حالة من الانتعاش غير المسبوق تشهدها السياحة التركية هذه الأيام، وهو ما أظهرته هيئة السفر الأوروبية (ETC) في نشرتها السنوية التي كشفت ارتفاعًا في معدل السياحة إلى تركيا في عام 2018 بنسبة 22.3% مقارنة بالعام السابق، ما يجعلها تتصدر النمو السياحي بين دول القارة الأوروبية.
هيئة السفر الأوروبية سجلت في نشرتها بلوغ عدد الوافدين إلى تركيا العام الماضي نحو 47 مليون سائح، وهو رقم قياسي لعدد السائحين إذا ما قورن بالسنوات الماضية الذي لم يتجاوز 40 مليونًا، محافظة من خلاله على تفوقها الإقليمي والدولي في هذا القطاع الحيوي الذي يشكل أحد أهم مصادر الدخل بالنسبة للأتراك.
رب ضارة نافعة.. ففي الوقت الذي تشهد فيه تركيا ضغوطًا سياسية واقتصادية على حد سواء، أسفرت عن تراجع في قيمة عملتها المحلية “الليرة” الأمر الذي دفع البعض إلى توقع انهيار في القطاعات الاقتصادية المختلفة وعلى رأسها السياحة، إلا أن الأرقام الواردة تؤكد عكس ذلك تمامًا.. فكيف نجحت أنقرة في تحقيق تلك المعادلة؟
عدد السياح الكنديين بلغ في تركيا 59 ألف و893 سائحًا في الفترة الممتدة بين مطلع العام الحالي وحتى يوليو/تموز من العام نفسه، مسجلاً ارتفاع بنسبة 33.78% مقارنة بالفترة نفسها من 2017
رقم قياسي جديد
هيئة السفر الأوروبية (ETC) وهي منظمة دولية مسؤولة عن الترويج للسياحة في أوروبا، وتضم في عضويتها منظمات السياحة الوطنية (NTOs) المؤلفة من ثلاثة 33 عضوًا، وتشمل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى جانب أيسلندا وإمارة موناكو والجبل الأسود والنرويج وسان مارينو وصربيا وسويسرا وتركيا، أكدت في تقريرهاج حفاظ أنقرة على ترتيبها العالمي في قائمة الكبار سياحيًا.
كما لفتت إلى أن عملاقي السياحة “توي” و”توماس كوك” عادا إلى العمل بقوة في تركيا في العامين الماضيين بعد عودة الطلب من العملاء، لما تتمتع به من إمكانات كبيرة مقارنة مع الوجهات السياحية في غرب البحر المتوسط، كاشفة أن الدول التي كانت تستفيد من حالة عدم الاستقرار المؤقت في تركيا الفترة الماضية كإسبانيا والبرتغال بدأت تتراجع مرة أخرى، حيث انخفض نمو السياحة الدولية في إسبانيا إلى 0.7% والبرتغال إلى 0.2%.
وفي التقرير حلت صربيا في المرتبة الثانية بعد تركيا من حيث أعلى مستويات النمو (+ 14.7%)، تليها مالطا (+14.5%)، ثم مونتينيغرو (+14%) ولاتفيا (+10.1%)، فيما جاءت بريطانيا في مرتبة متأخرة كالوجهة الأسوأ في معدلات النمو، متراجعة بنسبة 5.3% عن العام قبل الماضي.
نمو غير مسبوق لقطاع السياحة التركية
قدرات سياحية فريدة
في عددها الأخير، دعت مجلة “ترافل ويك” الكندية الأسبوعية، قراءها إلى زيارة تركيا، قائلة إنها “تملك قدرات سياحية فريدة”، مضيفة أن أنقرة باتت وجهة سياحية صاعدة لموسم 2018-2019، من خلال ما توفره البلاد وبحارها من ثراء سياحي.
المجلة وفي تقرير لها تحت عنوان “السياحة التركية في صعود” لفتت إلى ارتفاع عدد السياح الأجانب في تركيا، وعودتهم مجددًا للاستجمام فيها، مشيرة إلى أن عدد السياح ارتفع في يوليو/تموز الماضي، بنسبة 11.74% مقارنة مع الفترة نفسها من 2017، مسجلا 21 مليون و639 ألف و802.
كما أوضحت أن عدد السياح الكنديين بلغ في تركيا 59 ألف و893 سائحًا في الفترة الممتدة بين مطلع العام الحاليّ وحتى يوليو/تموز من العام نفسه، مسجلاً ارتفاع بنسبة 33.78% مقارنة بالفترة نفسها من 2017، وفي هذا الإطار نقلت عن رئيس قسم اتجاهات السوق والقدرة التنافسية لدى منظمة السياحة العالمية، ساندرا كارفاوو، قولها إن تركيا تمتلك قدرات سياحية فريدة، بثقافتها وتاريخها ومدنها وسواحلها المشمسة، وتواصل التنويع في قطاع السياحة.
الباحث في الشأن التركي محمد قدو أفندي اوغلو ، أشار في مقال له إلى أن تركيا تعد من أهم المقاصد السياحية في العالم التي تستقطب السائحين من مختلف القارات الذين تتنوع اهتماماتهم بين سياحة بيئية أو ترفيهية أو حتى علاجية.
“لقد لاحظت بالتأكيد أن العائلات عادت مرة أخرى، وهذه إشارة رائعة لتركيا. عندما تذهب العائلات، تعرف أن الوجهة تعد آمنة” نيك رايتمان، العضو المنتدب في شركة “ذي ديسرنينغ كولكشن”
أوغلو في مقال له عدد قدرات تركيا ومقوماتها السياحية، كاشفًا أن بها شواطئ ذهبية، حيث تتميز المناطق الساحلية فيها والمطلة على البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة بمناخها المعتدل الحار الجاف صيفًا، والبارد الرطب شتاءً، بينما تتميز المناطق الساحلية المطلة على البحر الأسود بمناخ محيطي دافئ ورطب صيفًا، وبارد ورطب شتاءً، أما المناطق الساحلية المطلة على بحر مرمرة فتتميز بمناخها الحار الجاف صيفًا، والبارد الرطب شتاءً.
كذلك تتمتع بمقومات ثقافية وحضارية كبيرة، حيث تعتبر الشواهد الباقية من حضارات السلاجقة والعثمانيين محط بحث دائم لجميع السياح، ومنها: مسجد السلطان أحمد الذي أنشأه السلطان أحمد الأول سنة 1916، ويعرف باسم الجامع الأزرق، ومتحف أيا صوفيا الذي يقع مقابل مسجد السلطان أحمد، وشيد سنة 359 ويعد بمثابة كنيسة للأرثوذوكس، وفي عهد الدولة العثمانية تحول إلى مسجد، ثم إلى متحف في سنة 1934.
الكاتب توقع وحسب البيانات الصادرة من وزارة الثقافة والسياحة التركية، أن يبلغ عدد السياح أكثر من 45 مليون سائح هذا العام، لتحطم الرقم القياسي الذي حققته عام 2014 عندما وصل عدد السياح إلى 41 مليونًا ونصف مليون، لتحافظ على ترتيبها السادس عالميًا متفوقة على كل من بريطانيا وألمانيا.
كما تعد السياحة العلاجية واحدة من أبرز القطاعات السياحية النشطة في تركيا، فرغم الأزمة التي تعرضت لها البلاد مؤخرًا فإن هذا القطاع حافظ على صدارته بشكل كبير، إذ بلغت إيراداتها منذ يناير وحتى سبتمبر 2018 قرابة600 مليون دولار حيث تلقى 315 ألف شخص من جنسيات عديدة العلاج في جميع أنحاء البلاد.
مقومات سياحية هائلة تتمتع بها تركيا
تراجع الليرة والأمان كلمتا السر
نيك رايتمان، العضو المنتدب في شركة “ذي ديسرنينغ كولكشن”، المتخصصة في السياحة في تركيا، علق على حالة الرخاء السياحي التركي قائلا: “تمتعت البلاد بفترة ازدهار على مدى عامين. من المؤكد أن تركيا قد حققت نجاحًا كبيرًا في عام 2018، فقد كان أفضل بكثير في عام 2017”.
الخبير السياحي أرجع نمو السياحة الكبير في عام 2018 إلى تراجع قيمة الليرة التركية ورخص الفنادقروتعزيز الشعور بالأمان في البلاد، مضيفًا: “لقد لاحظت بالتأكيد أن العائلات عادت مرة أخرى، وهذه إشارة رائعة لتركيا. عندما تذهب العائلات، تعرف أن الوجهة تعد آمنة”.
فيما عزا غزوان المصري نائب رئيس المنتدى الدولي لرجال الأعمال هذا النمو إلى الأنماط الجديدة للسياحة التي تبنتها الدولة التركية وساهمت في رفع مستوى الإقبال على زيارة البلاد، مشيرًا إلى أن السياحة اختلفت في مفهومها بين الماضي واليوم.
من المقومات التي استقر الجميع على دورها الكبير في هذا الرخاء، شركات الطيران التركية التي كان لها مفعول السحر في دفع السياحة واستقطاب العرب
وأضاف في تصريحات له أن السياسات الحكومية التي تبنتها أنقرة خلال السنوات الأخيرة ساهمت في دفع تركيا قدمًا لتحتل المرتبة السادسة عالميًا في استقطاب السياح، إذ تسمح قوانينها للزوار من 67 جنسية بدخول البلاد دون تأشيرة، وتمنح أنقرة تأشيرتها على بوابات الموانئ الجوية والبرية والبحرية لحملة العشرات من الجنسيات الأخرى، فضلاً عن تفعيلها نظام التأشيرات الإلكترونية لرجال الأعمال والسياح.
هذا بخلاف التطور الكبير الذي شهده قطاع الخدمات في الموانئ والقطارات والفنادق والأسواق، فضلاً عن الامتيازات التي بات قطاع الخدمات التخصصية كالمستشفيات والمراكز الطبية يقدمها لزواره من طالبي العلاج، مع عدم إغفال وسائل الدعاية وانتشار الدراما التركية في الإعلام العربي، ما شجع كثيرًا من العائلات العربية والخليجية بالتحديد على الاحتكاك بالثقافة التركية من خلال الرحلات السياحية.
ومن المقومات التي استقر الجميع على دورها الكبير في هذا الرخاء، شركات الطيران التركية التي كان لها مفعول السحر في دفع السياحة واستقطاب العرب، إذ إن لتلك الشركات رحلات إلى عشرات المطارات العربية، ومنها ثمانية بالسعودية، التي باتت تربطها رحلات مباشرة إلى طرابزون وأنطاليا، فضلاً عن المطارات التركية المعروفة المتمثلة في إسطنبول وأنقرة، إضافة إلى المطار الجديد الذي من المتوقع أن يحدث طفرة كبيرة في هذا المضمار.