تعيش مدن جزائرية عدة على وقع تحركات احتجاجية مناهضة لترشح الرئيس الحاليّ عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقبلة والمقررة في أبريل/نيسان القادم، تحركات استنكرتها السلطات متهمة منظميها والمشاركين فيها بتهديد الأمن العام واستقرار البلاد، رغبة منها في محاصرتها، حتى لا تسمح بتوسعها وانتشارها، الأمر الذي من شأنه أن يدخل البلاد في أتون “المجهول”.
احتجاجات متفرقة
أضخم الاحتجاجات كانت في مدينة خراطة بمحافظة بجاية شرقي الجزائر (تعد معقلاً لأحزاب معارضة)، حيث خرج المئات من المتظاهرين، أول أمس السبت، رافعين أعلامًا سوداء، تعبر عن الألم ورفضهم الكبير لإصرار السلطات الحاكمة فرض عبد العزيز بوتفليقة “القعيد” لخمس سنوات أخرى على كرسي الرئاسة.
ورفعت في التظاهرة لافتة كبيرة كتب عليها باللغة الفرنسية “لا لإهانة، ولا للولاية الرئاسية الخامسة”، كما ردد المتظاهرون شعار “السلطة مجرمة” و”الشعب يريد إسكات النظام“ و”الولاية الخامسة.. ولاية العار” و”نعم لإسقاط النظام”.
بالتزامن مع مظاهرة خراطة، شهدت مدينة برج بوعريريج التي تعتبر من أغنى المدن لكثرة رجال الأعمال وأصحاب الشركات فيها، مسيرة رافضة لترشح الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 من أبريل/نيسان المقبل للمرة الخامسة على التوالي.
توجه المتظاهرون خلال هذه المسيرة من وسط المدينة إلى مقر الحزب الحاكم “جبهة التحرير الوطني”، وهتف خلالها المشاركون بشعارات مناوئة للعهدة الرئاسية الخامسة، ويذكر أن هذه المدينة تعرف بهدوئها ومساندتها لبوتفليقة خلال 4 فترات رئاسية.
يسعى بوتفليقة من خلال ترشحه، للفوز بفترة رئاسية خامسة، على الرغم من حالته الصحية المتدهورة منذ سنوات، واحتجاج المعارضة على بقائه في السلطة
عرفت مدن أخرى على غرار مدن تيزي وزو ووهران، مسيرات احتجاجية غاضبة ضد الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس الجزائري الحاليّ عبد العزيز بوتفليقة، وردد خلالها الشبان شعارات مناوئة لترشح بوتفليقة، وطالب المحتجون في مختلف المسيرات الرئيس بوتفليقة بالتراجع عن قرار الترشح، بعد أن حملوه وحزبه الحاكم مسؤولية الأوضاع التي وصلت لها البلاد، في مختلف القطاعات، وهاجم المتظاهرون أيضًا رئيس الوزراء أحمد أويحيى، بسبب تصريحاته التي جاء فيها أن “الشعب سعيد بترشح الرئيس، وقد كان ينتظر ذلك بفارغ الصبر”.
ولم يقتصر الحراك الاحتجاحي على الداخل الجزائري، إذ شهدت العاصمة الفرنسية باريس الأحد تجمعًا لمئات الجزائريين تلبية لدعوات من معارضين تناقلتها شبكات التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفض “الولاية الخامسة لبوتفليقة”، ونقل “موقع كل شيء عن الجزائر” الذي يصدر من فرنسا أن مئات الأشخاص تجمعوا منتصف نهار اليوم بساحة الجمهورية بباريس مرددين شعارات رافضة للولاية الخامسة لبوتفليقة كما هددوا بالعودة للتظاهر الأسبوع القادم”.
تحركات منتظرة ودعوات لمسيرات مليونية
بالتوازي مع ذلك، تتداول مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للتظاهر في 22 من فبراير/شباط الحاليّ في كل المحافظات ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، كما دعت تنظيمات بينها تكتل حركة “مواطنة” التي تضم أحزابًا وشخصيات سياسية إلى التظاهر في الـ24 من نفس الشهر، تزامنًا مع ذكرى تأميم المحروقات، داعية في بيان إلى التعبير عن الموقف الرافض لاغتصاب الإرادة الشعبية.
وسبق أن قال نائب رئيس حزب جيل جديد والقيادي في حركة مواطنة إسماعيل سعيداني: “التوجه إلى الشارع من أجل التعبير عن رفضنا لعهدة جديدة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة صار الحل الأمثل لمواجهة مشروع مشبوه تنوي السلطة فرضه على الجزائر”، وأضاف في تصريحات صحفية “لهذا الغرض قررنا أن نخرج للشارع في احتجاجات سلمية، وهذا ليس موقف حركة مواطنة وحدها بل هو التوجه العام للشعب الجزائري الذي أضحى يخرج بشكل تلقائي للتعبير عن موقفه الرافض لترشح بوتفليقة.
وأكد أن الخطوة تهدف أيضًا إلى تحميل الشعب الجزائري مسؤوليته التاريخية مما يجري في البلاد، وما تريد السلطة الحاليّة القيام به، وتابع قائلاً: “ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في وضعه الصحي الحاليّ يعد كارثة حقيقية للبلاد، ويشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبلها، ما يفرض تجند كل شرائح المجتمع الجزائري باختلاف توجهاتها للتصدي لهذا الأمر”.
يسعى بوتفليقة من خلال ترشحه، للفوز بفترة رئاسية خامسة، على الرغم من حالته الصحية المتدهورة منذ سنوات، واحتجاج المعارضة على بقائه في السلطة، ويستعمل الرئيس الجزائري الكرسي المتحرك حاليًّا، ونادرًا ما يظهر علنًا منذ أن أصيب بسكتة دماغية في عام 2013، ولم يصدر عنه أي تصريح بشأن مشاركته في الانتخابات الرئاسية قبل اليوم.
ووعد بوتفليقة الذي بدأ ولايته الأولى في 27 من أبريل/نيسان 1999، في بيان ترشحه بتنظيم “ندوة وطنية شاملة” من أجل معالجة القضايا “السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد”، واقترح “إثراء للدستور” بعد انتخابه لفترة رئاسية خامسة، وفق وكالة الأنباء الرسمية في الجزائر.
ويوتفليقة أحد القلائل الباقين على قيد الحياة من أبناء الجيل الذي شارك في حرب التحرير الجزائرية وقاد البلاد بعد الاستقلال عام 1962، وكان أصغر وزير خارجية سنًا في العالم حين تولى المنصب إثر وفاة أول وزير خارجية للجزائر بعد الاستقلال محمد خميستي، سنة 1963، ويعد بوتفليقة، أكثر الرؤساء الذين عمروا في قصر المرادية، حيث بلغ 20 سنة من الحكم.
السلطة وسلاح الفوضى
في مقابل ذلك، حذرت العديد من القيادات الحزبية الموالية لبوتفليقة من أن الخروج إلى الشارع سيؤدي إلى عواقب وخيمة يصعب التنبؤ بها، وذلك في مسعى منهم لنشر الخوف في صفوف المتظاهرين وتذكيرهم بسنوات الفوضى والاقتتال.
وكان القيادي في حزب تجمع أمل الجزائر المساند لترشح بوتفليقة لقمان زواني، قد حذر من الدعوة إلى الخروج للشارع، وقال: “حركة مواطنة أعلم من غيرها بما قد ينجر عن مبادرتها، وأكد أن نتائج ما قد يحدث في الجزائر بعد هذه الدعوة يتحمله الداعون إليها.
وعادة ما يلجأ النظام الجزائري إلى هذا الأسلوب لفرض توجههم وإرادتهم على الشعب، فغالبًا ما تجدهم يحذرون مما يعتبرونه فوضى تؤدي حتمًا وفق تصورهم، لرجوع البلاد إلى حالة الاقتتال والعنف والفوضى، ودخولها في مغامرة سياسية وأمنية لا يعرف أحد عواقبها على البلاد وأهلها.
يؤكد العديد من الجزائريين، عدم قدرة الرئيس بوتفليقة على حكم البلاد مجددًا، نتيجة وضعه الصحي المتأزم
كثيرًا ما يستدعي الدائرون في فلك السلطة مصطلحات من قبيل “الفوضى” و”سنوات الجمر” و”عشرية الدم”، للدلالة على فظاعة الأحداث التي حصلت في البلاد خلال التسعينيات، التي ما زالت ذكراها الأليمة ساكنة في عقول الجزائريين ممن شهدها أو حتى سمع عنها.
ويصر هؤلاء في خطاباتهم أمام المواطنين، على تأكيد ضرورة اتقاء العودة إلى الفوضى التي عاشتها البلاد في السابق، وذلك بالاصطفاف حولهم وتبني خياراتهم، فهم الوحيدون الكفيلون بإنقاذ البلاد من أزماتها العديدة، رغم أنهم مسؤولون بدرجة أولى عن هذه الأزمات التي يعيش الجزائريون على وقعها منذ سنوات.
ويرى الماسكون بالحكم في الجزائر، أن قيادتهم نجحت في تجنيب البلاد خطر الحرب، وأنهم صمام الأمان للمصالحة الوطنية التي تمنع عودة سنوات الدم، وتجنب الجزائر والجزائريين خطر الانزلاق مجددًا في أتون الحرب الأهلية، لذا لا أحقية لغيرهم في حكم بلاد هم وحدهم دون غيرهم، صانوا أمنه وحفظوا استقراره.
انفجار قادم؟
يصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في الجزائر، ذلك أن الوضع هناك غامض، فجميع السيناريوهات متاحة، إلا أن السيناريو الأكثر حظًا للتحقق هو نجاح بوتفليقة وبقائه في السلطة لفترة رئاسية خامسة، فجميع الفرضيات تصب في صالحه، ذلك أن القوى المتحكمة في البلاد تدعمه بقوة ولا ترضى غيره رئيسًا للجزائر في هذا الوقت.
وتراهن العديد من القوى على اتساع رقعة الاحتجاجات وانضمام أطياف أخرى إليها، إلا أن ذلك صعب التحقق بالنظر إلى تجارب سابقة، وحتى وإن تحقق فستكون نتائجه وخيمة على البلاد، فليس من السهل أن يترك المتحكمون في السلطة من عقود مكانتهم لأطراف جديدة.
تخشى السلطات الجزائرية خروج الوضع عن السيطرة
يؤكد العديد من الجزائريين، عدم قدرة الرئيس بوتفليقة على حكم البلاد مجددًا، نتيجة وضعه الصحي المتأزم، مؤكدين أن الذين يدفعون به للبقاء في السلطة هم المنتفعون والمستفيدون من الوضع القائم، فضلاً عن المعارضة التي أثبتت فشلها في إيجاد وفرض البديل.
لئن أثبتت السلطات الحاكمة، أكثر من مرة إفلاسها السياسي وعجزها عن إقناع الشعب بخياراتها وتوجهاتها، فإنها لن تتخلى عن السلطة مهما كلفها الأمر وفي سنوات التسعينيات دليل قاطع على ذلك، فسقوط الآلاف من القتلى والجرحى لم يثنيهم فما بالك بخروج المئات من المتظاهرين للشارع.