وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب (البرلمان) المصري قبل أيام على مشروع إصدار قانون لجوء الأجانب في مصر، في إطار الجهود التي تبذلها السلطات المصرية لتنظيم أوضاع اللاجئين داخل الأراضي المصرية، وذلك في أعقاب الفوضى التي خيّمت على هذا الملف الحساس والمثير للجدل.
المشروع جاء بعد سنوات من المناشدات والمطالبات، الداخلية والخارجية، بتقنين أوضاع اللاجئين في مصر بعد زيادة أعدادهم خلال العشرية الأخيرة، غير أن موجة اللجوء التي شهدتها مصر في أعقاب الحرب في السودان خلال العامين الماضيين تحديدًا، ربما تكون كلمة السر وراء خروج القاهرة عن صمتها والهرولة نحو تدشين قانون جديد ينظّم تلك العملية.
وقوبلت تلك الخطوة بتأييد وترحيب كبيرَين لدى البعض، كونها أول تحرك عملي لإنهاء معاناة اللاجئين والمهاجرين في مصر، غير أن سرعة عرض مشروع القانون على البرلمان، والموافقة عليه دون استشارة الجهات المتخصصة ذات الشأن، أثارت قلق وتخوف عدد من الحقوقيين الذين طالبوا بالتريُّث لدراسة كافة البنود واستطلاع الرأي بشأنها، لا سيما أنها تحتوي على قنابل موقوتة بحسب البعض.
وتعاني أرقام اللاجئين والمهاجرين في مصر من تبايُن واضح وفقدان للدقة والموضوعية وخلط في المفاهيم والمصطلحات، فبحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة المصرية ممثلة في رئيس وزرائها مصطفى مدبولي، هناك أكثر من 9 ملايين مقيم ولاجئ في مصر، فيما تشير وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين في مصر يبلغ نحو 792 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجّلين من 62 جنسية مختلفة، تتصدرهم الجنسية السودانية تليها الجنسية السورية، ثم أعدادً أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال والعراق.
قانون اللجوء في مصر.. التفاصيل
– ينص مشروع القانون ابتداء على إنشاء “اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين“، تكون لها الشخصية الاعتبارية، تتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقرها الرئيسى محافظة القاهرة، وتكون هي الجهة المهيمنة على كافة شؤون اللاجئين، بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بأعداد اللاجئين، وتتولى بالتنسيق مع وزارة الخارجية التعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وغيرها من المنظمات والجهات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين، وكذا التنسيق مع الجهات الإدارية في الدولة لضمان تقديم كافة أوجه الدعم والرعاية والخدمات للاجئين، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون اختصاصاتها الأخرى.
– تشكَّل اللجنة من ممثلين عن وزارات الخارجية والعدل والداخلية والمالية، وتكون مدة العضوية 4 سنوات، ويصدر بتسمية رئيس وأعضاء اللجنة المختصة، وتحديد نظام عملها، والمعاملة المالية لرئيسها وأعضائها، قرارٌ من رئيس مجلس الوزراء خلال 3 أشهر من تاريخ العمل بالقانون، ولرئيس الوزراء أن يضمَّ إلى عضويتها ممثلين عن الوزارات والجهات ذات الصلة، وللجنة ذاتها أن تدعو من ترى الاستعانة بهم من الخبراء والمختصين في مجال عملها. وتعدّ تقريرًا بنتائج أعمالها كل 3 أشهر يعرضه رئيسها على رئيس الوزراء.
– القانون حدد بعض الفئات التي تحظى بالأولوية في البتّ والفحص والدراسة في طلبات اللجوء المقدمة، على رأسها الأشخاص ذوي الإعاقة، أو المسنين، أو النساء الحوامل، أو الأطفال غير المصحوبين، أو ضحايا الإتجار بالبشر والتعذيب والعنف الجنسي.
– يقدّم طالب اللجوء أو من يمثله قانونًا إلى اللجنة المختصة طلب اللجوء، وتفصل اللجنة المختصة في الطلب خلال 5 أشهر من تاريخ تقديمه إذا كان طالب اللجوء قد دخل إلى البلاد بطريقة نظامية، أما في حالة دخوله بطريقة غير نظامية فتكون مدة الفصل في الطلب سنة من تاريخ تقديمه.
– مشروع القانون عرّف اللاجئ في مادته 39 بأنه “كل أجنبي وجد خارج الدولة التي يحمل جنسيتها أو خارج دولة إقامته المعتادة، بسبب معقول مبني على خوف جدّي له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية، أو بسبب عدوان أو احتلال خارجي، أو غيرها من الأحداث التي تهدد بشكل خطير الأمن العام في الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة، ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف الجدي أن يستظل بحماية تلك الدولة، وكل شخص ليست له جنسية وجد خارج دولة إقامته المعتادة نتيجة لأي من تلك الظروف، ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف الجدّي أن يعود إلى تلك الدولة، والذي أسبغت عليه اللجنة المختصة ذلك الوصف وفقًا لأحكام هذا القانون”، أما طالب اللجوء “فهو كل أجنبي تقدّم بطلب إلى اللجنة المختصة لاكتساب وصف لاجئ وفق أحكام هذا القانون، ولم يتم الفصل”.
– بموجب المشروع، تصدر اللجنة المختصة قرارها بإسباغ وصف اللاجئ، أو برفض الطلب، وفي الحالة الأخيرة تطلب اللجنة المختصة من الوزارة المختصة إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد، ويعلن طالب اللجوء بقرار اللجنة المختصة، ولها -إلى حين الفصل في طلب اللجوء-، طلب اتخاذ ما تراه من تدابير وإجراءات لازمة تجاه طالب اللجوء لاعتبارات حماية الأمن القومي والنظام، ولها كذلك إصدار وثيقة للاجئ تثبت صفته، كما تمّ النص صراحة على حظر تسليم اللاجئ إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة.
-حددت المادة 8 الحالات التي لا يكتسب فيها طالب اللجوء وصف لاجئ، وذلك إذا توافرت بحقه أسباب جدّية للاعتقاد بأنه ارتكب جريمة ضد السلام أو الإنسانية أو جريمة حرب، وإذا ارتكب جريمة جسيمة قبل دخوله جمهورية مصر العربية، وإذا ارتكب أي أعمال مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، وإذا كان مدرجًا على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين داخل جمهورية مصر العربية، إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام، كما ألزم مشروع القانون كل من دخل إلى مصر بطريقة غير نظامية، ممّن تتوافر فيه الشروط الموضوعية لطالب اللجوء، أن يتقدم طواعية بطلبه للجنة المختصة في موعد أقصاه 45 يومًا من تاريخ دخوله، ويعاقب المخالف بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 10 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتَين.
– أقرَّ القانون حق اللاجئ في حرية التنقل واختيار محل إقامه، مع الالتزام بإخطار اللجنة بمحل إقامته الدائم وما يطرأ عليه من تغيير، مع التأكيد على عدم جواز تحميل اللاجئ أي ضرائب أو رسوم أو أي أعباء مالية أخرى، أيًّا كان تسميتها، تغاير أو تختلف عن تلك المقررة على المواطنين، ومنحه الحق في الاشتراك في عضوية أي من الجمعيات أو مجالس إدارتها، وذلك وفقًا للقانون المنظم لممارسة العمل الأهل، وأكدت على حقه في العودة في أي وقت طواعية إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة.
– أكّد مشروع القانون على حق اللاجئ التقدم للحصول على جنسية جمهورية مصر العربية، وذلك على النحو الذي تنظمه القوانين ذات الصلة، كما أجازت للجنة المختصة بالتنسيق مع الجهات الدولية المختصة إعادة توطين اللاجئ في دولة أخرى بخلاف التي خرج منها، وذلك على النحو الذي تنظمه اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وذلك لأول مرة في تاريخ الدولة المصرية.
– يحظر القانون على اللاجئ القيام بأي نشاط من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية، أو أي منظمة تكون مصر طرفًا فيها، أو ارتكاب أي عمل عدائي ضد دولته الأصلية أو أي دولة أخرى، وعقاب المخالف بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 10 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كذلك الحظر مباشرة عن أي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات، أو التأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأي صورة في أي من الأحزاب.
– يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استخدم أو أوى طالب اللجوء، بغير إخطار قسم الشرطة المختص الذي يقع في دائرته محل العمل أو الإيواء، متى ثبت علمه بذلك، وذلك مع مراعاة قانون العمل.
خطوة إيجابية لتنظيم أوضاع اللاجئين
يعتبر هذا القانون خطوة محمودة في مسار تقنين أوضاع اللاجئين في مصر، ومطلبًا جماعيًا للملايين من المقيمين فوق الأراضي المصرية، سواء كان ذلك بطريقة نظامية أم غير نظامية، فالفوضى التي خيّمت على هذا الملف منذ سنوات أثارت الكثير من الجدل وفتحت الباب على مصراعيه أمام تحديات لا حصر لها على كافة المستويات، اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية وثقافية.
ويرى قانونيون وخبراء أن مجرد التفكير في ترسيخ قانون وتشريع يضبط بوصلة اللجوء وينظم دخول وخروج وإقامة اللاجئين والمهاجرين في مصر، تحرك يتطلب الدعم من كافة الأطراف، فلطالما بُحّت الأصوات لأجل هذا الأمر دون أذان صاغية، بعد التداعيات الناجمة عن زيادة أعداد اللاجئين خلال السنوات الأخيرة وما نجم عنها من كوارث، سواء من الجانب المصري أو اللاجئين، كانت بحاجة إلى تلجيم سريع قبل خروج الوضع عن السيطرة.
وفي هذا السياق يقول وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي في الحكومة المصرية، المستشار محمود فوزي، أن الواقع ومستجداته أكد الحاجة الضرورية والملحة إلى “وجود قانون ينظم توفيق أوضاع اللاجئين وحصرهم، بشكل يكفل لهم الحقوق المتعارف عليها في المعايير الدولية، وفي ذات الوقت يحفظ للمجتمع المصري استقراره وأمنه القومي، مع التأكيد الدائم على حسن معاملتهم، كما يؤكد دائمًا رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء”.
مضيفًا في تصريحات صحفية له أن هذا المشروع ينظم مسألة تواجد اللاجئين بشكل أفضل، وقد شاركت في إعداده العديد من الجهات المختصة، ما يحفظ التوازن بين حقوق اللاجئين والتزاماتهم داخل المجتمع المصري.
من جانبه يرى عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، فريدي البياضي، أن مشروع القانون المقدم من شأنه أن يحقق توازنًا ما بين حماية حقوق اللاجئين وفقًا للاتفاقيات الدولية، وحق مصر في الحفاظ على أمنها القومي.
فيما يعتبر خبير دراسات الهجرة وشؤون اللاجئين بمركز دراسات الهجرة بالجامعة الأميركية في القاهرة، أيمن زهري، أن القانون الجديد سيعيد لمصر حقها في منح صفة لاجئ، والتي كانت ممنوحة من قبل لمفوضية اللاجئين وهو ليس من اختصاصها على حد قوله، مضيفًا أن “منح صفة لاجئ أو أي أوراق ثبوتية، هو حق أصيل للدولة المضيفة، وسيبقى للمفوضية تقديم خدمات رعاية اللاجئين، وضمان حقوقهم، ومراقبة التزام مصر بالاتفاقيات الدولية”.
وعن أهمية القانون الجديد في تدشين قاعدة بيانات تفصيلية عن أعداد اللاجئين والمقيمين في مصر، يرى رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، الحقوقي أيمن عقيل، أن البيانات الرسمية التي ستحصل عليها اللجنة المشكلة لإدارة هذا الملف من اللاجئين والمقيمين في مصر ستضيّق الفجوة الكبيرة بين عدد اللاجئين المسجلين رسميًا الذي يقدَّر بنحو 800 ألف، وعدد المقيمين الذي تقدّره الحكومة المصرية بنحو 9 ملايين، وما لذلك من أهمية في وضع الاستراتيجيات والسياسيات استنادًا إلى قاعدة معلوماتية دقيقة.
دعوة للتريُّث.. بنود مثيرة للجدل
رغم الاحتفاء بالخطوة بحدّ ذاتها، إلا أن هناك فريقًا يرى بضرورة التريُّث قليلًا لدراسة كافة بنود مشروع القانون المقدم باستفاضة متأنّية، خاصة أنه يتضمن بعض النقاط المثيرة للجدل، والتي تتطلب التوقف عندها لما تحمله من تهديدات ومخاطر ربما تنسف الأهداف التي لأجلها قُدّم هذا المشروع للبرلمان المصري، وتحوله إلى خنجر في ظهر الملايين من اللاجئين والمقيمين فوق الأراضي المصرية.
وقد أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنصة اللاجئين في مصر، وهما مؤسستان حقوقيتان مستقلتان، دراسة معمقة مشتركة، تحت عنوان “يعصف بالحمايات الأساسية للاجئين ويمثل تراجعًا عن الوضع القانوني القائم“، قدّما خلالها قراءة تحليلية في كل نص من نصوص القانون المقترح، للوقوف على أهم المشكلات الكامنة بين السطور، مطالبَين بإرجاء مناقشة المشروع وإعادته للجنة المختصة لصياغته بصورة تتناسب مع حجم الآثار المترتبة عنه في حال صدوره، مع التشديد على مشاركة الأطراف صاحبة الخبرة بمجال اللجوء في عملية إعداد المشروع، وعلى رأسها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات الشريكة.
كان الدافع الأول لإصدار تلك الدراسة المتأنّية سرعة تمرير مشروع القانون برلمانيًا، حيث قُدّم للمجلس في يونيو/ حزيران الماضي، وكانت الحكومة قد أعلنت عن نيتها إصداره قبل عام ونصف تقريبًا، ولم يُطرح للنقاش الإعلامي ولا المجتمعي طيلة الفترة الماضية، حتى فوجئ الجميع بموافقة لجنة الدفاع والأمن القومي عليه في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
هذا بخلاف ما شهدته الفترة الزمنية منذ إعلان الحكومة عن القانون وصولًا إلى موافقة البرلمان عليه، من هجوم رسمي وغير رسمي على اللاجئين، والخلط بينهم وبين الأجانب بصفة عامة، فيما يفهم منه عدم الترحيب بهم داخل الأراضي المصرية، علاوة على الاتفاقات التي وقّعتها مصر مع الاتحاد الأوروبي بشأن الحد من الهجرة وتقنين موجات النزوح إلى أوروبا عبر البحر المتوسط نظير منح مادية مغرية، الأمر الذي أثار الريبة في نفوس الحقوقيين والمعنيين بهذا الشأن.
وخلصت الدراسة إلى وجود بعض النقاط التي تحتاج إلى توضيح وتأنٍّ وإعادة نقاش نظرًا إلى ما تحتويه على كوارث بحق اللاجئين، أهمها:
– التمييز بين طالبي اللجوء حسب طريقة دخولهم للبلاد، فالداخلون بشكل نظامي تكون مدة البتّ في طلبات اللجوء مختصرة زمنيًا إلى حد ما، مقارنة بمن دخلوا بطرق غير نظامية، إلى جانب اعتبار دخول البلاد بشكل غير نظامي سببًا لتوقيع عقوبة الحبس والغرامة على طالب اللجوء في حال عدم تقديمه للطلب خلال 45 يومًا من دخول البلاد، وحرمانهم من المركز القانوني الذي يمكّنهم من توكيل محامين والحصول على حقهم في الدفاع القانوني، كما يحرمهم من فرصة الاستئناف بوجود محامٍ له خبرة بالنظام القضائي المصري، بما يتعارض بشكل واضح مع نصوص اتفاقية 1951، وكذلك قانون 82 لمكافحة الهجرة غير النظامية، الذي يرفع المسؤولية الجنائية عن المهاجر المهرّب وذويه سواء كان ملتمس لجوء أم لا.
– الحرمان من اكتساب وصف اللاجئ، حيث تضمنت المادة 8 من مشروع القانون 3 أسباب رئيسية لحرمان ملتمس اللجوء من اكتساب صفة “اللاجئ”، وهي أسباب جدّية للاعتقاد بأنه ارتكب جريمة ضد السلام أو الإنسانية أو جريمة حرب، الانخراط في أعمال تتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، ارتكاب جريمة قبل دخول مصر.
اللافت هنا أن السبب الثالث، والذي أقرّه القانون الدولي في اتفاقية 1951، كان قد استثنى الجرائم السياسية من قائمة الجرائم التي تحرم طالب اللجوء من تلك الصفة، إلا أن تلك العبارة “غير سياسية” تم حذفها من مشروع القانون الجديد، الأمر الذي يعرّض المتهمين في قضايا سياسية قبل الدخول إلى مصر للحرمان من صفة لاجئ، بينما يخالف النص الأصلي في الاتفاقية.
هذا بخلاف إضافة سببَين آخرَين للحرمان من صفة اللاجئ، وهما الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية داخل جمهورية مصر العربية وفقًا لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2015، وهو النص الذي يمكن تفسيره على أنه صلاحية للحرمان من اكتساب صفة اللجوء في حالة القيام بجريمة بعد دخوله للبلاد، وذلك يتعارض مع اتفاقية 1915 التي حددت الحرمان في حالة ارتكاب جريمة “خارج بلد اللجوء… قبل قبول اللاجئ”؛ أما السبب الثاني “إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام”، فهو سبب فضفاض يمكن إساءة استخدامه.
– الإخلال بالالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية، في الوقت الذي حظر فيه مشروع القانون تسليم اللاجئ إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو بلد إقامته المعتاد، في المادة 13 منه، إذ به في المادة 9 من المشروع ذاته يقرّ بإمكانية الترحيل الفوري بالتنسيق بين اللجنة الدائمة ووزارة الداخلية، دون وضع حماية حقيقية للأشخاص تلتزم بالمعايير الدولية لحظر التسليم، وترى الدراسة أن حظر الطرد أو الرد للاجئ وطالب اللجوء هو الركيزة الأساسية للمواثيق الدولية المعنية بالحق في اللجوء (المادة 33 من اتفاقية 1951)، ويعتبره فقهاء القانون الدولي عماد الحماية الدولية للاجئين.
– حرية الاعتقاد الديني، نصّت المادة 14 من مشروع القانون على حق اللاجئين في العبادة والاعتقاد الديني، لكنها تقصر ممارسة الشعائر الدينية داخل دور العبادة على أتباع الأديان السماوية فقط (اليهودية والمسيحية والإسلام)، بينما تحرم باقي الأديان والمعتقدات من هذا الحق، في تمييز يخالف المواثيق الدولية التي تلتزم بها مصر.
– الأحوال الشخصية، أكدت المادة 15 من مشروع القانون حق اللاجئ في الخضوع لقانون بلده الأصلي في مسائل الأحوال الشخصية، مثل الزواج والميراث والوقف، أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن، وذلك بشرط ألا يتعارض مع النظام العام في الدولة المضيفة.
كما نصت المادة على ألا يخلّ ذلك بالحقوق التي اكتسبها اللاجئ قبل أن يحصل على صفة اللجوء، مع استكمال الإجراءات المتعلقة بها وفقًا للقوانين السارية في مصر، ورغم إيجابية هذه المادة إلا أن استخدام مصطلح “النظام العام” في الفقرة الأولى قد يفتح المجال أمام تفسيرات واسعة من قبل القضاة، ما يتطلب توضيحًا لهذا المصطلح لتجنُّب أي التباس قد يمنح القضاة سلطة تقديرية واسعة في تفسيره، ما قد يؤثر على حماية حقوق اللاجئين في مسائل الأحوال الشخصية.
– التمتع بالحقوق المقررة للأجانب، نصت المادة 16 على تمتُّع اللاجئ بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الأجانب في مصر فيما يخص الحقوق العينية الأصلية (الملكية والانتفاع والاستعمال والارتفاق) والعينية التبعية (الرهن والامتياز) على الأصول الثابتة والمنقولة والحقوق المرتبطة بها، وقررت للاجئ حقوق الأجانب نفسها فيما يتعلق بالملكية الفكرية، وكذا حق اللاجئ في نقل ممتلكاته التي جلبها إلى مصر بهدف الإقامة، بشرط ألا يشكّل ذلك تهديدًا للأمن القومي، ويحتاج هذا الشرط الفضفاض إلى توضيح أكثر ووضع تعريفات محددة لتجنُّب أي تفسير خاطئ أو تعسف في تطبيقه.
– الحقوق الأساسية مثل العمل والصحة، نصّت المادة 18 من القانون على تأكيد حق اللاجئ في العمل وممارسة المهن الحرة، شريطة أن يحمل شهادة معترفًا بها، ويحصل على تصريح مؤقت من السلطات المختصة، ويترتّب على مخالفة هذه التعليمات عقوبات تصل إلى الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ما قد يزيد قلق أصحاب العمل من تشغيل اللاجئين لديهم خوفًا من التعرض للعقوبة، بجانب البيروقراطية المتوقعة للحصول على التصريح والشهادة المطلوبة، بجانب إغفال المادة لأي مسائل متعلقة بحقوق الحماية الاجتماعية مثل التأمين الصحي أو البطالة، وهي عناصر مهمة لضمان استقرار وأمان اللاجئين في المجتمع المستضيف.
فيما منحت المادة 19 اللاجئين حق العمل لحسابهم الخاص، وتأسيس شركات أو الانضمام إلى شركات قائمة، ورغم هذا التطور إلا أنه من المتوقع أن يواجه اللاجئون عقبات قانونية وإدارية كالحصول على التراخيص والتصاريح المطلوبة، بما فيها التصريح الأمني الذي يكون الرفض فيه غير مسبَّب، ما يعوق قدرتهم على تأسيس شركات أو الانضمام لها، كما تتطلب هذه الإجراءات وقتًا وجهدًا كبيرَين وتكاليف كثيرة.
وفيما يتعلق بالصحة، نصّت المادة 21 من القانون المقترح على حق اللاجئين في تلقي الرعاية الصحية المناسبة، ولم يحدد ماهية الرعاية المناسبة، في الوقت نفسه لم ينص على حقهم في الوصول إلى المستشفيات الحكومية، ولم يضمن لهم المساواة مع المواطنين في تلقي الخدمات الصحية، بل أرجأ تنظيم ذلك إلى لائحة هذا القانون، وقرارات من الوزير المختص، أما الحق في التنقل فأقرّت المادة التي تليها على حق اللاجئين في التنقل واختيار محل الإقامة، وأوجبت على اللاجئ إخطار اللجنة المختصة بمحل إقامته الدائم، وبكل تغيير يطرأ عليه.
-حظر ممارسة العمل الحزبي والانضمام إلى النقابات، نصت المادة 24 على حق اللاجئ في الانضمام إلى الجمعيات أو مجالس إدارتها، لكنها لم تمنحه حق التأسيس، كما قصرت هذه المادة حقوق التنظيم الأهلي للاجئين ضمن “القانون المنظم للعمل الأهلي واللائحة التنفيذية”، وهو قانون معروف بسمعته السيّئة وتعرّضه لانتقادات واسعة من قبل المجتمع المدني بسبب القيود التي تتيح للدولة بسط سيطرتها على المؤسسات الخاضعة له.
وفي المقابل حظرت المادة 29 على اللاجئين القيام بأي نشاط قد يمسّ الأمن القومي أو النظام العام، أو يتعارض مع أهداف الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، أو الجامعة العربية، أو أي منظمة دولية تكون مصر عضوًا فيها، وهي مصطلحات فضفاضة تحتاج إلى توضيح وتفصيل، كما حظرت هذه المادة ارتكاب أعمال عدائية تجاه بلد اللاجئ الأصلي أو أي دولة أخرى، ما يعكس مشاعر قلق مستمرة بشأن الحقوق والحريات الأساسية.
المادة 30 حظرت كذلك ممارسة اللاجئين لأي نشاط سياسي أو حزبي ونقابي، والنص يفرض قيودًا شاملة قد تعتبر تقييدًا مفرطًا للحقوق الأساسية للاجئين، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والتنظيم السلمي، وهذا التقييد يخالف التزام مصر في المادة 15 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين 1951 وبروتوكول 1967 المكمل لها.
– الدخول غير النظامي، نصّت المادة 31 على ضرورة أن يقدم أي شخص دخل مصر “بطريقة غير شرعية”، وتتوفر فيه شروط طلب اللجوء، طلبه إلى اللجنة المختصة في غضون 45 يومًا من تاريخ دخوله، وهي المدة التي اعتبرتها الدراسة تقييدًا زمنيًا صارمًا يمكن أن يشكل عائقًا أمام اللاجئين الذين تتعدد الأسباب التي قد تمنعهم من التقدم لطلب اللجوء في هذا الإطار الزمني، مع عدم مراعاة ظروف بعض الفئات الخاصة مثل الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين قد يحتاجون إلى مزيد من الوقت لتنظيم أمورهم أو التوصل إلى المعلومات المناسبة حول حقهم في اللجوء، ومن يخالف تلك المادة قد يتعرض للعقوبات التي تصل إلى الحبس والغرامة كما في المادة 39، ما يمثل مخالفة صريحة لنص المادة 31 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
في ضوء ما سبق، ورغم أهمية قانون اللجوء وتأثيره في تقنين أوضاع الملايين من المقيمين واللاجئين في مصر، وحمايتهم من الاستهداف والابتزاز والوقوع في شباك النصب والاحتيال، إلا أن المشروع المقدَّم بصيغته الحالية يحتاج إلى نقاش أكثر تفصيلًا، وأن يُعاد طرحه على الجهات المختصة لدراسته وتقييمه بشكل قانوني وحقوقي يحقق التوازن بين حقوق اللاجئين وحقوق الدولة المصرية، وهو ما يعني إرجاءه باللجنة العامة بمجلس النواب، حتى يحظى بنقاش أوسع بمشاركة كل الأطراف من أصحاب المصلحة والمؤسسات التي تعمل في هذا الشأن في مصر منذ عقود طويلة، وفي مقدمتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.