ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت اللحظة التي أمر فيها أفراد الأمن المدرس المحتجَز أحمد الخير بإنزال سرواله أسوأ ما تعرض له المساجين في حياتهم، وذلك حسب شهادة سجين آخر يدعى هيثم عمر. وخلال حديثه إلى مراسل “ميدل إيست آي”، قال عمر: “عندما سمعت توجيهاتهم له بنزع سرواله، كنت أعلم أنهم سيغتصبونه، وقد وضع أحدهم جسما صلبا في فتحة شرجه. وبحلول ذلك الوقت، تعرضنا للتعذيب لساعات عديدة وكان أحمد على وشك الإغماء، ثم شاهدت بعض الدم على سرواله. لقد قاموا بالأمر ذاته مع سجين آخر، لكن الأمر لم يكن سيئاً بهذا القدر نظرا لأنه قاوم الرجال الذين كانوا يعذبونه بشدة”.
اعتقل جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني أحمد الخير رفقة عدد من المتظاهرين الذين شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مدينة خَشِم القِرْبَة في ولاية كسلا شمال شرق السودان، في 31 كانون الثاني/ يناير. وتجدر الإشارة إلى أن التقارير التي تتحدث عن وفاة صاحب 40 سنة في الحجز في مطلع الشهر الجاري، فضلا عن التقارير التي تتحدث عن موته بفعل التعذيب والاستجواب، زادت من حدة الاحتجاجات في المدن والقرى السودانية خلال الأسبوع الماضي.
يمثل موت أحمد الخير القضية الوحيدة التي تولت النيابة العامة السودانية التحقيق فيها، إثر تحقيق طبي يفيد بأن الضحية توفي متأثرا بالإصابات التي تعرض لها أثناء فترة الحجز
وفقا للأرقام التي أعلنتها الحكومة، يعتبر الخير واحدا من بين 31 شخصا على الأقل الذين قتلوا منذ انطلاق موجة الاحتجاجات الحالية قبل شهرين، في حين تصر مجموعات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان على أن العدد الحقيقي يتجاوز 50 شخصاً.
ممثلو الادعاء يحققون في موت أحمد الخير
يمثل موت أحمد الخير القضية الوحيدة التي تولت النيابة العامة السودانية التحقيق فيها، إثر تحقيق طبي يفيد بأن الضحية توفي متأثرا بالإصابات التي تعرض لها أثناء فترة الحجز. وأوضح رئيس النيابة العامة ولجنة التحقيق في ضحايا الاحتجاجات، عامر إبراهيم، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، أن النيابة العمومية دعت أفراد الوحدة التي كانت مشرفة على قضية أحمد الخير في الحجز قصد استجوابهم.
في تصريحات سابقة، أفاد أعوان الشرطة وقوات الأمن بأن الخير توفي نتيجة تسمم غذائي، في حين يؤكد إبراهيم أن “الفحص الطبي أثبت أن وفاة أحمد الخير كانت نتيجة العديد من الجروح والكدمات على مستوى ظهره ورقبته ورأسه وكليته، علاوة على أجزاء أخرى من جسده”.
أكد المعتقلون الذين احتجزوا إلى جانب أحمد الخير، لموقع “ميدل إيست آي” أن الضحية تعرض للتعذيب حتى الموت
تشير التقارير إلى أن “أحمد الخير توفي بسبب جروح ناجمة عن التعرض للضرب بواسطة أداة صلبة أو مرنة”. وفي تصريح أدلى به إلى الصحفيين، نفى المدعي العام التقارير التي تزعم أن الخير تعرض للاغتصاب، مبررا ذلك بأن نتائج الفحص الطبي لم تدعم هذا الادعاء. في هذا الصدد، قال أحد الخبراء القانونيين لمراسل “ميدل إيست آي” إن الشكوك لا تزال تحوم حول ما إذا كان مكتب الادعاء العام يمتلك الصلاحيات اللازمة التي تخول له التحقيق على النحو الصحيح، ومقاضاة أفراد قوات الأمن المشتبه في ارتكابهم جرائم ضد المتظاهرين.
أضاف الخبير أن التحدي الحقيقي بالنسبة للمدعين العامين يكمن في رفع الحصانة التي يتمتع بها أفراد قوات الأمن بموجب قوانين الطوارئ، التي تمكنهم من الإفلات من العقاب وعدم المثول أمام المحكمة. وواصل الخبير الذي فضل عدم الكشف عن هويته لدواعي أمنية حديثه قائلا: “لا أعتقد أننا سنشهد محاكمة علنية أو رفع الحصانة كما يفترض أن يحدث في حالة مماثلة. وأعتقد أنهم سيطبقون قانون الأمن لتحويل القضية إلى المحكمة العسكرية”.
وحدة أمنية خاصة
أخبر نشطاء حقوقيون مراسل “ميدل إيست آي” بأنه تم اعتقال الخير رفقة آخرين إثر اندلاع الاحتجاجات بمنطقة خشم القربة يوم الخميس 31 كانون الثاني/ يناير الماضي. وعلى الرغم من أنه كان مؤيدا لحزب المؤتمر الشعبي السوداني الموالي للحكومة، إلا أنه اتهم بتحريض المتظاهرين المحليين.
حسب ما أفاد به عمر، توفي الخير أثناء نقله رفقة جميع المعتقلين من منطقة خشم القربة إلى مدينة كسلا، “وقد أحضروا السيارات لنقلنا إلى مدينة كسلا من أجل استكمال التحقيق، لكن الخير توفي قبل أن نصل إلى هناك”
في هذا الإطار، أكد عمر، الذي اعتقل رفقة الخير وأربعة آخرين، أن المحتجزين تعرضوا للتعذيب بداية من مساء يوم الخميس 31 كانون الثاني/ يناير إلى حدود الساعات الأولى من يوم الجمعة 1 شباط/ فبراير الماضي. وقد تعرض الرجال الستة إلى الضرب باستخدام العصي، علاوة على أنهم حرقوا بالسجائر وتعرضوا لصدمات بواسطة الهراوات الكهربائية.
وصلت وحدة أمنية خاصة من مدينة كسلا السودانية في وقت مبكر من يوم الجمعة، ويحمّل عمر هذه الوحدة مسؤولية اغتصاب الخير والسجين الآخر. وأورد عمر: “لقد بدأوا في تعذيبنا جميعا بطريقة وحشية، كنت مستلقيا بالقرب من أحمد، حيث سمعتهم يهددون باغتصابه. رأيت أحدهم يجلب أداة صلبة وقد منعوني من النظر إليهم. بعد مرور بضع دقائق، لاحظت أن ظهر أحمد ينزف دما”.
حسب ما أفاد به عمر، توفي الخير أثناء نقله رفقة جميع المعتقلين من منطقة خشم القربة إلى مدينة كسلا، “وقد أحضروا السيارات لنقلنا إلى مدينة كسلا من أجل استكمال التحقيق، لكن الخير توفي قبل أن نصل إلى هناك”. وأشار عمر إلى أن الحراس أطلقوا سراحه رفقة المعتقلين الآخرين بمجرد أن أدركوا أن الخير قد توفي.
حالات الوفاة في الحجز
وفقا للمنظمات والنشطاء في مجال حقوق الإنسان لم يكن أحمد الخير الشخص الوحيد الذي لقي حتفه أثناء فترة الحجز من قبل قوات الأمن منذ ظهور الاحتجاجات في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. ويتهم المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام الواقع في مدينة نيويورك والذي يتولى رصد انتهاكات حقوق الإنسان بالسودان، جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني وقوات الشرطة بشن حملة قمع عنيفة حيث تم تطبيق قانون الطوارئ لإلقاء القبض على المتظاهرين وضربهم وتهديدهم. كما أبلغت هذه المنظمة عن عدد من حالات الوفاة التي تحمل شبهة القتل.
أفاد العديد من نشطاء حقوق الإنسان في التصريحات التي أدلوا بها لمراسل “ميدل إيست آي” بأن القوات التابعة لجهاز الأمن السوداني قاموا باغتصاب وتعذيب المعتقلين بشكل ممنهج على مدى عقود من الزمن، وتحديدا منذ أن تولى الرئيس عمر البشير مقاليد الحكم إثر الانقلاب العسكري لسنة 1989
أكد المركز الأفريقي في بيان له في التاسع من كانون الثاني/ يناير الماضي أنه “بتاريخ 20 كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2018، احتجز جهاز الأمن والمخابرات الوطني بمدينة القضارف الصحفي مجاهد عبد الله قبل أن تتوجه عائلته، يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى المستشفى العسكري في المدينة ذاتها لتسلم جثته”. وفي حالة أخرى، تم انتشال جثة الطالب بكلية الآداب بجامعة الخرطوم عبد الرحمن الصادق محمد الأمين، الذي فُقد منذ 25 كانون الأول/ ديسمبر، من نهر النيل في العاصمة السودانية يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر.
حسب ما ورد في تقرير منظمة المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام “يبدو أن محمد الأمين توفي غرقا، حيث رفضت عائلته تسلم جثته إلى حين إجراء عملية التشريح، علما وأن علامات الضرب والتعذيب وسوء المعاملة كانت واضحة على جسم الضحية”.
عمر البشير يتفقد أعضاء ينتمون إلى قوات الدفاع الشعبي التي تعتبر مجموعة شبه عسكرية، بالخرطوم يوم الأربعاء
خلال الأسبوع الماضي، ذكرت هيئة محامي دارفور المستقلة والمناصرة لحقوق الإنسان أن شخصين توفيا نتيجة تعرضهما للتعذيب على يد أفراد الأمن الوطني أثناء الحجز بمنطقة العباسية بولاية شمال كردفان. وأوردت الهيئة في بيان لها أن “كلا من فايز عبد الله وحسن تالغا أصيلا ولاية شمال كردفان، تعرضا للتعذيب حتى الموت إثر احتجازهما في مراكز الاعتقال بالمنطقة، وقد أمر ضباط جهاز الأمن والمخابرات الوطني بدفنهما دون علم أقاربهما”.
في سياق متصل، تحدث العضو في هيئة محامي دارفور، شوقي يعقوب، إلى مراسل “ميدل إيست آي” عن فايز عبد الله جندي، وهو أصيل جنوب دارفور ومتقاعد من مناجم الذهب بمنطقة العباسية. وقال يعقوب إن “فايز توفي في اليوم الثاني من اعتقاله”، كما أشار إلى افتقارهم إلى أية معلومات إضافية حول ظروف احتجاز ووفاة تالغا.
عمليات الاغتصاب والتعذيب الممنهجة
أفاد العديد من نشطاء حقوق الإنسان في التصريحات التي أدلوا بها لمراسل “ميدل إيست آي” بأن القوات التابعة لجهاز الأمن السوداني قاموا باغتصاب وتعذيب المعتقلين بشكل ممنهج على مدى عقود من الزمن، وتحديدا منذ أن تولى الرئيس عمر البشير مقاليد الحكم إثر الانقلاب العسكري لسنة 1989.
قال الناشط الحقوقي المخضرم محمد بدوي إنه من بين مظاهر الدكتاتورية في البلاد قدرة قوات الأمن على الإفلات من العقاب رغم استخدامها للعنف. وأضاف بدوي أن “الخرطوم تستخدم العنف من أجل ترهيب المتظاهرين، كما تعتمد الحكومة حالة الطوارئ في أكثر من نصف الأراضي السودانية، ما يخلق مناخا مواتيا لممارسة هذه الانتهاكات”.
المصدر: ميدل إيست آي