يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لم يكتف بالعقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضها على قطاع غزة وسكانه، مطلع أبريل من العام 2017، وبدأ يبحث عن خطوات جديدة وقاسية لتشديد الخناق على الغزيين، قد تتسبب بشل اقتصادهم الذي يعاني من ويلات الحصار الإسرائيلي منذ أكثر من 12 عامًا.
العقوبات التي فرضها عباس على غزة وشملت التحويلات البنكية وتقليص رواتب موظفي السلطة لأكثر من النصف ووقف كل الخدمات المالية التي تعتبر شرايين الحياة بغزة وعلى رأسها قطاعي الصحة والتعليم، سيضاف لها عقوبة جديدة ستكون القشة التي تقسم ظهر أهل القطاع.
مكاتب الصرافة هي وجهة الرئيس الفلسطيني المقبلة التي وجد فيها ضالته في تشديد حبل الخناق الاقتصادي على سكان غزة، علهم “ينتفضون ضد حركة حماس التي تسيطر على غزة ويسقطون حكمها”، ليفتح بهذه الخطوة بابًا جديدًا من الصراع الذي ينهش في الجسد الفلسطيني منذ العام 2007.
يقول أبو ياسر الخزندار، صاحب مكتب صرافة وسط مدينة غزة لـ”نون بوست”: “وضع مكاتب الصرافة العاملة في القطاع بات مخيب للآمال جراء الأزمات التي تعاني منها بفعل قرارات السلطة الفلسطينية”
ومنذ أكثر من شهور وتعاني مكاتب الصرافة المنتشرة في قطاع غزة التي يتجاوز عددها الـ60 مكتبًا من حصار اقتصادي خانق، أشد فصوله قسوة وتأثيرًا الأيام الأخيرة بعد صدور تعليمات من الرئيس عباس بتقليص حجم التعاملات المالية مع المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)، في خطوة يرى فيها اقتصاديون بأنها ستكون “ضربة قاضية وقاسية لاقتصاد غزة ستتسبب بشله بشكل كامل”.
ضربة اقتصادية موجعة
يقول أبو ياسر الخزندار، صاحب مكتب صرافة وسط مدينة غزة لـ”نون بوست”: “وضع مكاتب الصرافة العاملة في القطاع بات مخيب للآمال جراء الأزمات التي تعاني منها بفعل قرارات السلطة الفلسطينية، بتقليص عمليات التحويل المالية من غزة والخارج والعكس”.
ويضيف “قبل سنوات كانت مكاتب الصرافة تقوم بعمل مشجع وإيجابي يضاهي وينافس عمل البنوك الرسمية المنتشرة بالقطاع، ويثق فيها المواطن الغزي في عمليات تحويل الأموال من وإلى غزة، وخاصة عمليات التحويل من الخارج للقطاع، لكن الأيام الأخيرة، أصيبت كل المكاتب بانتكاسة حقيقية”.
ويوضح الخزندار أن المكاتب التي تقوم بأكثر من 5 آلاف حوالة مالية في الشهر وتقدر بملايين الدولارات وتخدم آلاف المواطنين، أصبحت مراقبة بشكل كبير وغير قانوني، وتم تقليص عمليات تحويل الأموال، إضافة لعدم توافر السيولة المالية النقدية، والإجراءات الصارمة التي تتبعها سلطة النقد التابعة للسلطة الفلسطينية ضد مكاتب الصرافة، وجميعها أدت إلى تدهور الأوضاع ودخولنا في النفق المظلم.
ويلفت إلى أن الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها سكان غزة بفعل الحصار منذ أكثر من 12 عامًا والعقوبات الاقتصادية الصارمة التي يفرضها عباس على غزة منذ عامين تقريبًا وتقليصه للرواتب والخدمات والرقابة المشددة ووضع العقبات والعراقيل القانونية واللوجوستية أمام مكاتب الصرافة، كبدتهم خسائر مالية فادحة وأجبرت الكثيرين على إغلاق مكاتبهم.
نهاية شهر يناير الماضي تم الكشف عن وجود مراسلات بين سلطة النقد في رام الله وشركات تحويل الأموال المرخص لها، بأن سلطة النقد تنوي إنهاء عمل هذه الشركات أو تقلصه في غزّة قبل مارس، وبدأت بعض الشركات في تنبيه عملائها بذلك
وبسؤال “نون بوست”، عن حجم الخسائر المالية التي تتكبدها مكاتب الصرافة في غزة بسبب خطوات عباس الاقتصادية الجديدة، أجاب الخزندار، إغلاق ما يقارب الـ60 مكتب صرافة بغزة يعني خسائر مالية تقدر بأكثر من 90 مليون دولار، إضافة لضرب اقتصاد غزة وتشريد العشرات من العاملين في تلك المكاتب، وإيقاف كل التحويلات المالية من غزة وخارجها.
ويختم بالقول “هذه الخطوة سيكون لها تأثير كارثي على اقتصاد غزة وحياة السكان اليومية التي تعتمد بشكل كل على مكاتب الصرافة، في التحويلات المالية، في ظل الحصار وإغلاق المعابر ومنع المواطنين من السفر”، متوقعًا أن تغلق مكاتب الصرافة كافة في غضون أسابيع في حال واصلت السلطة خناقها وحصارها لغزة.
ونهاية شهر يناير الماضي تم الكشف عن وجود مراسلات بين سلطة النقد في رام الله وشركات تحويل الأموال المرخص لها، بأن سلطة النقد تنوي إنهاء عمل هذه الشركات أو تقلصه في غزّة قبل مارس، وبدأت بعض الشركات في تنبيه عملائها بذلك.
مكاتب الصرافة تواجه خسائر مالية فادحة في غزة
ويبلغ عدد شركات الصرافة المرخصة في غزة 60 شركة من أصل 500 عاملة، وهذه الشركات الــ500 جميعًا تواجه معيقات في إرسال الحوالات واستقبالها، كمنع إرسال حوالة تزيد على آلاف الدولارات، واستقبال حوالات من مصادر مجهولة لدى سلطة النقد، رغم أنها قيود تطبق في غالبية دول العالم خوفًا من غسيل الأموال.
وتصل إلى غزة 3 أنواع من الحوالات هي التحويل المصرفي عبر البنوك من بنك إلى آخر، والحوالات السريعة، المنقسمة إلى نوعين: مرخصة وهي MoneyGram وWestern Union، وغير مرخصة وهي Xpress Money وXpress Remit وAl Ansari Exchange. والحوالات اليدوية التي لا تدخل النظام المصرفي، وتعتبر غسيل أموال، حيث تأتي بالعادة لكوادر تنظيمات فلسطينية لا يستطيعون فتح حسابات بنكية لحظرهم من الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، ويصعب استلامهم حوالات مالية عبر التحويل المصرفي والحوالات السريعة المذكورة أعلاه.
ومنذ 2006، تُعتبر مكاتب الصرافة في القطاع هدفًا لقوات الاحتلال، فتعرَّض العشرات منها للقصف والحرق من الطائرات الإسرائيلية، إضافة لذلك تمنع “إسرائيل” التحويلات البنكية وإدخال العملات لها، وتعتقل رؤساء الشركات ومكاتب الصرافة على المعابر، وذلك ضمن مخطط لضرب اقتصاد القطاع.
انهيار اقتصاد غزة
وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي، ورئيس تحرير صحيفة “الاقتصادية” بقطاع غزة، محمد أبو جياب، إن: “حوالات الأفراد عبر شركات الصرافة في غزة بسيطة، لكنها كبيرة في الإجمال، ففي رمضان 2018، أوصلت إلى غزة 30 مليون دولار”.
أكد المحامي والناشط الحقوقي شريف أبو نصار، أن “السلطة الفلسطينية بقرارها وقف الحوالات المالية لقطاع غزة تكون قد انتهكت المادة رقم 11 و21 من القانون الأساسي الفلسطيني الذي يجيز للأفراد والمؤسسات الخاصة حرية نقل الأموال بين شطري الوطن”
وأضاف أبو جياب “يصعب الاتساق مع اتهام السلطة الفلسطينية وإسرائيل للشركات بتمويل حماس، فهي لا تجرؤ على تحويل مبالغ مالية كبيرة لصالح الحركة، وهي حاصلة على ترخيص سلطة النقد الفلسطينية، وتوجد قيود على المحول من خارج فلسطين، الذي يخشى الملاحقة الأمنية من الدول المقيم فيها، مع إجراءات الأمن الفلسطيني ضد أي شركة تحول أموالًا إلى حماس”.
ويتابع حديثه “تواجه شركات تحويل الأموال رقابة مشددة ومزدوجة من الأمنين الإسرائيلي والفلسطيني، فهناك الدائرة الاقتصادية في جهازي الأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينيين، التي تفرض تدقيقًا على الحوالات المالية كافة التي تزيد في بعض المناطق عن آلاف الدولارات، للتحقّق من مصدرها، وحاجتها إلى موافقة أمنية قبل صرفها.
وتوقع أن يتسبب استهداف السلطة شركات الصرافة في انهيار الوضع الاقتصادي في غزة، خصوصًا مع عدم توافر النقد الأجنبي في القطاع.
إلى ذلك أكد المحامي والناشط الحقوقي شريف أبو نصار، أن “السلطة الفلسطينية بقرارها وقف الحوالات المالية لقطاع غزة تكون قد انتهكت المادة رقم 11 و21 من القانون الأساسي الفلسطيني الذي يجيز للأفراد والمؤسسات الخاصة حرية نقل الأموال بين شطري الوطن واعتبره ضمن الحقوق الشخصية التي كفلها القانون”.
بحسب المؤشرات الاقتصادية فإن 49.1% نسبة البطالة في قطاع غزة خلال العام الماضي 2018، و53% معدلات الفقر، كما شكّلت 72% نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في غزة
وقال أبو نصار: “المئات من المواطنين في الضفة الغربية تم استدعاؤهم من الأجهزة الأمنية بحجة إرسالهم لحوالات مالية لذويهم في قطاع غزة، ونحن نتابع بقلق انتهاك الأجهزة للحريات العامة في الأشهر الأخيرة التي كان من أبرزها قمع مسيرات التضامن التي تطالب برفع العقوبات عن غزة”.
الجدير ذكره أنه في أواخر مارس 2017، فرضت السلطة عقوبات على غزة، عقب فشل المصالحة، وأثرت العقوبات على مناحي الحياة كافة، وتمثلت في إحالة 26 ألف موظف حكومي إلى التقاعد، وخصومات بنسبة 50% على رواتب 62 ألف موظف، وقطع رواتب 277 أسيرًا محررًا، وتأخير صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية لـ76 ألف أسرة في قطاع غزة لمدة 6 أشهر، ووقف الموازنات التشغيلية لوزاراتي الصحة والتعليم، وإغلاق الحسابات البنكية لجمعيات الأيتام التي تكفل 40 ألف يتيم، وتقليص حاد بتغطية التحويلات الطبية للخارج، خاصة مرضى السرطان، وخفض عدد الشاحنات الموردة للقطاع، وغيرها.
وحسب المؤشرات الاقتصادية فإن 49.1% نسبة البطالة في قطاع غزة خلال العام الماضي 2018، و53% معدلات الفقر، كما شكّلت 72% نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في غزة، و80% من الغزيين يعتمدون على المساعدات المقدَّمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.