين، الذين يعانون من ارتفاع الأسعار وتخفيضات الدعم على الوقود والكهرباء”.
في هذا الصدد، أشار أندرو ميلر رئيس منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، التي تعد من إحدى المنظمات غير الحزبية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، إلى أن “هذا الإجراء المتسرع الذي اتخذه السيسي قد يتأثر بالتقلبات السياسة الأمريكية. ولكن نظرا للتحقيق الذي أجراه المحقق الخاص حول إدارة ترامب، يعد هذا التوقيت مناسبا لاتخاذ خطوة مثيرة للجدل، من شأنها أن تحظى بالدعم الكامل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومن المحتمل أن السيسي يعتقد أن هذا الوقت المناسب للحصول على المساعدة منه”.
على الرغم من أن التعديلات التي صوت البرلمان لصالحها يوم الخميس مؤقتة ويمكن أن تتغير قبل إجراء التصويت النهائي، إلا أن المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان تؤكد أنها سوف تقوض بشكل خطير استقلال القضاء في مصر. وقد أوضح نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش مايكل بيج أن “استمرار صمت حلفاء حكومة السيسي يشجّعها على التمادي. فإذا رغبت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا في تجنب العواقب المترتبة عن ترسيخ الحكم السلطوي في مصر، التي من شأنها أن تزعزع الاستقرار، فعليها أن تتحرك بسرعة”.
المصدر: نيويورك تايمز